أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فهد المضحكي - عالم اقتصاد أمريكي: سياسة ترامب أدخلت أمريكا في حروب تجارية خاسرة















المزيد.....

عالم اقتصاد أمريكي: سياسة ترامب أدخلت أمريكا في حروب تجارية خاسرة


فهد المضحكي

الحوار المتمدن-العدد: 8345 - 2025 / 5 / 17 - 14:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين أعلن دونالد ترامب سياساته الجمركية المثيرة للجدل، بدا وكأنه يحيي ماضيًا صناعيًا مجيدًا للولايات المتحدة. كان يتحدث عن الحماية، وعن الضرائب الجمركية، وعن إعادة المصانع إلى إمريكا، وكأنه يستدعي روح العصر الذهبي في نهايات القرن التاسع عشر، لكن خلف هذه الواجهة الشعبوية، كان هناك مشروع مختلف تمامًا: مشروع نيوليبرالي متخفٍّ في عباءة قومية اقتصادية، لا هدف له سوى خفض الضرائب على الأغنياء وتمكين الطبقة الريعية المالية من الاستحواذ الكامل على مفاصل الدولة والاقتصاد.

في تعليقه على ما سبق، كتب عالم الاقتصاد الأمريكي مايكل هدسن مقالاً بعنوان «ترامب و النهضة الصناعية الكاذبة: بين الحلم الحمائي والواقع النيوليبرالي» (تعريب قاسيون)، أهم ما ورد فيه: للوهلة الأولى، قد يبدو أن ترامب يحيي تقليدًا أمريكيًا قديمًا: تمويل الدولة من الرسوم الجمركية، لا من ضرائب الدخل. بالفعل، هذا ما حدث في القرن التاسع عشر، قبل إقرار ضريبة الدخل التصاعدية عام 1913، لكن ما يتجاهله ترامب في روايته أن الرسوم الجمركية آنذاك لم تكن سياسة قائمة بذاتها، بل كانت جزءًا من مشروع شامل للتنمية الصناعية بقيادة الدولة، هدفه خلق بيئة إنتاجية تنافسية، عبر دعم البنية التحتية، وتمويل التعليم، وضبط الأسعار، وتنظيم الأسواق.

أما في مشروع ترامب، فقد جرى تجريد الرسوم الجمركية من أي محتوى تنموي، وتحويلها إلى أداة تمويل بديلة لإلغاء ضريبة الدخل على الأثرياء. لقد قدّم مشروعه كنوع من «العودة إلى الجذور»، لكنه في الحقيقة لم يكن سوى قناع لإعادة توزيع الثروة صعودًا إلى طبقة المانحين السياسيين الذين ينتمون إلى قطاع المال والعقارات والاحتكارات.

يروّج ترامب لفكرة أن الرسوم الجمركية كفيلة بإعادة المصانع للولايات المتحدة، لكن هذا مجرد تبسيط ساذج أو مخادع. فالتصنيع، بحسب رأي هدسن، لا يعود عبر الحواجز الجمركية فقط، بل يتطلب بيئة إنتاجية متكاملة تشمل أجورًا قابلة للعيش، وسككًا حديدية، وطاقة رخيصة، وتعليمًا عامًا، ونظامًا صحيًا يضمن إنتاجية العمل.أما ترامب، فقد اتخذ مسارًا معاكسًا تمامًا: ألغي الأنفاق على البنية التحتية، وقلّص المساعدات الاجتماعية، وواصل خصخصة القطاعات العامة، ودافع عن تخفيضات هائلة للضرائب المفروضة على الأغنياء.

الأدهى من ذلك أن هذه السياسات لم تؤدِّ إلى عودة صناعية تُذكر، بل سبّبت تسريحات واسعة للعمال، وارتفاعًا حادًا في الإسعار، وإضطرابًا في سلاسل التوريد، دون أن تحسّن الميزان التجاري أو تعزز الطاقة الإنتاجية للولايات المتحدة.

كان من أهم مبادئ السياسات الصناعية الأمريكية في القرن التاسع عشر فكرة أنّ مستوى معيشة العمال لا يعتمد على الأجور فقط، بل على تكلفة الحياة أيضًا. لذلك أنشأت الدولة مدارس عامة، ومستشفيات عامة، واستثمرت في البنية التحتية لتخفيض كلفة المعيشة والإنتاج. أما في عهد ترامب، فقد شهدت البلاد انفجارًا في تكاليف السكن والرعاية الصحية والتعليم، وهو ما جعل العامل الأمريكي- رغم دخله الأعلى نسبيًا - غير قادر على المنافسة في السوق العالمية، وغير قادر الادخار أو الاستهلاك بما يكفي لدعم الصناعة المحلية.

والنتيجة؟ دخول 60 بالمئة من الأسر الأمريكية في دائرة الديون، وتراجع معدلات تملّك المنازل، وارتفاع تكلفة المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة، في الوقت الذي حافظت فيه الصين- منافس أمريكا الأول - على نظام إنتاجي منخفض التكلفة بفضل الاستثمار العام والدعم الحكومي المباشر.

من يتأمل السياسات الاقتصادية لترامب لا بد أن يلحظ هذا التناقض الصارخ: من جهة، يتحدث عن إعادة التصنيع، ومن جهة أخرى، يحرص على تخفيض الضرائب المفروضة على الريعيّين. فيما كان الصناعيون في القرن التاسع عشر يطالبون الدولة بمصارف وطنية وتمويلات عامة للبنية التحتية، حرص ترامب على تقليص الدولة وتفكيك وظائفها وتحويلها إلى القطاع الخاص لصالح طبقة صغيرة من المستثمرين ومديري الصناديق المالية.

ومن المفارقات أنّ ترامب، رغم كراهيته الظاهرة للنخب التقليدية، أعاد إنتاج هيمنة الطبقة الريعية التي تملك العقارات، والبنوك، والاحتكارات، وجعلها تتحكم ليس فقط بالسياسة، بل بجميع وظائف الاقتصاد. فقد تمّ تحويل المرافق العامة إلى أدوات للربح، وفرضت رسوم احتكارية الكهرباء والماء والإنترنت والمواصلات، بينما جرى تفكيك خدمات البريد، والتأمين الصحي، والرعاية الاجتماعية، تحت شعار «الكفاءة».

على الصعيد الدولي تحوّلت سياسات ترامب الحمائية إلى سلاح اقتصادي للابتزاز السياسي. لقد فرض تعرفة جمركية بنسبة 145% على الصين، وبنسبة 10% على بقية دول العالم، هذه محاولة لإعادة تعريف التجارة العالمية على أساس القوة لا القانون. لكن ما حدث هو العكس: بدأت الدول بالابتعاد عن السوق الأمريكية ببدائل من خارج النظام المالي الذي تهيمن عليه واشنطن.

بدأت دول آسيا وأمريكا اللاتينية تتحدث عن أسواق تجارية بديلة وظهر تحوّل عالمي نحو «فك الارتباط بالدولار»، وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا للهيمنة المالية الأمريكية. والأسوأ أن سلاسل التوريد الأمريكية تأثرت سلبًا، ما تسبب ببطالة متزايدة، وركود صناعي، وارتفاع في أسعار السلع المستوردة التي لم تعد تأتي بسهولة من الخارج.

وعد ترامب بعصر ذهبي جديد، لكنه قدّم سياسات تقود إلى العكس تمامًا. لم تخلق سياساته وظائف، بل حمَتْ الصناعات العاجزة. لم تُعد التوازن إلى التجارة، بل أدخلت أمريكا في حروب تجارية خاسرة. وفي النهاية، لم تؤدِّ سياساته إلا إلى تسريع الاستقطاب الطبقي والمالي في الداخل، وإضعاف الثقة الدولية في الاقتصاد الأمريكي.

إن إعادة التصنيع الحقيقي لا يمكن أن تتمّ من دون استثمار عام في البنية التحتية، والتعليم، والرعاية الصحية؟ والتنظيم العادل للأسواق، وفرض ضرائب على الريع والمضاربة. وهذه بالضبط السياسات التي حاربها ترامب، والتي لاتزال تتعرض للهجوم من قبل اللوبي النيوليبرالي الذي يمثله.

ربما كان ترامب يؤمن فعلاً أن الرسوم الجمركية قادرة على إعادة «عَظَمة» أمريكا، لكن السياسات التي تتبناها كانت موجهة لخدمة الأغنياء، لا الطبقة العاملة. وقد أثبتت السنوات الماضية أن الحماية الاقتصادية لا تساوي شيئًا إذا لم تُرفَق بسياسات اجتماعية واستثمارية تخفف كلفة المعيشة وتعيد توزيع الثروة بعدالة.

ثمة مفارقة أضعفت سردية ترامب بشكل خاص، وهي أن النموذج الذي يدّعي إحياءه - أي نموذج النهضة الصناعية الحمائية - لم يعد يمارس في الولايات المتحدة، بل في الصين.

فالحكومة الصينية، في السنوات الأخيرة، لم تكتفِ بدعم الصناعات الثقيلة والتكنولوجيا المتقدمة، بل حافظت على سيطرتها على النظام المصرفي، وموّلت مشاريع عملاقة للبنية التحتية، وقدّمت خدماتها عامة مثل النقل والتعليم والرعاية الصحية بأسعار رمزية.

هذا ما فعلته الولايات المتحدة خلال نهضتها الصناعية: أبقت المرافق العامة في متناول الجميع، ووجهت السوق لخدمة الإنتاج وليس الربح المالي فقط. أما ترامب، فقد فعل العكس تمامًا: حرر السوق لصالح الريع، وترك العامل الأمريكي يدفع تكلفة السكن والطب والتعليم والفائدة، بينما ارتفعت ثروات كبار المستثمرين.

ولعلّ الفارق الأهم هو أن الصين لم تسمح بظهور «طبقة مانحين» تتحكم بالحكم والسياسة، كما حدث في الولايات المتحدة.
لقد حدّت من التأثير السياسي للأثرياء، وفرضت ضوابط صارمة على استخدام الثروة في التأثير الرأي العام أو التشريع. أما في أمريكا، فقد أصبحت الثروة طريقًا للسلطة، والسلطة وسيلة لتكديس الثروة، في حلقة مفرغة من الإفساد المتبادل.

يبدو أن ترامب في جوهر مشروعه لم يكن يطمح إلى قيادة انطلاقة إنتاجية جديدة بقدر ما أراد إدارة مرحلة من الاستهلاك المفرط والسيطرة السياسية الخارجية عبر أدوات القوة الاقتصادية. وهذا واضح في أسلوبه التفاوضي مع الدول الأخرى: التهديد بالرسوم، المطالبة بالتنازلات، فرض العقوبات... دون أي محاولة لبناء شراكات استراتيجية أو تنمية صناعية طويلة الأمد.

إنه النمط من «الإمبريالية التجارية» التي لا تصنع قواعد جديدة، بل صفقات مؤقتة، يخسر فيها الجميع على المدى الطويل، بما فيهم الولايات المتحدة نفسها. فالمستثمرون الأجانب يترددون في التعامل مع أمريكا، وسلاسل التوريد تتجه شرقًا، وثقة العالم بالدولار بدأت تتآكل تدريجيًا.



#فهد_المضحكي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد أركون وأهمية نقد الموروث
- لم أشعر يومًا بخوف على مستقبل الولايات المتحدة كما أشعر الآن
- عن معرض «إعادة تدوير الأشياء»
- آباي كونانباييف.. علامة مشرقة في تاريخ كازاخستان
- عصر الأنوار
- تهجير العرب من فلسطين فكرة صهيونية قديمة
- الهوية وحرّية الفكر والعمل
- اقتصاد أوكرانيا: بين خسائر الحرب والنهب
- الناتو وزيادة الإنفاق الدفاعي
- فاطمة حدّاد الشامخ.. أبرز القامات التونسية في مجال الفلسفة
- حلف الناتو.. هل يتفكك؟
- عبدالعظيم أنيس.. المفكر والأديب
- فهل يحق لي أن أشتكي من انعدام التحرر؟
- العرب والدولة الحديثة والديمقراطية
- نعوم تشومسكي
- لماذا الأزمة البيئية كونية؟
- حديث عن الصحافة الثقافية
- الدكتور عادل العوا.. قامة فلسفية وفكرية
- العرب وأسئلة الهوية
- أمريكا: حدود الممكن إلى الانبعاث


المزيد.....




- ترامب: سأتحدث مع بوتين لـ-وقف حمام الدم- في أوكرانيا.. والكر ...
- إسرائيل و-حماس- تستأنفان مفاوضات الدوحة بعد هجوم -عربات جدعو ...
- ليبيا.. كلمة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة عقب الأحداث الأ ...
- اتصال بوتين وترامب المرتقب.. ما المنتظر؟
- صراخ وبكاء طلبًا للطعام.. الأطفال يصطفون أمام المطابخ الخيري ...
- مطار صنعاء يعود للعمل بعد غارات إسرائيلية مدمّرة
- منصة -إيكاد-: -الذباب الإلكتروني- يشن حملة تقودها حسابات مؤي ...
- عمرو موسى يكشف سر اهتمام مصر بزيارة ترامب الخليجية رغم تجاهل ...
- تحقيق بسلوك مدعي -الجنائية الدولية-
- هل يوقف العرب الحرب في السودان؟


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فهد المضحكي - عالم اقتصاد أمريكي: سياسة ترامب أدخلت أمريكا في حروب تجارية خاسرة