أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبدالباسط سيدا - تغيييب الوعي وأسطرة المزيف في الإعلام العربي - شرعنة الإرهاب















المزيد.....

تغيييب الوعي وأسطرة المزيف في الإعلام العربي - شرعنة الإرهاب


عبدالباسط سيدا

الحوار المتمدن-العدد: 1000 - 2004 / 10 / 28 - 09:34
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


كانت الحجة التي تثار عربيا فيما مضى لمواجهة التسطيح الغربي تتمثّل في ضرورة التمييز بين مفهومي الارهاب والمقاومة. وذلك بقصد ادانة الأول وشرعنة الثاني. فقد كان التبرم دائما يتمفصل حول فكرة فحواها ان المؤسسات الاعلامية في الغرب، ودوائر اتخاذ هناك، تخلط بين الأمرين لاسباغ المشروعية على الجهود المناهضة لأي فعل تحرري. وقد كانت هذه الحجة ومازالت فاعلة، تستوجب الأخذ بها في الوضعيات المعقدة التي تعاني من تداخل المواقف، وتعارض وجهات النظر.

وما يستشف من المعطيات والموجبات الراهنة هو أن عملية تمييزية من هذا القبيل بين المفهومين ( المقاومة والارهاب ) هي على غاية الأهمية بالنسبة إلى الوضعية العراقية الراهنة. فالخلاف الأساسي اليوم في العراق هو بين تصورين محوريين، الأول يتشخص في وجهة نظر الفصائل العراقية الوطنية التي كانت تعارض النظام العراقي السابق. وهي التي نسّقت المواقف فيما بينها قبل الاحتلال الامريكي للعراق. واتفقت على ضرورة الاستعانة بالخارج في سبيل تغيير الداخل الذي كان يتمثّل في نظام قمعي استبدادي، امتلك من الامكانيات المادية الكافية التي تمكنّه من الاستمرار لأمد غير محدود. نظام اختزل الوطن في الحزب، والحزب في العشيرة، والعشيرة في القائد. نظام لم يتوان عن الاقدام على أي فعل بغض النظر عن طبيعته ومشروعيته، ما دام ذلك يقوّي من حكمه التسلطي، ويمكنّه من الاستمرار .

أما التصور الثاني - إذا جاز لنا استخدام هذا المصطلح – فهو الذي يتمثّل في توجهات تفتقر إلى التجانس والتماسك. تميل إلى النزعة الشعاراتية التي لاتستند إلى أي برنامج متكامل. تكتفي بالطرح النظري من دون تحديد أبعاد العملية التي تبنى عليها الأحكام عادة. هنا يُواجه المرء بسيل من الاطروحات المتناقضة التي تعكس إلى حد كبير واقع تعارض المصالح والحسابات بين تلك القوى التي ترفع شعار مقارعة الاحتلال ومن والاه. ففي حين أن قسما لايستهان به من تلك القوى يتحسّر على المجد التليد، ويخشى من دنو ساعة المحاسبة. يعمل قسم آخرعلى تنفيذ مشاريع اقليمية تبنتها دول الجوار (تركيا، ايران وسورية) التي تخشى من استقرار الأمور، وازدهار الاوضاع في الساحة العراقية. وذلك لعلمها المسبق بحقيقة التفاعل بين شعوبها والشعب العراقي بسائر مكوناته. وبين هؤلاء وأولئك، يجهد فريق ثالث متعدد الانتماءات والولاءات في سبيل تصفية الحسابات مع الولايات المتحدة الأمريكية بصرف النظر عن الساحة أو هوية الضحايا.

أما إذا انتقلنا من دائرة التصورات النظرية إلى ميدان الممارسات العملية، فسنجد أن التناقض يتجلى في أساليب العمل ذاتها. إذ بينما نجد أن معارضي الأمس وحكّام اليوم - ممن لهم تاريخهم النضالي المعروف لدى الجميع - يسعون بكل امكانياتهم من أجل اخراج بلدهم من الوضعية الكارثية التي أوصله إليها نظام صدام، نلاحظ في الوقت ذاته أن المجموعات المتنافرة - التي برزت وتكاثرت مع سقوط النظام - من معارضي عراق المستقبل لاتتورع عن استخدام كل الوسائل بغية المصادرة على ما هو آت، وذلك تحت شعار مقاومة الاحتلال.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: إذا كان القتل العشوائي للمدنيين بصرف النظر عن الجنس والعمر والموقع، وإذا كان الخطف العبثي للناس، وقطع الرؤوس أمام عدسات التلفزة، وكان التدمير القصدي للاقتصاد الوطني، وإذا كانت العرقلة المتعمدة لمسيرة النهوض والبناء، إذا كان كل ذلك يدخل في باب المقاومة المشروعة، فماذا بقي للارهاب؟

إننا إذا أمعنا النظر وتأملنا في تصريحات مجموعات الظل ومرتدي الأقنعة السوداء، وقارناها بما يرتكب من أفعال لم ولن تخدم العراق، سنستخلص حقيقة مفادها أن هؤلاء على استعداد لقتل جميع الناس طالما أنهم لايوافقونهم على اطروحاتهم المبنية على منطق معكوس أصلا. إنه المنطق نفسه الذي اعتمده كل من ستالين في الاتحاد السوفييتي السابق، وبول بوت في كمبوديا. بل لماذا نذهب بعيدا ، إنه المنطق عينه الذي التزمه صدام حسين في العراق، ووزع بموجبه ظلمه الدموي على جميع مناطق العراق.

لكن الأغرب في العملية برمتها هو ما تعبر عنه مواقف جملة من المثقفين العرب، هؤلاء الذي يطلون على الناس باستمرار ملحوظ من خلال فضائيات عربية يمتهن بعض العاملين فيها حرفة تسطيح الوعي، وقلب الحقائق رأسا على عقب، وخلط الغث مع النفيس، الأمر الذي يؤدي إلى دوار فكري يفقد المنفعل بموجبه القدرة التمييزية التي تمكّنه من الحكم الصحيح، والملكة النقدية التي تؤهله لرفض التزييف بأشكاله المختلفة. فالواحد من أشباه المثقفين هؤلاء يتقمّص دور محام يدافع عن قضية يدرك هو نفسه قبل الآخرين ببطلانها الأكيد، ومع ذلك يحرص على إثارة المشاعر ودغدغة أحلام الطغيان. يخوّن الجميع، ويسبغ المشروعية على قتل سائر الخصوم لمجرد المخالفة في الرغبة وبناء على الشبهات وحدها من دون محاكمة. لكنه في المقابل يطالب باسلوب دون كيشوتي بضرورة توفير محاكمة عادلة لدكتاتور كان يقتل ’’الرفاق’’ في صالات الاجتماعات، ويذرف الدموع أمام الناس تحسرا على بذرة الشر التي أفسدت القلوب، وأجبرته على اتخاذ القرار الصعب. دكتاتور قتل الصهر الأب، ويدعو الابن الحفيد إلى التقوى والصلاح. دكتاتور وزع المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها، شتت العقول، وبدّد الثروات، ورسّخ الضغائن. ومع كل هذا يصر صاحبنا- لذي قد تعربش بالثقافة مهنة من دون وجه حق – على الزعم بوجود مؤامرة دولية كبرى كانت وراء اخفاق المشروع ’’النهضوي الصدامي’’. تُرى هل هي القناعة ؟ أم أنها الولاءات القديمة التي يبدو أن مصادر تمويلها لم تجف بعد.........؟

لكننا إذا تركنا وقائع عملية التسطيح هذه جانبا، وانتقلنا إلى ما سيتمخض عنها من نتائج، وما سيبنى عليها من مواقف مستقبلا، لأدركنا ان مأساة حقيقية تنتظر مجتمعاتنا، مأساة تتشخص في التربية المشوهة التي تخضع لها الأجيال، وذلك سواء من جهة محدودية الأفكار التي تقدم لها، أو سوداوية الآفاق التي تواجهها. فالإرهاب بالنسبة إلى هذه الأجيال هو الوسيلة المثلى لتحقيق الأهداف، والعنف المجنون أساس الفضائل، والآخرلمختلف قوميا أو دينيا الشريك في الوطن هو مصدر الداء والخطر.

إن تربية من هذا النمط لن تساهم مستقبلا في تعزيز الوحدة التي تستلزم الانفتاح ومراعاة أصول الحوار المتكافىء. هذا فضلا عن القدرة على الاستيعاب والاتفاق على القواسم المشتركة. فما يروج من قيم تكفيرية تدعوإلى فرض الرأي بحد السيف، وقطع الرؤوس، وتطالب باجتثاث الخصوم الوهميين لمجرد الاختلاف. لاتعطي أهمية للاحتياجات الحقيقية للمجتمع، ولا تأبه بالمتغيرات المتسارعة اقليميا ودوليا. تعيش خارج العصر على مختلف المستويات، خاصة العلمية والتربوية منها. وغالبا ما يكون الاسلام هو الضحية، إذ يقدم إلى الآخرين بصيغة فجة، جاهلة وحشية، الأمر الذي يصادر على جهود العقلانيين المعتدلين الذين يؤكدون ضرورة التعامل والتعاون مع الجميع من أجل خير الجميع. ومثل هذا الأمر يؤدي بصورة مباشرة إلى تشويه السمعة والركون إلى الأحكام المسبقة فيما يتصل بالعرب والمسلمين عامة. وهذا فحواه فقدان التأييد العالمي، خاصة في أوربا وأمريكا حيث كان الرأي العام ضاغطا باتجاه مناهضة الحرب، وضرورة معالجة المشكلات سلميا ضمن إطار مشروعية الأمم المتحدة. وربما لانبالغ إذا قلنا أن التوجس الشعبي في اوربا وأمريكا من كل ما هو عربي ومسلم قد بلغ الذروة في يومنا الراهن. وهذا في حد ذاته يعزز مواقع اولئك الايديولوجيين الذين اتخذوا من شعار مناهضة الارهاب مسوّغا لتفعيل مشاريع الهيمنة الاحادية التي ترمي إلى حشر الخصوم القادمين في زاوية ضيقة، تجبرهم على الرضوخ لمشيئة القوة الأعظم التي ترهب الجميع بخطر قادم يهدد الحضارة ذاتها، بصرف النظر عن طبيعتها أو محدداتها المادية والروحية.

إننا في حقيقة الأمر أمام موقفين متضايفين متكاملين، لامتعارضين متناقضين كما يبدو للوهلة الأولى. موقف هجومي متشدد يخاطب المشاعر والأحاسيس من دون العقل، يبالغ في قوته ويصرعلى كل أساليب العنف، ويبيح جميع المحظورات من أجل بلوغ اهداف غير محددة هي نفسها موضع تساؤل واختلاف. وموقف مقابل يتخذ من ذريعة الدفاع والعقلانية والحداثة أدوات لمناهضة الموقف الأول. كما انه يؤكد مخاطر النزعة الارهابية التي من شأنها مستقبلا الحاق الأذى بالجميع. خاصة في ظل مخاطر امكانية وصول تكنولوجيا أسلحة التدمير الشامل إلى قوة متشددة لاتلتزم بأية رادع.
إن تدقيقا أوليا في اللوحة هذه، يبين ان الموقف الثاني يستمد مشروعيته من الأول، الأمر الذي يثير التساؤل حول مغزى الأهداف الحقيقية التي تكمن خلف هذا التشدد الأصولي الذي نشهده اليوم في العديد من المناطق الاسلامية على وجه العموم، والعربية منها على وجه التخصيص. وتساؤل من هذا القبيل يدفعنا نحو تساؤل آخر يمكننا طرحه على الوجه التالي: هل يمثّل هذا التشدد ردة فعل منطقية في مواجهة الاستبداد الشمولي في الداخل، والعجز المفروض في مواجهة الخارج؟ أم أنه أداة لتفريغ الشحنات وتبديد الطاقات، يستخدمها طغاة الداخل في ميدان ابتزاز ومساومة المركز المهيمن في الخارج. هذا المركز الذي لاتخفى مراميه ورغبته في إعادة ترتيب الأمور على المستوى الكوني يما يتناسب ونزوعه إلى الريادة والسيطرة.

إن متابعة تمحيصبة لمجريات الأحداث، وتأملا هادئا في طبيعة الحلول المقترحة، إلى جانب تناول الممارسات الفعلية والتنظيرات التبريرية من زاوية نقدية، كل ذلك سيدفعنا إلى الاقرار بحقيقة قتامة الآفاق التي تنتظر مجتمعاتنا في حال الاستمرار على المنوال ذاته، والتفاعل مع المتغيرات وفق العقلية المعتمدة اليوم. وهي عقلية لها حماتها ومروجيها، بل انها باتت موضوعا للتوظيف في إطار خطط عامة رسمية تعتمدها بعض الأنظمة في المنطقة بهدف تضليل شعوبها، وتعبئتها ضمن مسارات تتوافق مع مشاريعها الرامية إلى ديمومة الاستئثار بالأقدار والمقدرات فيما يخص البلاد والعباد.

إن الخروج من دائرة العجز المركب الذي تتبادل مسبباته ونتائجه الأدوار، فتغدو دائرته سحرية لاانفكاك من اسارها، ولاجدوى من محاولات تخطي تخومها. إن الخروج من دائرة كهذه لايمكن أن يتم بالأدوات عينها التي كانت وراء وقوعنا في فخها. بل لابد من اعتماد منهجية جديدة تستوجب إعادة النظر في منظومتنا المفهومية، وطريقة تحليلنا للمسائل وحكمنا عليها. أما إذا تمسّكنا بالقوالب ذاتها، أو اكتفينا برتوش تجميلية جزئية هنا وهناك بغية الايحاء بتغيير لا ترغب فيه، وذلك لاقناع الرعايا في الداخل، والمنغّصين في الخارج بأننا قد اعتزمنا التواصل مع العصر، فهذا عاقبته تأبيد المأزوم وتسويغه.



#عبدالباسط_سيدا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تغييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي
- تغييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي - 1
- الإعلام العربي: واقع... وآفاق
- لنتضامن مع الدكتور الشهم عارف دليلة وسائر النبلاء


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبدالباسط سيدا - تغيييب الوعي وأسطرة المزيف في الإعلام العربي - شرعنة الإرهاب