أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالباسط سيدا - محاكمة نظام صدام في أجواء صدمة الإعدام














المزيد.....

محاكمة نظام صدام في أجواء صدمة الإعدام


عبدالباسط سيدا

الحوار المتمدن-العدد: 1792 - 2007 / 1 / 11 - 08:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



هناك ظاهرة معروفة في ميدان علم النفس الاجتماعي، والمرضي منه على وجه التحديد، تتمثل في عدم اعتراف المريض الذي أصيب فجأة بعاهة كبيرة- عاهة ستتحكم لاحقاً بصورة دائمة في قواه الحركية وعاداته اليومية، وربما في موقعه الوظيفي والاجتماعي- بالواقع المعاش، ورفض الانصياع لتعليمات الأطباء والمعالجين، بل التصرف أحياناً بعدوانية سافرة، يرمي بها صاحبها إقناع المحيطين، أو إجبارهم على الإقرار بأنه ما زال الشخص القوي المعافى، القادر على أداء مهامه على أكمل وجه. ويكون الموقف أكثر تعقيداً حينما يختلط الموقف بردات الفعل الناجمة عن المرض مع تصورات جنون العظمة، والهالة الزائفة التي كانت نتيجة تصرفات البطانة، ومجاملاتها الجوفاء، وتفاعلاتها مع مركب النقص، والرغبة العارمة في الهيمنة والتسلط لدى الشخص المعني.
ولكن مع مرور الوقت، ومع تزايد عدد الصدمات، يستفيق المريض رويداً رويداً، ويتأمل في وضعيته بواقعية أجدى؛ فيقر بجانب من التغيير الحاصل، ويصر على وقتية أو عدم صدقية الجانب الآخر. وهكذا تتوزع النوازع والهواجس. ومن الملاحظ أن الاستجابة لا تكون في مثل هذه الحالات واحدة، مشتركة، بل تأخذ أبعادا مختلفة، تتوقف إلى حد كبير على تجربة كل إنسان، وملامح شخصيته، وطبيعة التفاعل بين المحيط الخارجي والاستجابة الداخلية.
ما دفعني إلى هذا الاسترسال هو ما نلاحظه هذه الأيام في محاكمة أركان النظام العراقي السابق؛ فهؤلاء يبدو أنهم قد أدركوا ، أو اعترفوا، من الداخل بهزيمتهم، وأيقنوا أن لغة الشعارات والمزايدات - التي كان طاقم فريق الدفاع يحرص على تسويقها - لم تعد تعط ثمارها، خاصة بعد أن فُتحت الملفات، وتبيّن للرأي العام المحلي والدولي مدى بشاعة الجرائم المرتكبة التي كانت بفعل الرغبة الجنونية في التمسك بالحكم، وبأية وسيلة. ومن أجل تجسيد هذه الرغبة، أقدمت الزمرة التي اغتصبت العراق وجميع مكوناته على مدى أكثر من ثلاثة عقود، على ممارسة كل الموبقات، وسعرّت الضغائن والأحقاد ضمن النسيج العراقي، وعرضت خدماتها - غير الجليلة - على دوائر القرار الدولي، مقابل الظفر بموافقة ما تمكنها من الاستمرار في التحكم والقتل.
إن ما نلاحظه في سلوكية أركان نظام صدام السابقين هو أن الكل يريد أن يتنصّل، ويعمل جاداً من أجل دفع التهمة عن نفسه وإلصاقها بالآخر؛ وذلك بعد أن سلموا بالأمر الواقع، وأدركوا، واعترفوا أن الحكم قد خرج من أيديهم، لذلك فالأفضل بالنسبة إليهم هو الخروج بأقل الخسائر، هذا على الرغم من صعوبة هذه المهمة، إن لم نقل استحالتها.
إننا لا نأتي بجديد، إذا قلنا ان محاكمة النظام العراقي السابق الجارية حالياً هي محاكمة فريدة وهامة، فضلا عن أنها واعدة ومنذرة لكل الأنظمة الاستبدادية الأخرى في المنطقة. وهي محاكمة مرحلة بذاتها، مع كل إفرازاتها المتشعبة المتواصلة على كل المستويات، لذلك من الصعب أن تعطي مثل هذه المحاكمة ثمارها المرجوة، ما لم يتم القطع مع عقلية النظام السابق ومنظومته المفهومية، وجملة ممارساته التي كانت تقوم على أساس فرض الرغبات والنزوات، واعتماد اسلوب تصفية الخصوم وإبعادهم.
كما ان الإغراق في الفساد والإفساد، سواء من قبل المسؤولين في الإدارة الجديدة، أم من المحتمين بهم، المستفيدين من الوضعية برمتها، يدفع بالناس إلى تساؤل مشروع، يتناول مصداقية وعود التغيير الديمقراطي، واحتمالات ما بعد المحاكمة.
لكن اللافت المؤرق في الوقت ذاته، هو اصرار مجموعة المستفيدين السابقين، والمستجدين، والمنتمين زوراً إلى الفكر وأهله، على التغني بالمآثر والأمجاد الزائفة؛ والتغاضي الوجداني - قبل البصري- عمّا ارتكبه نظام صدام من جرائم ندر أن يكون لها مثيل في تاريخنا المعاصر.
إن هؤلاء يثيرون التوجس والقلق بشأن المستقبل بسوية لا تقل خطورة عن جرائم صدام نفسها؛ فالذهنية التي تسوّغ الجريمة، وتشرعنها، وتدافع عنها، لا تقل فتكاً عن السلاح المستخدم، إن لم نقل أنها تظل الحاضنة التي تستمد منها جرائم الحقد المحلي بأسمائها المختلفة الزاد والنسغ.



#عبدالباسط_سيدا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللهاث خلف السراب تكتيك سئمناه
- جهود مستمرة في مواجهة مأساة مستمرة
- حزب البعث: مؤتمر بائس وموقف حائر
- كردستان العراق: ضرورة تجاوز العصبية الحزبية إلى المؤسساتية ا ...
- حول خلفية وطبيعة موقف حزب البعث من المسالة الكردية
- إلى الانتخابات أيها العراقيون من أجل ألاّ يتحكّم صدام آخر بر ...
- الحضور الكردي القوي في الجمعية الوطنية القادمة ضمان لوحدة ال ...
- المعارضة السورية وضرورة الاعتراف بالوقائع
- تغييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي - أهمية الاعتراف ...
- تفييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي
- تغيييب الوعي وأسطرة المزيف في الإعلام العربي - شرعنة الإرهاب
- تغييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي
- تغييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي - 1
- الإعلام العربي: واقع... وآفاق
- لنتضامن مع الدكتور الشهم عارف دليلة وسائر النبلاء


المزيد.....




- المغرب.. مجلس النواب يناقش زواج أو تزويج القاصرات
- نقل وزير الدفاع الإيطالي إلى المستشفى على وجه السرعة بعد أزم ...
- نائب سابق بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي: إذا واصلنا على هذا ...
- فضيحة في الولايات المتحدة بسبب فيديو انتخابي لترامب تضمن إشا ...
- ارتفاع عدد ضحايا الفيضانات في البرازيل إلى 161 شخصا
- نتنياهو يلمح إلى خطة للحكم العسكري في غزة بعد هزيمة -حماس-
- إسرائيل تقطع تغطية -أسوشيتد برس- المباشرة لغزة ثم تعيدها
- السودان: 85 قتيلا على الأقل جراء المعارك في مدينة الفاشر بدا ...
- تشيلسي يعلن الانفصال عن مدربه الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو
- شاهد.. سرايا القدس تفجر جرافة وتشتبك مع جنود إسرائيليين من م ...


المزيد.....

- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالباسط سيدا - محاكمة نظام صدام في أجواء صدمة الإعدام