أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالناصرعليوي العبيدي - التعايش في سوريا: حقيقة يفرضها التاريخ والواقع














المزيد.....

التعايش في سوريا: حقيقة يفرضها التاريخ والواقع


عبدالناصرعليوي العبيدي
شاعر وكاتب حاصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية

(Nasser Aliwi)


الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 08:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس التعايش في سوريا أمنية حالمة، بل هو حقيقة فرضها التاريخ وكرّستها الجغرافيا واللغة والدين والمصير المشترك. فسوريا ليست بلدًا جديدًا على التعدد، بل هي أرض تلاقت فيها الشعوب السامية منذ قرون، وامتزجت فيها الهويات دون أن تذوب. فغالبية السوريين من أصل سامي، ويتحدثون اللغة العربية التي تنحدر من الجذر اللغوي ذاته مع السريانية، بل إن بعض المفردات والتراكيب لا تزال حاضرة في لهجات الناس اليومية.

وإذا كان الأصل واللغة يجمعاننا، فإن الدين يزيد هذا القرب رسوخًا. فالعرب والأكراد، ورغم ما يُصوَّر من خلاف، يجمعهم الإسلام، والدروز والعلويون ينحدرون من قبائل عربية عريقة، لا يختلفون في الجذر عن سائر أبناء هذه البلاد. لقد عاش السوريون قرونًا دون أن تقسمهم هذه الانتماءات، فما الذي تغير اليوم؟

الغريب أن السوري حين يهاجر إلى مجتمع غربي، يبذل كل ما في وسعه ليحصل على المواطنة، ويحترم قوانين البلد الذي لجأ إليه، بل يُظهر حرصًا شديدًا على الاندماج. فلماذا، في بلادنا، نرمي بالمواطنة ونستحضر العرق والطائفة؟ هل هناك دستور في العالم يضع مجموعة دينية أو قومية فوق الدولة؟ وهل يمكن لدولة أن تُبنى على مبدأ المحاصصة الطائفية وتستقر؟

إن من المؤسف أن البعض يطالب اليوم بإعادة إنتاج النظام الطائفي الذي أسسه حافظ الأسد، أو استيراد فكر عنصري تفكيكي نادى به عبد الله أوجلان. وكأن قدر السوريين أن يتأرجحوا بين طائفية السلطة وانفصالية المعارضة. وهذا وهم. فقد أثبت التاريخ أن السوريين عاشوا متحابين، متعاونين، يتشاركون الهمّ والفرح، ولم تحمِهم طائفة أو حزب، بل حمتهم روابط الانتماء والاحترام المتبادل.

العصر الذي نعيشه يفرض علينا أن نكون عقلاء. لا حماية لنا إلا بدولة مواطنة، يكون فيها الجميع متساوين أمام القانون. لا مجال بعد اليوم لدولة الطوائف أو الأعراق. فالدول الحديثة تُسمّى غالبًا بلغة الأغلبية وثقافتها، دون أن يعني ذلك قمعًا للآخر. فرنسا ليست كلها فرنسيين، وألمانيا ليست كلّها ألمانًا. ولكن الجميع فيها يحترم القانون، ويتحدث لغة الدولة، ويمارس حريته الدينية والثقافية دون خوف أو وصاية.

المفارقة أن المسلمين، الذين أصبحوا أقلية في كثير من دول الغرب، تُحترم عباداتهم هناك، وتُبنى لهم المساجد، وتُقر لهم الحقوق، بينما في بلادهم الأصلية، يُطلب منهم خفض صوتهم، وتُفرض عليهم هوية مائعة باسم "العلمنة". فهل أصبح الإسلام اليوم هدفًا للشيطنة في قلب دياره أكثر مما هو في بلاد المهجر؟

أنا ضد أن يُحدّد دستور الدولة دين أو عرق رئيسها، أو أي منصب فيها. مثل هذه الأمور تُترك لإرادة الشعب، يحددها عبر صناديق الاقتراع. لا يحق لأي مجموعة أن تفرض قوانين فوق دستورية لتحقيق مكاسبها الخاصة، ولا أن تحوّل البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات العقائدية.

سوريا اليوم بلد منهك، تتكالب عليه الأطماع من كل حدب وصوب، ولا يجوز أن نتيح الفرصة لأعدائنا عبر صراعات داخلية لا تخدم إلا المصالح الضيقة. الإعلان الدستوري اليوم ليس أكثر من مرحلة انتقالية، أما الدستور الدائم، فيجب أن يكون عقدًا اجتماعيًا ناضجًا، يُصاغ بإرادة الشعب وحده، ليحدد شكل الدولة، اسمها، علمها، نشيدها، ونظام حكمها.

لا يحق لأحد أن يحتكر الحديث باسم الشعب بينما يرفض خياراته. لا يحق لمن يطالب بدولة علمانية أن يسير خلف رجل دين ويمنحه العصمة، ولا لمن يدّعي الديمقراطية أن يفرض تصوراته على الأغلبية. وإذا لم تتحقق رغباته، يطالب بالانفصال في بقعة لا توافقه الرأي أصلاً.

نحن لا نحتاج إلى تمزيق جديد، بل إلى وعي وطني جامع. إلى دولة يسودها القانون، لا الولاء للطائفة. دولة تحتضن الجميع، وتمنح لكل فرد حقه الكامل، لا أن تُبنى على هويات ضيقة تختزل الوطن في لون واحد.



#عبدالناصرعليوي_العبيدي (هاشتاغ)       Nasser_Aliwi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سهام الغدر
- نرجيلة وسبايا
- مهر الحرية
- هل غزو العراق: احتلال أمريكي لبناء مشروع إيراني؟
- القومية العربية: الضحية الأولى لحزب البعث العربي الاشتراكي
- عندما يتحول الوطن إلى شركة مساهمة: -إذا لم تربح نبيعه-
- عيد بطعم الحرية
- الحكومة السورية الجديدة: حكومة كفاءات أم حكومة إملاءات؟
- هل فشلت الثورة المضادة
- **غزة بين غدر الأصدقاء وخذلان الأشقاء**
- **أزمة الحدود اللبنانية السورية: عندما يُختزل الوطن في ظل -ا ...
- سوريا الجديدة: الواقع يفرض نفسه، والحكمة تقتضي التعايش


المزيد.....




- أبرز المشاهير ونجوم هوليوود في زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز ...
- رئيس مجلس النواب الأمريكي يوجه رسالة لإيران بشأن المفاوضات - ...
- خان أمريكا ودخل السجن.. من هو نوشير غواديا مهندس طائرة الشبح ...
- روسيا تستولي على مستودع ليثيوم استراتيجي في أوكرانيا.. هل تن ...
- التطلعات الأوروبية في الخليج - مجرد صفقات سلاح؟
- مخرجات قمة الناتو في لاهاي في عيون الصحافة الألمانية والغربي ...
- السلوقي التونسي: كنز تراثي مهدد بالانقراض
- غرينلاند .. حين ينكسر الصمت
- -أطباء بلا حدود- تطالب بوقف مؤسسة غزة الإنسانية وسط اتهامات ...
- جامعتا هارفارد وتورنتو تضعان خطة طوارئ للطلبة الأجانب


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالناصرعليوي العبيدي - التعايش في سوريا: حقيقة يفرضها التاريخ والواقع