أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هديل القدسي - سوريا بعد سقوط الأسد: تحديات الانتقال وإعادة بناء الدولة














المزيد.....

سوريا بعد سقوط الأسد: تحديات الانتقال وإعادة بناء الدولة


هديل القدسي

الحوار المتمدن-العدد: 8341 - 2025 / 5 / 13 - 23:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في لحظة فارقة من التاريخ السوري، لا تعود مسألة بقاء بشار الأسد أو رحيله مجرد نقاش سياسي، بل تصبح اختبارًا حاسمًا لجوهر الدولة السورية. فالأسد لم يكن فقط حاكمًا، بل ركيزة لبنية استبدادية استوطنت مفاصل السلطة والمجتمع والدولة. ومع ذلك، فإن اختزال الأزمة السورية في شخصه يبقى تبسيطًا مخلًّا لحقيقة أعقد. فالسؤال الحقيقي اليوم لا يتعلق بمن يحكم، بل: ماذا تبقّى لنُحكم عليه؟ هل ما زالت هناك دولة يمكن إنقاذها، أم أننا نقف على أطلال وطنٍ تفتتت جغرافيته، وتحطّمت ثقته، وذابت هويته بين الحروب والنزوح والخذلان؟

الحديث عن “سوريا ما بعد الأسد” لا يعني بالضرورة ولادة جديدة، بقدر ما يطرح إمكانية نادرة لإنهاء مرحلة مأساوية وإعادة بناء وطن فقد تماسكه. ذلك أن سقوط رأس النظام لا يضمن سقوط بنيته. فقد أثبت النظام قدرته على التكيّف مع أزماته، سواء عبر التمترس خلف الحلفاء الدوليين، أو بإعادة إنتاج أدوات القمع والسيطرة، أو حتى عبر خطاب مقاومة زائف جعل من بقاء الأسد مرادفًا لوحدة سوريا. لكن الواقع يُكذّب كل ذلك؛ فالبلاد عمليًا مقسّمة، ليس فقط من حيث السيطرة العسكرية، بل من حيث الرؤى والمصالح والهويات أيضًا.

في الشرق، ثمة كيان كردي شبه مستقل يسعى إلى اعتراف دولي غير مضمون، تديره قوى كردية بدعم أمريكي حذر. في الشمال، مناطق تحت سيطرة فصائل تديرها أنقرة ضمن استراتيجية أمن قومي عابر للحدود. في الجنوب، خلايا تتبع مصالح محلية تتغير بتغير المزاج الدولي. وفي الوسط والساحل، ما تبقى من دولة تُحكم شكليًا من دمشق، لكن القرار فيها موزع بين موسكو وطهران. وسط هذا المشهد، يصبح الحديث عن “وحدة سوريا” أقرب إلى شعار مفرغ من المضمون ما لم يُطرح ضمن مشروع وطني شامل يتجاوز المركزية، ويعترف بالتنوع، ويعيد تعريف معنى الدولة.

لكن مع سقوط الأسد، يبقى السؤال الأهم: من يملأ الفراغ؟ فالمعارضة التقليدية تبدو منقسمة ومثقَلة بتاريخ من الإخفاقات والارتهانات الخارجية، والحركات المسلحة التي تصدّرت المشهد العسكري فقدت الكثير من مشروعيتها في نظر الداخل والخارج. أما القوى المدنية، ورغم ما تمتلكه من حيوية، فلا تزال تفتقر إلى الفضاء السياسي الآمن والمستقل الذي يمكنها من العمل بحرية. لا أحد يمتلك التفويض الشعبي الكامل ولا رؤية انتقالية متكاملة. من هنا، تبدو الحاجة ملحة لمرحلة انتقالية تُبنى على توافق دولي وإقليمي، لكنها أيضًا تحتاج إلى شرعية نابعة من الداخل السوري، من مجتمع أنهكته الحرب لكنه ما زال يملك القدرة على الحلم والتغيير.

وفي هذا الإطار، لا يمكن تجاهل التحولات الإقليمية والدولية التي أسهمت في لحظة التغيير. إذ تشير المعطيات إلى أن الولايات المتحدة قد فتحت المجال أمام تركيا للعب دور ريادي في مستقبل سوريا، ضمن تفاهمات مع روسيا، التي وافقت – ضمنيًا – على تقليص وجودها العسكري مقابل تقليص الدعم الأميركي لأوكرانيا، والضغط على إيران وأذرعها في سوريا ولبنان، وفي مستوى أقل العراق. كما كُلّفت السعودية، وفق هذه الصفقة، بلعب دور قيادي في ملف إعادة الإعمار، من خلال تمويل ومشاركة مباشرة، مع إشراك دول عربية أخرى في هذه العملية، مثل الإمارات وقطر والعراق. بهذا، يظهر أن العامل الدولي لا يزال حاضرًا بقوة، عبر الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، فيما تلعب تركيا دور الفاعل الإقليمي الأبرز، إلى جانب إسهامات سعودية وخليجية مرتقبة في عملية إعادة البناء.

وفي ظل هذه التحديات، يبقى ملف إعادة الإعمار أحد أكثر القضايا تعقيدًا، لا فقط لأنه يتطلب مئات المليارات، بل لأنه يرتبط بسؤال أعمق: هل تُبنى سوريا على الأسس القديمة نفسها؟ وهل يُمكن السماح بإعمارٍ تحت سلطة لا تعترف بالمساءلة؟ التجربة تقول إن الإعمار في غياب العدالة ليس إلا عملية تغليف للأنقاض. لا يمكن تصور عودة الحياة إلى سوريا دون بناء مؤسسات شرعية وشفافة، تعيد الثقة بين المواطن والدولة، وتُخرج الاقتصاد من يد أمراء الحرب وشبكات الفساد.

العدالة الانتقالية في هذا السياق ليست خيارًا، بل شرطٌ للشفاء الوطني. سوريا لا تحتاج فقط إلى بناء الحجارة، بل إلى ترميم ذاكرة شعب. إلى اعتراف بالضحايا، إلى مساحة للحقيقة، حتى وإن كانت موجعة. فالمجتمعات التي تُقصي آلامها إلى الخلف، تعيد إنتاجها في المستقبل بشكل أكثر شراسة. العدالة ليست بالضرورة عقابًا، لكنها لا يمكن أن تكون نسيانًا.

رغم كل ذلك، ما زال هناك ما يُراهن عليه. فالسوريون، داخل البلاد وخارجها، لم يتوقفوا عن محاولة صياغة معنى جديد لوطنهم، سواء عبر الفن، أو الثقافة، أو التعليم، أو التوثيق، أو حتى في أبسط محاولات الحياة اليومية في المخيمات والمنافي. هذه المحاولات، المتناثرة والمتواضعة، تحمل في داخلها بذور التجديد. ليس لأنهم أقوى من الجغرافيا السياسية، بل لأنهم وحدهم يملكون القدرة على إعادة تعريف “الوطن” خارج قوالب السلطة والمعارضة.

إن سوريا القادمة لن تُبنى بشعارات المنتصرين، ولا بتفاهمات القوى الكبرى وحدها، بل بإرادة السوريين في صياغة عقد جديد، يتسع للجميع، وينهي الحقبة التي اختُزلت فيها الدولة بشخص، والوطن بحزب، والكرامة بشعارات. لذلك فإن ما بعد الأسد، إن أُريد له أن يكون بداية لا فراغًا، يجب أن يكون لحظة تأسيس فعلية لدولة حديثة، تنتمي لمواطنيها لا لماضيها.

هل يمكن ذلك؟
نعم، إذا أُعيد الاعتبار لفكرة الوطن كفضاء للعدالة والمشاركة، لا كغنيمة لمن يملك السلاح أو يكتب الدستور نيابة عن الشعب. سوريا لا تحتاج فقط إلى نهاية مرحلة، بل إلى بداية صادقة، تبدأ من القاع، من الألم، من الحقيقة. لا من الصور الكبيرة في الساحات، ولا من التصريحات في المؤتمرات. إنها بحاجة إلى وطن، لا إلى سلطة أخرى.



#هديل_القدسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بروكرُست بين الماضي والحاضر
- عبء الوعي: معاناة الإنسان بين الإدراك والفهم
- حكمة جلالة الملك
- أحداث سوريا: بين المأساة الإنسانية والمخططات السياسية
- عودة (ترامب) وتأثيره على التوازنات الجيوسياسية في المشرق الع ...
- عودة ترامب وتأثيره على التوازنات الجيوسياسية في المشرق العرب ...
- عمالة الأطفال: انتهاك حقوق التعليم في زمن الأزمات العالمية
- الاتزان والعقلانية في القرار السياسي الأردني
- الأردن وسياسة مسك العصا من المنتصف


المزيد.....




- مصر تعلن عن اكتشافات جديدة للغاز والزيت.. وخبير يعلق
- الجيش الأردني: سقوط صاروخ مجهول المصدر في منطقة صحراوية
- رد فعل الأمير محمد بن سلمان لحظة رفع ترامب العقوبات عن سوريا ...
- ترامب يدعو إيران إلى -مسار جديد وأفضل- وطهران ترد: لا نفاوض ...
- إسرائيل تغتال صحفيا داخل مستشفى ناصر
- قلق إسرائيلي من -مفاجآت- ترامب
- هدوء حذر يسود طرابلس الليبية
- أندريه
- إسرائيل تهدد كل جامعة تحيي ذكرى النكبة
- أبرز الصفقات في زيارة ترامب للسعودية


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هديل القدسي - سوريا بعد سقوط الأسد: تحديات الانتقال وإعادة بناء الدولة