أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - موقفان متوافقان لجهتين متعارضتين















المزيد.....

موقفان متوافقان لجهتين متعارضتين


مزهر جبر الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 8300 - 2025 / 4 / 2 - 20:51
المحور: الادب والفن
    


(موقفان متوافقان لجهتين متعارضتين) قصة قصيرة
عندما وصلت الى سجن الصيد نايا؛ ابصرت شرطيا؛ يقف ليس بعيدا عن بوابة السجن وعن جموع الناس. وقفته هذه استفزتني، أو دفعتني لمعرفة سر وقفته هذه، في هذه الدقائق المشحونة بالخوف والترقب، بالنسبة لمهنته، على مقربة من جموع مكلومة. بين سؤال مني له، عن عمله، وامور اخرى ملموسة رأيتها فيه، اثارتني، وبين جواب مختصر، أو بآيمه منه إليَ عن اسئلتي له. تأكدت، أو هكذا صوره لي خيالي؛ من انه مضطربا وخائفا وقلقا بطبيعة اجوبته التي كانت فيها تأتأة، رغم انها من كلمة واحدة، نعم، لا، أو يصمت بلارد. يرفع رأسه فوق رأسي، او يديره الى احد جانبيَ؛ ينظر الى بوابة السجن مرة، وأخرى الى بوابة مؤسسة الأمن، حيث جموع الناس في المكانين. اثناء كل هذا يدمدم بكلمات غير مفهومة، او فيها تأتأة، او شيء منها في مخارج الكلمات التي تخرج من فيه رغما عنه، عندما يبحلق مليا في الجموع. تأكدت من انه، في محاولة منه؛ يتجنب اسئلتي له، أو انه مشغولا بأمر ما، لم يشأ ان يفصح عنه لي؛ على هذا الشكل كان خيالي يرسم لي صورته في ذهني. فقد كان تقريبا كل جزء من جسده يرتجف، أو انه، أو هكذا رأيته في وضعه هذا، الذي هو فيه؛ من ترقب يجلله الخوف والقلق والاضطراب على قاعدة من الحرص في البحث عن أحد ما. لكن الأمر الذي اثار استغرابي، او هو اني؛ رأيته على الرغم من خوفه هذا؛ كان يحتضن كيسا، كيسا كبيرا، من البلاستك القوي، بكلتا يديه، على صدره تماما؛ كأن اريج حياته في هذا الكيس، او كأن سلامته وامنه الشخصي يستقر هنا في الكيس. كما انه لم يعطني اجابة عن ما فيه، رفض رفضا قاطعا، بصمت مطبق تماما. الشيء الأخر الذي استفزني، او اثار في نفسي البعض من الشك؛ هو انه لم يتحرك، او لم يذهب بعيدا عن بوابة السجن العملاقة، أو لم يفر كما فر اقرانه قبل وصول او تواجد الناس في الساحة وعلى مسافة قريبة جدا من المؤسسة الامنية، والتجمهر الكبير في المكانيين؛ بدايته امام بوابة السجن، ونهايته في الساحة، حيث ابواب المؤسسة الامنية. أذ، كان كما قال هو لي، في المرة الوحيدة التي تكلم معي فيها بوضوح؛ من انه، واحدا من الذين يعملون في السجن. بعد جملته هذه، صمت، لم يتوسع في الشرح عن مهام اعماله، او ماهية عمله في السجن، رغم الحاحي عليه. سألته، لماذا لم تذهب كما غيرك ذهب، قبل الآن؟ امتنع على الاجابة بهزة قوية من رأسه، حتى اني تصورت من ان الخوف الذي كان كما تصورت، انه ضحيته، قد افترسه. لكنه بعد دقيقة او دقيقتين؛ قد تغلب هو على خوفه، او ان الخوف غادر خلجات نفسه في هذه اللحظة. فقد استعاد تماسكه كليا، وجدتني اتلمس تماسكه هذا، حين بدأ يبحلق بعينيه في جميع الاتجاهات، إنما ركز عينية على تجمع من الناس، كان كبيرا جدا، وكان ايضا على شكل دائرة، قبالة بوابة المؤسسة الأمنية. قلت مع نفسي وانا لا ازال امامه اقف:
-: ربما هو يبحث عن مخرج له او عن طريق النجاة له، فقد سدت جموع الناس كل مخارج الطرق والجادات الى الازقة والدروب الفرعية. مع اني في قرارة نفسي او حسب حتى اللحظة ما رأيت؛ من ان احدا من الناس، لم يقم بما كان هذا الشرطي خائفا منه. لذا، وكي اجعله يطمئن اكثر، قلت له مع اني احسست بتغيره، باستعادته استعادة كلية رابطة جأشه
-: لا تخف مني، أنا كاتب صحفي؛ ابحث عن الحقيقة اولا واخيرا، ليس مني فقط، بل حتى من هؤلاء الناس، لأنهم هنا في البحث عن محبيهم، من الأهل والاخوان والابناء وربما غيرهم. ثم انت شرطي مأمور لا علاقة لك بكل هذا الذي جرى؛ لأنك ليس سوى مأمور، وليس صاحب قرار وأمر. أجابني، اجابة كانت لي مفاجأة، او لم اكن اتوقعها منه، حتى هذه اللحظة.
:- المسألة اكبر واعمق مما صورها عقلك لك، المسألة كلها ليس خوفي على حياتي ابدا، لأني اعلم من ان ليس هنا او هناك، أو في اي مكان أخر، من له القدرة او ان في نفسه امكانية ان يقدم على الحاق الأذى بي. ثم اخذته صفنه وهو يحدق مليا في لمة الناس التي بدأت تكبر، وهي تتحول على شكل دائرة. قلت مع نفسي:- ربما الرجل صدم بسقوط النظام وهروب رئيسه، مما اثر سلبا، على توازنه العقلي. لازال يرتجف. أذا، لماذا ترتجف، اذا، لم تكن خائفا؟ اجابني:- انه البرد. ثم أني ضابط عسكري مجند، جندت قبل اشهر من الآن، حال تخرجي من كلية القانون والسياسة. ووضعوني هنا، للعمل كضابط شرطة عسكرية، اقصد امن السجن، لم اكن راغبا فيه ابدا. الأمر الأخر حين سقط النظام، قبل ساعة او اقل او اكثر؛ كنت في البيت. إنما عندما سمعت بسقوطه؛ جئت الى هنا مسرعا، ارتديت ملابسي العسكرية، من دون ان اضع الرتبة على كتفيَ، ومن دون ان البس تحتها ما يدفع عن شدة البرد؛ ليس لأني خائفا، بل لأني كنت في عجلة من امري. تحرك ببطء مبتعدا. تركته واندفعت مسرعا الى اللمة شديدة الازدحام بالناس، هي نفسها، او هي ذات الدائرة التي كنت قد رأيتها قبل دقائق قليلة، إنما هذه اللمة قبل دقائق كانت قليلة العدد، لم اعرها الاهمية، حين كنت في حوار مع الشرطي هذا، او مع ضابط الشرطة الامنية هذا، حسب ما ادعى. اصبحت الآن مكتظة اكتظاظا شديدا بالناس، الذين يتدافعون الى مركز الدائرة. عندما صرت واحدا من زحام الناس؛ عرفت سبب تدافعهم. كان هناك رجل يخطب فيهم، او الاصح يسرد سردا بدى لي مؤثرا عن حياته في السجن. وقفت، بعد موجة من التدافع لأكون قرب رجل؛ كأنه قلم رصاص لجهة جسده الرفيع، أو ان جسده كان كخيط الحرير، كان جسد الرجل ضامرا حتى اني تصورت من انه لسوف يخر ساقطا على الارض في اية لحظة. كما ان وجهه كان شاحبا ابدى لي كأنه قد من الشمع. اقتربت منه خطوتين؛ اصبحت لصقه. رغم الشحوب وضعف الجسد، كان صوته جهوري واضحا وضوحا كاملا، الكلمات وهي تخرج من فيه، كانت رصينة جدا، وصياغته للموضوع الذي تابع سرده. فقد كان قد بدأ السرد قبل مجيىء إليه، صياغة متسقة ومفهومة وواضحة كل الوضوح. تيقنت من ان الرجل على الرغم مما مر به؛ يتمتع بحضور طاغ، وسيطرة وتمًكن كاملين. من بين ما قال، او ما هو يتابع القول فيه، قوله
-: كل الحقائق هذه كنت قد سلجتها في سجل كبير..
انشغلت عنه او عن ما كان يسرد قولا، بإخراج هاتفي النقال من حقيبتي المعلقة بحمالتها على كتفي.
قربت هاتفي من فيه، قربا يتيح للهاتفي النقال، تسجيل واضح لسرد هذا الرجل، الخارج توا من سجن صيد نايا.. كانت مفاجأة حين فتحت الابواب، في البداية او الوهلة الاولى اخذني الخوف، فقد كنت قد تعرضت للتعذيب، على مدار شهر كامل. ثم توقفوا عن تعذيبي منذ اسبوعين. كان كل هذا التعذيب هو ان اكشف لهم، مكان السجل، او في اي مكان اخفيته. حتى وصل خيالهم على اني ربما كنت قد سربته، بطريقة او بأخرى خارج السجن. كانوا يطلبون مني ان ادلهم عليه، او اسلمه طوعا لهم، او ان اعلمهم في اي مكان هو الآن خارج جدران هذا السجن. كنت اقول لهم وانا تحت التعذيب، كيف اخرجه، وهو، لم يكن له وجود إلا في خيالكم. قلت لهم، وأنا تحت التعذيب:- ان كان له وجود، اسألك اين اختفى؟ فقد فتشتوا كل زوايا السجن، لم تبق بوصة من ارض السجن لم تقلبوها. ثم انكم تسألوني عن الكيفية التي بها سربته خارج جدران السجن، كيف اعمل على تسريبه، وأنا في سجن انفرادي، منذ اكثر من سنة؛ لا ألتقي بأحد ولا احد من السجناء يلتقي بي، وليس هناك من يزورني مطلقا؛ لأنكم منعتوا زيارات اهلي لي منذ سنتين. استمروا في تعذيبي، إلا اني صمدت على الرغم من قسوة ما تعرضت له من تعذيب، لم يتمكنوا من معرفة مكانه ابدا. كنت احرص عليه حرصا اكثر واقوى من حرصي على حياتي. فقد دونت فيه؛ أرائي كلها، وهي وبكل تأكيد حين يعثروا عليه، ويقرأوا ما فيه؛ تكون عندها نهايتي الحتمية، ونهاية أخرين غيري. لذا ولأسباب اخرى؛ صمدت ولا افاخر اذا اقول لكم لو استمروا في تعذيبي اشهر اخرى لما افصحت عن مكانه ابدا. تقولون.. ماذا تقولون؟
:- انت بطل
:- كلا انا لست بالبطل؛ البطل هو..
هنا وفي هذه الثانية، او قل في رمشة جفن العين هذه؛ دوت في المكان صرخة او صيحة..
-: استاذ عماد، انه هنا، هذا هو، كانت يداه تهز بالسجل عاليا فوق الرؤوس.. بعد ان اخرجه من الكيس البلاستيكي..
ألتفت الى صاحب الصرخة او الصيحة؛ فاذا به صاحبي الشرطي او الضابط العسكري المجند، في الشرطة العسكرية الامنية.



#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امريكا ترامب كما امريكا بايدن.. مشاركة في جرائم الكيان الاسر ...
- قراءة في رواية صوفي..علاقة جدلية بين حس العدالة وتطور العقل ...
- الخطة العربية لأعمار غزة.. الشيطان في التفاصيل
- القوة والقدرة تحميان..
- امريكا وايران.. الانتقال من حافة الهاوية الى منصة التفاهم وا ...
- امريكا ترمب، واسرائيل نتنياهو: اشهار الحقيقة الاجرامية والنع ...
- الاحتلال لايؤسس اعمدة لدولة قوية، بل يؤسس ركائز لدولة ضعيفة
- العراق بين سندان الحياد المعلن ومطرقة العقوبات الامريكية
- سوريا الجديدة..
- خطوات الى المجهول
- الشرق الاوسط الجديد..مشروع امريكي اسرائيلي
- سوريا الجديدة..فلسطين..هل هناك طبخة تعد لهما في القنوات الخل ...
- قراءة في كتاب الحرب للكتاب الامريكي بوب وود بورد/ 2
- قراءة في كتاب الحرب لبوب وود بورد
- الحكومة التي تمثل الشعب؛ لايمكن ان تشكل تهديدا لإسرائيل
- لماذا فشلت الدول العربية..
- لماذا سقط النظام السوري سقوطا دراماتيكيا ومذهلا؟
- قوى الإرهاب: وكلاء ليسوا احرا في قرار الحرب والسلم
- تريكا، الكيان الاسرائيلي، امريكا: هم الداعمون للإرهاب بكل اش ...
- اسرائيل نتنياهو: التخادم بين نتنياهو وحكومته العنصرية؛ قد لا ...


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - موقفان متوافقان لجهتين متعارضتين