حمدي سيد محمد محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8185 - 2024 / 12 / 8 - 10:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، أصبح الصراع في سوريا واحداً من أكثر الصراعات تعقيداً وتأثيراً في الشرق الأوسط والعالم. وسط التحولات الجيوسياسية العميقة التي تشهدها المنطقة، يتجسد الدعم الروسي لنظام بشار الأسد كعنصر محوري في معادلة الصراع. لا تقتصر أهمية هذا الدعم على البعد العسكري المباشر فحسب، بل يمتد ليشمل جوانب استراتيجية واقتصادية وسياسية عميقة تتجاوز حدود الأزمة السورية نفسها. روسيا، التي تسعى للحفاظ على مكانتها كقوة عظمى على الساحة الدولية، ترى في نظام الأسد جزءاً من استراتيجيتها الشاملة في الشرق الأوسط، وهو ما يفسر دعمها المستمر والمكلف لهذا النظام على الرغم من الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية المتزايدة.
فيما يواصل النظام السوري محاربته ضد المعارضة المسلحة، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل ستستمر روسيا في دعم الأسد أم أن الظروف قد تدفعها لإعادة النظر في هذه العلاقة الاستراتيجية؟ الإجابة على هذا السؤال ليست مجرد مسألة تأييد سياسي أو عسكري، بل هي جزء من معركة أكبر على مستوى النظام الدولي، حيث تتداخل المصالح الغربية مع الحسابات الروسية في تحديد مصير هذا الصراع.
العديد من العوامل تتحكم في قرار روسيا، بدءاً من المصلحة الاقتصادية المرتبطة بالمشروعات الإقليمية في مجال الطاقة والبنية التحتية، مروراً بموازنة تحالفاتها مع إيران وتركيا، وصولاً إلى الجهود التي تبذلها موسكو لتأكيد دورها كوسيط دولي قادر على إعادة تشكيل النظام العالمي. في الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل الأبعاد الداخلية للسياسة الروسية، التي ترى في دعم الأسد وسيلة لتقوية النفوذ الروسي في وجه تحديات حلف الناتو والضغط الأميركي.
في هذا السياق، يتعين دراسة الأبعاد المختلفة لهذه العلاقة بشكل موسع، لفهم مدى قوة التزام روسيا بنظام بشار الأسد، وكذلك حدود هذا الالتزام في ظل المعطيات المتغيرة على الأرض. فبينما قد تتبدل الظروف الإقليمية والدولية، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمسك روسيا بهذا التحالف طويل الأمد، أم أن متغيرات جديدة ستجبرها على مراجعة حساباتها؟
هل يمكن أن تتخلى روسيا عن دعم نظام بشار الأسد في سوريا؟
تتطلب الإجابة على هذا السؤال تحليلاً عميقاً لعدد من العوامل السياسية، الاقتصادية، العسكرية، والجيوستراتيجية التي تربط روسيا بنظام الأسد، ، و يمكن تقسيم الموضوع إلى المحاور التالية:
1. الخلفية التاريخية للدعم الروسي لنظام الأسد
روسيا، كوريثة للاتحاد السوفيتي، لها علاقات طويلة الأمد مع سوريا. بدأت هذه العلاقة في حقبة الحرب الباردة، حيث كانت سوريا واحدة من أهم الحلفاء العرب للاتحاد السوفيتي. تعززت هذه العلاقات مع تولي بشار الأسد السلطة، خاصة مع توقيع اتفاقيات عسكرية واقتصادية، أهمها اتفاقية استخدام روسيا لقاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية، ومرفأ طرطوس البحري كقاعدة لوجستية.
في ظل الاضطرابات التي اندلعت في سوريا عام 2011، رأت روسيا في دعم الأسد فرصة للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط ومواجهة التدخلات الغربية، لا سيما في ضوء أحداث "الربيع العربي" التي أطاحت بعدة أنظمة متحالفة مع روسيا.
2. الأبعاد الاستراتيجية للدعم الروسي
أ. عسكرياً:
- الوجود العسكري في البحر المتوسط: القواعد العسكرية في سوريا تمنح روسيا موطئ قدم استراتيجي في البحر المتوسط، ما يعزز قدرتها على مواجهة توسع حلف الناتو.
- تجريب الأسلحة الروسية: استخدمت روسيا الحرب في سوريا لتجريب أسلحتها الجديدة، ما زاد من صادراتها العسكرية.
ب. جيوسياسياً:
- التوازن ضد الغرب: دعم الأسد يمثل تحدياً للهيمنة الغربية، ويمنح روسيا قوة تفاوضية في ملفات دولية مثل أوكرانيا وإيران.
- السيطرة على ملفات الطاقة: روسيا تستخدم سوريا كورقة ضغط على مشاريع نقل الغاز الطبيعي من الخليج إلى أوروبا، التي قد تهدد صادرات الغاز الروسية.
ج. سياسياً:
- مكافحة الحركات الإسلامية المتشددة: تخشى روسيا من أن انتشار الحركات الإسلامية المتشددة قد يؤثر على مناطقها الجنوبية ذات الأغلبية المسلمة، مثل الشيشان وداغستان.
3. دوافع محتملة للتخلي عن نظام الأسد
رغم الأهمية الاستراتيجية لدعم الأسد، هناك سيناريوهات قد تدفع روسيا للتخلي عنه:
- التكلفة الاقتصادية والعسكرية: الحرب السورية كلفت روسيا مبالغ طائلة. مع تزايد الضغوط الاقتصادية الغربية (العقوبات) والاحتياجات الداخلية المتزايدة، قد تضطر روسيا لإعادة تقييم التزاماتها الخارجية.
- الضغوط الدولية: أي تسوية سياسية برعاية الأمم المتحدة قد تتطلب تنازلات، بما في ذلك تقليص الدعم المباشر للأسد.
- الخلافات مع إيران: العلاقة بين روسيا وإيران في سوريا ليست خالية من التوتر، إذ تسعى كل منهما لتأمين نفوذها. إذا شعرت روسيا أن تحالفها مع الأسد يفيد إيران أكثر مما يخدم مصالحها، فقد تعيد حساباتها.
- ضعف النظام السوري: إذا أصبح الأسد عبئاً سياسياً أو عسكرياً، فقد ترى روسيا في التخلي عنه فرصة لإعادة تشكيل النفوذ عبر حلفاء آخرين داخل النظام السوري.
4. العوامل التي تعيق تخلي روسيا عن الأسد
أ. غياب البديل الموثوق:
من الصعب على روسيا العثور على شخصية أو نظام بديل يضمن استمرار النفوذ الروسي في سوريا.
ب. الخشية من انهيار الدولة السورية:
تخشى روسيا من أن يؤدي سقوط الأسد إلى فراغ أمني يعزز نفوذ الجماعات المتطرفة ويقوض المصالح الروسية.
ج. الحفاظ على الهيبة الدولية:
التخلي عن الأسد قد يُفسَّر كضعف في السياسة الخارجية الروسية، ما يضر بمكانتها العالمية.
5. البيئة الإقليمية والدولية
- العلاقة مع تركيا: روسيا تعمل على موازنة علاقاتها مع تركيا، التي لها أجندة مختلفة في سوريا. موسكو قد تستخدم الأسد كورقة مساومة مع أنقرة.
- التنافس مع الولايات المتحدة: استمرار الدعم للأسد يمثل تحدياً مباشراً للوجود الأميركي في سوريا.
- العلاقة مع دول الخليج وإسرائيل: روسيا تسعى لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج وإسرائيل، التي قد تضغط لتقليص الدور الإيراني في سوريا، ما قد يؤثر على موقف روسيا من الأسد.
6. السيناريوهات المستقبلية
أ. استمرار الدعم غير المشروط:
هذا السيناريو الأكثر احتمالاً على المدى القصير، خاصة في ظل غياب ضغوط داخلية أو خارجية قوية على موسكو.
ب. دعم مشروط أو تدريجي:
قد تلجأ روسيا إلى تقليص دعمها تدريجياً، مقابل الحصول على تنازلات سياسية واقتصادية من النظام السوري أو من قوى إقليمية ودولية.
ج. التخلي الكامل:
في حالة حدوث تغيير كبير، مثل انهيار اقتصادي داخلي في روسيا أو اتفاق شامل مع الغرب حول ملفات أخرى، قد يصبح التخلي عن الأسد ممكناً.
وهكذا نرى أن التخلي الروسي عن نظام بشار الأسد ليس مستحيلاً، لكنه غير مرجح في المدى القريب، بالنظر إلى المصالح الاستراتيجية التي تربط موسكو بدمشق. ومع ذلك، تبقى روسيا براغماتية في سياساتها الخارجية، ما يجعلها مستعدة لإعادة تقييم موقفها إذا اقتضت الظروف ذلك.
في النهاية، يبقى مصير العلاقة بين روسيا ونظام بشار الأسد مسألة شديدة التعقيد والتشابك، تتداخل فيها الأبعاد العسكرية والجيوسياسية والاقتصادية. دعم روسيا للأسد لم يكن مجرد قرار عابر، بل هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز نفوذ موسكو في منطقة الشرق الأوسط وضمان مصالحها الحيوية، خاصة في مواجهة الغرب وحلفائه. ومع استمرار تعقد الوضع السوري ووجود تحديات داخليه وخارجية، تظل روسيا، في واقع الأمر، في مفترق طرق بين استمرارية دعمها للأسد أو إعادة تقييمه بما يتماشى مع أولوياتها الاستراتيجية المتغيرة.
إن سياسة روسيا تجاه سوريا ترتبط بموازنة دقيقة بين الحفاظ على مكانتها كقوة عظمى ومواصلة الضغط على القوى الغربية والشرق أوسطية، وبين المخاوف من تكاليف هذا الدعم المتزايدة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. في ظل هذه الموازنة المعقدة، من المرجح أن تظل روسيا متمسكة بنظام الأسد في المدى القصير، ولكن دون أن يكون هذا الدعم غير مشروط، بل مرهوناً بالقدرة على التكيف مع التحولات السريعة في المشهد الإقليمي والدولي.
ومع أن روسيا قد تجد نفسها مضطرة يوماً ما لإعادة حساباتها، إلا أن النظام السوري بيد بشار الأسد لا يزال حتى الآن حجر الزاوية في هذا التحالف الاستراتيجي. وفي النهاية، فإن المسار الذي ستسلكه روسيا في سوريا سيظل مفتوحاً على احتمالات متعددة، لكن يبقى أن التاريخ السياسي وواقع المصالح سيظل يحكم هذا القرار بشكل عميق، ليقرر في النهاية ما إذا كانت موسكو ستظل في صف الأسد، أو إذا كان الزمن سيغير قواعد اللعبة.
#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟