أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - هناء 1-2















المزيد.....


هناء 1-2


أمين بن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 09:32
المحور: كتابات ساخرة
    


نظرتُ إلى الموبايل، وترددتُ في الرد، لكني فعلتُ... كانت سناء. تركتُها تتكلم ولم أُجبها، فقالت ما عندها، وختمتْ بأن لي قدرا كبيرا فيما حصل، وليستْ وحدها المخطئة... والأهم، أنها تحتاجني، ولا أحد سيُخرجها مما هي فيه... غيري.

قبل سنتين...

أعجبتني وأعجبتُها، فتكلمنا... كلمتني وكلمتُها، ثم التقينا... ثلاث مرات؛ في الثالثة اتفقنا، وكان شرطي وشرطها: أن تبقى هناء، وأن تبقى عذراء...
هناء قلتُ عنها أنها صديقة ليست كالصديقات... عندها بعض الخصوصيات، كأن نتكلم يوميا على الهاتف، كأن نلتقي كلما سمحتْ ظروفنا، وكأن يتوقف كل شيء عندي إذا احتاجتني وطلبتْ حضوري...
عن العذرية، قالت أنها لا تعن لها شيئا، لكنها تريد ظرفا خاصا لتلك اللحظة، لم يُعجبني ذلك لكني سكتّ، وسكوتي كان أغلبه من أجل شرطي... هناء. قالت أيضا، أنها ترى نفسها غير منافقة، لا تحمل عُقد بنات جيلها، وذلك الغشاء لا يُعرِّف المرأة وأخلاقها. بعد سكوتي أجبتُ وهاجمتُ، فقلتُ أعرف ممثلة بورن أكملت مسيرتها ولم تقم بأي مقطع... من الخلف، فكيف يكون ذلك معكِ؟ فأجابت أن الدنيا أذواق، وأيضا ذكاء وغباء... فسكتُّ وأنا أنظر إلى الموبايل لأن هناء كانت ستغادر عملها، وعليّ أن ألقاها بعد خروجها بنصف ساعة على أقصى تقدير... ظنتني سأفرح بالولائم العظيمة التي اقترحتْها وقبلتُ بها، لكنها لاحظتْ قلقي، وعندما سألتْ عن السبب قلتُ لها أن عليّ أن أغادر للقاء هناء، فقبلتْ، على مضض، لكنها... قبلتْ. وسألتْ ساخرة: "قلتَ أنها صديقة، وأنكَ متأكد من ذلك، ولن تُغيّر رأيكَ؟"، فأجبتُ أن نعم واعتذرتُ لاستحالة استطاعتي البقاء معها أكثر، وغادرتُ...
الحقيقة أني لم أكن أطلب الكثير، كان يلزمني فقط مكان أنفجر فيه، ولم تكن جغرافيته تهمني كثيرا... بعضُ جمالٍ، وحدٌّ أدنى من مستوى، وأقبل بالتي تكون معي... لكن مع الأخيرة، أعلنتُ عن ألواني منذ البدء، وشرطتُ شرطي لكي لا يتكرّر معها ما حدث مع من سبقنها من غيرة ومحاكمات وشدّ وجذب وحروب مُقلِقة لي و... لهناء.
تسكن هناء في العاصمة، وأسكن بعيدا عنها بقرابة المئتين كيلومتر. ذلك اليوم، ضربتُ عصفورين بحجر؛ موعدي الغرامي الذي، إجمالا، سار جيدا. ثم هناء التي، عندها، كان لقاؤنا ذاك ذا شأن خاص...
عندما وصلتُ، لم نسلّم سلام العادة، لم تكن غاضبة، لكن بدت لي حيرة على وجهها، فقلتُ
- أنتِ أروع امرأة في العالم
- ...
- أحبكِ
فلم تهتم لي ولم تُجب...
عادتنا عندما نلتقي، نبدأ بِـ
- قل لي أني أروع امرأة في العالم
- أنتِ أروع امرأة في العالم
- قل لي أنكَ تحبني
- أحبكِ
ثم نمرّ إلى ما بعد السلام، وكل مرة وشؤونها...
بقيتُ واقفا أنظر إليها، أنتظر أن تتكلم، أو أن تنظر لي، فتكلمتْ دون أن تنظر
- تأخرتَ
- أعتذر، كان يوم اتفاقيات للمستقبل، ولم أستطع التخلص منها بسهولة
- لا يهمني! تأخرتَ
- واعتذرتُ... برغم أني ضيفكِ وتنقلتُ لأصل إليكِ... لكن معكِ الحق وأعتذر
- اتفاقيات؟
- نعم
- قل
- تريد أن تبقى عذراء
- أحمق!
- اقترحتْ ما أحسن
- أنتَ مقرف!
- نعم... أنا كذلك
- و...؟
- كنتِ ما طلبتُه منها
- لستُ في حاجة إلى موافقتها، إذا لم يُعجبها ستكون كغيرها!
- أَعْجَبَهَا واتفقنا... ما الذي حصل؟
- لا أعلم!! أشعر بالفتور
- هل أضجركِ؟
- لا، قام بكل شيء مطلوب وأكثر!
- لكن؟
- في البدء، شعرتُ بأشياء، أما الآن فـ... لا أعلم!
- اتصلي به
- لا أريد!
- اتصلي وقولي أنكِ انتهيتِ... لا أريد أن تُفسدي علينا ليالينا
- لا أريد
- أتصلُ به أنا إذن، أعطني رقمه؟
- لا... لا أريد! لنذهب...
- إلى أين؟
- إلى مكان لا أعرفه!!
- أنتِ ابنة العاصمة ولستُ أنا!
- لا يهمني! تصرّف...
- حاضر... تأمرين!
- قلتَ لي أني أروع امرأة في العالم؟
- لا
- وماذا تنتظر؟!!
- نعم... أنتِ أروع امرأة في العالم
- و...؟
- أحبكِ!
- جيد... لا أريد البقاء في العاصمة! أريد أن أرى البحر... و... هواء نقي! الهواء ليس نقيا هنا!
- ماذا؟!!
- سمعتَ!
- أجمل بحر وأنقى هواء تعرفين أين يوجدان...
- خذني إليهما إذن!
- تمزحين؟!
- غدا لا أعمل
- غدا أعمل!
- مشكلتكَ! وتستطيع حلّها...
- جادة أم تمزحين؟
- ...
- ؟؟!
- أنتَ تضيع الوقت
- وسيارتكِ؟
- تركتُها في موقف الشركة
- ولماذا لم تقولي ذلك من البداية؟ كنتُ انتظرتكِ هناك دون أن آتي إلى هنا؟!
- الفكرة أتتني عندما كنتُ أنتظركَ! ماذا أفعل؟! ثم عندكَ غراميات! لم تأتِ فقط من أجلي...
- طيب... موافق!
- ومحظوظ!!
- أكيد! وكيف لا أكون، وأروع امرأة في العالم ستمضي الليلة عندي! هل تشخرين؟
- لن ننام في نفس الفراش!
- لا أتنازل عن سريري لأي أحد، وإن كانت أروع امرأة في العالم!
- سنرى... أخرجني من هذه المدينة القذرة الآن! أشعر بالاختناق!
- الحزام... ولا تنظري إلى لوحة القيادة...
في الطريق السيارة، وصلتْ ثلاث رسائل متتالية...
- اقرئي
- جيد... أنهتْ كل شيء معكَ، وتتمنى لكَ أن تستمتع بوقتكَ مع... صديقتكَ... تقصدني أنا؟!!
- تبا!
- ماذا؟! لتذهب إلى الجحيم! غدا نجد لكَ غيرها، وتكون أحسن منها! ماذا كنا نقول؟
- ...
- لا تقل لي أنكَ تأثرتَ!
- جميلة و
- قلتَ أنها قبلتْ؟ كذبتْ عليكَ! و... لا تستحق! دعنا منها الآن! لم تقل أين ستأخذني؟ وماذا ستعشيني؟
- ...
- قل! قبل أن أغضب...
- مفاجأة!
- أحب المفاجآت! والهدايا أيضا! لم تحمل معكَ هدية هذه المرة؟!! كيف سمحوا لكَ بالولوج إلى العاصمة؟
- أريتهم الهدية ففتحوا الباب
- أين هي؟!
- أمامكِ... افتحي
- مممـ... ما هذا؟
- خاتم
- ...
- من كلامكِ عنه، ظننتُه سيكون المختار، يعني... قلتُ خاتمه في اليسرى، وفي اليمنى خاتمي، لكن للأسف... لم يكن المختار!
- ...
- ما بكِ؟ خاتم وليس عقربا!
- نعم...
- أرجعيه إلى مكانه، وعندما تجدين المختار، أُهديه لكِ
- لا، سأضعه في أصبعي...
- أعجبكِ؟ إن لم يُعجبكِ ألقيه من النافذة
- لا... جميل... و
- لا تُكملي! أروع امرأة في العالم لا تهتم بالقشور... و... يستحيل أن أتنازل عن سريري إلى أحد! كل شيء إلا سريري!
- نعم... خاتم وسرير كثير...
- لا تهوّلي الأمر... أروع امرأة في العالم ميزة كبيرة... لكن للأسف يلزمها وقت لتجد من يناسبها... ثم بسببكِ خسرتُ الكثير! ورُفِضتُ شر رفضة الليلة! فنتازيات كثيرة سأواصل مشاهدتها على النات ولن أعيشها!
- لا أظن أني سأجده...
- ترفعين السقف عاليا جدا أذكِّركِ... أنزليه قليلا وسترين
- أنزلتُه هذه المرة
- أنزلتِه؟ وكيف فترتِ لو كنتِ قد فعلتِ؟
- لا أعلم... دعنا من كل هذا الآن. هل تقود بهذه السرعة دائما؟
- أُنزل السقف في كل مكان إلا هنا... أرفعه قليلا
- قليلا؟
- يعني... أزيد قليلا عن القليل... ثم! قلتُ لكِ لا تنظري!
- ...
- ...
- عندما أسكتُ، عليكَ أن تكلمني... تُسليني! والآن بصفة خاصة! أول مرّة أتكرّم عليكَ بزيارةِ... قريتكَ الصغيرة! يوجد طرقات، ماء وكهرباء عندكم؟
- كنتُ أفكر في خطة
- وجدتَها؟
- الموبايل... ابحثي عن "سالم جايد" واتصلي...
عم سالم، كان رئيس مطبخ نزل في مدينتي، كنا سنصلها بعد العاشرة، ولم يكن الوقت موسم اصطياف والسياحة لم تكن بخير تلك الأيام... تقريبا، بعد العاشرة، يستحيل أن تجد مكانا لائقا يُؤكل فيه وقتها، ومن حسن حظي أن عم سالم كان موجودا وقام باللازم و... أكثر. أعلمتُه أننا سنصل في حدود الحادية عشرة، وعندما سألتْني عما قدّمتُ له من خدمات، أجبتُ أنها كثيرة ومنها شابة صغيرة، فلم تسأل عن التفاصيل... بعد العشاء، اتصلتُ بعم سالم وشكرتُه، لم أره لأنه غادر قبل وصولي، واتفقنا على أن يزورني في مكان عملي قريبا... قبل النزل والعشاء، أريتُها المدينة وبعض معالمها بسرعة، وتوقفنا قليلا أمام البحر، فنزلتْ وتبعتُها... وقفنا قليلا أمامه، فأخذتْ منه ومن هوائه جرعتها، ثم غادرنا للعشاء... وكانت الثانية عشرة والنصف عندما هممنا بمغادرة النزل...
- نعود إلى منزلكَ الآن؟
- الآن؟!
- تعمل غدا
- أنتِ لا تعملين
- لكن عندكَ مواعيد...
- نعم
- ...
- لنذهب إلى
- البحر... لننزل إلى هناك
- برد وستمرضين
- لا تهتم
- عليّ ذلك! لا أريد أن أمضي أسبوعا أو إثنين أسمع سعالكِ عند كل اتصال!
- تعال... لننزل
- طيب! نبقى قليلا فقط، هناك ريح والطقس بارد
- نحن في الربيع
- نعم، لكن الطقس بارد... الأرض لن تشتعل قريبا مثلما يقولون
- لنقف هنا
- يُعجبني عندما يكون غاضبا هكذا
- يُعجب في كل حالاته...
- نعم
- تعال ورائي، واحضني
- فعلتُ، ما رأيكِ لو
- لم أقل "وتكلم"
- حاضر! سكتُّ...
- ...
- ...
- الآن تكلم... قل شيئا
- لا أعلم... لنقل... مثلا... أحبكِ؟
- مثلا
- هَانْ
- نعم؟
- أحبكِ
- وهل تستطيع غير ذلك! قل... ستتصل بها؟
- وهل تريدين أن يضيع استثمار شهر كامل هكذا؟! ثم الصفقة مُغرية! وإن احتجتُ لأن أقول لها أني سأقطع كل اتصال بكِ سأفعل!
- وكم ستدوم هذه؟
- لا أعلم، ستأخذ وقتها مثل غيرها
- لماذا لا تُفكر بجدية في حل لهوسكَ؟
- وماذا سأفعل بعد ذلك؟! زوجة وأطفال وصور للكلب أو القط على السوشيال ميديا؟ تعرفين أن كل هذا ليس أنا
- نعم، أعرف... والسرير؟
- أبدا!
- إذن؟
- تنامين وحدكِ في الصالة، أو أنام معكِ إذا كنتِ لا تشخرين
- سيأخذ منا النقاش وقتا... عندكَ طاولة وكراسي على الأقل؟
- نعم، وبيرة وويسكي وقهوة وحليب وماء و...
- أحبكَ أيضا
- ليس الآن، لم ننته بعد! لا يزال باكرا
- أشعر بالتعب، لنذهب
- ليس إلى المنزل، هناك مكان آخر أريد أنـ
- مرة أخرى نذهب إلى كل الأمكنة... لنذهب
- تبا! تذكرتُ أنكِ تشخرين! والصالة قريبة من غرفتي! أفكر في ترككِ تنامين وحدكِ في هذا النزل
- لن تستطيع...
- يعني! ننننننـ...
- نـ؟؟
- نعم!
- جيد، لنغادر إذن... وأريد فستقا!
- المطار، ثم نذهب إلى إيران؟
- نسيتُ الزي في العاصمة!!
- إذن، نستعمل الموجود هنا...
- اتفقنا!
قدتُ ببطء، لأريها بعضا آخر مما في المدينة، وعندما دخلنا المنزل، كانت الواحدة والنصف. وبعد جولة سريعة فيه، جلسنا في الصالة...
- وماذا عن السرير؟
- كنتُ أمزح بالطبع...
- جيد، سرير مثير ومريح
- لن تنامي هناك!
- تراجعتَ؟!
- ما لكِ، هل حقا ظننتِ أني سأسمحُ بأن تنامي في غرفة عملياتي أين "أيّمتُ نسوانا وأيتمتُ إِلدةً وعُدتُ كما أبدأتُ والليل أَلْيَلُ"؟!
- لا يهمني ذلك
- أنا يهمني... سننام معا هنا
- مثلما تريد
- عسكر كالعادة؟
- ذاك عندي
- وسيكون عندي أيضا، أو... عندنا المساحة، وليس كالزنزانة التي تسكنين فيها، نضع الحَشِيّتين بجانب بعض أحسن...
- جيد.
تسكن هناء في أستوديو صغير، طويل وضيّق كأنه حافلة. وعندما أمضي الليلة عندها، نضع الفراشين بالطول وليس بجانب بعض، فيكون رأسي بجانب رأسها، وسيقاننا كل ساقين في اتجاه؛ نسمي ذلك وضع العسكر، كجنديين زمن حرب... كل واحد يحرس ما لا يراه الآخر.
مرات كثيرة كنت أضجر منها وأقول لها أني تركتُه منذ زمن ورائي! وكان الكلام عن بابا... العاصمة بالنسبة لي لم تكن مركزا سياسيا واقتصاديا، بل كانت مكان مغامراتي ومشترياتي، وكان ذلك عشية السبت وليلته ويوم الأحد الذي ينتهي الحادية عشرة ليلا على أقصى تقدير؛ آخر وقت لا يجب أن أتجاوزه فأمضي الليلة عند هناء، وفي الصباح باكرا أغادر إلى عملي... مع بابا، وقبل مغادرتي المنزل عندما بدأتُ العمل، كان القانون ألا أبيت خارج المنزل، أعود متى أشاء، لكن عندما يستيقظ ليصلي الفجر يجب أن أكون في غرفتي. مع أخواتي كان الأمر مختلفا قليلا، ووقت وجوب الرجوع كان العاشرة ليلا في الشتاء والواحدة بعد منتصف الليل في الصيف... أغلب ذهابي إلى العاصمة، كان مغامرات، لكن صادف مرات لم يكن عندي مُجنَّدة جديدة أو بقايا قديمة، فأمضي كل الوقت مع هناء... الأحد ليلا، إذا كانت التاسعة، كانت ترسل رسالة كل نصف ساعة لتذكرني بالوقت؛ التاسعة... التاسعة والنصف... العاشرة... العاشرة والنصف... سأقتلكَ إذا تجاوزتَ الحادية عشرة!
أغلب الأوقات كانت وحدها، لكن أحيانا تزورها أختها الصغيرة سناء، فنسهر معا عادة ساعة ونصف أو ساعتين ثم ننام... سناء في غرفتها، وأنا وهي في الصالة... "عسكر". وفي الصباح باكرا، أوصل سناء في طريقي إلى محطة الحافلات أو سيارات الأجرة، ثم أغادر العاصمة إلى عملي...
مدينتي ساحلية، والبحر يُرى من نافذة مكتبي، سياحية، صناعية لكن فلاحية بالدرجة الأولى، وتُنتج أجود أنواع الأسماك، غلال البحر، وكثيرا من الثمار والتوابل... وكل هذا، لم تكن هناء تشتريه لأني كنتُ أصر على أن أتكفل به. رفضتْ في البدء، لكنها قبلتْ بعد ذلك، بعد عدم قدرتها على مواجهةِ حقيقةٍ وكشفِ كذبةٍ... الحقيقة كانت أن أجود ما يوجد في البلد كانت مدينتي وجهتي تنتجه، وغير منطقي أو معقول أن تقتني تلك المنتوجات من مكان آخر. أما الكذبة فكانت أنها ظنتْ أن كل تلك الأشياء كانت تُقدَّم لي كهدايا أي دون مقابل من أناس أتعامل معهم... في كل تلك الأشياء، كانت عندي مشكلة وحيدة: الفراولة التي أكره رائحتها! هناء تعشق الفراولة والمكان الوحيد الذي يُنتجها في البلد... جهتي! لطالما سخرتْ مني بسبب ذلك، لكنها لم تكن تبالغ لأن الأمر كان شيئا من حساسية غريبة تكون فيها الفراولة عندي كالبصل عند كل البشر، فتدمع عيناي ويسيل أنفي مع الاحمرار والحكة في كل وجهي ورقبتي وأعلى صدري، إضافة إلى... العطاس!
ثم... جلسنا قليلا، في المطبخ، حضّرتُ قهوة ولم ترد هناء شرب شيء... اكتفتْ بالفستق الذي لم تُعطني منه شيئا، ثم ذهبنا إلى الصالة، ومنها بحثتُ لها في غرفتي عن بيجاما، وعدتُ بعد أن غيّرتُ ملابسي...
- يا هامان ابن لي صرحا لعلّي أبلغ الأسباب... خذي!!
- كلهن سنفورات!
- نعم... هل ورثتِ شيئا من الروس؟
- لستُ عملاقة! طويلة قليلا فقط!
- قليلا؟
- لو كنتُ أقصر لاضطررتَ كل مرة أن تحمل ملابس نوم عندي
- مقرفة الفكرة أنكِ بقياسي! أنا طويل وضخم!
- طويل لكن لستَ ضخما
- نعم، طويل وقياسكِ قياسي و... لستِ طويلة
- نساء البلد سنفورات، المشكلة فيهن وليست فيّ!
- صدقتِ... المشكلة فيهن! غيّري ملابسكِ في غرفتي وغادريها بسرعة... إذا سمعتِ من ينادي على أبيه لا تأبهي به... اذهبي
- تريدني أن أتعرّى أمام أطفالكَ؟! ستكون صدمة لهم! استدر
- هنا؟
- نعم
- على راحتكِ...
مع سماعنا لآذان الفجر...
- ألن تنامي! غدا عندي مواعيد!
- نحن في الغد... قل اليوم أو بعد قليل...
- ...
- قل
- تبا! ماذا؟ ماذا تريدين؟!
- لماذا لا تصلي؟
- قلتِ كل شيء ولم يبقَ إلا هذا؟! سأفعل بعدكِ!
- الله يحب صلاة الرجال فقط، النساء أعدّ لهن جهنم... أصلي أو لا أصلي، مصيري معلوم! أما أنتَ فقد تربح درجات... أريدكَ أن تكون برتبة جيدة، فربما جنيتُ من ورائكَ شربة ماء باردة أو فرخة حية
- حيّة؟ ستأكلينها نيئة؟!
- أحضّرها بنفسي، وأشويها... أنا في جهنم، أنسيتَ؟
- ألن تسكتي؟!!
- تريد أن تنام؟
- يعني... ساعتين أو ثلاث على الأقل!
- اشتهيتُ لحم الحجل والأرنب!
- ...
- اشتهيتُ لحم الحجل والأرنب!!
- غدا أملأ لكِ السيارة حجلا وأرانب، أما الآن فاخرسي!
- هنتُ عليكَ؟!! لا أريد من السوق!
- من أين إذن؟!!
- من الصيد... ثلاث حجلات وأرنبان!
- الصيد ممنوع الآن، الموسم بعد شهرين، تصبحين على خير!!
- وإذا متُّ قبل ذلك؟!!
- في كل زيارة إلى قبركِ أحمل معي الأرانب والحجل، وإذا رأيتكِ في جهنم سـ
- ليس عندي نوم!
- أنا عندي! وكثير!!
- طيب... أحبكَ
- أخيرا!!!
"أنتِ أروع امرأة في العالم"... "أحبكِ"... عندما نلتقي، وعند خروجي من عندها يوم الإثنين باكرا يكون آخر كلام بيننا... "أحبكَ"... هكذا عادتنا منذ سنوات... دون أن يكون رد "أنا أيضا" أو ما أشبه...
في الصباح، أو بعد سويعات، أيقظتني وكانت السابعة... قالت أنها لم تغمض عينا، فقلتُ أن السماء عاقبتْها لعدم تركي أخلد للنوم، وأني أشمتُ، وما قالت شفى غليل صدري.
وقت الفطور...
- لماذا تنظر لي هكذا؟ ما هذه الابتسامة؟
- اللعنة! لماذا لا نسكن معا؟! أول مرة تمرّ الفكرة بذهني...
- ومن يُغيِّر مكان عمله؟
- حسب رأيكِ؟
- أأأأ... نعم... أنتَ لا تستطيع وأنا أستطيع...
- نعم
- الرجل يجب أن يتنقل من أجل المرأة وليس العكس!
- بحق... أول مرة أفكر في الأمر! سأكون أسعد رجل على سطح الأرض لو كان ذلك ممكنا!
- وكيف ستفعل مع مغامراتكَ؟
- الحلول كثيرة... حلم جميل حقيقة!
- حلم؟
- نعم، ولم لا يكون كذلك؟ تعرفينني جيدا وتعرفين لمن أهتم... أسرتي، عملي، بعض الأصدقاء، مغامراتي وأنتِ
- وضعتَني في الأخير!!
- النجوم في الأخير؟!
- نعم... فكرة جميلة... لكننا للأسف لسنا في أوروبا!
- حتى هنا نستطيع!
- لا تكن سخيفا! ومن هذا الذي سيقبل بي وأنا أسكن مع رجل؟!
- نعم... مشكلة... لكن، أستطيع افهامه! وإن لم يفهم؟
- إلى الجحيم كغيره؟
- حتى تصيرين عجوزا شمطاء!
- وأنتَ؟
- ربما احتجتُ للفاياغرا وقتها، برغم أني متفائل بأن لياقتي لن تخونني... الكر والفر والاقبال والادبار أبدا!
- خذني معكَ إلى المحطة
- محطة؟
- ستغادر إلى مواعيدكَ
- ثم؟
- وماذا سأفعل وحدي هنا؟ على الأقل أعـ
- يلزمني ساعتين على أقصى تقدير... بين العاشرة والعاشرة والنصف أكون هنا
- لا تُلغِ مواعيدكَ
- ثلاثة فقط لا أستطيع الغاءها، البقية نعم. عليّ الذهاب الآن... لا تتحركي من هنا، واحذري من سكان غرفة نومي!
عند الباب...
- هل حقا ظننتِ أني سأعمل طوال اليوم وأترككِ تُغادرين! وأنتِ أول مرة منذ سنوات تأتين إلى هنا؟!
- ...
- غبية!
- من أروع امرأة في العالم؟
- أنتِ
- و؟
- أحبكِ
- اذهب الآن!
وكان يوم جميل... سعيد. انتهى بالمبيت عندها، وعودتي إلى عملي في الغد باكرا... فاتني الكثير في قدومها ذاك، ولم ألاحظ شيئا... كانت هناء التي أعرف منذ سنين، وكنتُ نفسي التي منذ البدء لم ترها قط لا أختا ولا حبيبة ولا صديقة بل... هناء فقط، التي في عالمي كان لها ركنها الخاص الذي لا يخص أحدا غيرها... هناء كانت أجمل ما فيّ، وكان يخرج فقط معها، أما بقية النساء فلم يكن شيء منه يخرج و... يوجد أصلا! كنتُ مجرد زير نساء، لم أر فيهن شيئا غير إشباع حاجة... كنتُ أسوأ رجال الأرض معهن، والمرأة الوحيدة التي كانت تذكرني أني شخص حسن، صالح... كانت هناء! لكن كل ذلك لم يدم، ودون أن تدري... دمّرتْ ذلك الحسن الطيب الذي كان فيّ، وقتلتْ ذلك الملاك الصغير تاركة كل المكان للمارد!



#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أميرة
- أُمَّةُ القضيب... شذرات عن الوطنية في المنطقة المقدسة العروب ...
- قاتم (9) هوس
- قاتم (8) أحلام
- مرارة الحقيقة...
- الإلحاد والملحد والوطنية (1)
- قاتم (7) ...
- عجائب من موقع الحوار
- هرطقات في هيكل العروبة (3): عن الثقافة والمُثَقَّف
- الإلحاد والملحد: رفض المقارنة مع الدين والمؤمن!
- الإلحاد والملحد: -التكبر على خلق الله-؟ سامي ال‍ذيب -حاكم تف ...
- هرطقات في هيكل العروبة (2): وهم تحرير المرأة -العربية-
- جرثومة -العامية-
- -المحارم- بين الحب والجنس
- وهم حرية التعبير بين الغرب والمنطقة المقدسة
- هرطقات في هيكل العروبة
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 14-4
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 14-3
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7 ملاك: 14-2
- عن الكراهية والحق فيها


المزيد.....




- اضبط الريسيفر.. تردد روتانا سينما الجديد 2025 هيعرضلك أفلام ...
- مصر تستعيد 21 قطعة أثرية من أستراليا (صور)
- إدريس سالم في -مراصدُ الروح-: غوص في مياه ذات متوجسة
- نشرها على منصة -X-.. مغن أمريكي شهير يحصد ملايين المشاهدات ل ...
- رد حاسم على مزاعم وجود خلافات مصرية سعودية في مجال الفن
- أخيرًا.. وزارة التعليم تُعلن موعد امتحانات الدبلومات الفنية ...
- فيلم -Eddington- المثير للجدل سياسيًا بأمريكا يُشعل مهرجان ك ...
- وزيرة الثقافة الروسية لم تتمكن من حضور حفل تنصيب البابا
- مخرج فلسطيني: الفن كشف جرائم إسرائيل فبات الفنانون أهدافا لج ...
- لوحة سعرها 13.2 مليون دولار تحطم الرقم القياسي لأغلى عمل لفن ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - هناء 1-2