أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هند عباس الحمادي - الغَرْبَلَةُ














المزيد.....

الغَرْبَلَةُ


هند عباس الحمادي
أستاذة جامعية

(Hind Abbas Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 8231 - 2025 / 1 / 23 - 00:12
المحور: الادب والفن
    


هل في يومٍ ما تعَرضْتَ لعصفِ الغَرْبَلةِ؟ إذ كلّما دارَتْ الأرضُ في دورانِ مَلَكوتِها، وأشرقتْ شمسُ صباحِها، وأمسى قمرُ ليلِها ونجومُها، اتسعتْ رُقعة ُ معرفة الإنسانِ بجنسِه، وامتلكَ قدرةً عالية ً في اصطيادِ المعرفةِ عبرَ قنواتِها الموجودةِ في الحياةِ، ويختلفُ ذلك الاصطيادُ بين البشرِ كلًّا بحسب بيئتِه وعنصرِ دولابِ الحياةِ التي يعيشُ فيها.
يخوضُ كلُّ منا تجاربَ عديدةً وصراعاتٍ متباينة ً، وتفرضُ علينا معاركَ جمة ً نُدركُ أنّ بعضَها يكونُ الانتصارُ فيها ساحقاً، وتارةً نلتزمُ السكوتَ لأنّ الخسارةَ متحققة ٌفأثقلتْ كاهِلَنا لدرجةٍ نصلُ فيها إلى عدمِ النطقِ والبوحِ لاسيما حَالَ حدوثِها.
وعليه.. ستتراكمُ الأشياءُ كأنها جبلٌ جليدي لا محالةَ َ لتصدعِه، تَكَوَن ما بين موقفٍ وآخر، ومعرفةٍ وتلك، وقضيةٍ وأخرى، وجمعِ جنسٍ بآخر، والتقاءِ روحٍ بمثيلاتها.
ولكن بين هذا وذاك لابدَّ لهذا الجبلِ من النّقْرِ فيه؛ لنصلَ إلى تناسقِ احجارِه التي تلونتْ طوالَ سنينَ لا نشعرُ بزمنِ ترصع ُ الأحجارِ بعضِها فوق بعض.
لتأتي الغَـرْبَـلَةُ ُكعاصفةٍ تهُزُ تلك الأحجارِ.. وقبلَ الشروع ِ بمَـنْ سيقعُ تحت وطأةِ الغَرْبَلَةِ.
سنعودُ لإقرارِ شيءٍ يُلفتُ الانتباه، أولُهُ أنّ لفظةَ َ(الغَـرْبَـلَةِ) جاءت بصيغةِ المصدرِ، وفي اللغةِ العربيةِ المصدرُ هو الدالُ على الحدثِ المطلقِ الذي لا يقترنُ بزمنٍ ولا حدودٍ، فحين يكونُ الاطلاقُ مُرادَنا سيكون هو الصيغة ُالأنجعُ في الاستعمال.
وثانيهُ الغَـرْبَـلَةّ ُعملية ُتجري علينا شئنا أم أبينا؛ لأن الطبيبَ حين نُولدُ يأمرُ بغَرْبَلَةِ دمائِنا في أولِ اثنتين وسبعين ساعةً ً من عمرِنا؛ لِيثـْبتَ ما يمكن أن نعانِيه من أمراضٍ وراثيةٍ ليتسنى العلاجُ المبكرُ والسيطرةُ عليها.
وهنا.. ليست الغَربَلَة ُحديثة َالعهدِ بنا؛ لذلك سيكون الاعتيادُ أن نغربلَ كلَّ ما يحيط ُبنا.
والسؤالُ الذي يدورُ حولَنا الآن متى يدقّ جرسُ الغَرْبِلةِ عندنا؟ ولكي تكونَ الإجابةُ ُمنصفةً ُعلينا أن نعي جيداً أن الغربلةَ لا تحدثُ ولن تحدثَ وأنت َفي عاصفةٍ هوجاءَ مهما كان نوعُها وفي ظلِ متاهاتٍ غير مرئيةٍ.
والأكثرُ دِقَّة ًتحصلُ الغَرْبَلَة ُفي إوَجِّ عظمتِها حينُ تُشعرُ بتعالقِ الأوجاع ِ، وأن الرياحَ هدأتْ واقلعتْ معها كل َّ ما تريدُه منَكَ وعليكَ ولَكَ.
ولن تكونَ الغَرْبَلَة ُإلا في الروحِ، وهي أقساها؛ لأنك تَحَسَّسْتَها في اعماقك ولا تراها بعينيك، فهي كطفل ٍأخرَ ينموُ في داخلكِ يسمع ُكلامَ اعماقِك الذي تُخفيه عمن يريد ُ سماعَه ممن تتحدث ُ إليهم ، وحينَ تحزنُ أو تغضبُ أو تخافُ سيشعرُ ذلك الطفلُ الذي بداخلك بكل ِّ كلامِك َقبلَ غيرِك، أما الفرحُ فتلك حكاية ٌأخرى تجعلُ طفلَك يقفزُ قبلَ أن تقفزَ أنت َ فرحاُ؛ لذلك كثيراً ما نقول: أجدُ روحي طارت مني..
وأصعبُ عواصفِ الغَرْبَلَةِ تكْمنُ في الروحِ لتنجوَ مما تقعُ فيه، عن درايةٍ كانت أم لا، وتتسمُ غربلتُها أنها متعددةٌ، ولا تقفُ عند حدِّ أمرٍ واحدٍ، فمنها غربلةُ ُالمواقفِ، والشخوصِ، والصورِ، والأزمنةِ، والأمكنةِ.
هل جلستَ يوماً مع روحِك لتمسحَ صورةً مع زمانِها ومكانِها وصاحبِها وروحِها التي صاحبَتك لِهُنَهيةٍ من الزمنِ؟
هل جلستَ يوماً مع روحِك لتمحوَ حزناً أو خوفاً أو قلقاً انتابَك من أجلِ موقفٍ ما؟
هل جلستَ يوماً مع روحِك لشطبِ أرقامٍ طالَ وجودُها في هاتفِك وطمسِها مع صاحبِها والشعورِ الذي كنت أسيرَه؟
بعــدَ كلِّ هذا ... وما كان وما صار ... يحدثُ الثراءُ الروحي ... فالغربالُ أنجزَ مهمَته، ونَقَّى روحَك، وأذهبَ عنها كلَّ البذورِ الشائكةِ، وكلَّ الوخزِ الذي في جدارِها.. لتغدو خفيفاً غيرَ مثقلٍ، فاعِلا غيرَ محبطٍ، منجزاً لأصعبِ المهامِ الموكلةِ إليك، محققاً أسمى الأهداف تحقيقاً، مستعداً لتقبلِ المواقفِ والأشخاصِ والصورِ والأزمنةِ والأمكنةِ الجديدةِ، كأنك عملاقٌ أكَلَ الأخضرَ واليابسَ ليقفَ بزهوٍ، متغلباً عما يحيطُه، مبتلعاً كلَّ الشركاءِ لتعلوَ الأولَ على صنفك، والأنجعَ في حياتك.
هل شعرتَ يوماً أنك تسيرُ كأنك تطيرُ في خُطواتِك؟ هذا الشعورُ الأخاذ ُلا يستطيعُ أيٌّ منا امتلاكَه إلا مَن استطاعَ أن يمتلكَ غربلة َ الثراءِ الروحي.. ومَن يرفضُ كلَّ ما قلنا، فليراجعْ كلَّ ما مرّ به أنفا وسابقا.
إنّ الثراءَ الروحي ليس أن تتقلدَ منصباً، أو تكون غنياَ، أو صاحبَ سطوةٍ، بل الثراءَ أن تمسكَ القلمَ وتتمكنَ من أن تكتبَ أجملَ عبارةٍ لنفسك أولاً، وتقدمَ أروعَ ما عندك، وتنطقَ أجودَ ما لديك لتغدو أكثرَ تأثيراً في روحِك قبلَ غيركَ.. تحياتي



#هند_عباس_الحمادي (هاشتاغ)       Hind_Abbas_Ali#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زيارةٌ رسميةٌ
- جنرال بين ضفاف وتجليات
- الحياة والجائحة


المزيد.....




- Sigg Art in Monte Carlo: A hybrid vision of what it means to ...
- -سيغ آرت- في مونتي كارلو: رؤية هجينة لما يعنيه أن نكون بشراً ...
- -النجم لا ينطفئ-، ظهور نادر للفنان عادل إمام يطلق تفاعلاً وا ...
- ماريانا ماسا: كيف حررت الترجمة اللغة العربية من كهوف الماضي ...
- حاتم البطيوي: سنواصل فعاليات أصيلة على نهج محمد بن عيسى
- رسومات وقراءات أدبية في -أصيلة 46- الصيفي استحضارا لإرث محمد ...
- أنجيليك كيدجو أول فنانة أفريقية تكرم في ممشى المشاهير بهوليو ...
- -حين قررت النجاة-.. زلزال روائي يضرب الذاكرة والروح
- لا خسائر رغم القصف.. حماية التراث الثقافي وسط الحرب في طهران ...
- “فعال” رابط الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 دور اول ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هند عباس الحمادي - الغَرْبَلَةُ