أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سامر سليمان - اليسار ومشكلة التنظيم، وداعاً للينينية.. هل من جديد؟















المزيد.....



اليسار ومشكلة التنظيم، وداعاً للينينية.. هل من جديد؟


سامر سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 1792 - 2007 / 1 / 11 - 11:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


اليسار يمر بأزمة تنظيمية، فقد أصبح معظم أفراده يعملون بشكل فردي، أو في مجموعات صغيرة بدائية من الناحية المؤسسية مثل اللجان الشعبية. ليس هناك تنظيمات أو أحزاب يسارية قوية هذه الأيام. فكرة لينين عن حزب الطليعة القائدة للجماهير تجاوزها معظم اليسار في العالم، وهو ما يحدث في صمت بمصر. إلا أن بديل اللينينية لا يزال في مرحلة التشكل.

لكي ينتظم الناس في عمل مشترك يجب أن يتوفر لهم مجموعة من الشروط أهمها هدف أو أهداف يتوافقون على تحقيقها، موارد مالية للإنفاق على التنظيم، موارد معنوية وفكرية، تنظم العقل وتشحذ الوجدان، مجال للحركة يسمح لهم بالنشاط والعمل واجتذاب عضوية جديدة. في ضوء هذه الشروط سنناقش الأزمة التنظيمية لليسار المصري.
التنظيمات اليسارية تشتمل على حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، وهو الحزب اليساري الوحيد الذي يحظى بوضع قانوني، كما تضم بعض المجموعات الأخرى شبه السرية مثل "الحزب الشيوعي المصري" (وثيق الصلة بحزب التجمع)، "الاشتراكيون الثوريون" (أنظر المقالة المرفقة) وحزب "الشعب الاشتراكي". ربما يكون هناك مجموعات أخرى لا نعرف عنها شيئاً، فبعض المجموعات اليسارية تغرق في السرية لدرجة أن لا يعلم عنها أحد إلا مكتب مكافحة الشيوعية بمباحث أمن الدولة. هذه المجموعات هي ما تبقي من الأحزاب اليسارية. فقد أتت التسعينات لكي تضع حداً لتنظيمات شبه سرية نشطت في السبعينات وتراخت في الثمانينات، مثل حزب العمال الشيوعي، و8 يناير، والتيار الثوري. لكن التنظيمات التي صمدت أمام الزمن تشهد هي أيضاً حالة من الأفول. لندرة المعلومات لا يمكننا متابعة التنظيمات شبه السرية بشكل موثق. نحن لا نعرف أحوالها الداخلية، ولكن ثمرة عمل هذه التنظيمات تشي بأنها تعاني من تراجع عنيف في حجم ونوعية العضوية.
أزمة اليسار على المستوى التنظيمي تشمل الجميع، من يمتلك رخصة قانونية ومن لا يمتلك. فحزب التجمع الذي انطلق في السبعينات بشكل قوي (150 ألف عضو) واجتذب العديد من النقابيين العمال، مثقفين وفنانين، تراجع في الثمانينات وانزوى منذ التسعينات. حجم ونوعية العضوية اللذان انهارا يشهدان على ذلك. سيطرة البيروقراطية الحزبية عليه، وحالة جريدة الأهالي المتردية والتي كانت أفضل صحيفة معارضة في السبعينات والثمانينات لا تدع مجالاً للشك. رغم ذلك يظل التجمع أكبر تنظيم يساري من حيث الحجم، ومن حيث الانتشار الجغرافي، ومن حيث التمثيل في المؤسسات النيابية. وفقاً للأستاذ عبد الغفار شكر، أحد قيادات التجمع، شارك في الانتخابات الأخيرة للتجمع حوالي 8 ألاف عضو. ولكن ليس كل هؤلاء نشطين. يقول شكر أن العضوية النشطة تبلغ حوالي 2000، وهو بالطبع رقم بالغ التواضع بالنسبة لشعب يبلغ عدد سكانه أكثر من 70 مليون نسمة.
باختصار الحالة التنظيمية في اليسار متدهورة، وهو الأمر الذي سنحاول أن نجمل أسبابه في الآتي:

أولاً: غياب مجال سياسي للحركة
الأسماك تموت لو خرجت من الماء

اليسار تيار حداثي، لذلك فهو يعمل عموماً من خلال تنظيمات حديثة لا تقوم على الأسرة أو القبيلة أو الطائفة الدينية ولكن تتأسس على روابط المصلحة أو الأفكار المشتركة (الإيديولوجيا). الأحزاب السياسية في مصر مُجرمة ومحرمة إلا ما اعتقد الأمن في لحظة ما أنه لا ضرر منها. الرخصة الوحيدة التي أعُطيت لحزب يساري كانت لحزب التجمع في السبعينات، ثم أغُلق الباب بعد ذلك. والحقيقة أن حالة الأحزاب "الشرعية" مثل التجمع لم تشكل حافزاً للمجموعات اليسارية في القطاع "غير المنظم" كي تحاول الحصول، هي أيضاً، على رخصة. لذلك استسلمت المجموعات اليسارية للعمل "السري"، وهو الأمر الذي وضع اليسار في مأزق. فهذه المجموعات تعمل في السياسة كما يعمل الباعة الجائلين في القطاع غير المنظم. تتركهم الحكومة يعرضون بضاعتهم على الأرصفة، وهم بذلك يستطيعوا جذب الزبائن ببضاعة زهيدة الثمن، وإن كانت "مضروبة" في بعض الأحيان. ولكن كما ينطلق الأمن لكي يطارد الباعة الجائلين في الشوارع من وقت لأخر، ينطلق نفس الأمن لكي يطارد اليسار غير المنظم بشكل دوري. وكما يحدث للباعة الجائلين حين يهاجمهم جراد الشرطة، فيحملون الطاولات على رؤؤسهم ويجرون بها إلى الحواري الضيقة، ويصطدمون بالمارة الذين يضعهم حظهم العاثر في طريق الباعة الفارين، فبالمثل.. عندما تهاجم ذئاب الأمن اليسار غير المنظم، يفر إلى الشوارع الضيقة وفي بعض الأحيان يصطدم بالآخرين. والحقيقة أن السبب الرئيسي لحالة السرية التي يعاني منها اليسار تكمن في قانون الأحزاب المصري الذي يُحرم قيام الأحزاب على أساس اجتماعي/طبقي، في حين أن فكرة اليسار تنطلق أساساً من وجود جماعات اجتماعية محرومة تحتاج إلى تنظيم نفسها داخل المجال السياسي. والغريب أن اليسار عمل طوال السنة الماضية وراء أهداف عامة طموحة مثل إسقاط النظام الاستبدادي، ولكنه لم يعمل لمواجهة النص الذي يشكل الأساس القانوني لطرده من المجال السياسي المنظم والشرعي. حتى "النضال القانوني"، وهو أضعف الإيمان، لم ينخرط فيه أحد لفرض شرعية قيام أحزاب على أسس اجتماعية. لم ينم إلى علمنا أن أحداً قد حاول الطعن في دستورية هذه المادة من قانون الأحزاب.
السرية هي آفة التنظيمات اليسارية. لأن السياسة مثل التجارة.. فالتجارة تحتاج للعلنية حتى يلتقي البائعين والمشترين في مكان محدد، بشروط محددة في مواعيد محددة فيخرج كل من الطرفين غانماً سالماً من عملية التبادل. أما التنظيم السري فليس له عنوان واضح يمكن الذهاب إليه، هذا بالإضافة إلى أن العلاقة معه يشوبها عدم اليقين لأن قواعد اللعبة غير واضحة. والسرية تؤدي إلى ظهور أمراض مستعصية، مثل سيطرة الثقافة الأمنية أو "الفوبيا" الأمنية على الأعضاء. فالنظام الحاكم لا يتعامل مع المجموعات شبه السرية إلا من خلال أجهزة الأمن (هو يفعل ذلك عموماً حتى مع المنظمات العلنية القانونية)، وبالتالي يصبح الهاجس الأمني هو الهم الأول للمجموعة "السرية"، الأمر الذي يكرس من حس سياسي يقوم على الشك والريبة، بل والتخوين في بعض الأحيان. كما أن السرية تحول دون الشفافية وديمقراطية المعلومات داخل التنظيم. وهي تجعل تقييم أداءه من جانب أعضائه وأصدقائه، ناهيك عن المحللين، مسألة بالغة الصعوبة، فلكي تُقيم شيئاً يجب أن تتوفر لك معلومات عنه. الأصل في السرية المؤقتة التي يضطر إليها حزب ما هو إخفاء نشاطات معينة عن الأمن. أما السرية المزمنة فهي تؤدي في بعض الأحيان إلى إخفاء عدم وجود نشاطات من الأصل.
قد تكون السرية في بعض الأحيان مطلوبة، فهناك أحزاب تضطر أن تنزل تحت الأرض لتحاشي ضربات أمنية تقوم بها أنظمة بوليسية. ولكن عندما تطول مرحلة السرية، وعندما يستسلم تيار لها باعتبارها قدراً، هنا تكون المشكلة. فالسياسة السرية مثل العادة السرية التي يمكن اللجوء إليها في بعض الأحيان لتلطيف الاحتقان والكبت الجنسي انتظاراً لظروف أفضل، ولكن التفنن فيها والاستسلام لها يؤدي في الأجل الطويل إلى العزلة الموحشة. وهو ما تعاني منه المنظمات اليسارية شبه السرية.
لقد دفعت حالة النشاط السياسي النسبي خلال السنة الماضية المنظمات السرية إلى محاولة كسر دائرة السرية كما زادت من إقبال اليساريين على العلنية. ينطبق ذلك حتى على التنظيمات شبه السرية خاصة الاشتراكيين الثوريين، الذين باتوا يعلنون عن وجودهم بشك صريح. والحقيقة أن المناقشات داخل اليسار حالياً تكشف عن ميل أكثر فأكثر إلى العمل العلني. وإذا تطورت حالة الزخم التي أصابت اليسار في السنة الماضية بسبب "الحراك السياسي" يمكنها أن تفضي في النهاية إلى العمل المشترك للوصول إلى هدف فرض شرعية قيام أحزاب يسارية علنية وقانونية.
إذا كنا نقول أن السرية هي آفة التنظيمات اليسارية، كيف لنا أن نفسر تحقيق الإخوان والجماعة الإسلامية (في الثمانينات والتسعينات) لنجاحات ضخمة في التجنيد والانتشار بينما هم يفتقدون لأحزاب قانونية. الحقيقة أن هناك فارقاً ضخماً بين التيار الإسلامي واليسار. فالمساحة التي يتحرك فيها الإسلاميون لا تقتصر على المجال السياسي، فهذا التيار ينشط سياسياً في الجوامع وفي المساحات الدينية، لأنه تيار يقوم على المزج بين الدين والسياسة. لذلك فضيق المجال السياسي لم يزعج الإخوان والجماعات الإسلامية كثيراً، بل قد يكون قد أراحهم من منافسين محتملين. لا يملك اليسار بطابعه العلماني أن يعمل بالسياسة في المساحات الدينية. لكن في الحقيقة كان لليسار أن يعمل أكثر في المجال الاجتماعي للهرب من مشكلة ضيق المجال السياسي. أعتقد أن أحد مشاكل اليسار المصري هي أنه تيار مسيس بشكل زائد عن اللزوم، في مجتمع تعرضت السياسة فيه للإخصاء منذ الخمسينات. وبهذا فإن تركيز اليسار على المجال السياسي فقط قد أصابه في النهاية بعقم الحياة السياسية المصرية.
مشكلة المجال السياسي، الماء الذي يتنفس فيه السمك، لا تقتصر على أنه مغلق دون تيارات وتنظيمات يسارية تضطر للعمل تحت الأرض. فالحزب الذي يعمل في العلن وفي ظل القانون، أي التجمع، يظل في حالة أزمة. فالمجال السياسي الرسمي في مصر ضيق جداً، والأحزاب محاصرة في مقراتها، وأجهزة الأمن تكاد تسيطر على كل شيء. إذن فأزمة حزب التجمع ترجع جزئياً إلى ضيق المجال السياسي المصري. وكما أننا لا يمكن أن ننتظر ظهور لاعبين مهرة بدون عدد كبير من الملاعب تستوعب الأطفال، فلا يمكن انتظار ظهور أحزاب قوية أو كوادر عظيمة بدون ملاعب سياسية. لقد عالجنا قضية ضيق المجال السياسي المصري في الأعداد السابقة بحيث لا نحتاج هنا للتفصيل فيها.

ثانياً: مشكلة انهيار العضوية كماً وكيفاً
أحد أهم مؤشرات تردي التنظيمات اليسارية هو الانخفاض الكمي والنوعي في العضوية. من الملحوظ اليوم، أن معظم أبناء هذا التيار هم أفراد وليسوا أعضاء في أحزاب سياسية، ومعظمهم عازف عن التورط في أية تجربة تنظيمية جديدة تعيد إنتاج المنظمات الفاشلة التي دخلوها من قبل. ومشكلة التنظيمات لا تتعلق بالكم فقط، أي بحجم عضويتها، وإنما في عجزها إلى حد كبير عن اجتذاب العناصر الجيدة. كم من القيادات العمالية النقابية تضمها التنظيمات اليسارية، بما فيه حزب التجمع؟ كم من قيادات نقابات الطبقة الوسطى ومن الكتاب والفنانين تضمها هذه التنظيمات والأحزاب. قليل جداً؟ هذا بعد أن كانت التنظيمات الشيوعية في الماضي، خاصة في الأربعينات والخمسينات تضم نخبة من قيادات العمال والكتاب والمحامين، الخ.
كانت التنظيمات اليسارية تتغذي في الماضي على التيار اليساري الواسع. يجب التفرقة بين التيار والحزب. فالتيار، أي تيار، هو أفراد ومجموعات وأدبيات مكتوبة وشرائط مسموعة وأفلام وشركات، وجمعيات اجتماعية، الخ. التيار إذن أكبر من التنظيمات التي فيه. فالتيار الإسلامي على سبيل المثال أكبر من الإخوان المسلمين، وبنفس المعنى التيار اليساري أكبر من التنظيمات اليسارية. أزمة التنظيم اليساري إذن هي من أزمة التيار اليساري عموماً. فالتنظيمات اليوم عندما تعمل في الواقع لا تجد تربة مهيأة مهدها لها التيار اليساري الواسع. اليسار كان حاضراً في المجال الثقافي والطلابي والعمالي، لذلك كانت التنظيمات تستطيع العمل على أرضية مواتية من أجل كسب أعضاء جدد. ولكن التيار اليساري نفسه ضعف. لا مجال هنا للاستفاضة في موضوع أزمة التيار اليساري لأن أسبابه باتت معروفة مثل: تأسيس دولة إسرائيل، الفورة النفطية في المنطقة العربية وما أدى إليه جزئياً من انتشار الفكر والممارسات المحافظة خاصة عند التيار الإسلامي، الدولة الناصرية التي صاغها النظام لكي تكون أداته في السيطرة على العمال بإعطائهم بعض الحقوق الاقتصادية في مقابل تخليهم بشكل تام عن كل الحقوق السياسية، هذا بالإضافة بالطبع إلى سقوط تجربة البناء "الاشتراكي" في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية والعالم الثالث، الخ.

ثالثاً مشكلة التمويل
كأي نشاط إنساني، يتطلب النشاط السياسي أموالاً للإنفاق على حملات الدعاية، المطبوعات، تكلفة انتقالات، تكلفة إعاشة سكرتارية دائمة للتنظيمات، الخ. على كل فاعل سياسي أن يتدبر كيفية الإنفاق على نشاطه. يمثل التمويل مشكلة مزمنة لليسار. فالتمويل الخارجي مرفوض من الناحية الأخلاقية، فضلاً عن خطورته السياسية المتمثلة في فقدان المصداقية أو الوقوع تحت طائلة الأمن الذي يميل في بعض الأحيان إلى التنكيل بالسياسيين المعارضين من هذا المدخل. كانت هناك في الماضي بعض الإشاعات عن تمويل تلقاه بعض الشيوعيين من الاتحاد السوفييتي، ولكن هذا لم يتم التحقق منه، ربما يكون ذلك مجرد دعاية خصوم أو دعاية أمنية.
في الأربعينات والخمسينات كان اليسار يضم العديد من أبناء الأثرياء الذين كانوا ينفقون بسخاء على تنظيماتهم. يبدو أن الوضع تغير منذ السبعينات وذلك حين أصبح الطلاب والطبقة الوسطى هم عماد تنظيمات اليسار، فهذه الفئات مواردها المالية محدودة. هذا بالإضافة إلى أن شروط الحياة القاسية تجعل من وقت الفراغ المخصص للعمل التنظيمي محدوداً. اليسار بالتأكيد يواجه مشكلة توفير موارد مادية.
لم يدخل اليسار في نقاش جدي حتى الآن حول قضية التمويل. لقد انحصر النقاش أساساً في قضية "تمويل المجتمع المدني" الذي نشط منذ التسعينات. المشكلة أن بعض اليساريين أسسوا جمعيات ومراكز لحقوق الإنسان تتلقى تمويلاً من جهات أوروبية، سواء كانت جمعيات مستقلة أو جهات حكومية، خاصة من الدول الاسكندنافية أو من الاتحاد الأوروبي. لقد فجرت هذه القضية أزمات عديدة وانقسامات داخل اليسار. فالتيارات "الراديكالية" كانت تعتقد أن هذا النوع من التمويل مرفوض تماماً لأنه يفتح الباب أمام الفساد، كما أنه يحرف الحركة اليسارية المناضلة ضد المجتمع الطبقي إلى مجرد حركة حقوقية. ولكن بمرور الوقت خفت المقاطعة التي فرضتها بعض الأوساط اليسارية على المتلقين تمويلاً خارجياً وأصبحت المقاطعة، إذا وُجدت، مقتصرة على قيادات منظمات المجتمع المدني وليس العاملين فيها. وأصبح السؤال الخاص بالتمويل يدور غالباً حول ممن ولأي غرض.
والحقيقة أن القضية قد عولجت بشكل خاطئ، لأنه منذ البداية لم تتم التفرقة الواضحة بين تلقى أموال من الخارج للقيام بنشاط سياسي وهو ما يجرمه القانون ويدينه السياسيون في مصر، حتى ولو كان بعضهم قد تورط في ذلك، وبين تلقي أموال للقيام بنشاط حقوقي متماس مع السياسة. والحال أن الدفاع عن المعتقلين ورصد انتهاكات حقوق الإنسان هو عمل، شأنه شأن أية عمل أخر، يستحق المرء عليه عائداً مادياً، شأنه شأن الكتابة في الصحف أو الغناء أو التعليم، أو الهندسة الخ. هذا النشاط الحقوقي يخضع للقانون. بالطبع هناك تجاوزات وفساد في بعض جمعيات حقوق الإنسان، شأنها شأن كل القطاعات الأخرى في المجتمع. ولكن أن يكون هناك تجاوزات، لا يعني أن المهنة كلها غير شريفة. والحقيقة أن احتواء اليسار على ناس يعملون في المجتمع المدني لا يفجر مشاكل طالما هناك فصل واضح بين أموال المنظمات الاجتماعية والتشكيلات السياسية. بعبارة أخرى بعض اليساريين يعملون في القطاع العام، والبعض الأخر في القطاع الخاص، والثالث في القطاع الخاص الأجنبي. هذه مهن يأكل منها الناس عيشاً. ولا ضير في ذلك طالماً كانت المهنة شريفة، ولا شك أن متابعة جرائم التعذيب ومساعدة ضحاياها هي في الأصل مهنة شريفة طالماً أداها المرء بإخلاص. المهم أن يضمن اليسار ألا تختلط أموال منظمات المجتمع المدني وهي تنتمي إلى المجال الاجتماعي الخدمي، مع أموال التنظيمات السياسية التي تنتمي إلى مجال أخر هو المجال السياسي، غير مقبول و غير مسموح للقطاع الأجنبي أن يستثمر فيه. وهذه القاعدة يجب أن تنطبق على كل التيارات السياسية، فالتمويل السياسي من العراق ومن سوريا وليبيا ومن السعودية مذموم شأنه شأن التمويل من "الغرب".
لكن في الواقع العملي تبدو القضية أكثر تعقيداً. فبعض منظمات المجتمع المدني تخلط بين العمل الاجتماعي والسياسي، ربما لأن القائمين عليها ناس شديدو التسييس يريدون المشاركة في السياسة من خلال جمعياتهم المدنية، خاصة أن المجال السياسي شبه مغلق، مما يؤدي إلى تحول الطاقة السياسية إلى مجالات أخرى. فكما أدى إغلاق المجال السياسي إلى هروب السياسة إلى المجال الديني، أدى في نفس الوقت إلى هروب السياسة إلى المجال الاجتماعي الخدمي. لكن هذه المشكلة ستخف وطأتها مع زيادة مساحات العمل السياسي بمصر. أضف إلى ذلك أن تطور المجال السياسي لابد وأن يؤدي إلى قدرة أكبر لدى الفاعلين السياسيين القادمين من المجتمع المدني على التفرقة بين أدوارهم المختلفة: كعاملين بأجر في المجتمع المدني، وكعاملين طوعاً في المجال السياسي.
إذا قارنا التنظيمات اليسارية بالتنظيمات الإسلامية، سنجد أن هذه الأخيرة تمتلك موارد هائلة. بغض النظر عن الدعم الذي قد يقدمه "أخوة إسلاميين" في الخارج، نستطيع القول أن التنظيمات الإسلامية كانت أكثر كفاءة في تعبئة الموارد المالية داخلياً. فالإسلاميين، بعكس اليسار، ليست لهم أية مشكلة مع المال أو مع الرأسمالية من حيث المبدأ. والكثير من أعضاءهم يمتلكون مشروعات كبيرة ومتوسطة يساعدون بها التنظيمات الإسلامية. وهذا ما ليس عند اليسار.
إن قضية تمويل التنظيمات اليسارية أخطر من أن تترك خارج الجدل العلني لليسار. لأن مصداقية أي تنظيم سياسي تعتمد في جزء كبير منها على توفير موارد مادية بشكل شفاف، معلوم للكافة، طبقاً لمعايير تم التوافق عليها بين أبناء التيار. وبما أن المرحلة التي نمر بها هي مرحلة الخروج من السرية إلى العلنية، فقضية التمويل على رأس الموضوعات التي يجب أن تطرح للمناقشة والدراسة. وهو ما لم يحدث حتى الآن، فالقضية لا زالت تُناقش من مدخل "أخلاقي" مزيف في كثير من الأحيان، مدخل يفتح الباب لممارسات غير أخلاقية مثل التشهير بالآخرين، والتعالي عليهم لأنهم يعملون في المجتمع المدني.
والأسئلة المطروحة كثيرة مثل ما هي الأطراف في المجتمع الذي يجب أن يسعى إليها اليسار لكي تتبرع له بالمال؟ وما هي شروط تلقي تبرعات؟ نحن لا نتكلم عن الشروط القانونية التي ينص عليها قانون الأحزاب، ولكن عن شروط سياسية تضمن ألا يضر التمويل بمصداقية وسمعة اليسار، وألا يخالف القيم الأساسية لهذا التيار. لكن في كل الأحوال يجب ألا تقتصر جهود اليسار على تنمية مصادر تمويله من جانب مجموعة من الميسورين. فالجنيه الذي يدفعه العامل لتمويل الحزب اليساري يساوي مليون جنيه تأتي من شخص ميسور. لأن هذا الجنيه هو رمز لعلاقة تعاقدية تنشأ بين حزب اليسار وبين العامل، يصبح بمقتضاه العامل داعماً للحزب بما يملك، مقابل أن يدافع الحزب عن مصالحه ومصالح أقرانه.


رابعاً: مشكلة فلسفة التنظيم
اللينينية انتهت، فمن يورثها؟
التنظيم في نهاية الأمر أداة لتحقيق هدف أو مجموعة أهداف. المشكلة الكبرى للتنظيمات اليسارية هي التوافق على هدف أو مجموعة أهداف واضحة متسقة مع بعضها البعض ومتسقة مع شكل وبنية التنظيم. هل يبني اليسار تنظيماته استعداداً للحظة الثورة التي ستقوم فيها الجماهير للإجهاز على الرأسمالية بقيادة الحزب الذي يضم خيرة العمال والمثقفين، كما يعتقد أتباع لينين، أم أن الحزب أساساً يخوض حروب مواقع مع الناس لتحرير منطقة منطقة؟ هل يكسب الحزب بالضربة القاضية أم بالنقاط؟ من الممكن حل التناقض بين الموقفين ظاهرياً بالقول أن حرب المواقع هي مقدمة للحرب العظمى، وأن كسب عدة جولات يرهق الخصم بحيث يمكن في النهاية الإجهاز عليه بالضربة القاضية. المشكلة أن هناك تناقضات عملية بين المنهجين. التنظيم اللينيني في الواقع يدخل في الصراعات المختلفة ليس لأنه يعتقد في إمكانية حسمها، بل هو يؤكد أنه لا حلول جزئية، ولا حل إلا الحل الجذري، أي الخلاص من الرأسمالية. ولكن لأن هذا الحل استراتيجي لذلك يجب الاستعداد له بمهام يومية، وهي الانخراط في الصراعات الهامة من أجل اجتذاب العناصر الجيدة إلى الحزب، ومن أجل تدريب كوادر الحزب نفسه، ومن أجل رفع وعي الجماهير. هذا ما يجعل حجم العضوية الأمثل بالنسبة لهذا النوع من التنظيمات بضعة ألاف، لأن إذا كان للحزب أن يشارك في ضبط إيقاع الثورة عندما تقع، يجب أن يكون له حداً أدني من العضوية النشطة والنافذة في قلب الفئات الاجتماعية الحيوية، خاصة العمال. فالنظرية اللينينية تقوم بالضرورة على فكرة الطليعة التي ستقود الجماهير.
لقد انفصل الكثير من اليساريين المصريين عن اللينينية، خاصة من يرى أن اللينينية تؤدي بالضرورة إلى الستالينية، وخاصة من يعتقد أن فكرة الطليعة القائدة للجماهير تؤدي بالضرورة إلى الاستبداد، وأن العلاقة بين الحزب والفئات الاجتماعية التي يتوجه إليها هذا الحزب هي علاقة تحالف، ليس لطرف فيها أن يقود الأخر معتبراً نفسه مخزن الوعي. ولكن من نبذ اللينينية لم يبلور نظرية أخرى للتنظيم، نظرية تحدد أهدافه، العلاقات بين أعضاءه ومختلف مستوياته، علاقاته بالجماعات الاجتماعية التي يتواصل معها. وفي ظل غياب رؤية واضحة لمسألة التنظيم، مال اليسار غير المنظم إلى المشاركة بقوة في لجان ومجموعات، أهمها بالطبع "اللجنة الشعبية لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني"، هذا بالإضافة إلى أجيج (المجموعة المصرية لمناهضة العولمة)، الحملة الشعبية من أجل التغيير، الخ، علاوة على مشاركة اليسار في حركات أخرى مثل كفاية. الأصل في هذه المجموعات واللجان هو إنشاء كيانات تقوم على العمل الجماعي بين فرقاء سياسيين، وتكون مفتوحة للجمهور الواسع. بهذا المعنى هي كيانات لها ضرورة في لحظات معينة، لأنها مرنة وفضفاضة، بما يسمح لها بسرعة الحركة، وبما يشجع كثير من الناس المختلفين على العمل سوياً لهدف مشترك. ولكن هذه الأشكال شبه التنظيمية لا تشكل بأي حال من الأحوال بديلاً عن التنظيم الحزبي، وهو شكل مؤسسي أكثر رقياً وأطول عمراً يهدف إلى المشاركة في السلطة وليس فقط رفع بعض المطالب الفئوية أو القيام بتحركات احتجاجية. إن انتشار هذه اللجان والمجموعات داخل اليسار، في الوقت الذي قل فيه عدد وتأثير التنظيمات اليسارية يعطي مؤشراً على أن هناك مشكلة تنظيمية لم يستطع هذا التيار أن يحلها حتى الآن. ولأنه لم يحلها لذلك هو يلجأ إلى مُسكنات اللجان الشعبية.
لقد قطع معظم أهل اليسار عملياً مع النظرية اللينينية في التنظيم (دون ضجة غالباً)، والدليل على ذلك هو أن مفردات مثل "الطليعة" تكاد تختفي من قاموس معظم اليساريين. مَن من اليساريين اليوم مقتنع أن بضعة ألاف من المثقفين ومن العمال الطليعيين سيقودون ثورة مظفرة تطيح بالنظام وبالرأسمالية؟ الأغلبية تعلم أن ذلك إذا حصل، الله ما أحفظنا، ستكون النتيجة أسوأ مما حدث للاتحاد السوفييتي. هل أبالغ إذا قلت أن معظم اليساريين اليوم يرون أنفسهم كخميرة (كما قال د. شريف حتاتة في ورقته عن اليسار) وليس كطليعة، أي أن دورهم هو تحفيز الناس على التحرر الذاتي، وتحت التحرر الذاتي ضع مائة خط.

خاتمة
يمر اليسار المصري بلحظة تحول، فالأشكال التنظيمية التي قامت على فكرة لينين عن الطليعة قد انتهت أو كادت. والحزب الوحيد المصرح به أي التجمع يعاني من أزمة حادة. هذا بينما تحركت الأرض بعض الشيء في السنوات الماضية، مما دفع ببعض العناصر الشابة إلى السياسة وإلى الاقتراب من اليسار. الأرض ممهدة إذن لظهور أشكال جديدة. هذا ما دفع مجموعة يسارية إلى محاولة تأسيس حزب جديد علني هو "الاشتراكيين المصريين". فبالرغم من هامشية عدد المؤسسين، وبالرغم من أنه منذ إعلان عن تأسيس الحزب لم نسمع عن أي شيء أخر، فإن هذه المبادرة تشي بأن الواقع الحالي يتحمل أكثر من حزب يساري جديد يظهر على الساحة.
حل اليسار لمعضلته التنظيمية يتوقف على عدة عوامل: أولاً عوامل ذاتية خاصة باليسار نفسه وقدرته على الصعود بقدراته التنظيمية في الفترة المقبلة عن طريق الدخول في أشكال مؤسسية متطورة كالأحزاب، واتصاله بالفكر التنظيمي اليساري في الخارج، خاصة في أمريكا اللاتينية التي تشهد صعود للأحزاب اليسارية التي تعرف حيوية كبيرة، تظهر في وصول عدة أحزاب يسارية إلى السلطة هناك (أنظر مقالة عمرو عبد الرحمن في هذا العدد). الحقيقة أن خمسين سنة من الركود السياسي في مصر قد أصاب الفكر التنظيمي المصري بالعقم الذي لا يمكن تجاوزه بسرعة بدون الاستفادة من تجارب الآخرين، خاصة المجتمعات التي خرجت من حكم أنظمة عسكرية ديكتاتورية.
ثانياً: الأمر يتوقف أيضاً على قدرة المعارضة المصرية على فرض مجال سياسي أوسع يسمح بإنشاء أحزاب حقيقية لديها مهام تفعلها غير الصراخ في جرائدها الأسبوعية، واقتناص عدة كراسي في برلمان بائس لا حول له ولا قوة. بدون مجال سياسي حر، وبدون التغلب على مشكلة الشرعية، سواء بالضغط للحصول عليها، أو بالحصول عليها في الواقع الفعلي، لن يكون هناك أحزاب يسارية قوية وفعالة. فكما قلنا سلفاً، السرية هي الآفة اليسارية التي أضعفت اليسار في العقود الماضية. وهذه السرية لم تكن خياراً لليسار بقدر ما كان إستراتيجية مقصودة من النظام لحصار اليسار وتحجيمه.
اليسار يودع اللينينية في التنظيم. لكن المشكلة أنه يودعها في صمت، والصمت هنا مشكلة، لأنه لا يتيح تقييم التنظيمات السابقة، ونقد أسسها الفكرية من أجل بناء أشكال تنظيمية أكثر ديمقراطية، وأكثر قدرة عن تحقيق الأهداف السياسية التي يحاول هذه التيار أن يحققها.




#سامر_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرأسمالية المصرية.. هل هي طبقة منتجة للديمقراطية
- من -الدين لله والوطن للجميع- إلى -الدين لله والدولة للجميع، ...
- حوار مع روح -مولانا- كارل ماركس عن الرأسمالية والديمقراطية و ...
- حول الإخوان واليسار والعلمانيين
- خيرنا أنفعنا للناس
- النوبة والسد العالي والعنصرية في مصر!
- أزمة اليسار المصري، فتش عن الدولة الناصرية
- الاقتصاد السياسي للمستقبل
- العلمانية والتحالف مع الإسلاميين
- علنا لا ننسى شهداء اليسار اللبناني
- الديمقراطية بين الإيمان بها والمصلحة فيها
- على ماذا يختلف اللبنانيون؟
- من الكافر في الصراع اللبناني؟
- القومية والديمقرطية في مصر والعالم العربي
- أوهام التحديث بالاستبداد
- في الرابطة بين القضية القومية والقضية الطبقية
- في تشريح الصراع الاجتماعي والسياسي في مصر
- دعوة للحوار
- نحو رؤية يسارية للمسألة الديمقراطية


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سامر سليمان - اليسار ومشكلة التنظيم، وداعاً للينينية.. هل من جديد؟