قصص من عالم الجواسيس 5: كلاوس فوكس

صلاح الدين ياسين
باحث
(Salaheddine Yassine)

الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 15:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يُعتبر كلاوس فوكس (1911 – 1988) واحدًا من أهم الجواسيس في القرن العشرين، حيث كان عالمًا فيزيائيًا ألمانيًا بريطانيًا شارك في مشروع مانهاتن السري لتطوير القنبلة الذرية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، وقام في الآن نفسه بتزويد الاتحاد السوفيتي بمعلومات حساسة بشأن هذا المشروع.
نشأته وكفاءاته العلمية
ازداد كلاوس إميل يوليوس فوكس في 29 ديسمبر 1911 بألمانيا. كان والده قسًا لوثريًا تأثر بالأفكار الاشتراكية. درس فوكس الفيزياء والرياضيات في جامعات لايبزيغ وكيل وبرلين. انضم إلى صفوف الحزب الشيوعي الألماني سنة 1932. وبعد صعود النازيين إلى السلطة في عام 1933، اضطر فوكس، مخافة التعرض للاضطهاد السياسي، إلى الفرار من ألمانيا إلى بريطانيا، حيث أكمل دراسته وحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة بريستول عام 1937.
بعد حصوله على الدكتوراه، عمل فوكس باحثًا في الفيزياء النووية في جامعات بريطانية مختلفة، حيث تخصص في نظرية الكم. وعقب اندلاع الحرب العالمية الثانية، انضم صاحبنا إلى البرنامج البريطاني لتطوير الأسلحة النووية". وفي أواخر عام 1943، اختير فوكس كأحد أعضاء البعثة البريطانية الذين أُرسلوا إلى الولايات المتحدة للمشاركة في مشروع مانهاتن السري في مختبر لوس ألاموس بنيو مكسيكو. كان يعمل في قسم الفيزياء النظرية تحت إشراف الفيزيائي هانز بيته، ولعب دورًا مهمًا في حسابات تصميم القنبلة الذرية.
نشاطه كجاسوس للاتحاد السوفييتي
الراجح أن دوافع فوكس للتجسس لصالح السوفييت كانت أيديولوجية محضة. إذ كان يعتقد أن الاتحاد السوفيتي يجب أن يمتلك أيضًا قدرة الردع النووية لتحقيق التوازن بين طرفي الحرب الباردة والحيلولة دون احتكار هذا السلاح الخطير من لدن الغرب وما قد يترتب على ذلك من عواقب على السلم العالمي. وعليه، بدأ فوكس في تقديم معلومات سرية إلى الاتحاد السوفيتي في عام 1941، قبل انضمامه إلى مشروع مانهاتن. كان وسيطه الأول يورغن كوتشينسكي، وهو عالم فيزياء ألماني آخر كان يعمل في بريطانيا وله وشائج بالاستخبارات السوفيتية.
وصولا إلى فترة عمله في مشروع مانهاتن السري (1944-1946)، حيث قدم فوكس معلومات مفصلة ودقيقة للاتحاد السوفييتي حول تصميم القنبلة الذرية الأمريكية، بما في ذلك الرسومات والمواصفات والكميات المستخدمة من المواد الانشطارية (اليورانيوم والبلوتونيوم) والعمليات الهندسية. كانت هذه المعلومات بمثابة كنز إستراتيجي للسوفييت، بشكل ساعدهم على تسريع الوتيرة الزمنية لتطوير قنبلتهم الذرية الأولى التي تم تفجيرها بنجاح في عام 1949. وقد استعان فوكس في تنفيذ مهمته بعدة وسطاء للقاء بعملاء الاستخبارات السوفيتية ونقل المعلومات إليهم في سرية تامة.
كشف الجاسوس واعتقاله
بدأت الشكوك تحوم حول فوكس بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. جرى رصد تحركاته ومحادثاته من قبل أجهزة الاستخبارات البريطانية والأمريكية. في عام 1950، وبعد سلسلة من الاستجوابات المطولة التي أجراها معه ضابط الاستخبارات البريطاني ويليام سكارانز، اعترف فوكس في النهاية بتجسسه لصالح الاتحاد السوفيتي. حوكم فوكس في بريطانيا بتهمة انتهاك قانون الأسرار الرسمية وحُكم عليه بالسجن لمدة 14 عامًا، وهي أقصى عقوبة ممكنة في ذلك الوقت لتقديم معلومات سرية لحليف أجنبي، إذ كان الاتحاد السوفيتي حليفًا لبريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية.
ولم يخلُ الكشف عن هذه القضية من تداعيات، بحيث تم القيام بمراجعة شاملة للإجراءات الأمنية المتبعة في المنشآت النووية وبرامج البحث العلمي الحساسة في الغرب. كما ساهمت المعلومات التي قدمها فوكس في كشف جواسيس آخرين يعملون لصالح الاتحاد السوفيتي، مثل هاري جولد.
تم إطلاق سراح كلاوس فوكس من السجن في عام 1959، بعد أن قضى تسع سنوات من حكمه. بعد الإفراج المبكر عنه، هاجر فوكس إلى ألمانيا الشرقية الشيوعية، حيث استُقبل كبطل وحصل على منصب مرموق في المجال العلمي. تزوج هناك وعاش حياة هادئة نسبيًا حتى وفاته في 28 يناير 1988 في برلين الشرقية.

#صلاح_الدين_ياسين (هاشتاغ)       Salaheddine_Yassine#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات