أحمد شيخو
كاتب وباحث سياسي
(Ahmed Shekho)
الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 08:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سوريا بين الأمس واليوم، لن يكون التغيير سليماً أو محققًا للأمن والاستقرار القائمين على الحرية والديمقراطية، من دون إنهاء الوصاية الإقليمية والعقلية الأحادية، وبدء حوار وتفاهم لتشارك كافة السوريين في بناء دولة ديمقراطية لامركزية تحفظ حقوق كل المكونات وتصون وحدة سوريا وسيادتها.
أحمد شيخو-القاهرة
لم تكن سوريا جغرافيةً وشعباً وبلداً كياناً وتكويناً عادياً في قلب الشرق الأوسط، بل كانت دائماً حاضنة للتنوع والتعدد، ومسرحاً للقاء الشعوب والأديان والمذاهب، ونقطة ارتكاز إقليمي نحو العالمية، ومسرحاً للتجاذبات الإقليمية والدولية، لما لها من موضعية حساسة وأساسية في تركيبة النظام الإقليمي إلى الدولي من التاريخ إلى اليوم.
8 ديسمبر: نقطة تحول مفصلية
يفصل تاريخ 8 ديسمبر نقطة مهمة وتحولاً كبيراً في تاريخ سوريا، نتيجة للتغير الذي حصل في سقوط نظام البعث وحكم بيت الأسد ودولتهم الأمنية القمعية، ووصول هيئة تحرير الشام، المعروفة خلفيتها وماهيتها للجميع، إلى سدة الحكم في دمشق، نتيجة وجود إرادة دولية وإقليمية أرادت أن تنتقل سوريا إلى موضعية سياسية جديدة. ونعتقد بذلك أننا وصلنا إلى نهاية اتفاقية سايكس بيكو والالتزامات المرتبطة بها.
أسئلة المرحلة الجديدة
ما نحاول تسليط الضوء عليه هو:
• أين تمضي سوريا؟ وهل المسيرة الجارية صحيحة؟
• هل هناك مؤشرات لحصول التغيير وتحقيق هدف الحرية الذي طالب به السوريون؟
• هل تخلصت سوريا من عهود الانتداب والوصايات؟
• هل فعلاً يشعر الشعب السوري أن المسار الموجود في دمشق بعد 8 ديسمبر هو الطريق الصحيح لبناء دولة تتحقق فيها الحرية والديمقراطية، ويتشارك فيها جميع مكونات الشعب السوري، ويتم توزيع الثروة والسلطة بشكل عادل؟
للإجابة على هذه الأسئلة المهمة، لا بد من الحيادية والواقعية والعلمية في الرصد والتحليل.
واقع ما بعد 8 ديسمبر: تعقيدات وتحديات
نعتقد أن سوريا بعد 8 ديسمبر، وخاصةً مع وصول هيئة تحرير الشام إلى القصر الرئاسي، أصبحت أمام واقع معقد نظراً لطبيعة وماهية وخلفية هذا التنظيم، وكذلك مشروعه وتجربته في إدلب التي كانت بعقلية وممارسة الفصيل واللون الواحد.
ومن المؤسف أن نقول: إنه رغم التصريحات والبيانات الإيجابية، وكذلك رغم الألبسة المتغيرة، إلا أن القاعدية الجهادية وجوانبها الغامضة، واستفرادها بالحكم، ومحاولتها "أسلمة" المجتمع والدولة السورية، هي التي سادت إلى اليوم، وأعطت رسائل سلبية ومحبطة لعدد كبير من السوريين.
مؤشرات سلبية وتحذيرات من الانزلاق
من اجتماع التنصيب وتعيين الرئيس من قبل جملة من الفصائل العسكرية التابعة والقريبة من الهيئة، إلى موضوع الحوار الوطني الشكلي، والإعلان الدستوري المعد والجاهز من قبل الاستخبارات التركية، وصولاً إلى مجازر الساحل والاشتباكات والهجمات التركية التي استمرت من 8 ديسمبر وحتى اليوم في سد تشرين ضد الكرد، ولو أنها توقفت بشكل جزئي قبل أسابيع، وصولاً إلى الهجوم على الدروز، نرى أنها علامات ومؤشرات تبين أننا أمام واقع صعب قد ينزلق إلى دهاليز قاتمة وحروب أهلية.
مخاوف داخلية وإقليمية من الهيمنة الجهادية
كما أن وجود مقاتلين أجانب وتكفيريين على رأس مؤسسات عسكرية وأمنية سورية يزيد التوتر والقلق لدى الشعب السوري، وكذلك لدى الدول الإقليمية والعالمية. وبالرغم من أن هذه الجزئية ما زالت موضع انتقاد، إلا أن سلطة هيئة تحرير الشام لم تستطع أن توجد حلاً لهذه الإشكالية. وما زُعم من موضوع حل الفصائل ودمجها في وزارة الدفاع والمؤسسات الأمنية لم يتم بالشكل الفعلي، بل حصل في الإعلام والبيانات، فما زالت العديد من الفصائل، وخاصة في شمال سوريا، تأتمر بالأوامر التركية أو أوامر قادتها الخاصة.
غياب التشاور الوطني ومخاوف من الاستفراد
لم تتشاور هيئة تحرير الشام مع القوى السياسية الوطنية، ولا حتى الديمقراطية، ولا حتى العسكرية التي لا تتبنى رؤيتها. بل تشعر الهيئة بالخوف والقلق من القوى السياسية والمجتمعية المنظمة، وكذلك من المنشقين العسكريين السابقين، وحتى أنها لا تثق بالمجموعات الإسلاموية القريبة منها.
لكنها تقول للعالم وتوحي إنها تسير بخطوات معقولة، ولكنها تنفذ إجراءات شكلية وسريعة تريد بها أن تتحايل على السوريين وعلى المجتمع الدولي. ولكن الأمور بهذا الشكل لن تكون صحيحة ولا نافعة ولن تمر.
فشل في بناء مؤسسات وطنية جامعة
من أهم المواضيع التي يراقبها الخارج والداخل هو بناء المنظومة العسكرية والأمنية السورية بعد 8 ديسمبر. فأعتقد أن الهيئة فشلت في بناء مؤسسات دفاعية وأمنية وطنية سورية، وأبسط الأدلة هو منح الرتب للمقاتلين التكفيريين الأجانب، ووضعهم في مناصب قيادية، وخاصة في قيادة الفرق العسكرية.
في المقابل، لم تتمكن الهيئة من التوافق المطلوب مع القوى العسكرية الوطنية السورية، كقوات سوريا الديمقراطية، التي تضمن كافة مكونات الشعب السوري، وكان من المفترض ضمها بشكل توافقي لتكون حاضرة ضمن المنظومة الدفاعية.
الواقع الاقتصادي والأزمة الاجتماعية
من التحديات التي ما زالت حاضرة أن الهيئة غير قادرة على حل الواقع الاقتصادي، وتأمين احتياجات الناس وعودتهم لمناطقهم وبيوتهم ومزارعهم. بل زادت الطين بلة بممارساتها وتعييناتها الغامضة.
كما أن رفع العقوبات عن دمشق يحتاج إلى تجاوب هذه السلطة مع الانتقادات والشروط الخارجية، التي بعضها يتعلق بصلب العملية السياسية، ومشاركة المكونات، وكذلك بموضوع مكافحة الإرهاب ومواضيع أخرى.
ولا تزال العديد من المخيمات وأهالي المدن والمناطق ينتظرون أن تتهيأ الأرضية والظروف ليعودوا، كمنطقة عفرين ورأس العين وتل أبيض وغيرها من المدن والقرى.
القضية الكردية وتجاهل المطالب المشروعة
من الإشكاليات المهمة بعد 8 ديسمبر هو كيف تنظر سلطة هيئة تحرير الشام (الحكومة الانتقالية) إلى أهم قضية في سوريا، وهي القضية الكردية. فالشعب الكردي من أكثر من عانى من النظام البعثي القوموي.
ورغم اتفاق الأحزاب والقوى والفعاليات المجتمعية الكردية على وثيقة سياسية واضحة لرؤيتهم لبناء الدولة السورية وحل قضيتهم الكردية، والتي تتلخص في النظام اللامركزي والاعتراف بالشعب الكردي ولغته إلى جانب اللغة العربية، إلا أن موقف دمشق والرئاسة كان موقفاً غير مسؤول وواقعاً تحت الضغط التركي، وكأن الرئيس السوري هو الوالي التركي على الولاية التركية 82، واسمها سوريا.
الوصاية التركية: عائق أمام السيادة السورية
أما موضوع الوصاية والانتداب، فبدون شك يلاحظ الجميع مدى النفوذ التركي على سلطة هيئة تحرير الشام. وأعتقد أن موقف سلطة دمشق حول القضية الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية، ومن قضايا عديدة أخرى، هو بالتأكيد ناتج من النفوذ والضغط التركي وعداء تركيا للشعب الكردي في كل الأماكن، رغم نداء السلام والمجتمع الديمقراطي للقائد عبد الله أوجلان، ورؤيته لعودة العلاقات التاريخية بين الشعوب وحل القضية الكردية وفق البنية القانونية والسياسية.
لن تستطيع سوريا الوصول إلى بر الأمان وتجاوز المرحلة الانتقالية الحرجة والهشة طالما بقي التركي هو الوصي على سوريا، لأن الأولويات التركية تختلف عن الأولويات السورية، ولا يمكن لسوريا أن تجد الاستقرار والأمان طالما بقي الاحتلال التركي ووصايته على قرارات السلطة في دمشق.
صراعات إقليمية مستمرة وتناقضات في المواقف
التنافس والصراع الإقليمي لم ينتهِ حول سوريا، بل دخل مرحلة جديدة، رغم تراجع النفوذ الإيراني وإضعاف الدور الروسي، وتؤكد المناكفات والتصريحات المتبادلة، خاصة بين تركيا وإسرائيل، أن المنطقة تشهد إعادة تموضع وتحالفات غير مستقرة.
ورغم أن التصريحات التركية ضد إسرائيل تبدو حادة وهجومية، بهدف كسب الرأي العام الداخلي والعربي والإسلامي، ورغم انعدام الثقة المتبادل بين الطرفين، فإن المؤشرات تُظهر أن الاتفاق بين تركيا وإسرائيل بات شبه حتمي، في ظل الحضور الأمريكي وضمان مصالح إسرائيل، وذلك لأسباب متعددة تتعلق بالاستراتيجية الإقليمية وتوازنات القوى، وإلا ستكون تركيا أمام مرحلة صعبة يدركها بعض الساسة الأتراك.
خاتمة: طريق الإنقاذ السوري
يبقى المسار الداخلي السوري أمام سيناريوهات عديدة مقلقة، خاصة بوجود قوة تعتقد أنها حررت لوحدها، وكأنه لم يكن هناك ترتيبات دولية وإقليمية، ناهيك عن 14 سنة من الحرب والمعاناة، ووجود التحالف الدولي في سوريا وأن من حقها أن تقرر كل شيء، وتفرض رؤيتها الأحادية في الحياة وبناء الدولة وهويتها، دون التشاور مع كافة المكونات وشرائح المجتمع السوري.
بهذه العقلية والسلوك، تضع سوريا على صفيح ساخن، وتجعلها بؤرة للتوتر والاشتعال والتدخل الخارجي والتقسيم. ولا نعلم هل يستمر المشهد السوري بهذه الوجوه والتنظيمات والفصائل، أم سنكون أمام تغيّرات جدية، وخاصة بعد مجازر الساحل بحق المكون العلوي، وهجمات جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا والسويداء بحق المكون الدرزي، وبعد الموقف الرافض لإرادة المكون الكردي، ومحاولة إخضاع غالبية السنّة والقوى القومية والوطنية العربية السورية.
نحو دولة سورية عادلة لا مركزية
لا تستطيع أقلية أو فئة أو جزء أو حزب لوحده أن يحكم في سوريا المتنوعة والمتعددة القوميات والأديان والمذاهب. وإن حَكَم، فلن يكون إلا تكراراً لحكم بيت الأسد ونظام البعث، ويكون أداة لقوى خارجية.
وهنا نرى أن التشارك الوطني، ووجود وحضور كل القوى والمكونات السورية، والحوار والتفاهم بينهم بملكية سورية ووفق أولويات سورية، ومن دون تدخلات ووصايات إقليمية، والتوزيع العادل للسلطة والثروة بشكل لامركزي ديمقراطي، هي الأرضية السليمة والشروط الصحيحة لبناء دولة سورية مستقرة تحفظ وتصون حقوق كل المكونات السورية.
ولعل أحد التجارب السورية الممكن دراستها والاستفادة منها في هذا المجال، هي تجربة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، ونجاحها في تحقيق السلم الأهلي ومحاربة الإرهاب والاحتلال التركي وحماية وحدة وسيادة سوريا.
كما لا بد أن نشير إلى أن التفاعل الإقليمي الصحيح، والمكان الطبيعي لسوريا للوصول للاستقرار الداخلي والإقليمي، هو تكاملها مع محيطها العربي والمجتمع الدولي، ومساعدة الأشقاء من الشعوب والدول العربية، حتى لا تكون سوريا وشعبها ودولتها تحت رحمة ووصاية قوى إقليمية لها مشاريع توسعية واستعمارية قائمة على بث الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن السوري الواحد، ودعم التنظيمات الإرهابية.
#أحمد_شيخو (هاشتاغ)
Ahmed_Shekho#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟