|
عن ( البطر وعواقبه )
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 22:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سؤال من ( س ع ف ) يقول : عشت فى بلد خليجى ودهشت من كمية الطعام الفاخر فى المأدب وكمية اللحوم التى تكفى المئات ويعدونها للعشرات ، وفى النهاية يكون مصير الباقى الى تلال الزبالة . والأطفال من عادتهم ملء الاطباق ثم اكل القليل ورمى الباقى فى الزبالة ويعيدون ملء الاطباق و القائها معظم ما فيها فى الزبالة . هذا طعام شهى جدا وغالى جدا ، والتعامل معه بهذه الطريقة حرام بلا شك . ولكن لا اجد الوصف المناسب له فى القرآن مع انى متأكد انه اسراف والاسراف حرام كما جاء فى القرآن . أرجو توضيح هذه المسألة مشكورا . مقدمة : ربما أكون قد أجبت على سؤال مشابه . وأرجو أن أقول كلاما جديدا . اولا : دعنى احكى لك هذا : 1 ـ احد رجال الأعمال الجدد فى بداية عصر الانفتاح فى زمن السادات جاء لامريكا بحثا عن سكرتيرة له ، قابلها ودعاها للتعارف فى مطعم شهير . طلب عدة أطباق من مختلف الطعام ، وطلبت هى طبقا واحدا ، وكانت تراقبه وهو يأكل . أكملت ما فى طبقها . وظهر انها تريد الخروج . اسرع يعيث فى الأطباق فسادا ، وهى تنظر له باحتقار . قالت له لن اعمل معك . سأل عن السبب فقالت : هل تعرف الطعام الذى أفسدته ؟ هل تعلم كيف تكلف من البداية الى أن أصبح فى اطباق امامك ؟ قال : هو ملكى ودفعت ثمنه وأنا حر فيما افعله به . قالت له : هذه سفاهة ، وأخبرك انك لن تفلح الا فى بيئة فساد . وأنا لا عمل مع فاسدين . هذه قصة قرأتها فى صحيفة مصرية ، ولا زلت اتذكرها . 2 ـ كنت احضر وليمة فى مطعم لأحد معارفى ، كان قد تزوج حديثا بفتاة مصرية ريفية جميلة، واستقدمها من مصر ، واقام حفلات للزفاف . دعانى مع بعض اصدقاء للتعرف على عروسته . راقبتها وهى تأكل ـ وأنا أعرف ان اباها موظف فقير . وجدتها تتصرف مع الطعام فى نزق ، تأكل القليل من الطعام من الطبق وتزيحه وتطلب غيره ، وتكرر نفس الشىء. ثم فى النهاية قامت تاركة آخر طبق طلبته كما هو لم تمسه . وزوجها بها مبهور . رأيت انه زواج فاشل .وفعلا فشل الزواج ، إذ تعودت أن تطلب من زوجها شيئا ثم تزهده بمجرد الحصول عليه ، وتطلب غيره وتزهده ، وترى أن لها حقا مكتسبا على زوجها أن يلبى كل طلباتها. فى النهاية كرهها زوجها وطلقها ، وهى التى دفعت الثمن تشردا وضياعا فى امريكا . 3 ـ هذه قصة أخرى سمعتها عن زوج فاسد تزوج فتاة مستقيمة تقية تعتبر بالنسبة له نعمة ، فعاملها بوحشية وتعود ضربها وخيانتها والكيد لها ، وصبرت ، ثم سقط فجأة مريضا بالسرطان ، فخدمته باخلاص سنوات وهو يتألم فى مرضه ولا يكف عن البكاء ندما ، الى أن مات ، وقد رأت إنتقام الله جل وعلا منه . ثانيا : قرآنيا : هذا هو البطر فى التعامل مع النعمة . ورد مصطلح البطر مرتين مرتبطا بالعقاب الالهى . قال جل وعلا عن : 1 ـ أحد ملامح الاهلاك للأمم السابقة : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)القصص ). هنا البطر والتدمير والاهلاك بعد الظلم ورفض الاصلاح . 2 ـ محذرا المؤمنين من مصير مترفى مكة بعد هزيمتهم فى موقعة ( بدر ) :( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)الانفال ). هنا زين لهم الشيطان بطرهم ، وانهزموا . ثالثا هذا البطر فى التعامل مع النعمة مرتبط بالترف وبكفران النعمة عن كفران النعمة قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) ابراهيم ) عن الترف والمترفين ورفضهم الاصلاح بما يؤدى الى تدميرهم قال جل وعلا : 1 ـ ( وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) الشعراء ) 2 ـ ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) الاسراء ) 3 ـ ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)الانبياء ). 4ـ ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) المؤمنون ) 5 ـ ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) الزخرف ) ثالثا : لا تخلو الحياة من نعم ومن نقم ، من محن ومن منح . المؤمن يشكر ربه جل وعلا فى الحالتين ، يشكرربه جل وعلا شكرا إيجابيا ، يقوم بحق النعمة فيعطى المستحقين ، ويقوم بحق المحنة فيصبر على البلاء ، ويجتهد فى تحسين وضعه وفى التسابق فى كسب الخيرات . وفى كل الأحوال يطمئن قلبه بذكر ربه ، ويستعين بالصبر والصلاة . أخيرا البطر والترف وكفران النعمة ليس فى دول الخليج فقط ، بل هو سمة عامة فى كوكب المحمديين حيث الاستبداد والفساد وتأكل الطبقة الوسطى وتعاظم الفجوة بين المترفين الذين يتحكمون فى الثروة والسلطة وبين الفقراء المعدمين الذين لا يجدون ما ينفقون . المترفون عددهم واحد فى عشرة آلاف يملكون 99 % ، وأفقرالفقراء عددهم بالملايين ، ولا شيئا يملكون . والهلاك ينتظر الجميع مع الأسف العظيم . شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور ) https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ف2 : ( أنس بن مالك والطعن فى النبى ) (2 ) إفتراءاته عن سبى ا
...
-
عن ( الصلاة وإقامة الصلاة / سيرى الله عملهم ورسوله / البخارى
...
-
ف2 : ( أنس بن مالك والطعن فى النبى ) (2 ) تكملة إفتراءاته عن
...
-
عن ( صغير وصغار / الفرات ومصر والنيل / فى بيتنا آثار فرعونية
...
-
عن ( مصر المنهوبة دائما )
-
ف1 : ( أنس بن مالك والطعن فى النبى ) (1 ) إفتراءاته عن علاقا
...
-
عن ( ويل )
-
ف2 :( أنس بن مالك ) ثروته من المال السُّحت وثراؤه وترفه
-
ف1 : ( أنس بن مالك ) :علاقته بالأمويين
-
عن ( يا مُسهّل / أخوة يوسف / العجل الذهبى للمصريين / أحاديث
...
-
عن ( الأسف والحسرة / هل الزواج نصف الدين ؟ / هل للقريب الفاج
...
-
أدين بالفضل لمواشى جامعة الأزهر
-
عن ( حوارات / حق للزوج فقط / حماس )
-
عن ( ضرب الزوجة)
-
تجميع الفهرس والمقدمة والخاتمة لكتاب الشريعة
-
تجميع الجزء الثانى من القسم الثانى من كتاب الشريعة الاسلامية
-
تجميع جزء أول من القسم الثانى من كتاب الشريعة الاسلامية
-
تجميع القسم الأول من كتاب الشريعة الاسلامية .
-
عن عمليات التجميل
-
عن ( الملحدين / روشتة علاج / أجازات الجمعة والسبت والأحد )
المزيد.....
-
اللجنة الوزارية العربية الإسلامية بشأن غزة ترحب بالبيان المش
...
-
اضبطها الان تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي نايل سات
...
-
بيان عاجل للجنة الوزارية العربية الإسلامية بشأن غزة
-
الضفة الغربية.. حصار بلدات بقضاء سلفيت
-
في ذكرى النكبة.. غزة مقياس العروبة والإسلام والإنسانية
-
أطباء يهود: نتنياهو وظف اليهود في معركة يرفضها الجميع!
-
طيور الجنة رجعت! شغل القناة بالتردد الجديد 2025 وفرّح أولادك
...
-
تفاصيل مكالمة ترمب وبوتين... محادثات بين روسيا وأوكرانيا وال
...
-
ترامب يقترح الفاتيكان لاستضافة مفاوضات روسيا وأوكرانيا
-
“أجمل أغاني الأطفال” تردد قناة طيور الجنة 2025 الجديد بجودة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|