هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي
(Hani Alroussen)
الحوار المتمدن-العدد: 8214 - 2025 / 1 / 6 - 22:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حيث لم يعد مفيدا البحث عن اجابات للاسئلة الصغرى بعد ان اصبحت اجابات الاسئلة الكبرى اكثر وضوحا، كما انه لم يعد مهما الاستماع لاراء من اختاروا ان يجالسوا الصفوف الخلفية، بعد ان احتل الاخرون خشب المسرح وحددوا صورة مشهد اليوم والغد وبعد بعد الغد، والقول هذا ليس دعوة لليأس والاحباط، كما انه ليس رد فعل على وهم لدور ديكتاتور صغير كان سيصنع لنا تاريخا مجيدا او لقوة عمتها عتمة سجنها المذهبي ، بل لان كل ذلك كان تأجيلا او محاولة قبل ان ندخل العصر الاسرائيلي الذي لعب كل واحد منا دورا ما في الاعداد والتحضير له بوعي وسبق اصرار او بدونهما.
وان كنا لا نمتلك بعد المعلومات الكافية لفهم ما الذي حدث في سوريا وما سيترتب عليه من تداعيات، بيد ان ما تسرب من بعضها قد يكون كافيا لفهم الجانب الاهم في معادلة السقوط الثاني للبعث الذي كان ضحية لنموذجين متشابهين في استعماله في ادارة السلطة في كل من بغداد ودمشق مع بعض الاختلافات المحلية لكلا البلدين.
اما في دمشق وبدون المرور على التجرية العراقية، واتفاقا مع افتراضات او قراءات باترك سيل في حينها والاخذ بها لحال الاسد الاب اثر توقيع اتفاقيات كامب ديفيد وخروج مصر من دائرة الصراع حيث ووفقا له فان الاسد قد انتابه شعور طاغ، بأنه بات عرضة لخطرين قاتلين : خطر التدمير المادي الذي قد يخلفه هجوم عسكري إسرائيلي مباغت، وخطر التدمير السياسي الذي سينجم عن تهميش الدور الإقليمي لسوريا، إذا ما قيض للسادات اجتذاب دول وأطراف عربية أخرى لخيار التسوية مع إسرائيل. ومنه تولدت لديه قناعة في أن أي خطأ سوف يرتكبه أثناء إدارته لتنمية مشروعية استمرار حكمه بالمحافظة على جذوة صراعه مع إسرائيل متقدة، سيكون من طبيعة الأخطاء التي لا ُتعالج.
ويبدو ان هذا الاستنتاج الذي خلص اليه حافظ الاسد اثر انكشاف الظهر السوري لاول مرة جعل منه لازمة اساسية لسياسات الامن القومي السوري التي اعتمدت مسارين داخلي يقوم على استخدام القوة المطلقة في مواجهة مناوئيه وخارجي يعتمد الانتشار لحصار واشغال الاعداء الاقليميين له، لم يستوعبه الاسد الابن او اخذ بعضا منه وترك البعض الاهم، وخاصة ذلك المتعلق بمواصلة شرعنة استمرار حكمه بالتظاهر على الاقل بالانشغال بالمواجهة مع اسرائيل والاعداد للتوازن الاستراتيجي معها كما كان يسمي ذلك حافظ الاسد.
فمن التسريبات التي اورد بعضها الاعلام العربي والدولي ان حقيقة رفضه لمقابلة اردوغان وفقا للرغبتين الروسية والايرانية للتوافق على حل ما بذريعة ان الرئيس التركي رفض وضع جدول زمتي لانسحاب قواته من الاراضي السورية، لم تكن اكثر من حجة واهية للتسترعلى التزامه الذي كان قد بدأه منذ عامين نحو كل من السعودية والإمارات ومصر لتنفيذ استراتيجية تجنّبه الاتفاق الاضطراري مع أنقرة، وتسمح له بتنظيم عملية خروج غير متسرّعة من المحور الذي تقوده إيران، مقابل ان توفر له هذه الدول شبكة أمان عربية ودولية، وبدا أن الأسد وفقا لصحيفة الاخيار اللبنانية التي توصف بالمقربة من حزب الله صار أكثر إيماناً بأن أبو ظبي كفيلة بمعالجة مشكلته مع الأميركيين وبعض الأوروبيين، كما انه سمع الكثير عن مغريات اقتصادية خليجية إذا وافق على استراتيجية الخروج من التحالف مع قوى المقاومة. ونقلت الصحيفة عن أحد العاملين مع الأسد، ممّن بقوا معه حتى الساعات الأخيرة، إن الرجل كان لا يزال يأمل بحصول أمر ما لوقف هجوم الفصائل المسلحة. حيث كان يعتقد أن المجتمع العربي والدولي يفضّل أن يبقى هو في الحكم، على أن يتولاه إسلاميون، ولم يدرك ان تغيير وضيفة سوريا الاقليمية ووضعها الجيوسياسي بالنسبة لهذه الدول والسادة في واشنطن وتل ابيب اهم بكثير من المحافظة على بقاء ادوار نظامه التي تجاوزها تطور الاحداث، واصبحت معيقة لطبيعة وظائفها القادمة.
صحيح ان السياسة لا تعرف السير المستقيم وان اتجاهاتها شديدة التقلب، غير ان ذلك لا ينفي الثبات النسبي لاتجاهاتها الارشادية التي ان وقعت في خطأ حسابات القائمين عليها فانها ستؤدي الى نتائج كارثية، وهو المرجح في سياسات بشار الاسد الذي قوض احد اهم اركان استرايجية امن نظامه التي وضعها الاسد الاب وهي توظيف الرغبة الايرانية بالنفوذ الاقليمي من البوابة الفلسطينية في شرعنة استمرار حكمه باستدامة الصراع مع اسرائيل. وهنا كانت تركيا واسرائيل تراقبان وتستعدان للاستثمار في هذه التحولات التي بدأت عندما قرر بشار الاسد في العام 2021 التخلي عن استراتيجية القوى الرديفة التي اوصت بانشائها طهران والعمل على دمجها، ضمن صفوف الجيش، واتبعها بعدد اخر من الخطوات التي صعدت من حدة الخلافات مع طهران التي تتهمه بالتواطؤ مع روسيا لتسهيل عمليات القصف الاسرائيلي على مراكز تواجدها بسوريا، لينتهي في الاشهر التي سبقت السقوط بخفض عدد المستشارين الإيرانيين في سوريا في إطار تفاعله مع المبادرة الإماراتية – السعودية على حد تعبير الصحيفة، التي اكدت ان ايران حذرته من وجود خطط شبه جاهزة لدى المعارضة للقيام بعمليات واسعة ضدّه، غير ان ذلك وما سبقه من مناقشات لم يغير من خيارته في الانسحاب من محور المقاومة.
وان لم تكن هذه من الاسباب التي تكفي لتفسير القرار الايراني بترك الاسد يواجه مصيره بنفسه، او القرار الروسي الذي لا يختلف عن نظيره الايراني، الا انها كافية لفهم وتفسير الجرأة التركية في محاولة اختراق كبار قيادات وضباط الجيش السوري واقناعهم بالتخلي عن الرئيس الاسد، وتحريضهم على تصفية كبار الضباط المؤيدين له وفقا لرواية علي حسن حجازي الامين العام لحزب البعث في لبنان، بعد ان تبين لهم انه ليس بوارد الصدام مع اسرائيل، وينوي التحالف مع القوى الاقليمية الاكثر تحالفا مع من يفترض انها اشد اعداء سوريا وفقا لعقيدة البعث التي ترعرع وعيهم في ظلها.
ولكن في المقابل ايضا فان تركيا دولة المحيط العربي القوية والمنافس الجيوسياسي الشرس لايران والتي ستكون حتما كذلك لاسرائيل في وقت لاحق، فانها لم تكن لتقبل على خطوة اختراق الجيش السوري وتسليم دمشق على طبق من ذهب لهيئة تحرير الشام التي تصنفها امريكا بانها تنظيم ارهابي، وتضع جائزة ضخمة للاخبار عن زعيمها بدون تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة واسرائيل، لضمان تنفيذ سلس وهادئ ولكن ايضا وفق شروط لن تخرج عن استراتيجية واشنطن في ادارة القضية الفلسطينية، وايجاد حل لها لا يحيل اسرائيل لدولة حبيسة باي شكل من الاشكال.
وقد تكون سلسلة التصريحات الصحفية سواء منها التي اطلقها الجولاني نفسه او اعضاء هيئة القيادة الحكومية على تأكيد عدم نية سوريا الجديدة استئناف جولات الصراع مع اسرائيل، ومستويات الترحيب الخليجي بالقيادة الجديدة، قد تكون كل هذه المعطيات مؤشرا كافيا لوجهة الاحداث المستقبلية، حيث بات مؤكدا ان ارتدادات الزلزال السوري ستمتد الى اكثر من عاصمة عربية، وحيث لن يكون من مصلحة اسرائيل استقرار الحكم الحالي، بل ان زعزعته لتقسيم سوريا وتغيير وضعها الجيوسساسي وهو ركيزة الرؤية الامريكية الاسرائيلية لمستقبل المنطقة، ولكن بعد ان يتم شل قدرات ايران التي تدفع اليوم ثمن ترددها وانتهازيتها الساذجة واضعاف ادوات تأثيرها الاقليمي، دون تدميرها كليا او حتى اسقاط النظام، اذ ستحتاج اسرائيل بقائه منافسا ضعيفا لاشغال تركيا التي ستواجه ايضا الملف الكردي الذي تعمل اسرائيل على اعداده في التوقيت المناسب الذي من شأنه ان يتقدم بمشروع اسرائيل الكيرى خطوة اخرى الى الامام..
هاني الروسان/ استاذ الجيوبوليتيك والعلاقات الدولية في جامعة منوبة
#هاني_الروسان (هاشتاغ)
Hani_Alroussen#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟