أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - حزب العمال التونسي - مؤتمر اتحاد الشغل بالمنستير: وكادت المفاجأة الكبرى أن تحدث!















المزيد.....


مؤتمر اتحاد الشغل بالمنستير: وكادت المفاجأة الكبرى أن تحدث!


حزب العمال التونسي

الحوار المتمدن-العدد: 1807 - 2007 / 1 / 26 - 11:59
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


1)البيروقراطية تحاصر...

فوجئ المتوجهون إلى مدينة المنستير يوم الأربعاء 13 ديسمبر الماضي بكثافة حضور البوليس وازداد استغرابهم حين طلب منهم الاستظهار بالهوية وبشارة "نائب في مؤتمر اتحاد الشغل" (badge) حتى يمكنهم المرور. وكل الذين تكبدوا عناء التنقل في ذلك اليوم الشتوي البارد، ونقصد النقابيين، لم يخطر ببالهم طبعا أن تستوقفهم حواجز الشرطة لصدهم عن بلوغ مدينة المنستير وعن مواكبة الحدث الذي استولى على اهتمامهم طوال أيام وأسابيع وحتى عن مجرد اكتراء بيت بأحد نزل المدينة. بعض الذين اتصلوا للتو بالأمين العام ليشكوه الأمر قيل لهم " أمكثوا بمنازلكم ". حينها فقط اتضحت لهم جلية الأمر وبات واضحا أن ما شاع من أخبار حول امتناع النزل المحاذية لنزل المؤتمر عن كراء بيوت ليست مجرد إشاعة إنما هي الحقيقة المرة وهي أن المؤتمر ممنوع على النقابيين من غير المؤتمرين.

انقطعت كل الطرق المؤدية للمنستير واضطر النقابيون للمبيت بمدينة سوسة في ذلك اليوم على أمل أن تتغير الأحوال في الغد. أما الذين أمكنهم المرور بحيلة من الحيل فقد أغلقت في وجوههم النزل واضطروا هم الآخرون إلى العودة إلى سوسة. هذه أول مرة منذ عشرات السنين تستعين فيها قيادة الاتحاد بقوات البوليس مصحوبة بأعوان الاتحاد لمنع النقابيين من الاقتراب من مكان انعقاد مؤتمر منظمتهم حتى وإن كان بعضهم أعضاء بالقيادة أو لا زالوا يتحملون مسؤوليات بإحدى الهياكل الجهوية أو القطاعية، أو "كان الراغبون في الحضور من المترشحين لعضوية المكتب التنفيذي ولجنتي النظام والمراقبة المالية..." ( بشهادة جريدة الشعب التي أكدت في عددها الصادر مباشرة بعد المؤتمر في الصفحة 8 تحت عنوان "المؤتمر للنواب فقط ").

منذ صبيحة اليوم الموالي أي يوم الافتتاح (الخميس 14 ديسمبر 2006) توافدت أعداد غفيرة من هؤلاء النقابيين صوب مكان انعقاد المؤتمر وكانت حواجز البوليس قد انتصبت قبل المكان بحوالي كلمترين لمنعهم من المرور وبدأت المشادات ورفعت الشعارات منادية برفع الحصار عن المؤتمر وباتحاد مستقل غير أن قرار البوليس كان ثابتا لا رجعة فيه إذ صدرت الأوامر بناء على طلب القيادة والأمين العام رأسا بالحيلولة دون وصول المعنيين إلى مكان المؤتمر. وأكدت جريدة الشعب في عددها المشار إليه أعلاه أن الأمين العام هو الذي كان يصدر الأوامر للبوليس حيث جاء فيها "من جهة أخرى نفذ رجال الأمن طلب القيادة بإخلاء الطريق القريبة من الفندق...".

وأمام إصرار النقابيين على البقاء بمكان الحاجز في الوقت الذي كان النواب داخل قاعة المؤتمر يحتجون مرت قوات البوليس إلى استعمال القوة وتعنيف الحاضرين لتفريقهم وإجلائهم عن المكان بعد أن ضاق الأمين العام ذرعا بالاضطراب الذي ساد الأشغال في الداخل وبعد أن أمكنه الانتهاء من حفل الافتتاح كيفما اتفق.

2) والنقابيون يصمدون...

حيال هذا الحصار والعسكرة كان موقف النقابيين موحدا وصارما: رفض العسكرة ومقاومتها بكل إصرار وثبات. ففي قاعة المؤتمر أصر النواب منذ الوهلة الأولى على الاحتجاج على الطوق الأمني والحصار المضروب على النزل حيث كان سيعلن على افتتاح الأشغال وقبل أن يهم الأمين العام بالكلام دوت الشعارات المنادية بضرورة إجلاء قوات البوليس عن المكان وبقي جراد لما يزيد عن ثلث الساعة عاجزا عن قول كلمة واحدة رغم كل المحاولات مما اضطره إلى اختصار كلمته الافتتاحية. كما اضطره إلى تلاوة رسالة رئيس الدولة للمؤتمر بكل تعجل ودون أن يستمع إليه أحد. أما رئيس اتحاد الأعراف فقد تصبب عرقه وتلعثم لسانه فاختصر هو الآخر كلمته وانسحب بسرعة وكاد يسقط من على المنبر من فرط ارتباكه. وأمام إصرار الأمين على عدم الرضوخ لدعوات النواب بتوقيف الأشغال قبل رفع حالة الحصار رغم بعض الوعود التي كان أعلنها انسحب جزء هام من النواب إلى خارج القاعة لجر بقية النواب وفرض الموقف على القيادة. غير أن بعض الأصوات ميعت المطلب بالمناداة بمزيد التريث والمكوث داخل القاعة لمزيد الضغط.

واستمرت أعمال الاحتجاج ورفع الشعارات حتى آخر لحظة من أشغال الحصة الصباحية الافتتاحية.

أما خارج النزل وعلى بعد حوالي كلمترين فقد تجمع ما يزيد عن الـ 100 نقابي من غير المؤتمرين هاتفين بشعارات متنوعة محاولين كسر الطوق الأمني الذي ضربته فرق البوليس السياسي مانعة المرور إلى نزل المؤتمر بطلب وبأمر من الأمين العام للاتحاد. ومع حلول الواحدة والنصف بعد الزوال جاءت الأوامر بطرد الحاضرين وباستعمال أشد وسائل العنف ضدهم فهجمت فرق البوليس عليهم ركلا وضربا وعلى سياراتهم فهشموا بعضها وألحقوا أضرارا بدنية بأصحابها نقل بعضهم على التو إلى مستشفيات مدينة سوسة وساد جو من التوتر أشعل فتيل الغضب داخل قاعة المؤتمر من جديد. عندئذ فقط، وخشية تصعيد الوضع، أجبر الأمين العام على طلب رفع الحصار البوليسي عن المكان وأمكن للنقابيين المرور حتى مدخل النزل مساء اليوم الأول من المؤتمر بعد أن شاع في جميع أرجاء البلاد خبر الفضيحة.

لقد خابت البيروقراطية في مسعى عزل النواب عن باقي النقابيين بل بصنيعها هذا دفعتهم لمزيد الالتحام وأيقظت فيهم حس الرفض والوعي بالمشاريع الخطيرة التي جرى طبخها بين رموز "العشيرة" والتي أرادوا تمريرها في هذا المؤتمر لتشريعها. لكن إرادة النقابيين كانت أقوى وعزيمتهم أصلب وشكلت معركة رفع الحصار عن المؤتمر أولى الخطوات المؤدية إلى إحباط المخطط. وبكسب هذه الجولة دارت العجلة تصاعديا بالاتجاه المعاكس

3) هيمنة الداخلي على المشاغل العامة

كان من الممكن أن يخصص المؤتمر حيزا كبيرا من أشغاله للقضايا العامة التي تتعلق بانشغالات ومطالب العمال والأجراء باعتبار ما كان يمليه الظرف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من تحديات عويصة تمس جميع جوانب الحياة العامة. ومما لا شك فيه أن الكثير من النواب وخصوصا النقابيين القاعديين غير المعنيين بالرهانات الانتخابية البحتة كانوا يدركون هذا الأمر لذلك ركز الكثير منهم في تدخلاته على قضايا حق الشغل وأشكال العمل الهشة والمناولة وتدهور المقدرة الشرائية وتردي الخدمات العمومية والتأمين على المرض وعلى قضايا الاستقلالية والحريات العامة والفردية والأوضاع السائدة في تونس وخاصة أوضاع الرابطة ومنظمات المجتمع المدني والقضايا القومية وأوضاع الاحتلال والمقاومة في أرجاء الوطن العربي.

ومع ذلك فإن الاهتمام بهذه الجوانب التي تفسر أصلا انبعاث ووجود المنظمة النقابية ظل وللأسف مقصورا على جزء من النواب ومرت تدخلاتهم الكثيرة عدديا في شيء من اللامبالاة وبحضور عدد قليل من النواب حتى بدت في غالبيتها مجرد شعارات عامة لم ترتق إلى صياغة بدائل عملية وضربا من المباراة الإنشائية والأدبية التي لا تهتم بها إلا طائفة من النواب "المسيّسين" فقط.

وفي المقابل كان الانتباه مشدودا إلى كل القضايا المتصلة بالحياة الداخلية للمنظمة مثل إعادة الهيكلة وعدد الفترات النيابية للقيادة النقابية. فكلما كانت واحدة من هذه النقاط محور عمل جلسات المؤتمر إلا وجرى تجنيد النواب لالتزام الحضور والمشاركة والانتباه وهو ما عكس الصراع الدائر صلب المنظمة حول جوانب الحياة الداخلية مما يؤكد أن الديمقراطية الداخلية ما تزال برغم كل ما يمكن أن تدعيه القيادة من إنجازات في هذا الصدد الهاجس المسيطر على أذهان النقابيين سيما وأن بعض الأطراف يصر على استغلال هذه المناسبة للرجوع بالوضع إلى الوراء.

4)اليسار يفوّت الفرصة.. ويخطط لهزيمته

كان واضحا قبل المؤتمر أن لا طرف يملك الإمكانية المطلقة للتحكم في مآل الانتخابات خلال المؤتمر وأن البيروقراطية قد فقدت بصورة ملحوظة سطوتها التقليدية إذ ليس بمقدورها هذه المرة التحكم. في أصوات النواب خلال العملية الانتخابية كما كانت تفعل من قبل. فالخلاف الذي جرى الحديث عنه بين علي رمضان وعبد السلام جراد حول تركيبة المكتب التنفيذي الجديد وهو خلاف أجمع كل العارفين بأوضاع الاتحاد أنه خلاف مفتعل ووهمي ومجرد مسرحية كان الهدف منه تفكيك التحالفات التي كان يمكن تشكيلها ضد رموز البيروقراطية. وهو تكتيك ذكي اعتمده المعنيان كي يستطيعا طمأنة بعض زملائهما المراد إزاحتهم دون أن يجدوا الفرصة لتدبر أمرهم بصورة مبكرة والاحتياط ضد إقصائهم. هذا الخلاف المفتعل ساهم هو الآخر في تفتيت كتل النيابات داخل المؤتمر، إذ صارت الصورة كالآتي: كتلة البيروقراطية بشقيها أي الموالون لعلي رمضان والموالون لعبد السلام جراد وكتلة النواب المتشبثة برباعي المكتب التنفيذي المراد إقصاؤه (اليعقوبي وبوزريبة والغضباني والماجدي) هذه الكتلة القريبة من كتلة نيابات الاتحادات الجهوية المتعارف عليها بحلف الشمال وهو مجموعة من الاتحادات الجهوية التي خاضت صراعات مع علي رمضان طوال ما يقارب السنة بمناسبة انتخاب الجامعات والاتحادات الجهوية والمجلس الوطني الأخير. وإلى جانب هذه الكتل كتلة ما يعرف بنواب من التيار القومي الذين يتزعمهم عضو المكتب التنفيذي محمد سعد والذي يبدو محل رضا من الجميع تقريبا بما في ذلك جراد وعلي رمضان وأخيرا كتلة نواب اليسار بمختلف تشكيلاته.

لقد كان واضحا أيضا أن قوى اليسار تتوفر على حضور متميز من خلال عدد نوابها الهام في هذا المؤتمر. غير أن ما يميز هذه الكتلة تصدعها وتشتتها نتيجة خلافاتها الكثيرة والروح الفئوية السائدة داخلها. لذلك لم تكن على وعي بحجم القوة التي يمكن أن تشكلها داخل المؤتمر لو جمعت كلمتها. ومما يؤكد ذلك غياب حرصها على تنسيق جهودها من أجل تفعيل هذه الطاقة التي تمتلكها والتوحد حول برنامج انتخابي مشترك وقائمة مرشحين للقيادة الجديدة. وحتى المحاولة التي انطلقت لهذا الغرض بصورة متأخرة – باعتراف الجميع – سرعان ما أحبطت حينما أعلن أحد أطراف اليسار الانسحاب من المبادرة كي لا يفسد على مرشحيه فرصة التحالف مع علي رمضان مخيرا في نهاية المطاف العمل مع هذا الشق من البيروقراطية على التعاون مع قوى اليسار.

وجراء ذلك دخل اليسار إلى المؤتمر مشتتا وضعيفا وفوت على نفسه فرصة خوض معركة كان بمقدوره كسبها على جميع الأصعدة سواء على مستوى المضامين أو على المستوى الانتخابي. وتتحمل بعض الأطراف والعناصر النقابية المعروفة التي ربطت مصيرها بمخططات شق من البيروقراطية منقادة بالحسابات النفعية الخاصة المسؤولية الكاملة في ذلك، علما وأنها لم تجن ما أرادت من هذه الحسابات.

5) قضايا ذات اهتمام خاص

خصت الرابطة بتحية حارة منذ كلمات الافتتاح إذ صفق لذكرها النواب كثيرا وخصص عدد كبير منهم حيزا هاما من تدخلاتهم لموضوعها بما في ذلك أعضاء المكتب التنفيذي والأمين العام في ردودهم إلى حد استعمال هذا الموضوع أحيانا بطريقة دعائية مفضوحة لاستدرار ود النواب وكسب أصواتهم. وتجدر الإشارة إلى أن الأمين العام كان في أحد تدخلاته أكد على مساندة الاتحاد للرابطة "التي تبقى في قلوب كلّ النقابيين" حسب ما جاء في كلامه لكنه ألمح في ذات الوقت إلى ما يعتبره تدخلا منها في الشأن النقابي معبرا عن رفضه لزيارة وفودها للعمال المعتصمين والتضامن معهم. ومما يؤكد الطابع الزائف لـ"مشاعر" جراد تجاه الرابطة، المسرحية التي قام بها خلال الافتتاح. فقد أعلم رئيس الرابطة الأستاذ المختار الطريفي أنه مدعو لحضور الافتتاح دون أخذ الكلمة وهو ما جعله يوزع كلمة مكتوبة على الحاضرين ثم يغادر المكان عائدا إلى تونس. ولما علم جراد بذلك، ولإخفاء عدم تمكين رئيس الرابطة من التحدث مباشرة إلى النواب تظاهر بمناداته قائلا:" الكلمة الآن للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" وهو يعلم أن الأستاذ الطريفي غادر إلى تونس.

ومن المسائل التي ترددت أيضا بكثرة في التدخلات ولم يفت أعضاء المكتب التنفيذي ركبها حرص النواب وإصرارهم على استقلالية المنظمة وعلى رفضهم أي شكل من أشكال تدجينها وإخضاعها لإملاءات السلطة فأطنبوا هم الآخرون في"الدفاع" عن هذا المبدأ للمزايدة لأغراض انتخابية.

لكن مسألة الديمقراطية الداخلية شكلت محور الصراع الأساسي في كل أشغال المؤتمر ورهانه الكبير ودارت حول القضايا المتصلة بها مثل الهيكلة وما عرف " بالدورتين " أعنف المواجهات حتى بدا أحيانا وأن المؤتمر مهدد بالتوقف والفشل خصوصا وأن الثنائي عبد السلام جراد وعلي رمضان أصرا على جر المؤتمرين للقبول بنقض ما كان المجلس الوطني والهيئة الإدارية الوطنية أقراه من قبل (التمسك بمبدأ الدورتين...) ولكنهما قوبلا برفض أغلبية المؤتمرين.

6) خريطة التحالفات...

ظهرت معالم الأحلاف الانتخابية أشهرا قبل موعد المؤتمر إلا أن المناورات التي حاكها الثنائي جراد علي رمضان شوشت المشهد على الكثير من النقابيين مرشحين ونوابا وملاحظين. ويذكر الجميع ذلك الخلاف الوهمي الذي افتعلاه من أجل أن يسود في الأذهان انطباع بأن الفريق البيروقراطي منقسم على نفسه وأن الصراع محصور بين محوري جراد وعلي بن رمضان وأن لا ثالث لهما وعلى كل من يبتغي ضمان نجاحه في هذا المؤتمر ليس أمامه سوى الاصطفاف وراء هذا أو ذاك. وبهذه الطريقة يقضى على إمكانية ظهور طريق ثالثة أمام النواب وعلى أي فرصة لليسار بالخصوص لطرح نفسه بديلا لشقوق البيروقراطية.

وللأسف سقط الكثير من المتهافتين على المواقع والراغبين في "الفوز" بأي طريقة ومهما كان الثمن في الفخ، سارع العديد من مرشحي اليسار للتودد لكل من علي رمضان وعبد السلام جراد رافضين في نفس الوقت التعاون مع بقية فصائل اليسار بل ومحاولين إقناع الجميع بخور هذا التمشي مفشلين بعض المحاولات التي بادر بها البعض. وتحت وطأة ذلك سادت الانتظارية حتى داخل الذين بعثوا المبادرة النقابية (ثلاثي القيروان وجندوبة والمهدية) حتى انتهت مبادرتهم إلى التصدع حينما أعلن أحدهم الانسحاب لرفضه ربط عجلة المبادرة بعلي رمضان كما كان يريد آخر في حين أعلن الثالث عن تخليه عن نية الترشح بعد أن ضمن وعدا بالالتحاق بمنظمة إقليمية مباشرة إثر المؤتمر. وقد جاءت الأخبار مؤخرا لتؤكد تعيينـه في الخطة التي وعد بها.

أما بقية القوى فقد ظلت شبه تائهة وشبه محبطة نتيجة هذا التصدع وبات واضحا أن تجربة جربة صارت في عداد الماضي وضربا من ضروب الأحلام المستحيلة. واستوت حظوظ بعض الذوات التي هرعت للتمسح على أعتاب علي رمضان والذي راح يغدق عليها الوعود ويتمنع عن كشف حقيقة نواياه بغية ربح الوقت وتفويت الفرصة عليها لنسج أي تحالف أو الإيمان بحظوظها خارج فلكه. والمؤسف أن هؤلاء سقطوا في الفخ وجندوا أنفسهم أبواقا لخوض معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وكان أن غدر بهم في لحظة لم يعد لهم ما يفعلون فيها لتدارك أمرهم وخسروا على جميع الأصعدة.

وكاد بعض أعضاء المكتب التنفيذي (الأربعة المغضوب عنهم) أن يلقوا نفس المصير لولا الضغط الذي مارسه عليهم بعض النواب والإطارات الجهوية والقطاعية لحثهم على التفطن لمرامي الخلاف المزعوم بين علي رمضان وعبد السلام جراد. ورغم كل شيء فقد أطيح باثنين منهم (الغضباني والماجدي) دافعين بذلك ثمن أوهامهما وأخطائهما القديمة.

إن الاستفاقة المتأخرة لم تسعف الذين أدركوا الحقيقة تحت ضغط الضرورة وقبلوا أخيرا بتشكيل حلف مستقل عن ألعوبة الخلاف الوهمي فحصدوا نصف فشل يضعهم اليوم أمام كثير من الأمل في المستقبل وأمام نفس القدر من المصاعب والتهديدات.

إن الاستقطاب الذي نشأ منذ ما يزيد عن السنة ودارت رحاه حول الانتخابات القطاعية و الجهوية ثم افتضحت معالمه بمناسبة مؤتمر المنستير الأخير سيستمر على أشده لفترة طويلة أخرى وقد بانت محاور الصراع فيه بكل جلاء فإما مزيد من الديمقراطية الداخلية من أجل إصلاح أوضاع المنظمة الداخلية لتكون قادرة على مجابهة استحقاقات المستقبل وإما التوريث والعودة بالمنظمة إلى ما كانت عليه طوال عشريات خلت وفي نسخ أسوأ وأتعس.

7) حول الاستقلالية والتبعية للسلطة: من يتهم من؟

وجهت لقائمة من القوائم التي تشكلت من كتاب عامين لاتحادات جهوية ونقابيين آخرين تهمة "الموالاة للسلطة". وكان مفهوما أن يركب أصحاب هذه الدعاية شعار الدفاع عن الاستقلالية ومعاداة التبعية للسلطة فقد يكون ذلك من مستلزمات الدعاية الانتخابية والدعاية المضادة لكسب سباق المباراة رغم أن المزاحمة النزيهة تفترض قول الحقيقة والابتعاد عن الكذب واختلاق التهم الكاذبة وقلب الحقائق. لكن لا يهم فذاك أمر بات مألوفا في مثل هذه المناسبات التي تحتدم فيها الصراعات إلى حد أن يستجاز فيها أحيانا ما لا يستجاز. أما أن يستمر أصحاب هذه الدعاية في قلب الحقائق والافتراء حتى بعد المؤتمر فهو أمر غير مقبول ويفرض أن توضع الأمور في نصابها. لذلك جاز السؤال: من يتهم من؟

إن المتابعين للساحة النقابية عن قرب يدركون جيد الإدراك إلى أي درجة أضحت الذهنية داخل المنظمة النقابية موبوءة بقيم الانتهازية والوصولية والانتفاعية والنفاق وإلى أي درجة أصبحت المنظمة جراء ذلك مخترقة ومرتبطة بعجلة السلطة كما يدرك مدى ما اقترفه المتربعون على سدة الحكم فيها من فظاعات أحيانا لاستدامة هذا الوضع وهذه الذهنية حتى أنهم حولوا الاتحاد إلى جهاز بيروقراطي ممركز ومنغلق ومتعطل. تلك هي الثمرة الفاسدة لما يزيد عن العشرية من التخريب الذي اشرف عليه الأمين العام السابق إسماعيل السحباني. وهو ما جعل الجميع يعي في وقت من الأوقات أن المنظمة مهددة بالانفجار. ولكن لسائل أن يسأل هل يخال الذين عملوا تحت إمرة السحباني ومجدوه حتى الّهوه ودافعوا عنه "برا وجوا وبحرا" ("سندافع عنك يا سحباني برا وبحرا وجوا"، العبارة لجراد وقد نشرت في جريدة الشعب مدة قبل أن ينقلب على السحباني بتواطؤ مفضوح من السلطة) ونفذوا الكثير من جرائمه في حق النقابيين والمنظمة والبلاد. فهل أن النقابيين صدقوا أكذوبة التصحيح التي رفعوا شعارها وأزاحوا بمقتضاها سيد الأمس؟ من يتصور ذلك فهو خاطئ ومن يريد مسخ ذاكرة النقابيين ليغرس هذه الأكذوبة فهو كمن يريد حجب الشمس بغربال.

وعلى افتراض أن "حركة التصحيح المجيدة" كانت حركة نزيهة وان الذين قاموا بها وقادوها كانوا قد ثابوا إلى رشدهم وأرادوا فعلا وبنوايا حسنة التكفير عن ذنوبهم، تعالوا نقيم حصيلة ما أنجزوه طوال الفترة التي قضوها على رأس المنظمة، في مضمار الدفاع عن استقلالية الاتحـاد عن السلطة. لقد واصل الاتحاد منذ تاريخ رحيل السحباني وتسلمهم هم مقاليد القيادة والسلطة على نفس النهج. ولا يذهبن في ظن هؤلاء وأنصارهم المتحمسين لهم الذين يستعملونهم أبواق دعاية مقابل ما يملأ بطونهم أن المواقف الإيجابية التي اتخذتها الهيئة الإدارية الوطنية بخصوص الاستفتاء على الدستور وتزكية بن علي للرئاسة سنة 2004 وقانون التأمين على المرض والمشاركة في غرفة البرلمان الثانية هي من إنجازات هؤلاء. لقد صوتت الأغلبية الساحقة من أعضاء القيادة قبل مؤتمر جربة وبعده ضد تلك القرارات الجريئة التي نفخر بها ويعتبرها كل نقابي نزيه سببا من سبب اعتزازه بالانتماء إلى الاتحاد العام التونسي للشغل. لقد صارعت الهيئة الإدارية الوطنية بما في ذلك أعضاءها الذين ترشحوا ضمن خماسي القائمة المضادة لقائمة الأمين العام صراعا مريرا ضد هؤلاء، أي ضد الأمين العام والمترشحين معه من أجل أن يتخذ الاتحاد تلك المواقف التي يزايد بها اليوم من قاومها بالأمس.

فمن يتهم من؟ الذي ترشح في قائمة الأمين العام الذي ساند تحوير الدستور وأصدر بيانا لم يستشر فيه حتى أعضاده أم غيره؟ الذي صوت مع تزكية بن علي ولفائدة قانون التامين على المرض ولصالح الدخول في الغرفة الثانية للبرلمان أم من صوت ضد ذلك وعمل مع آخرين وهم كثر من أجل أن يستعيد الاتحاد جرأته ليتخذ مواقفه كما يمليه عليه واجب الانتصار للديمقراطية والحريات ومصالح الشغالين والشغالات؟

من يتهم من؟ هؤلاء النقابيون أم أقطاب البيروقراطية وخدهم الذين ينتصرون لهم ناسين أو متناسين أن تاريخ الذين يتجندون لترويج دعايتهم الكاذبة حافل بالمواقف المخزية التي لا يقبل أي نقابي نزيه الدفاع عنها؟

لا يجوز لأي كان أن يجادل من ترشح ضمن قائمة الأمين العام وعلى رمضان في حقه في اختيار القائمة التي تناسبه وتتماشى ورؤيته النقابية كما لا يجوز لأي كان أن يجادل الذين ساندوها في حقهم في الدفاع عنها ومساندتها لكن وبالقدر ذاته لا يجوز لهؤلاء أن يقلبوا الحقائق ويختلقوا الأكاذيب فيتهمون من خالفهم الرأي واختار قائمة غير قائمة الأمين العام بتهم لا توافق في الحقيقة والواقع إلا من جند نفسه للدفاع عن هذا الأخير وبطانته.

إن المعطيات الشاهدة على ولاء هذا للسلطة واستقلالية ذاك عنها لمعروفة في الساحة النقابية وليس بمقدور أحد أن يبدلها وما دونه التاريخ في سجل كل نقابي لن يمحي من ذاكرة عموم النقابيين. كما أن الأيام الآتية ستكون خير شاهد على حقيقة الذين يتهمون معارضيهم بتهم واهية. فانتظروا سيريكم التاريخ مرة أخرى ما يثير دهشتكم واستغرابكم.





#حزب_العمال_التونسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبقة العاملة الثورية وحقوق الإنسان
- أحداث حمام الشط - سليمان: فشل الاستبداد في توفير الأمن والاس ...
- قولوا الحقيقة للشعب !
- ماذا تعرف عن العلمانية ؟ 4
- خطاب 7 نوفمبر: لا تنتظروا تغييرا...فكل شيء على ما يرام
- حملة أمنية واسعة على -المتحجبات
- الحق في الشغل، حق مقدس
- الجبهة الوطنية ضرورة ملحة في مواجهة الهجمة الامبريالية والصه ...
- البابا يمنح تفويضا دينيا لسياسة بوش العدوانية
- بعد مرور 50 سنة على صدور مجلة الأحوال الشخصية: المساواة القا ...
- سنة سياسية جديدة بمشاكل قديمة
- الإجرام ملازم للنظام الرأسمالي
- لا طريق أمام الطبقة العاملة سوى طريق النّضال
- تونس إلى أين؟
- الاتحاد العام لطلبة تونس: التوحيد النقابي، مهمة عاجلة
- التناقضات الأساسية والتناقض الرئيسي
- ماذا تعرف عن العَلمانيّة؟(1) لماذا العودة إلى طرح العَلمانيّ ...
- ماذا يجري في الاتحاد العام التونسي للشغل؟ ما هكذا يكون الاحت ...
- الرسوم الكاريكاتورية الساخرة: بين العنصرية الاستعمارية الغرب ...
- الذكرى 28 لأحداث 26 جانفي 1978


المزيد.....




- “توزيع الان 50 مليون دينار عاجلة”!! مصرف الرافدين يُعلن خبر ...
- رابط تجديد منحة البطالة بالجزائر 2024 والشروط المطلوبة للحصو ...
- “بزيادة 100.000 دينار فوري مصرف الرافدين“ وزارة المالية العر ...
- “1000 درهم زيادة على راتبك“ موعد تطبيق الزيادة في الأجور 202 ...
- “وزارة المالية العراقية رواتب المتقاعدين“ موعد صرف رواتب الم ...
- القبض زاد اعرف كام؟..المالية العراقية تعلن سلم رواتب الموظفي ...
- المرصد العمّالي يطالب بتعزيز آليات الرقابة على السلامة والصح ...
- توزيع رواتب المتقاعدين بزيادة 100 ألف دينار بعد ساعات 2024!. ...
- سجل ياعم انت الكسبان.. التسجيل في منحة العمالة الغير منتظمة ...
- شاهد: فرق الإطفاء تستمر في إخماد حريق اندلع بمأوى للمشردين ف ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - حزب العمال التونسي - مؤتمر اتحاد الشغل بالمنستير: وكادت المفاجأة الكبرى أن تحدث!