أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هند عباس الحمادي - فضاءاتُ أبي














المزيد.....

فضاءاتُ أبي


هند عباس الحمادي
أستاذة جامعية

(Hind Abbas Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 8235 - 2025 / 1 / 27 - 23:38
المحور: الادب والفن
    


أمنْتُ بأن اللهَ وهَـبني الروحَ، لكني أعرفُ أن أبي ألبسَ هذه الروحَ اسماً في ماهيةِ فضاءاتي.
وامتلكْتُ تراسيمَ وجهِهِ من حيثُ أدري أو لا أدري، وتعابيرَ كان يقصّدُها في فـرحِهِ وحُـزنِـهِ، ومعَالِـمَ غضبِهِ حين َيجتاحُ كعاصفةٍ هوائيةٍ ما أن ذَهبَ هواؤُها حتى عادَ كلُّ شيءٍ إلى مكانِهِ، كأن شيئاً لم يكنْ، لتتوالى الضحكاتُ، والقهقهاتُ ، والابتساماتُ ، وضرباتُ القلبِ صعوداً وهبوطاً.
عِشْتُ في كَنَفِ بيتِهِ ملكة ً في فضاءاتِ وجودي، هو عضدي وسندي لا أُباليَ بنهارٍ أو ليلٍ، أو ببردٍ أو قيظٍ ، إن اشرقتْ الشمسُ أو غَـرِبَتْ.
عَـلَمني أن أمضي وهو خلفي أشعرُ بأنفاسِ وجودِهِ، بين وَهلةٍ وأخرى، التَقِـط ُ نظراتِهِ بين الرضى والقبولِ، والسماحةِ والطيبة ِ، والغضبِ والاستياءِ، والسخط ِ والغيظِ، لكلِّ فعلٍ أو قولٍ يصدرُ مني، لأعيَ هو خلفي يرى ما لا أراهُ، ويسمعُ صدى صوتي، يتقنُ سبـَبَ فعلي، فالمرآةُ ترى محاسنَ وعيوبَ صاحبتِها.
اكتسبْتُ من أبي أن النجاحَ لا يمكنُ أن يكونَ إلا بالإصرارِ، وطريقُه ُطويلٌ، إذ تنبتُ الورودُ بين الأشواكِ، ويزهرُ الياسمينُ بين وخزِ الإبرِ.
وحَـفَرَ في عقلي قبلَ قلبي أن الخسارة َ متحققة ٌلا محالة َفي محيطِ تجاربِ حياتنا؛ لأننا نعيشُ في متاهاتِ الأيامِ شريعة َغابِ الإنسانِ ،ففيها بشرٌ أشرسُ افتراساً من عالم ِالحيواناتِ ، فالقويُّ يفني الضعيفَ ، والضعيفُ يقتلُ القويِّ، والقويُّ يقضي على القويِّ ،والضعيفُ يُهلكُ الضعيفَ ،ليس بدافعِ غريزةِ البقاءِ بل بدافعِ النفوذِ الأكبرِ، وبدافعِ التسلطِ الأعمى، وبدافعِ أخذِ الحقوقِ لمَن لا يستحقُ، وبدافعِ تسلقِ سيادةٍ لا يفهمُ مغزاها ولا معناها ، وبدافعِ سلبِ متعةِ الغيرِ، فقد غدا الإنسانُ سيدَ الغابِ العتيقِ.
وبعدَ هذا وذاك وما أمنتُ بهِ، وما اكتسبتُهُ، وما تعلمتُهُ، وما حفرتُهُ بِي يا أبي لم يتسعْ لي، لم أدركْهُ، لم افهمْ فحواه ، لم اتشربْ معناه، لم أتبينْ روعتَهُ ، لم اكتشفْ براعتَهُ، من دون أن أعيَ أنك معلمي الأولُ ، والمرشدُ الروحي لقلبي، والمربي الأوحدُ لنفسي إلا بعد موتكَ .
غبْتَ يا أبي عني، وعن عيوني، وعن روحِي، وعن قلبي، وعن فؤادي الذي اشتعل بغيابك.
ثقلتْ الأيامُ ببُعدكَ، وأصبح البيتُ باردا من دونكَ، وغابَ عنه الزوارُ الذين كانوا يقصدونه لأجلكَ، وذهبتْ لذة ُالأكلةِ التي تُعُدها أمي لخاطرِكَ.
أبي بَدتْ الوجوهُ شاحبة ً.. والطرقُ مغبرة ً.. وباتت رائحة ُالأماكن ِخالية ً من عطرِكَ، واناقتِك َالتي ما جَالتْ للعيان بعدكَ.
وفي امتداداتِ الأيامِ، وفي سالفِ السنينِ والعهودِ.. صرتَ الغائبَ الحاضرَ، واعتدنا الغياب َ.
وعُدتُ لوحدي في الطرقِ التي اعتدنا الرجوعَ فيها معاً، وصرتُ أذكرُ كلَّ شارعٍ، وكلَّ جادةٍ، وكلَّ مدينةٍ قضينا فيها أياماً.
أبي لم اتجرعْ مرارةَ الكلماتِ على نحوِ ما أشعرُ بها الآن، لأعبرَ عن كلِّ لحظة ٍعِشتُ فيها تحت كنَـفـكَ، وعن كلِّ وهلةٍ كنتُ بين حنانيكَ، خذلتني حروفي، وخيبتني كلماتي، وضاعت جملي لأكتبَ عن قدرِكَ في صدري.
أبي ربيعُ عمري...رحمكَ اللهُ في فيضِهِ.
ابنتك.



#هند_عباس_الحمادي (هاشتاغ)       Hind_Abbas_Ali#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضفافُ جنرالٍ وتجلياته
- زيارةُ اليومِ رسمية ٌ
- الحياةُ ةالجائحة
- الغَرْبَلَةُ
- زيارةٌ رسميةٌ
- جنرال بين ضفاف وتجليات
- الحياة والجائحة


المزيد.....




- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...
- تنسيق كلية الهندسة 2025 لخريجي الدبلومات الفنية “توقعات”


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هند عباس الحمادي - فضاءاتُ أبي