مزهر جبر الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 17:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(لماذا، لم تستفد الانظمة العربية من صراع القوى الكونية؟)
هل من الممكن والمنصف ان نلوم او نضع كل اللوم على النظام الرسمي العربي في السابق اي الذي سبق الربيع العربي او ما سمي بالربيع العربي ولا هو بالربيع عربي، بل هو خريف ربيعي بكل ماتعني الكلمة من معاني في مجالها؟ وهل نلوم الشعوب العربية وقواها الحية والتي ناضلت من اجل التخلص من التعبية للاستعمار سواء ما كان بنسخته المباشرة القديمة او بنسختيه الجديدة والحديثة؟ في الحقيقة لا هذا صحيح ولا ذاك صحيح. ان من يذهب في هذا اللوم في الاتجاهين نسي او انه تنسى؛ العامل الدولي الاستعماري؛ في كل نسخه. قافزا وبتحليل سطحي لا يمس جوهر الصراعات سواء في العالم او في المنطقة العربية، أو في جوارها؛ وحقيقة الظروف السياسية، في التوازنات الاقليمية التي خلقتها صراعات وتوازنات القوى الكبرى الدولية؛ في توليد او العمل على ولادة عرب السلطة. الذين، او ما تذهب تحليلا، تلك الكتابات؛ على انهم، اي الانظمة العربية، لم يستفيدوا من الصراع الكوني؛ في خدمة مصالح شعوبهم. من السذاجة اذا اخذنا هذه الكتابات على محمل النية الحسنة، وسلامة الطوية ونقاء السريرة، والا فان لها توصيف اخر.. كيف تستفيد الانظمة العربية، وهي في اغلبها صنيعة استعمارية بنسخته القديمة والجديدة والحديثة؟ وكيف تستفيد الانظمة العربية من صراع القوى الدولية الكبرى، وهو صراع في المنطلقات والتي هي مبنية على نهب ثروات الشعوب، وجني المغانم غير المشروعة في كل احوالها وظروف نهبها. ان هذه القراءات من وجهة نظر كاتب هذه السطور المتواضعة اذا كانت بحسن نية؛ تنم تماما عن قراءة سطحية لا تغور في اعماق وجوهر الصراع الكوني في العالم سواء بعد الحرب العالمية الاولى، او بعد الحرب العالمية الثانية، او في الحرب الباردة، او في عالم القطب الواحد. هذه القراءات من وجهة النظر الشخصية؛ تفتقر الى الوعي العميق في الفحص والبحث والتدقيق؛ للواقع الكوني بالصراع المباشر او الإنابي، التي تتحكم في مخرجاته القوى الكونية العظمى والكبرى؛ بما نتج عنها من توزيع للنفوذ والمغانم في تخادم امبريالي استعماري مرسوم سلفا حتى قبل نهاية الحروب، سواء الحرب الاولى أو الثانية أو الحرب الباردة، أو في عالم القطب الواحد الذي هو الآن على فراش الموت السريري، وان اختلفت الأخيرتين من حيث الادوات في الاجراءات والتنفيذ على ارض الواقع عن الاولى والثانية. بعد انتهاء كل هذه الحروب؛ نتج عنها حروب اخرى صغيرة، بين دول العالم الثالث، وبالذات الدول العربية في المشرق والمغرب، باستثناء دول الخليج العربية. وهي هنا؛ حروب وكلاء الكبار الذين يمسكون بكل مفاتيحها اشتعلا واطفئا حسب الحاجة والاستفادة منها وتحقيق جملة اهداف امبريالية استعمارية منها؛ بجعل شعوب هذه الدول تنزف دما، وخرابا وتدميرا لكل صعد الحياة في دولهم. هذه الحروب الصغيرة والمحدودة والمسيطر عليها جغرافيا؛ هي في حقيقتها، حروب الدول العظمى والكبرى، الغرض منها، او من الضغط على نابض وقيدها؛ هي حروب السيطرة والنفوذ على الدول العربية في الاقتصاد والتجارة والمالية والاهم الثروات، والموقع الاستراتيجي. ان ما سمي في حينها بالحرب الباردة بين قطبي العالم، وهما امريكا والاتحاد السوفيتي، مرورا بسيادة القطب الامريكي وتحكمه بالعالم وفيق قواعد ومعايير امريكية حتى هذه اللحظة والتي بدأ فيها العالم يتجه تماما الى عالم متعدد الاقطاب، في مرحلة انتقالية حبلى بكل التحولات والمتغيرات التي هي ايضا محفوفة بكل وبجميع مخاطر الانزلاق الى حرب كونية لا تبقي ولا تذر في عالم اليوم ان هي انزلقت الى متون حرب كونية واسعة وشاملة، مع ان هذا الاحتمال بعيد كليا لكنه ايضا له وجود على ارض الواقع. اعود الى الاسئلة التي في اعلى هذه السطور، واسئلة اخرى تقع في ذات المسار، وأخرى يقع اتجاه القراءة والتحليل لها في عين الطريق. هل الانظمة التي تم اقامتها على بقايا الامبراطورية العثمانية، اي في الوطن العربي تحديدا، هل او هل تمت بإرادة الشعب ام انها كانت صنيعة الإرادة الاستعمارية الفرنسية والبريطانية وغيرهما من دول الاستعمار الاوروبي في الوطن العربي؟ الأكيد ان دول الاستعمار هي من اوجدتها في حركة التفاف واحتواء تام ومنتج للثورات الشعبية التي اندلعت رفضا للاستعمار. ان هذه الحكومات العربية؛ كانت اداة استعمارية بكل ما تعني هذه المفردة من معاني وواقع موضوعي يتصل بمهامها وواقعها التنفيذي. السؤال هنا كيف لنا ان نقول هذه الانظمة لم تستفد من صراع القوى الدولية في حينها، اي في الزمن الذي سبق الحرب العالمية الثانية وهي اداة استعمارية لهذه الدولة الكبرى او لتلك الدولة الكبرى. ان من يقول ان هذه الانظمة ضيعت فرصتها في الاستفادة من وجود المستعمر على ارضها؛ لم يقم بالبحث والفحص والقراءة العميقة لتلك المرحلة التاريخية. اغفل تماما ان الاستعمار اي استعمار ليس من مصلحته للجهة التكتيكية او الاستراتيجية ان يُفِعلَ كل اصعد التنمية والتطوير، وما اقصده هنا هي اصعد التنمية الحقيقية على صعيد تطوير التفكير الانساني وتعميقه، فهذا التوجه يتقاطع كليا مع غاياتها او اهدافها من بسط سيطرته من خلال وكلاءه في سلطة البلد او الوطن المستعمر من قبله. ان الاستعمار الذي سبق الحرب العالمية الثانية؛ كان قد قام بتنمية تغذية كل الصراعات داخل البلد او الوطن الواحد، سواء من الناحية الايديولوجية، او العرقية او غيرهما بما يتخادم مع كل غاياتها. لا يمكن اغفال ان الانظمة العربية؛ كانت انظمة دكتاتورية او انظمة قادمة من القرون الوسطى؛ مارست كلها وخدمة لراعيها الاستعماري ولضمان استمرار ديمومة وجودها على رأس السلطة؛ جميع انواع وفنون الاستبداد والظلم، وتوزيع الفقر والجهل او التجهيل بالتساوي على جميع الناس. بعد الحرب العالمية الثانية، وفي بداية النصف الاول من القرن العشرين وفي ظل الحرب الباردة بين قطبي العالم، امريكا والاتحاد السوفيتي؛ قامت ثورات على عرب السلطة او على الانظمة القائمة في ذلك الوقت، في المغرب العربي وفي المشرق العربي، وكانت ثورات حقيقية تماما عند خط شروعها واهداف هذا الشروع، لكنها سريعا، صارت نسخة معادة لسابقاتها، حتى ما كان لها ان تكون افضل من سابقاتها، لناحية مصادرة الرأي الاخر وحرية التعبير ومحاربة تعدد القوى السياسية التي تنتج الحيوية والنشاط السياسي والثقافي والاجتماعي، في الوطن العربي، او في الاوطان العربية التي طالها هذا المتغير الثوري. مما نتج عنه صراع داخلي ضيع على الاوطان العربية، فرص اكبر واكثر كثيرا من التي كانت، اي التي قامت بها هذه الانظمة الثورية في البناء والتنمية الحقيقية، اي قلص الى حد كبير القابلية وتوفر الموارد لأحداث تنمية اعمق واشمل واوسع مما كانت و قد حصلت، او للحقيقة والواقع احدثتها تلك الانظمة الثورية والدكتاتورية والمستبدة. في هذا كله كان للقوى الدولية او صراع القوى الدولية وبالذات في الحرب الباردة دورا كبيرا جدا في تغذية هذه الصراعات بين الانظمة العربية الثورية والدكتاتورية والطاغية في وقت واحد؛ من خلال توزيع الايديولوجيات والولاءات، وتغذية ايضا الصراعات العرقية بين هذه الانظمة الثورية الدكتاتورية والاقليات في اوطانها؛ في العراق وفي السودان وفي غيرهما من الاوطان العربية. في هذه الحالة وهي حالة واقعية وموضوعية لا يمكن لها، للسلطة الثورية الدكتاتورية والمستبدة؛ ان تلعب دورا لصالحها، مستفيدة من صراع قطبي التنافس السلطوي على العالم؛ وهما، اي القطبين، لهما وكلائهما في الاوطان العربية، سواء ايديولوجيا او عرقيا والاخير عملية تخادمية بين الاقلية العرقية وراعيها وداعمها القطب الدولي هذا او القطب الدولي ذاك. النظام الثوري الدكتاتوري ذاته؛ حفاظا على سلطته الثورية الدكتاتورية والظالمة؛ يوالي هذا القطب او ذاك القطب، اي لا يكون حرا في قراره السياسي والاقتصادي، في احيان كثيرة وبالذات في المفاصل ذات النتائج الاستراتيجية منها. في كل هذا الذي حدث وللأسف لايزال يحدث حتى اللحظة، في اغلب الاوطان العربية؛ كان للقوى العظمى والقوى الاقليمية الكبرى دورا رئيسيا فيها، ان لم اقل هو كلي الانتاج والاشتعال، وفي. تنوع وتعدد الاصطفاف التي يدعمها في الوقت الحاضر، او تدعمها القوة العسكرية والمالية والسيطرة على الثروات توزيعا بين قطبي التنافس، في ليبيا والسودان وفي غيرهما.
#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟