أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سامر سليمان - نحو رؤية يسارية للمسألة الديمقراطية















المزيد.....


نحو رؤية يسارية للمسألة الديمقراطية


سامر سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 577 - 2003 / 8 / 31 - 03:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


 

            تكشف المشروعات المتلاحقة للحوار أو للعمل التي خرجت من الحركة اليسارية في الستة شهور الماضية عن "حالة استنفار" في أوساط اليساريين. وكما هو واضح ترجع هذه الحالة بشكل أساسي إلي التحول الذي لحق بالسياسة الخارجية الأمريكية بعد 11 سبتمبر وإلى تغير موقف الولايات المتحدة من النظم السلطوية القابعة في العالم العربي والذي أدى في النهاية إلى غزو العراق. هناك شعور عام بأن الأوضاع السياسية في منطقتنا لن تظل على المعادلة التي سادت طوال عقود ماضية، وهناك أيضاً شعور بأن اليسار المصري يجب أن يكون حاضراً ومؤثراً في المعادلة الجديدة التي ستحكم العمل السياسي في مصر، و من  المؤكد أن هناك مشاعر أخرى كثيرة لا نستطيع الإحاطة بها لأننا لا نمتلك مراة تستطيع أن تكشف لنا عما يعتمل داخل اليساريين.

            وترجع حالة الاستنفار تلك إلى الشعور بالخطر. إذا كان الانسان حيوان سياسي فإن اليساريين هم أكثر تلك الحيوانات السياسية تسييساً. لذلك فهم يشعرون بخطر ما يتهدد المجتمع. ما حدث في العراق كان مثيراً للكثير من الشجن وللأرق. هل يمكن أن تصل مصر إلى نفس المصير؟ هل سنشهد يوماً تدخل فيه الدبابات الأمريكية شوارع القاهرة وتخرج فيه مجموعات البرابرة وقطاع الطرق لتنهب المتحف المصري ثم تحرق مجمع التحرير ثم تعرج على الأوبرا وتحرقها أيضاً؟ بالطبع الحالة المصرية تختلف كثيراً عن الحالة العراقية، ولكنها تشترك معها على الأقل في خاصية وهي أن السياسية قد ماتت في مصر كما ماتت في العراق. هناك فراغ سياسي رهيب تحاول الأجهزة الأمنية ملئه، ولكنها لا تستطيع. وهذا وضع مقلق بل مخيف، لأن المجتمعات البشرية لا تستطيع أن تعيش بدون سياسة. ومما يفاقم من الشعور بالخطر أن النظام السياسي المصري الذي شاخ وهرم، مقبل على امتحان عسير قريباً وهو حل مشكلة الخلافة في رئاسة الجمهورية بشكل سلمي. إننا نمر في مصر بمرحلة دقيقة جداً هي بلا شك مرحلة انحطاط سياسي يمكن أن تؤدي بنا إلى الفوضى، والفوضى لن يكون فيها رابح. فالكل خاسر حين يخرج الانسان من بيته وهو لا يعلم متى سيعود إليه، الكل خاسر حين تسيطر على الشوارع عصابات من البلطجية التي تفرض الأتاوات على الناس، الكل خاسر حين يسقط القانون ولا يبقى إلا قانون الغابة. (هل اختفاء رضا هلال نذير الشؤم؟)

            حينما نقول أننا نمر بمرحلة انحطاط سياسي, ليس هذا من سبيل استخدام عبارة انشائية، نحن نتحدث عما يسمي في العلوم السياسية ب political decay  وهو مرض يصيب بعض المجتمعات في نظامها السياسي وأحد علاماته عجز النظام السياسي عن ضبط المجتمع وعن إدارة الصراع بين أفراده وجماعاته. (أنظر على سبيل المثال إلى تنامي عدد الأحكام القضائية التي لا تنفذ). إننا بلا شك نشهد مرحلة انهيار في سلطة الدولة. سأكون شديد الصراحة وأقول أنني لا أحتفي بهذا الانهيار، لأنني لا أعتقد أنه سيصل بنا إلى مرحلة أكثر تطوراً في تاريخنا السياسي والاجتماعي، بل من الممكن أن يعود بنا إلى الوراء كثيراً. السيناريو الأقرب للواقع ليس الثورة ولكن الفوضى، لأن جموع البشر التي يمكن أن تخرج للشارع ليست مؤطرة في أشكال سياسية يمكن أن تضبط حركتها وتمنعها من الغلواء، من أجل أن تصل بها إلى شاطيء الأمان الذي هو نظام سياسي كفء قادر على إدارة شئون المجتمع بشكل سلمي. هناك أزمة تمثيل في مصر: معظم القوى والجماعات الاجتماعية لا تجد لها تمثيل سياسي داخل أو خارج الشرعية. حتى الحركة الاسلامية التي هي أقوى تيار سياسي في مصر لا تستطيع زعم تمثيلها لأكثر من خمس أو ربع المصريين. وهذا هو الانحطاط السياسي بعينه، وهذا هو المدخل الواسع للانحطاط الاجتماعي والاقتصادي وربما للفوضى. نعم نحن نهمس أن الوضع خطير جداً ولكننا لم نصدق فعلاً في أعماق أنفسنا أننا يمكن أن نتعرض لاحتمال لكارثة يمكن أن تذهب بنا إلى الجحيم نحن وأبنائنا لفترة قد تمتد لسنوات طويلة. ليس عندي شك في أن الموضوع الأول على أجندة المصريين الأن هو كيفية تأسيس نظام سياسي قادر على حفظ السلام في المجتع، أي قادر على إدارة الخلافات والصراعات المجتمعية بشكل سلمي.

 

ماذا يستطيع اليسار أن يفعل؟
            إذا كان اليسار يعتقد أنه قوة تقدم في سبيل مجتمع أكثر عدالة وانسانية، ففي هذه الحالة يجب أن يتحرك بسرعة ليكون في مقدمة القوى التي تسعى إلى إجهاض سيناريو الفوضى الذي يمكن أن يضرب المجتمع. ليس بمقدور اليسار أن يكون الطرف الأول والأساسي في المعادلة السياسية التي ستشهدها مصر في السنوات القليلة القادمة، فهو لا يمتلك الموارد البشرية أو الفكرية أو المادية لانجاز نمو غير عادي في المستقبل القريب، يستطيع بمقتضاه أن يتحول من بضعة مئات من الأفراد، متركزين أساساً في القاهرة، إلى حركة واسعة تغطي معظم مناطق الجمهورية، كما لا يستطيع أن يتحول في يوم من حركة تفتقد للعمق الفكري وللخبرة السياسية إلى حركة تنتج الفكر وتحوله إلى برامج سياسية. أضف إلى ذلك أن اليسار لا يستطيع أن يزعم أنه يمثل أي قوة اجتماعية موجودة بالفعل. لذلك علينا أن نبدأ من هذه النقطة.

            ولكن اليسار يستطيع أن يقدم خدمة جليلة للمجمتمع وهي أن يساهم بشكل فعال في تأسيس نظام سياسي ديمقراطي وحديث يستطيع أن ينقذ البلاد من الانحطاط الذي تعيشه ومن الفوضى التي تتهدده. الديمقراطية مطروحة بقوة على الأجندة السياسية المصرية. هناك احساس عام في الشارع بأن النظم السلطوية تذهب بمجتمعاتها إلى الجحيم. الناس تتوق فعلاً للحرية والديمقراطية كفكرة ولكنها لا تعرف كيف تحققها ولا كيف تمارسها، لأنها تفتقد إلى الثقافة الديمقراطية وإلى التجربة السياسية. حتى أحزاب المعارضة التي "تناضل" من أجل الديمقراطية لا تشي ممارساتها الداخلية بأي مصداقية تؤهلها للحديث عن الحرية. السؤال الأن هو: كيف يمكن تحقيق ديمقراطية في مصر بدون ديمقراطيين؟ هذه هي اشكالية الديمقراطية في مصر. اليسار بإمكانه أن يجيب على هذه الاشكالية. اليسار بإمكانه بالفعل "اختراع" قوة ديمقراطية في المجتمع، اليساريون بإمكانهم أن يصبحوا فعلاً طليعة جنود المشروع الديقراطي في مصر. وذلك لعدة أسباب:

أولاً: كوادر سياسية:

رغم أن اليسار يفتقد الكثير من الخبرات السياسية حيث أنه يعمل في إطار نظام سياسي مسدود وفي فضاء سياسي شبه متلاشي، إلا أنه يمتلك بعض المعرفة التي يمكن أن تكون ذات فائدة في إطار حالة الأمية السياسية التي تسود المجتمع. الكوادر السياسية في مصر قليلة جداً، لذلك يمثل اليسار رغم ضعفه مورداً هاماً لامداد المجتمع بالنشطاء السياسيين. وهذا كان حال اليسار طوال تاريخه وحتى وقت قريب.

ثانياً: تيار سلمي:

برغم أن بعض اليساريين يتحدثون أحياناً عن "العنف الثوري" فاليسار من أكثر القوى سلمية في المجتمع المصري. فكوادره مثقفة ومدربة على الحوار وليس على استخدام الجنازير. لم يٌعرف عن اليسار أنه يضع في برنامج تدريب كوادره دروس في الكاراتيه، ولا دروس في التصويب. وبعكس التيار الاسلامي، لم يلجأ اليساريون أبداً إلى استخدام العنف ضد خصومهم السياسيين. بل أن اليساريين هم الذين كانوا يتعرضون للعنف سواء من قبل الدولة أو من قبل الاسلاميين، ولكنهم لم يردوا أبداً بعنف مثله أو أقل منه. صحيح أن اليساريين يلجأون في بعض الأحيان إلى العنف الرمزي تجاه بعضهم البعض وتجاه خصومهم، ولكن هذا العنف الرمزي لم يذهب أبداً إلى حسم المسائل بالسلاح. لذلك يمكن لليسار أن يزعم بقوة أنه قوة مسالمة، وحين يدعو الاطراف كافة إلى تأسيس قواعد سلمية لتداول السلطة، ترتكز هذه الدعوة على أرضية صلبة من المصداقية.

ثالثاً: حقوق الانسان:

            لقد نشط العديد من اليساريين في مجال حقوق الانسان خلال العقد الأخير، وأظهروا التزاماً صادقاً برفض العنف والتعذيب أيا كان التيار الذي الذي ينتمي إليه الضحية. الأمانة تقتضي أن أشير إلى أنه بالرغم من الممارسات السيئة لبعض جماعات وأفراد ومؤسسات حقوق الانسان فإننا لا يمكن أن نصم التجربة كلها بالانتهازية. من المطلوب إجراء مراجعات نقدية لممارسات جمعيات حقوق الانسان، ولكن ليس من المفيد السب والتشهير. النزعة "الحقوقية" في الحركة اليسارية مرتبطة بشكل وثيق بأزمة الحركة في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، إنها نتاج الأزمة وليست خالقتها. السؤال هو هل تعمق الممارسات الحقوقية من أزمة اليسار أم أنها تمثل أحد المسارات الجديدة التي اختارتها الحركة في لحظة أزمة وأدت بها إلى اكتساب مجموعة من الممارسات والخبرات التي يمكن البناء علي بعضها؟ أنا أميل إلى الاحتمال الثاني. أعتقد أن الخطر الأساسي الذي مثلته جمعيات حقوق الانسان على الحركة اليسارية لم يكن إفساد الكوادر اليسارية بالرغم أنها بالفعل أفسدت البعض (وهذه طبيعة البشر)، ولكن الخطر الأهم هو الاعتقاد الذهني أو النفسي أن "المجتمع المدني هو الحل". وهذا الخطر غير قائم تقريباً اليوم لأن بعد تجربة أكثر من عقد في المجتمع المدني أدرك اليسار جيداً أن النضال على هذه الأرض لا يأتي بنتيجة مجتمعية إلا إذا ارتبط بالنضال على أرض السياسة. على أي حال أعتقد إن الاتجاه الحقوقي الانساني في الحركة اليسارية يمكن التعامل النقدي معه ولكن لا يجب أن ننسى أنه مورد يمكن للحركة أن تستفيد منه سواء من حيث الخبرات الفكرية أو العملية كما أنه يمكن أن يؤسس شرعية لليسار كقوة ديمقراطية بالفعل، باعتبار أن الدفاع عن حقوق الافراد هو جزء أصيل من برنامج كل حركة ديمقراطية حقة.  رابعاً: العلمانية:

نحن تيار يؤمن إيماناً لا يتزعزع بالعلمانية كنظام سياسي، ولنا مساهمات فكرية في هذا الاطار، ولنا العديد من الكوادر اليسارية التي خاضت حروب دفاعاً عن العلمانية. وهذا يعطى لنا مصداقية عند كل الأطراف التي تراقب بقلق زيادة نفوذ المؤسسات الدينية (اسلامية ومسيحية على السواء) في الفكر والممارسة السياسية، ومحاولاتها التدخل في الحياة المدنية بشكل سافر. والحقيقة أنه من الصعب تصور تحقيق الديقراطية في مصر بدون حداً أدنى من المبادئ العلمانية التي تؤسس لمبدأ السلطة للشعب كما تؤسس لمبدأ المواطنة والمساواة بين المصريين بغض النظر عن العقيدة. يجب علينا أن ندرك جيداً أن الدفاع عن العلمانية السياسية هي أحد أهم المعارك التي يجب أن نخوضها إذا كنا نريد أن نصبح فعلاً قوة ديمقراطية. وعلينا أن لا ننسى أننا لسنا العلمانيين الوحيدين في المجتمع. هل ننسى أن فرج فودة دفع حياته في هذه المعركة؟ وهو لم يكن يسارياً قط.   

 

 

ماذا ينقص اليسار؟

ذكرنا أعلاه نقاط القوة التي يمكن لليسار أن يرتكز عليها في بناء حركة ديقراطية. والأن حان وقت التوقف والنظر جيداً إلى العومل التي يمكن أن تعوقنا عن ذلك.

أولا: موقف غير واضح من قضية العنف:

يجب على اليسار أن يعدل بعض الشئ من خطابه حتى يتفق مع ممارساته. إذا كان اليسار لا يميل على الإطلاق إلى العنف فلماذا لا يقول ذلك؟ لماذا يعبر في بعض الأحيان عن اعجابه بممارسات جماعات اسلامية مسلحة مثل تنظيم القاعدة؟ لماذا لا يقول اليسار للمجتمع أنه ضد العنف؟ لم يلتفت اليسار طويلاً لمبادرة وقف العنف التي قامت بها الجماعة الاسلامية والتي أدت بها في النهاية إلى القيام بمراجعة فكرية وفقهية أوصلتها في النهاية إلي "نبذ العنف". والحقيقة أن الجماعة الاسلامية كانت الخصم الأساسي للنظام طوال التسعينات واستطاعت في بعض اللحظات أن تهز أركان الدولة ولكنها في النهاية هٌزمت هزيمة ساحقة وفهمت أنه من الصعب جداً التغلب على الدولة المصرية في ساحة قتال بالسلاح. لقد تخلى معظم اخوتنا الاسلاميين عن مسألة مركزية في عقيدتهم وهي الجهاد ضد الدولة بالقوة. وبالرغم من أن نبذهم للعنف مازال هشاً فإنهم قد فعلوها، فماذا ننتظر نحن؟ هل ما يزال أحد يعتقد أنه يمكن تغيير شيئاً بالقوة المسلحة؟ هل نعلن أخيراً للمجتمع أن التزامنا بالديمقراطية والتغيير السلمي هو قضية أصيلة وليس فقط مسألة تكتيكية؟ هل نصدق أخيراً أن معطيات الواقع السياسي المصري لا تجعل من العنف خياراً واقعياً وناجحاً؟

ثانياً: ضعف الديمقراطية الداخلية:

لا يستطيع تيار أن يدعو إلى الديقراطية دون أن يتحلى هو نفسه بالديمقراطية في إدارة شئونه الداخلية. وهذا ما ينقص بعض الممارسات في حركتنا. فعلى الرغم من أن اليسار لم يصل قط إلى مرحلة فض نزاعاته الداخلية بالجنازير والمطاوي إلا أنه لم يقدم للمجتمع نموذج براق لكيفية أن يحل تيار سياسي ما خلافاته الداخلية بطريقة ديمقراطية محترمة. كما لم يقدم نموذج جذاب لكيفية تطور وازدهار تيار سياسي في ظل التلاقح والتنوع. وهذه قضية غاية في الأهمية: يجب أن يحترم اليسار بعضه البعض حتى يحترمه المجتمع وتحترمه القوى السياسية الأخرى.

 

ثالثاً: عدم انتاج نظرية لتحقيق الديمقراطية:

على الرغم أن العديد من الرفاق يناضلون في مصر بالفعل من أجل الاصلاح السياسي، إلا أن اليسار في مجموعه لا يمتلك نظرية سياسية لتحقيق الديمقراطية. علينا أن نعترف بأمانة أننا لا نعرف كيف يمكن أن ننتقل من المربع الديكتاتوري الذي نقف فيه الأن إلى مربع أخر يتسم بقدر معقول من الديمقراطية والحريات السياسية. المساهمات النظرية اليسارية في مسألة الديمقراطية محدودة جداً وهي لا تزيد عن عبارات عامة عن أن "العمال هم القوة الاساسية التي من مصلحتها تحقيق الديمقراطية". فهي عبارات لا تغني عن نظرية تفسر إنتقال المجتمعات من السلطوية إلى الديقراطية. وهنا ليس هناك داعي على الإطلاق لإعادة اختراع العجلة، نحن لا نبدأ في هذه النقطة من الصفر. هناك العديد من المجتمعات في أمريكا اللاتينية وفي أسيا التي استطاعت في العقد الأخير أن تنتقل إلى الديمقراطية بعد سنوات طويلة من الحكم العسكري. كيف تسنى لهم ذلك؟ يجب أن ينفتح اليسار على تجارب القوى الديقراطية الأخرى في العالم الثالث. لقد بدأ اليسار بالفعل في الانفتاح على حركة مناهضة العولمة ولكن ذلك ليس كافياً على الاطلاق لأن دروس مناهضة العولمة لا تفيد كثيرا في التغيير السياسي الداخلي. يجب أن يقوم اليسار بترجمة مجموعة كبيرة من الكتابات حول التحول الديمقراطي في شيلي، البرازيل، كوريا الجنوبية، أندونيسيا، الخ.

            من واقع خبرات الشعوب الأخرى يمكن لنا أن ننظر للمسألة الديمقراطية في مصر بشكل جديد، ولكن هذا بشرط أن ننجز ما لم نفعله من قبل وهو فهم واقعي وملموس لأليات العمل السياسي في مصر. (المؤسسات والعلاقات بينها والقوى المتصارعة في التحالف الحاكم ألخ). هذا من الممكن أن يؤدي بنا فعلاً إلى صياغة استراتيجية لتحقيق الديمقراطية، وليس فقط لمطالب محددة نحشد عليها الناس مثل الانتخاب الحر والمباشر لرئيس الجمهورية، فهذا المطلب شعار ليس إلا، فهو لا يقول للناس كيف يتحركون ومع من وكيف يتحالفون لتحقيق ذلك. يجب انتاج فكر وخطاب سياسي يساري في هذا الاتجاه. ليس من المطلوب أن يتحول كل اليساريون إلى باحثين في مسألة الحرية والديمقراطية، نحن نحتاج أيضاً إلى "دعاة" من السياسيين والنقابيين يستطيعوا أن ينشروا الديمقراطية في مواقعهم بالممارسة وليس فقط بالفكر. نحن نحتاج إلى أدباء وفنانين لكي يكرسوا مبادئ الحرية والديمقراطية والتسامح في وجدان الناس وليس فقط في عقولهم. لست أعلم كيف يمكن أن ندعو إلى الديقراطية بدون انتاج فكر وخطاب يساري عن الديمقراطية. لقد أصبحت مساهمات اليسار في المسألة الديمقراطية أشبه بالاسطوانة المشروخة. فعندما يدعو أحد إلى الديمقراطية السياسية يهجم عليه اليساري بخطاب من نوع: وأين "الديمقراطية الاجتماعية؟" أو من نوع "وكيف تريد أن تحقق الديمقراطية في السياسة وهي ليست موجودة في الاقتصاد؟" بالفعل الديمقراطية ليست متحققة في الاقتصاد، وليس هناك يساري يمكن أن يقبل بذلك. اني أرى أنه في مقدور الطبقات العاملة والمحرومة أن تزيد من نصيبها من الدخل القومي في السنوات القادمة، كما أن بإمكانها أن تنتزع بعض الحقوق السياسية مثل التعددية النقابية، ولكن ليس بمقدورها الوصول إلى السلطة. ليس هكذا تصل الحركات الاجتماعية والسياسية إلى السلطة. المطروح الأن على الأجندة تغيير السياسة وتعديل الاقتصاد. نعم، تعديل الاقتصاد وليس تغييره. المطروح الأن ليس تغيير علاقات الانتاج ولكن فقط تحسين شروط الطبقات العاملة وفتح الطريق أمام نموها وازدهارها. أني لا أرى بشائر أي ثورة اشتراكية في الأجل المنظور. أنا لا أصادر على أية احتمالات في المستقبل، ولكن معطيات الواقع الأني تقول لي أنه ضرب من الجنون الأن الكلام عن تحقيق اشتراكية. الممكن الأن هو فتح الطريق أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي يمكن أن يؤدي فيما بعد إلى وضع الاشتراكية على أجندة العمل السياسي المصري. وإذا كانت المرحلة هي الاصلاح السياسي إذن يجب على اليسار أن ينتج خطاباً جديداً عن الديمقراطية يتجاوز تقريع من ينادي بالتحرر في السياسة لأنه لا يذكر التحرر في الاقتصاد أو محاولة "هدايته" وإقناعه أنه لا سبيل إلى ديمقراطية بدون ثورة اشتراكية.

 

الأسئلة التي لا تجد إجابات؟
لن يكون مقدر لمصر أن تشهد اصلاحاً سياسياً بدون الإجابة على اشكاليتين أساسيتين، ولن يكون لليسار دور في التطور الديمقراطي بدون أن يقدم اسهامه في ذلك.

الاشكالية الأولى:

- ما هي الصيغة التي يمكن بمقتضاها حل اشكالية علاقة المؤسسة العسكرية بالسياسة؟

 ليس هناك اصلاح سياسي في مصر دون إعادة صياغة العلاقات بين مؤسسات الدولة، وأن تكون هذه العلاقات شفافة. يجب أن يحدد اليسار موقفاً في هذه القضية. 

الاشكالية الثانية:

- ما هي الصيغة التي تستطيع أن تدخل التيار الاسلامي إلى النظام السياسي الرسمي وفي نفس الوقت تحول دون سيطرته على كل المؤسسات السياسية؟

"ماذا لو فاز الاسلاميون"؟ هذا هو السؤال الذي يقذفك به أحيانا من يتشكك في جدوى العملية الديمقراطية برمتها. أظن أنه لن تكون هناك ديمقراطية في مصر بدون أن يشارك فيها أهم تيار سياسي في البلاد وهو الاسلام السياسي. ولكن أعتقد أنه من الجنون أن ينفتح لهم النظام السياسي الرسمي بالكامل دون ضمانات كافية تحول دون سيطرتهم على كل مؤسسات الدولة ودون أن ينقلبوا على العملية الديمقراطية ودون أن تقوم أحد أجهزة الدولة باجهاض عملية التحول حتى توقف زحفهم.

 

نحو خطاب يسارى عن الديمقراطية:

المهمة الأن هي انتاج خطاب يساري عن الديمقراطية، خطاب يجيب على أسئلة اللحظة التي لا تجد إجابات. الناس تتوق فعلاً للحرية، ولكنها لا تتخيل، حتى مجرد التخيل، أننا يمكن أن نحقق ذلك في السنوات القادمة. ما أشد رغبة الناس في الحرية، وما أبعد ايمانهم بقدرتهم على تحقيقها. معركتنا الأساسية ليست مع الدولة، بل مع الناس، لاقناعهم أن الحرية على بعد خطوات، وأنه أن الأوان لكي يقوموا بالخطوة الأولى. معركتنا مع الناس لكي يكفوا عن طرح السؤال الذي تدور حوله كثير من النميمة وهو "مين الرئيس اللي جاي؟"، أو "تفتكر جمال مبارك هياخد الرئاسة"؟ لكي يطرحوا أسئلة أخرى من نوع "أنت عاوز مين يكون الرئيس اللي جاي"؟ لسنا عبيد لكي ننتظر أن تقرر مجموعة صغيرة في غرفة مغلقة من سيحكمنا لمدة ربع قرن أخر. إذا اقنعنا كل مواطن أن يحدد مواصفات الرئيس الذي يفضله وأن يقترح أسماء شخصيات تصلح للمنصب إذا أمكن، سنكون قد خطونا خطوة هامة للأمام.

معركتنا مع الناس أيضاً لكي نقنعهم أن المجتمع المصري يتحمل بالفعل أن ندخل فيه اليات الديمقراطية دون أن ينهار. يجب أن نأخذ بجدية وباحترام مخاوف وهواجس الناس من الديمقراطية. ليس النظام الحاكم فقط هو من يرتعد من الديمقراطية، بل تخشاها كل الخشية قطاعات وقوى في المجتمع بالرغم من أن مصالحها لن تضار، بل ستنمو، في ظل نظام سياسي جديد.  لن تكفي هنا الشعارات من نوع "الاصلاح السياسي والموت الزوام". مطلوب قبل كل شئ خطاب يساري هادئ وعقلاني عن كيفية تحقيق الديمقراطية في مصر. ليس لدينا من سلاح إلإ العقلانية. السنا كنا نتحدث عن الاشتراكية العلمية؟ لماذا أصبحنا نتحدث الأن فقط عن الاشتراكية؟ الاسلامي يمتلك أداة تأثير وسيطرة جبارة هي الشرعية الدينية، فهو  يستطيع أن "يقنع" الأخر بأن نموذجه هو الأفضل بناء على أنه موافق للشرع. ونحن في المقابل لا نملك في مواجهته إلا أن نقول أن نموذجنا هو الأفضل لأننا بنيناه على المعرفة النظرية العلمية وقبل كل شيء على الخبرة الحية بتجربة شعبنا وتجارب شعوب أخرى. نريد أن نسترجع صفة "العلمية" إلى الاشتراكية، لأن الاشتراكية لا تتحقق بسواها.

 

أول الغيث؟
طرحت مجموعة من الرفاق فكرة الجمهورية البرلمانية التي تنصرف إلى نظام سياسي تزيد فيه سلطة البرلمان على حساب سلطات رئيس الجمهورية الذي يتمتع في ظل الدستور المصري بسلطات شبه مطلقة. وهي فكرة ذكية بلا شك وتستحق المناقشة لأنها تريد أن تخفف من الاستقطاب والصراع السياسي الحاد على مؤسسة الرئاسة. وأنا أدعو كل الزملاء إلى طرح هذا الموضوع للنقاش. يجب أن نتفق على شكل النظام السياسي الجديد الذي نريده. ولا مانع في أن نحول ذلك كله إلى شعار واضح وبسيط على شاكلة شعار: one man, one vote  الذي كان ينلسون مانديلا يردده لكل من حاول التفاوض معه في السجن الذي أمضى فيه أكثر من ربع قرن. كان يقول لهم كالاسطوانة: "مواطن واحد =  صوت واحد". كان هذا الشعار عنوان لبرنامج نلسون مانديلا. هل شعار الجمهورية البرلمانية يصلح أن يكون عنوان برنامج اليسار الديمقراطي في القضية الديمقراطية؟ وماذ نضع تحت هذا العنوان؟

 



#سامر_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سامر سليمان - نحو رؤية يسارية للمسألة الديمقراطية