أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رقية الخاقاني - الأزياء والمهن التقليدية.. إرث عراقي في مواجهة الحداثة














المزيد.....

الأزياء والمهن التقليدية.. إرث عراقي في مواجهة الحداثة


رقية الخاقاني
صحفية وكاتبه وناشطة في حقوق المرأة

(Ruqaya Alkhaqani)


الحوار المتمدن-العدد: 8300 - 2025 / 4 / 2 - 09:08
المحور: الادب والفن
    


في زوايا الأسواق القديمة، حيث تتداخل روائح التوابل مع عبق التاريخ، ما تزال بعض الدكاكين الصغيرة تصرّ على عرض منتجاتها التقليدية بفخر، وكأنها تحاول أن تقاوم إغراءات العصر بكل ما أوتيت من قوة. هذه المشاهد ليست مجرد بقايا من الماضي، بل هي شواهد حية على صراع خفي بين الأصالة والحداثة، بين ما كان وما سيكون.
لطالما شكلت الأزياء التقليدية في العراق علامة فارقة في هويته الثقافية، فهي لم تكن مجرد أغطية للجسد، بل لغات بصرية تنطق بالانتماء والتاريخ. الدشداشة البيضاء بأنواعها المختلفة، والعقال الذي يعلوها، كانا لسنوات طويلة زياً يعبر عن أناقة الرجل العراقي في مختلف المناسبات. أما الأزياء النسائية المطرزة بخيوط الذهب والفضة، والفوطة العراقية ( الشيلة) المصنوعة من الحرير الخالص، فكانت تحكي قصصاً عن الإبداع والحرفية التي توارثتها الأيدي عبر الأجيال.
لكن رياح التغيير جاءت قوية، حاملة معها موضات عالمية بدأت تأخذ مكانها في خزائن العراقيين. لم تعد الأزياء التقليدية تحظى بالإقبال نفسه، خاصة بين الأجيال الجديدة التي وجدت في الملابس الحديثة رمزاً للانفتاح والتطور. تحولت الدشداشة إلى زي للمناسبات الرسمية فقط، بينما صارت الملابس الغربية هي الخيار اليومي للكثيرين.
هذا التحول لم يكن بلا تبعات. فمع تراجع الإقبال على الأزياء التقليدية، بدأت المهن المرتبطة بها تتهاوى واحدة تلو الأخرى. محلات الخياطة التقليدية التي كانت تعج بالزبائن أخذت تغلق أبوابها، وحرفيون كرسوا حياتهم لصناعة قطع تعبر عن الهوية وجدوا أنفسهم أمام خيارين: التكيف أو الرحيل. بعضهم حاول مجاراة العصر بتعديل تصاميمه، بينما آثر آخرون الإغلاق بعد أن أصبحت منتجاتهم خارج دائرة الاهتمام.
وراء كل قطعة ملابس تقليدية تختفي تدريجياً، توجد قصة حرفة يدوية مهددة بالانقراض. التطريز اليدوي الدقيق، الصناعات الجلدية، حياكة الأقمشة بطرق تقليدية، كلها مهارات توارثتها الأجيال، لكنها اليوم تواجه خطر الاختفاء. الحرفيون الذين ما زالوا متمسكين بمهنهم يعترفون بأن الإقبال ضعيف، وأن المواد الخام أصبحت باهظة الثمن، وأن الأيدي العاملة الماهرة نادرة.
لكن في خضم هذا المشهد، تبرز محاولات فردية وجماعية لإحياء هذا التراث. مصممون شباب بدأوا يدمجون العناصر التقليدية في تصاميم عصرية، محاولين تقديمها بطريقة تواكب الأذواق الجديدة دون أن تفصلها عن جذورها. معارض متخصصة تسعى لعرض هذه المنتجات وتسويقها، وورش عمل تحاول تعليم الحرف اليدوية للأجيال الجديدة. هذه الجهود، وإن كانت محدودة، إلا أنها تزرع الأمل في إمكانية الحفاظ على جزء من هذا الإرث.
التحديات التي تواجه الأزياء والمهن التقليدية كبيرة، لكنها ليست مستحيلة. فالهوية الثقافية لا تختفي، بل تتحول وتتكيف. ربما لن تعود الأزياء التقليدية كما كانت في السابق، ولكن بإمكانها أن تظل حية في أشكال جديدة، تحمل بين طياتها روح الماضي وأناقة الحاضر.
في النهاية، ليست الأزياء التقليدية مجرد قطع قماش، بل هي ذاكرة شعب ومرآة لتاريخه. الحفاظ عليها ليس تمسكاً بالماضي، بل إثراء للحاضر والمستقبل. فالثقافة التي تحترم تراثها هي القادرة على مواكبة العصر دون أن تفقد روحها.



#رقية_الخاقاني (هاشتاغ)       Ruqaya_Alkhaqani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرحة العيد في عيون الأطفال
- التعليم الأكاديمي وسوق العمل .. فجوة تحتاج إلى جسر تدريبي.
- تأثير الموبايل وتطبيقاته على الأطفال وعزوفهم عن الدراسة
- احتفاء بالتراث وتجديد للأمل .. عيد نوروز في العراق
- الذكاء الصناعي ودوره في تعزيز التعليم والتدريب للنساء في الم ...
- الأم العراقية صبر يُجاهد المحن وصمود يصنع الأمل
- المرأة النجفية بين التراث والحداثة
- دور المرأة القيادي في المجتمعات المعاصرة
- تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي على تربية الأبناء
- العنف الأسري ضد الأطفال: جريمة صامتة تهدد مستقبل المجتمع
- حواء العراق في عيدها السنوي
- كوبرا المخدرات .. تزحف رويدا- والعوائل تدق ناقوس الخطر
- التربية الإعلامية ضرورة ملحة لتقويم الطالب العراقي
- هل يرى العراقيين النور في نهاية النفق ..؟؟


المزيد.....




- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رقية الخاقاني - الأزياء والمهن التقليدية.. إرث عراقي في مواجهة الحداثة