أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد وهاب عبود - سلطة النهب














المزيد.....

سلطة النهب


محمد وهاب عبود

الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 10:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في بلاد الرافدين حيث تتراقص حكايات المجد الغابر على ضفاف دجلة والفرات، يرتسم اليوم مشهدا أخر أقل بريقا وأكثر قتامة، يتمثل بخيوط شبكة معقدة تنسجها أياد خفية لكن آثارها بادية للعيان كجرح غائر في جسد العراق. نتحدث هنا عن وحش متعدد الرؤوس، اسمه “الكليبتوقراطية” أو سلطة النهب، أي حكم اللصوص، الذي بات يلقي بظلاله على حاضر العراق ومستقبله، مهددا بابتلاع أحلام أجيال بأكملها.

لم تعد حكاية الفساد مجرد خبر عابر في نشرات الأخبار، بل أضحت واقعا مريرا يتنفسه المواطن العراقي مع كل شروق شمس وغروبها. إنه ليس فسادا فرديا معزولا، بل منظومة متكاملة، أخطبوط له أذرع تمتد لتطال مفاصل الدولة كافة، من أعلى الهرم إلى أصغر موظف. الفساد الإداري والمالي لم يعد استثناء، بل قاعدة، حيث تتحول المناصب إلى مغانم، والثروات الوطنية إلى كعكة يتقاسمها المتنفذون، بينما تقف الأغلبية الساحقة متفرجة، لا تملك من أمرها شيئا إلا الحسرة والأمل الواهي.

أين تذهب عائدات النفط الهائلة التي حبا الله بها هذه الأرض؟ سؤال يتردد على لسان كل عراقي، من الطفل الذي يحلم بمدرسة لائقة إلى الشيخ الذي يأمل برعاية صحية تحفظ كرامته. الإجابة، للأسف، تتبخر في حسابات خارجية، وتتحول إلى عقارات فارهة في العاصمة وفي عواصم بعيدة، ومشاريع وهمية لا وجود لها إلا على الورق. إن نهب الثروات الممنهج ليس مجرد سرقة للمال العام، بل هو اغتيال لفرص التنمية، وتدمير للبنية التحتية، وحرمان للشعب من أبسط حقوقه في العيش الكريم. إنها عملية تجريد للوطن من مقدراته، وتحويله إلى بقرة حلوب لمصالح ضيقة، أنانية لا ترى أبعد من أرنبة أنفها.

إن أخطر ما في هذه المعادلة المختلة هو غياب العدالة في توزيع الثروة. فبينما تسبح قلة قليلة في بحار النعيم، تغرق الأغلبية في مستنقع الفقر والحاجة والعوز. هذا التفاوت الصارخ يخلق بيئةخصبة للاحتقان الاجتماعي، ويزرع بذور اليأس في نفوس الشباب، ويدفعهم إما إلى الهجرة بحثا عن وطن بديل يحتضن طموحاتهم، أو إلى الانزلاق نحو مسارات خطرة. وبما ان “العدل أساس الملك”، فأي ملك هذا الذي يقوم على حرمان أبنائه ونهب خيراتهم؟

وتتجلى مأساة سوء الإدارة ونهب الأموال بشكل صارخ في أزمة الكهرباء المستعصية. ففي بلد يطفو على بحر من النفط والغاز، يعيش المواطنون في ظلام دامس، لاسيما خلال أشهر الصيف اللاهبة، وتتوقف مصالحهم، وتتعطل حياتهم. مليارات أُنفقت، ووعود أُطلقت لكن النتيجة واحدة، انقطاع مستمر، ومعاناة لا تنتهي. أليست الكهرباء رمزا للحياة العصرية والتقدم؟ كيف يمكن تلبية تطلعات الناس في حياة كريمة، وهم محرومون حتى من هذا الحق الأساسي؟

والأدهى من ذلك، أن جزءاً من شرعية هذا الواقع المرير يُستمدأحياناً من الخارج، عبر توازنات إقليمية ودولية معقدة ومصالح متقاطعة تغض الطرف أحيانا عن معاناة الداخل مقابل ضمانات أو مكاسب أخرى. لكن الشرعية الحقيقية لا تُستورد، بل تنبع من الداخل، من رضا الشعب من تلبية احتياجاته، من شعوره بالانتماء والكرامة في وطنه. أما البحث عن غطاء خارجي على حساب الداخل، فهو كمن يبني قصراً على الرمال.

إن استمرار هذا الوضع ينذر بكارثة حقيقية للأجيال القادمة. فوراء كل دينار يُنهب اليوم، مستقبل يُسرق غدا. إننا نورث وطنا مثقلا بالديون ومنهكاً بالفساد، فاقداً لبوصلته. فهل سنقف مكتوفي الأيدي ونحن نرى مستقبل الاجيال يُباع في سوق المصالح الضيقة؟ إنها مسؤولية تاريخية تقع على عاتق كل فرد في هذا الوطن، مسؤولية أن رفع الصوت عاليا والمطالبة بالشفافية والمساءلة والعدالة، قبل أن يبتلعنا الظل جميعا، ولعل في تغيير ما بأنفسنا بداية الطريق نحو الخلاص.



#محمد_وهاب_عبود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ال -ترند- والانجراف الجمعي
- فرنسا القديمة وكاليدونيا الجديدة
- الأجيال وجدل الأفضلية المزمن
- كورونا العادل في زمن الظلم
- كورونا_من زاوية اخرى
- قوى الامن في مستنقع السياسة
- حب رقمي
- سلاح ألمعرفة ألمضادة
- كيف خدعونا ؟
- كيف خدعونا ؟؟
- ها هم السياسيون
- مادية الوعي الانساني
- اباطرة المال والتهمة المكررة
- العولمة وصناعة النخبة
- الحرب رئة الرأسمالية
- دهاء الغرب ويقضة الشعوب
- ها هي الرأسمالية
- لا حاجة لنا بالقوات المسلحة
- الحلم الاشتراكي في مخيلة الشباب الامريكي
- جوهر المشكلة


المزيد.....




- تزهر مرة في العمر.. مشهد نبتة عملاقة تجذب الزوار بشكلها الفر ...
- منع طالبة من حفل تخرج بعد خطاب ناري عن غزة.. هذا ما قالته أم ...
- مسؤول تركي يعلق على نتيجة مفاوضات اسطنبول بين روسيا وأوكراني ...
- -لا يحقق مصالح طهران-.. إيران تتّجه لرفض المقترح الأميركي بش ...
- ألمانيا - تصنيف جديد للدول الآمنة يطال ثلاث دول عربية
- تقرير: طهران تجهز ردّاً -سلبيّاً- على الاقتراح الأمريكي
- RT تكشف مضمون الورقة الأوكرانية التي قدمت إلى الوفد الروسي ف ...
- اللقطات الأولى للجولة الثانية من المفاوضات الروسية الأوكراني ...
- غزة.. أكثر من 30 قتيلا منذ فجر اليوم
- غوتيريش يبدي صدمته بعد تقارير عن مقتل فلسطينيين أثناء حصولهم ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد وهاب عبود - سلطة النهب