أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عفيف إسماعيل - هنا..-هافانا- أنشودةُ الفقرِ والعنادِ والضياءِ














المزيد.....

هنا..-هافانا- أنشودةُ الفقرِ والعنادِ والضياءِ


عفيف إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 8190 - 2024 / 12 / 13 - 18:48
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


إلى العزيزين
د. أميمة شيخ الدين
و..
د. طارق الطيب

في مطارِ "هافانا" وجوهُ النساءِ والأطفالِ تضئُ بالحياةِ والمحبةِ/ الرجالُ ا"لكوبيون" يخفونَ ابتسامتهم بقناعٍٍ من الصرامةِ المهنيةِ/ على سيرِ العفشِ كل حقيبةٍ كأنها تخاصمُ الأخرى/ تتهادى خلفها بأكثرِ من ست خطواتٍ تتعرجُ مثل طفلةٍ تتعلمُ المشي/ كأنها كانت تحملُ ثِقلَ الطائرةِ عابرةِ المحيطاتِ/ حقيبةٌ بعد أخرى مثلً دجاجةٌ تتعثرُ في وضعِ بيضها الملون/ يتلوى السيرُ الثعباني بفحيحِ مفاصلهِ الصدئة/ فتعلمُ بأن هذه البلادَ تخشى على أرضها من عدو حربائي سام/ يتربصَ بحدودها لأكثر من نصفِ قرنٍ/.

يقولُ أهلُ "هافانا" :" في الصيفِ "الكوبي" يتلاشى التفاوت الطبقي بغير وصفة ماركسية/ فيتساوى كل الناس في التعرق بغزارة"
صفعني اسلاكٌ هواء غير مرئية على بوابةِ صالةِ المطارِ / كأنها تهبُ من كيرِ ينفخُ فيه عملاقٌ بطولِ برجِ المراقبةِ/ فنظرتُ في مرايا ذهولي قبلَ أن ازفرَ دهشتي/ كأنني عبرتُ بكسولةٍ زمنيةٍ إلى عالمٍ موازٍ/ ماتَ الاتحادُ السوفيتي العظيم منذُ أكثرَ من ثلاثةِ عقودٍ/ وسيارتهُ ذات الجودةِ العالية مازلت حية تجوبُ شوارعُ "هافانا"/ كأنها خارجةً للتو من متحفِ عجائبِ القرنِ العشرين/.

عندَ الشروقِ مثل شبحٍ فضحهُ الضوءُ وقفتُ على شرفةِ الغرفةِ " “112 في فندقٍ "كوبا" الوطني "بهافانا"/ دماءُ زعماءُ المافيا وقتلاهم تطلُ معي على الموجِ/ تعبرُ بين الدهاليزِ وتتخفى في ازياءِ السياحِ والعشاق/ في المساءِ ترقصُ في الهواءِ الطلقِ / وهي تستعيدُ من غفلةِ الموتِ الفجائي الشهقاتِ الأخيرةِ قبلِ عبورِ البرزخِ/ قبلَ أن تعودَ كل ليلةٍ لذات الغرفةِ لتنامَ في نزيفِ الحسرةِ /.

عندَ الشروقِ في الحديقةِ الخلفيةِ لفندقِ "كوبا" الوطني "بهافانا"/ رأيتُ طاؤوساً يحدقُ بخشوعٍ إلى الأفقِ الممتدِ فوقَ الموجِ ويصلي/ يفردُ ريشهُ المزركشِ بالحبورِ ويطويه سبعِِ مراتٍ/ كأنه يراقصُ أروح لا نراها/ / ثم يستديرُ برشاقةِ عارضةِ أزياءٍ عكسَ عقاربَ الساعةِ / وفجأة يقفُ مثلَ تمثالٍ يعلمُ الكونُ أصلَ " السميترية" / أو كأنه أمتلكَ وحده ناصيةِ المهرجانِ/ غيرَ آبهٍ بالمجاميعِ الاسيويةِ الحافيةِ التي تؤدي بتناغمِ جسدي تمارينَ " Tai Chi" بحركاتٍ مروحيةٍ بطيئةٍ متدفقةٍ تتنفسُ فيها الذراعان إلى أعلى / كأن قوانينُ الجاذبيةِ انعدمت/ كأن الزمنُ توقفَ لبرهةٍ حينَ تطابقت غابةَ الأذرعِ الدائريةِ مع فردِ الطاؤوسُ لذيلهُ المتفتحِ مثلَ حديقةِ وردٍ إنجليزيٍ/ ويشرئبَ بعنقهِ وهو يصلي للشمس/ في تلك اللحظاتِ تخففت روحي من كل أثقالها/ وتوحدت انفاسي مع تكسرِ الموجِ المتلونِ بالغسقِ على الحاجزِ الاسمنتي/ صرتُ نبضةَ وترٍ خافقة في معزوفةِ انشودةِ الحياةِ والطبيعةِ والإنسان/ عندما درتُ بجسدي نصفَ دورةٍ/ وجدتُ مدفعين مضادين للطائرات والسفن منذُ الحربُ الباردةِ وهما مصوبتان نحو قلبي/.

في ضاحيةٍ قربَ "هافانا"/ صارَ منزلُ "ارنست همنغواي" مزاراً للسياحِ والغاوين مثلي/ على اعتابِ الفضولِ الحارقِ ابحثُ بكل حواسي عن ما تبقى من اسرارِ عجوزهُ وبحرهُ وحظهُ العاثرِ/ ليتَ كلُ جسدي تحولَ إلى عينٍ مركبةٍ وأجنحةٍ وذاكرة/ كل لا يفلتَ مني تأبيدَ اللحظاتِ روحُ المكانٍ واصداؤهُ المغنطيسيةٍ/ رأيتُ في تلك الظهيرةِ الخانقةِ الرصاصةَ التي ماتت في تجاويفِ التاريخِ/ لكن صدىَ أنينِ رؤوسِ الحيواناتِ المحنطةِ المعلقة على جدرانِ بيتِ "ارنست همنغواي" يسكنُ بين أشجارُ الضيعةِ العالية/ وفي حوضِ السباحةِ الجافِ/ وبين هيكلِ القارب "بيلار" الذي تأكل بالصدأ/ مازالت أرواحها النازفةُ تصرخُ موجوعةً بألفِ لسانٍ/ لكن "لمن تقرعُ الأجراسُ"؟/.

شوارع "هافانا" القديمةُ مسرحاً مفتوحاً في الهواءِ الطلقِ للرقصِ والحياة/ في كلِ ركنٍ مقهى وعازفُ جيتارٍ ورسام/ في كل ميدانٍ في نهايةِ الاسبوعِ مهرجانٌ وقصصٌ للحب والنميمةِ/ تمثالُ "سيمون بوليفار" البرونزي تحرسهُ حديقةٌ صغيرةٌ مهملةٌ قربَ متحفٍ يحملُ اسمه/ وقفتُ أمامه خاشعاً/ رميتُ ألف "بيزو" لعازفِ الجيتارٍ العجوز وطلبتُ منه أن يغني " Guantanamera"/ وعندما صدحت اوتاره وحبال صوته "التينور" الذي نفضَ عنه غبارَ ما تبقى من أصداءِ الثورةِ/ جاء من خلفِ الغيابِ/ "جيفار" / لوممبا/" /كاسترو"/ "جوزيف قرنق"/"الماغوط" /" سلفادور الليندي"/"شهدي عطية"/"فاطمة أحمد إبراهيم"/" فكتور خارا"/"ناجي العلي"/" هاري بيلافونتي" / كمال الجزولي/ ماياكوفسكي/"مندي"/" محمود محمد طه/ "مريم ماكبا" "محمد سعيد القدال"/" ماركيز"/"ماركس"/"محجوب شريف"/"مارتن لوثر كينج" /"مهدي عامل"/"مصطفى سيد أحمد"" وشهداء/ات مجزرةِ اعتصامِ القيادةِ العامةِ بالخرطوم/ تحاشدت الجموعُ في شغفٍ بهامات مرفوعةِ وأعينِ تنظرُ إلى المثلثِ الأحمرِ ونجمهُ البيضاءُ في العلمِ "الكوبي" الذي يرفرفُ كما الأملَ أعلى البنايةِ المقابلة/ عندما جاءَ "مانديلا" من تخومِ أبديتهُ/ توقف كل المارة كما اللسعةِ/ وخلعوا قبعاتهم/ فتدفقت منها الأنجمُ الحمراءُ الصغيرةُ ونسجت له بساطٍ تحتَ قدميه/ عانقت دموعهم نشيجي المكتومِ حدَ الصراخِ/ فانهمرت روحي عشقاً مطعوناً بسهمٍ رحيمٍ/ وسالت من البحرِ الكاريبي إلى النيلِ/.

29 مايو 2024
هافانا – كوبا



#عفيف_إسماعيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -عبقرينو- تقتلهُ الحربُ مرتين
- لقد عبروا النهر
- كوكب السودان .. وعزلة جائحة كورونا*
- المُعلّم.. أسرَى إلى البُطانة.. وأدّاها نمّة!!
- ما بين الناشط الثوري والإداري التنفيذي
- النساء ذوات الوشاح الأبيض*
- *الأستاذ محمود.. ولعبة الموناليزا
- ارح مارقه*... والترميم الثوري
- -ارح مارقه-*... والترميم الثوري (1)
- *الأستاذ محمود.. ولعبة الموناليزا..
- اسامة الفَراح عوان الحِله
- وتَبقَى طفلةُ العصافير الموسميّة*
- وداعا النقابي الجسور وسيم الروح فاروق احمد -جدو-
- من وصايا الشهداء
- تَشبَهي العيد في بَلَدْنا
- صور شعبيّة.. وقسم السّيد أدفريني*
- وداعا ..زوربا السوداني(2-2)
- مُسامرة من وراء المحيط..محمود.. أرق المهووسين
- وداعاً زوربا السوداني1
- لوحة2


المزيد.....




- للتخفيف من قيظ الصيف..فيلة تتراشق بالماء في حديقة حيوانات بإ ...
- حان الوقت لتغييرها.. أسوأ 10 كلمات مرور في العالم
- الإمارات: شرطة دبي تعتقل 3 بلجيكيين مطلوبين للإنتربول بتهمة ...
- روسيا تعلن السيطرة على قرية جديدة في غرب دونيتسك وسط استمرار ...
- ما مدى جدية الدعوات الغربية بالاعتراف بدولة فلسطينية؟
- الدفاع المدني يعلن السيطرة على حرائق اللاذقية بعد معركة استم ...
- الاتحاد الأوروبي يطالب بـ -حلٍّ عادل- في في قضية الرسوم الجم ...
- شعارات مناسبة الذكرى 67 لثورة 14 تموز 1958
- ماكرون يستعد لإعلان زيادة جديدة في ميزانية الدفاع في ظل تصاع ...
- اتهامات متبادلة بين إسرائيل وحماس بعرقلة مفاوضات الهدنة


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عفيف إسماعيل - هنا..-هافانا- أنشودةُ الفقرِ والعنادِ والضياءِ