سعد الله مزرعاني
الحوار المتمدن-العدد: 8219 - 2025 / 1 / 11 - 11:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمكن القول، دون تردّد، إن خسائر كبيرة قد لحقت بقوى المقاومة (والتغيير التحرري استطراداً) بسبب وحشية الرد الإسرائيلي، واختراقات أمنية فادحة، ومفاجآت سياسية وعسكرية فاقت التوقعات لجهة همجيتها: بدءاً من غزّة وصولاً إلى لبنان. العامل الثاني الذي فاقم الخسائر هو إتاحة الوقت وتهيئة الظروف الضرورية من أجل أن يتمادى العدوّ في عدوانه بعد توقف إطلاق النار. يتصل ذلك بنهج تقليدي في مسلكيات واشنطن وفي علاقتها بالعدو الإسرائيلي حيث كانت دائماً هي الراعي والداعم والشريك في عدوانه... وكانت، في الوقت عينه، هي «الوسيط» الذي يتولى، محتكراً، أمر الوساطة بين العدو وأطراف الحروب والنزاعات معه. أما الهدف فكان الحضور على طرفي جبهات الحروب والنزاعات: لرفد وتسهيل مهمة العدو، ولتوفير فرص تكريس نجاحاته، أو تقليص إخفاقاته.
في الشأن اللبناني، تتخذ «الرواية» الأميركية في هذه المرحلة طابعاً أكثر تفاقماً وتعاظماً وخطورة. بعد شراكة مع الطرفين السوري والسعودي في إدارة واحتواء الأزمة اللبنانية، انتقلت واشنطن، إثر غزو العراق عام 2003، إلى ممارسة استراتيجية هجومية على مستوى منطقة الشرق الأوسط وبدءاً منها. عدم تعاون السلطات السورية وعدم رضوخها للتهديد من قبل واشنطن، دفعا هذه الأخيرة ،إلى إصدار القرار 1559 الذي لم توافق عليه الحكومة اللبنانية، لكنه مع ذلك، صدر عن مجلس الأمن، في فترة سكون التناقضات الدولية التي بدأت بالبروز منذ عام 2006 عبر تظهير سياسة جديدة لموسكو إزاء تفرّد واشنطن بإدارة الوضع الدولي وعلى حساب مصالح وحقوق الآخرين، وعلى حساب توازن المؤسسات الدولية وفعاليتها. شكّل لبنان نقطة صراع محتدم انتهى بإخراج القوات السورية من لبنان عام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من ذلك العام.
انتقلت الوصاية السورية من «عنجر» (مركز المخابرات السورية) إلى «عوكر» مركز سفارة ومخابرات الولايات المتحدة الأميركية في بيروت. برز، في الأثناء، زيف وهشاشة ادّعاء بعض الأطراف اليمينيين الطائفيين بأنهم كانوا يخوضون معركة «السيادة» عبر حصرهم الخطر على السيادة اللبنانية بالطرف السوري والفلسطيني بصفتيهما عنوان نزعة عروبية تحررية مقترنة بالبعد الجغرافي الذي يحاصر ويحتكر جيوسياسياً، الحدود مع لبنان، بسبب أن فلسطين محتلة من قبل العدو الصهيوني.
أفسد فشل عدوان تموز الأميركي الإسرائيلي على لبنان عام 2006، اندفاعة مشروع إدارة جورج بوش الابن، «الشرق الأوسط الجديد». برزت المقاومة اللبنانية، إثر ذلك، قوة محلية وإقليمية فرضت توازناً غير مريح لواشنطن وتل أبيب والحلف اليميني الداخلي الممسك، في كل الظروف والمراحل، تحت رعاية الإدارة الأميركية، بالسياسة الخارجية والاقتصادية والأمنية في لبنان. استغلّت واشنطن عملية النهب غير المسبوقة التي استهدفت الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني في أواخر عام 2019، لتحميل المسؤولية للمقاومة ولتحويل النقمة ضدها، وليس ضد أتباعها من قوى النهب والفساد والإفلاس. «الربيع اللبناني الأميركي» لم ينجح كما برز في الانتخابات النيابية التي جرت في ربيع عام 2022. راهنت واشنطن على جولة لاحقة. وطَّدت علاقتها بالمؤسسات الأمنية. استغلت الجوع والفقر لإحكام السيطرة على الوضع اللبناني. حاصرت، منعت المساعدات من كل الدول. شجّعت النشاط المعادي لـ«الاحتلال الإيراني». ركّزت على التأثير والتوظيف في القوى العسكرية والأمنية. دخلت من باب الاقتصاد والثروة البحرية لجرّ لبنان إلى التطبيع مع العدو في الترسيم البحري. برز ولمع نجم الموفد الرئاسي هوكشتين، الإسرائيلي النشأة والانطلاقة والهوى، ليتولى هذه المهمة منطلقاً من معادلة: لبنان لا يملك شيئاً. وضعه لا يسمح له بالتطلب والمماطلة. ينبغي أن يوافق على ما يُعرض عليه من حصص وتسويات للخروج من أزمته المالية والاقتصادية. تدخّل المقاومة حسّن الشروط، في التوازن، دون أن يلغي كل السلبيات في ملف الترسيم الذي انطوى على تنازلات، والتنقيب الذي لا يزال مجمّداً وخاضعاً لسياسات واشنطن.
بعد ذلك كانت انتفاضة «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023. وفّرت الإدارة الأميركية كل أسباب الدعم للرد الإسرائيلي. برِّرت، مسبقاً، كل جرائمه التي لم يسبق لها مثيل والتي تحولت إلى حرب إبادة ضد المدنيين الفلسطينيين. أشهر الرئيس الأميركي، وكل ممثلي إدارته في المنطقة والعالم، تصهينهم بشكل وقح. بذلت الإدارة الأميركية جهداً هائلاً للاستفراد الإسرائيلي بغزّة ولوقف إسنادها خصوصاً من لبنان. تابِعو واشنطن خيّبوا آمالَها في ممارسة ضغط داخلي لبناني فاعل لوقف «إسناد» غزّة. الموفد الرئاسي الأميركي حاول مراراً إحداث اختراق لكنه لم ينجح. دعمت واشنطن، لاحقاً، عملية برية إسرائيلية في لبنان. زوّدتها بكل وسائل القتل والقتال والدمار، في البر والبحر والجو، لخوض معركة مفتوحة وغير منضبطة بأي قواعد. شاركت استخباراتياً وعسكرياً في عمليات الاغتيال التي استهدفت قادة المقاومة وخصوصاً الشهيد القائد الكبير السيد حسن نصرالله.
غطّت الدمار والعقاب الجماعي في كل المناطق وخصوصاً في بيئة المقاومة. لكنها، رغم ذلك، فوجئت بالخسائر والعجز الإسرائيلي عن اختراق دفاعات المقاومة فأدارت عملية أمنية عسكرية سياسية لوقف إطلاق ما يمكّن العدو من أن يستمر في الميدان منفرداً، وعلى إيقاع تحرك في سوريا لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. فرضت نفسها، مستفيدة من تواطؤ وغفلة، وسيطاً وحكماً في «مراقبة» تنفيذ، ليس وقف إطلاق النار، بل في توفير فرص للعدو من أجل أن يحقق في مرحلة «وقف العمليات القتالية» ما عجز عنه أثناء احتدامها.
...أمّا الآن، فإلى مخطط الوصاية الكاملة على لبنان حيث يتسابق «السياديون» لـ«الامتثال» للتركيبة القادمة للسلطات اللبنانية بدءاً من منصب رئيس الجمهورية الشاغر منذ حوالي أكثر من 26 شهراً، والذي حُسم قبل يومين.
يخدم الدور الأميركي في لبنان، بشكل جوهري، مشاريع وخطط واشنطن وتل أبيب لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة لمصلحتهما. الطابع العدواني الهجومي هو ما سيستمر حاكماً أسلوب تلك الخطط والمشاريع. استخلاص الدروس والعبر الضرورية، هو ما ينبغي أن يتقدّم كل تقييم ومراجعة في المواجهة المفتوحة. الخيار الوطني الطبيعي بناء جبهة واسعة لمواجهة الوصاية الأميركية الإسرائيلية (ضمناً) ولتحرير لبنان وشعبه في نطاق مشروع أشمل ذي طابع تحرري إقليمي شامل.
#سعد_الله_مزرعاني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟