أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - زيد نجم الدين - حق التظاهر السلمي والموافقات الامنية














المزيد.....

حق التظاهر السلمي والموافقات الامنية


زيد نجم الدين
مهندس واكاديمي و كاتب مهتم بالحقوق و الحريات و تقيم الاداء الديمقراطي


الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 06:24
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في خريف عام 2005، شهدت مدينة سالزبورغ النمساوية موقفًا رمزيًا جديرًا بالتأمل. فقد قرر النائب النمساوي رودولف أولينغر الوقوف لبضع دقائق في مقبرة محلية، بالتزامن مع مناسبة دينية (عيد القداس)، احتجاجًا على اجتماع سنوي ينظمه بعض قدامى المحاربين، ممن يرتبط بعضهم بماضٍ نازي مظلم. لم يحمل أولينغر لافتات، ولم يحرّض على تجمع أو هتاف، بل اختار التعبير بصمت، رفضًا لتمجيد رموز الفاشية.
ورغم سلمية هذا الفعل، قررت السلطات المحلية حظر الوقفة، بحجة أنها قد تُثير اضطرابات أو تسيء لمشاعر الزوار الآخرين. لم يرضخ أولينغر لهذا القرار، بل طعن به أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، معتبرًا أن بلاده انتهكت حقه في حرية التعبير والتجمع السلمي، المكفولين بموجب المادة (11) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وفي 29 يونيو 2006، قضت المحكمة بإدانة النمسا، مؤكدة أن التظاهرة كانت سلمية، وأن السلطات لم تقدم أي أدلة على وجود خطر فعلي يبرر الحظر. بل شددت المحكمة على أن "احتمال إزعاج مشاعر البعض" لا يُعد مبررًا كافيًا لقمع حرية سياسية مشروعة.
هذه الحادثة تحمل دلالات مهمة في سياق الجدل الدائر اليوم في العراق حول قرار وزارة الداخلية بتعليق التظاهرات خلال فترة انعقاد القمة العربية في بغداد.
لقد اطلعت على آراء متعددة، من بينها من يرى أن إنجاح القمة يصب في مصلحة الوطن العليا، وبالتالي يبرر تعليق حق التظاهر. وهناك من يذهب أبعد من ذلك، متبنّيًا رأيًا مفاده أن التظاهر حق مشروط بموافقة الجهات الأمنية، وتُقدَّم هذه الموافقة في إطار تنظيم ممارسة الحق الدستوري.
من وجهة نظري، كل هذه الآراء تعكس فهمًا سطحيًا، بل في كثير من الأحيان فهمًا مغلوطًا للدستور. والمقلق أن بعض هذه التصورات تصدر من شخصيات فاعلة في الشأن العام.
القانون الدستوري الحديث يقر مبدأً أساسيًا يعرف بـمبدأ التناسب والضرورة، وهو معيار لفحص مدى مشروعية تقييد الحقوق الدستورية في ظروف الطوارئ و ما شابه، عبر طرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية، على سبيل المثال:
• هل هناك غرض مشروع ووجيه من التقييد؟
• هل التقييد هو الوسيلة الأقل ضررًا لتحقيق هذا الغرض؟
• هل الضرر الناتج عن تقييد الحق يتناسب مع المصلحة المرجوة؟
• ما مدى نطاق التقييد زمنيًا وجغرافيًا؟
هذه الأسئلة لا تضع عبء الإثبات على المواطن، بل على السلطة التي تلجأ لتقييد حق مكفول بالدستور، بدعوى تحقيق مصلحة عامة.
وفي هذا السياق وعلى الصعيد الدولي، تنص المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي التزم به العراق، على حق التجمع السلمي، مع إمكانية فرض قيود فقط عندما تكون "ضرورية في مجتمع ديمقراطي" ولأسباب تتعلق بالنظام العام أو السلامة العامة.
أما الدستور العراقي فقد كان واضحًا في المادة (38)، حيث نص على أن:
"تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:
أولًا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانيًا: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثًا: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون."
أي أن الدستور ألزم الدولة بكفالة ممارسة المواطنين لحق التظاهر، ولم يُحوّل هذا الحق إلى ترخيص مشروط.
من هنا، فإن ما يسمى بـ"الموافقة الأمنية" لا يُفترض أن تكون شرطًا لتفعيل الحق، بل هي ايعاز دستوري للجهات الأمنية لتوفير الحماية والضمانات اللازمة لممارسة هذا الحق.
فالمسألة ليست تقييم مدى "ملاءمة" التظاهر للظرف الأمني، بل هو توجيه دستوري لتوفير ظرف أمني ملائم لسلامة المتظاهرين والممتلكات العامة.
لذا، ينبغي أن تكون الإجراءات الأمنية المصاحبة للتظاهر جزءًا من سلسلة تدابير تنظيمية واجبة، تُنفذ تلقائيًا لضمان ممارسة الحق، لا أن تُترك لتقدير مزاجي للمؤسسة الأمنية.
ومن الخطأ الجسيم الاعتقاد بأن حق التظاهر مشروط بموافقة الجهات الأمنية، بحيث إن لم تصدر هذه الموافقة يُعتبر الحق معلقًا أو ملغى، وهو ما يتعارض تمامًا مع نص وروح الدستور.
وبناءً عليه، فإن قرار حظر التظاهر في عموم البلاد خلال فترة انعقاد القمة العربية، من وجهة نظري غير مبرر، ويتنافى مع مبدأ التناسب والضرورة.

وإن اقتضت الضرورة الأمنية، يمكن للحكومة أن تُقيّد التظاهر في محيط مقرات القمة فقط (جغرفيا صغيرة) أما توسيع الحظر ليشمل جغرافيا تُقدّر بـ400 ألف كيلومتر مربع، فهو تقييد غير منطقي، ويمثل انتهاكًا مفرطًا لحق كفله الدستور.



#زيد_نجم_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روزاليند فرانكلين: العالمة المظلومة
- كيف يفكر خامنئي وكيف يفكر الشعب العربي؟
- نعم لإستثناء سيارات الأجرة من تسعيرة الوقود الجديدة
- شجرة رأس السنة الميلادية عراقية
- الاستقالات لحفظ السمعة أم تدنيسها
- الانسانية المزيفة و المسؤول
- أمام أنظار معالي وزير التربية العراقي
- حرية تعبير أم خطاب كراهية مقنع
- هبة مشاري ؛ عفية عراقية !
- مكافحة المحتوى الهابط وتعزيز الديمقراطية!
- الكوادر الطبية بين القطاع العام و الخاص
- قراءة مقتضبة حول قرار اوبك بلص الاخير بتخفيض الانتاج.


المزيد.....




- بضغطة زر واحدة.. طائرة تهبط وحدها ومراسل CNN يجرّبها بنفسه
- قرود شبيهة بكرة القطن تختبئ بعيدًا عن الأعين داخل -غابة مطير ...
- السعودية والإمارات وقطر.. ترامب يزور 3 من أغنى دول العالم فم ...
- وزير الخارجية المصري يجري اتصالين هاتفيين مع نظيريه العماني ...
- وسائل إعلام: سقوط صاروخ حوثي في السعودية استهدف إسرائيل
- قطع أثرية غامضة عثر عليها في روسيا تحير العلماء! (صور)
- لأول مرة.. استخدام مقاتلات -ميغ-35- الروسية الحديثة لاعتراض ...
- وزير الخارجية الألماني: سنواصل إمداد أوكرانيا بالسلاح إن است ...
- سوريا.. إحباط محاولة لتهريب صواريخ مضادة للدروع (صواريخ)
- المكسيك.. مقتل شخص وإصابة اثنين في حادث سقوط منطاد (فيديو) ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - زيد نجم الدين - حق التظاهر السلمي والموافقات الامنية