سامي مهنا
الحوار المتمدن-العدد: 8329 - 2025 / 5 / 1 - 22:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا تزال قضيّة سرعة سقوط نظام بشّار الأسد ما زالت يكتنفها الغموض، والأمر الأكثر غموضًا هو تقدّم هيئة تحرير الشّام بقيادة الجولاني بسرعة لا تتوافق مع المنطق، حتّى سقوط النّظام في دمشق.
معظم التحليلات الجادّة، إضافة إلى التّسريبات، تؤكّد اتفاقًا بين الدّول العظمى وحلفائها، من حليف ومعارض، لأجل إسقاط نظام الأسد، وتثبيت الحكم الحالي، بقيادة أحمد الشّرع، الذي غيّر كنيته وهيأته وأسلوب حديثه، بما يتماشى مع متطلّبات المرحلة.
وبالتّالي تسارع الاعتراف الدّولي بالنّظام الجديد. ولكن رغم تصريحات الشّرع المطمئنة لأطياف الشّعب السّوري، تم استبعاد العناصر الّّتي انشقت عن الجيش في فترة الأسد، وشكّلت جزءًا هامًا من الثّورة ضدّ النّظام السّابق، واستقطب إلى صفوف الجيش، المرتزقة (والمجاهدين) متعدّدي الجنسيّات، الذّين بطبيعة الحال لا يحملون أي أجندة أو رؤية وطنية، ومعظمهم من السّلفيين التّكفيريين، الّذين أعلنوا (الجهاد) على النّظام (العلوي)، وليس على طغيان الحُكم، ولا لأجل حقوق الإنسان السّوري وحريّته وكرامته.
وما هو معروف دور تركيا في كلّ هذه الأحداث، ولا يخفى على أحد أيضًا الدّور الإسرائيلي، وأجندات كلا الطّرفين واضحة، وفقط للتّذكير، فإنّ عناصر جبهة النّصرة الّتي كان يقودها الجولاني نفسه آنذاك كانوا يُعالجون ميدانيًا وفي المستشفيات الإسرائيلية، وقد كشف حينها ضابط إسرائيلى، (منشور في الصّحف والمواقع)، أنّ هناك تفاهمات وتعاون بين هذه القوّات على الأرض وأنّ هذا أمر تكتيكى، مضيفًا أنّ معظم المصابين فى الصّراع الدّائر فى سوريا، يعالجون فى إسرائيل هم من جبهة النّصرة، ومع انتهاء العلاج الطّبّي تتمّ إعادتهم إلى الحدود. وكانت قد ظهرت أدّلة تؤكد وجود علاقة بين المنظومة الأمنية الإسرائيلية وبين مقاتلين تابعين للقاعدة نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية فى مارس 2014. وهذا ما يفسّر صمت النّظام الحالي في سوريا حيال التّدمير الإسرائيلي لقواعد وبنية ومعدّات الجيش السّوري، بعد سقوط النّظام، والتّوغّل في الأراضي السوريّة الّذي لا يزال قائمًَا، وعدم ذكر موضوع الجولان السّوري المحتل.
إذن ما نراه من تجييش ضدّ زيارة الدّروز الدّينية لمقام النّبي شعيب في إسرائيل، والّتي أعتبرها شخصيًا خطأ، وخاصّة من ناحية التّوقيت والظّروف، رغم أنّ الزّيارة الثّانية كانت منسّقة مع الحكومة السّورية، وتصريحات نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي كاتس، بالمقابل، إضافة للتّسجيل الصّوتي، الّذي شتم الرّسول، والّذي تبيّن لاحقًا أنّه مُفبرك باستخدام الذكاء الاصطناعي، وبات معلومًَا أيضا من ابتدعه، ليس إلاّ ذرائع للإرهاب المدبّر والهجوم السّافر من قبل الفصائل التّكفيرية، بتغطية أو تساهل بأقلّ تقدير من النّظام نفسه، وبتجييش العوام من المناطق المحاذية على جرمانا، وأشرفية صحنايا، والتّصريحات الميدانية بالنّية للتّقدم نحو السّويداء، وجبل العرب عامّة. وبدأ يتضّح الآن أنّ هذا الهجوم مدبّر ويُعدّ بالخفاء منذ فترة طويلة. وهو تتمّة للمجازر الّتي جرت في السّاحل السّوري وحملات القتل وخطف النّساء الّتي شُنت على العلوييّن، والتّي راح ضحيتها المئات من المدنيين، والأطفال والنّساء، بحجّة أنهم من فلول النّظام السّابق.
ما يحدث الآن في سوريا، هو استهداف وجودي لأحد المكوّنات الوطنية والاجتماعية للشّعب السّوري، الّذي كان له الدّور الأبرز ودفع بأكبر نسبة شهداء في محاربة الاستعمار الفرنسي بقيادة القائد العامّ للثّورة السّورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، لأجل استقلال سوريا، والّذي رفع الشّاعر: "الدّين لله والوطن للجميع" رافضًا مشروع الدّويلات المذهبية، والدّاعي لوحدة سوريا بكامل أراضيها. وقد تصدّى في ستيّنات القرن الماضي الزّعيم كمال جنبلاط وكمال أسعد كنج وكمال أبو لطيف لمخطط قيام دولة درزية كانت تخطط له أمريكا وإسرائيل بعد حرب ال 67. مما يعكس النّهج الوطني الأصيل لهذه الفئة من الشّعب العربي السّوري، وهذه الثّقافة مستمرّة، ولا توجد أي دعوة رسمية للانفصال عن الوطن الأمّ، كما يروج البعض، في وسائل الإعلام، زورًا وبهتانًا.
وأهالي جبل العرب الّذين بمعظمهم اختاروا عدم الانخراط في صفوف الجيش السّوري في زمن الأزمة، تحت شعار: "دم السّوري على السّوري حرام"، كما استقبلت المدن والقرى الدّرزية في سوريا وخاصّة في محافظة السّويداء، عددًا من النّازحين السّوريين من مختلف المحافظات السّورية خلال سنوات الثّورة، وخصوصًا من المناطق الّتي شهدت قصفًا عنيفًا أو معارك مباشرة مثل درعا، وريف دمشق، وحمص. وتشير بعض تقارير الأمم المتحدة ومنظّمات الإغاثة السّورية، إلى أنّ عدد النّازحين الّذين أقاموا في السّويداء ومحيطها خلال ذروة الأزمة ربّما تجاوز 100 ألف نازح، ما يعادل تقريبًا ثلث عدد سكان المحافظة الأصليين. إضافة إلى الاحتجاجات والمظاهرات السّلمية في محافظة السّويداء والّتي بدأت بشكل خاص منذ ال 2020، والّتي غيّرت معادلة تضامن الأقليّات مع النّظام السّابق، أو حتّى موقف الحياد. ممّا لا يترك أي حجّة لتورّط جماعي بدماء السّورين في المرحلة السّابقة، ومن الغبن التّركيز على بعض الأسماء من ضبّاط الجيش في عهد نظام الأسد من الدّروز، علمًا أنّ الجيش السوري السّابق وحتّى رموز النّظام نفسه، كانا مكوّنين من جميع أطياف الشّعب السّوري، ولا يقتصر على طائفة دون أخرى، كما يحاول البعض تبسيطه بشكلٍ مجافٍ للحقيقة.
ما يحدث الآن مثلما حدث في السّاحل السّوري، هو المقدّمات الفعلية لتنفيذ خطّة تقسيم سوريا، والّتي يخطّط لها منذ عقود طويلة، والّذي سيكون مسؤولاً عن هذا التّقسيم إن حصل لا سمح الله، ليس الأقليّات المذهبية والدّينية والعرقية، الّتي باتت تواجه خطر وجودي فعلي، والّذي يضطر من يقع تحت وطأته الخطرة اللجوء إلى أيّ منقذ كان من كان. إضافة إلى التّهميش السّياسي المدعوم بالدّستور الجديد، وإعادة بناء الجيش غير الوطني الجديد، والتّشكيلة الحكومية المُغلَّبة فيها توجّهات تيارٍ سلفيّ واحد.
هناك مخطّطات تقسيم خارجية، ولكن من يقوم بمهمة تنفيذ المخطّطات، هم من يحملون السّلاح والسّلاح الثّقيل، ومن يقف وراءهم، داخل سوريا، ويحملون مع سلاح العدوان الموجّه نحو الدّاخل، وليس نحو عدوّ خارجيّ، الأفكار الدّاعشية، وينكّلون ويقتلون المدنيين في السّاحل العلوي وجبل العرب، وحتّى في جامعة حمص، ويُقيمون أسواقًا للمتاجرة بالنّساء المخطوفات، (وهناك دلائل بالصّورة والصّوت)، ممّا يُشعر باقي الأقليات كالمسيحيين والإسماعيليين والأكراد وغيرهم، أنّهم ينتظرون دورهم لتتمّ فيهم المجازر.
ما نتمناه في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ سوريا، أن يتدارك عقلاء هذا البلد العزيز، والعمل بكلّ قوّة لتغيير الوضع القائم، وتدخّل عربي ودولي لوقف الاعتداءات والإرهاب، وإن كان هذا الأمل ضعيفًا في ظلّ الواقع الرّاهن، لأجل استعادة سوريا إلى المساحة الّتي يستطيع فيها السّوريون بناء وطنٍ آمن، ينسجم فيه كلّ مكوّنات الشّعب السّوري تحت راية الدّولة الوطنية. وإلاّ فإنّ الأحداث المتسارعة سوف تأخذ سوريا إلى أحضان مخطّطات التّقسيم، الّتي قد تفتح باب الحروب الأهلية، الّتي قد تدمّر سوريا كما دمّرت غيرها من الدّول العربية.
شاعر وكاتب فلسطيني
#سامي_مهنا (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟