|
نظرة وداع على أحداث عام 2006
العفيف الأخضر
الحوار المتمدن-العدد: 1784 - 2007 / 1 / 3 - 12:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في فلسفة التاريخ التي أتبناها، التاريخ يحركه صراع أبدي بين الاتجاه والاتجاه المضاد؛ الاتجاه هو التقدم إلى الأمام والاتجاه المضاد هوا لعودة إلى الوراء. اتجاه التقدم إلى الأمام هو الاتجاه إلى الانتقال دائما أكثر من الطبيعة إلى الثقافة، من العقل الإلهي إلى العقل البشري، من الفطرة المتوحشة إلى التحكم في هذه الفطرة، إي في النوازع العدوانية المتأصلة في النفسية البشرية؛من الاتجاه إلى القتل والحرب والعنف إلى الاتجاه إلى حب الحياة والتعلق بالسلام، ومن الدولة الدينية إلى الدولة المدنية. هذا الاتجاه يقابله الاتجاه المضاد إلى العودة إلى الوراء: من الثقافة إلى الطبيعة، ومن التحكم في الفطرة إلى تحريرها من عقال العقل، ومن التعلق بالسلام إلى فريضة الجهاد إلى قيام الساعة، ومن الدولة المدنية إلى الدولة الدينية.التاريخ المتحقق في الواقع هو حصيلة الصراع بين هذين الاتجاهين. لنبدأ من الاتجاه المضاد،إي بالأخبار السيئة التي حملتها سنة 2006 التي نودعها: العالم: ضبط للتنافس أم حرب تجارية؟ مخاطر تدمير البيئة يبدو أنها جعلت الأرض على كف عفريت؛ الغابات والمحيطات تمثل الرئة التي تتنفس منها الأرض؛ إي مصدر الأكسجين الذي بدونه تنتفي الحياة. الغابات تندثر والبحار والمحيطات تتلوث والحرارة والجفاف في ازدياد، والثلوج الأبدية تذوب، ومنسوب البحار يرتفع ليغمر السهول الزراعية الخصبة، وثقوب الأوزون تتسع...وأسوأ أخبار السنة العلمية أن البشرية ستشهد بين عام 2025-2030 تكاثر الأعاصير والزوابع بمعدل تسونامي كل بضعة شهور، وارتفاع مياه المحيطات وتفاقم التصحر. والخبر السيئ الآخر أن الولايات المتحدة مازالت مصرة على عدم المصادقة على اتفاقية كيوتو المتواضعة جدا.! وخبر سيئ آخر هو توسع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وخاصة النووي منها. كوريا الشمالية مصممة على امتلاك السلاح النووي وكذلك إيران. أسلحة الدمار الشامل الموجودة الآن تشكل تهديدا وجوديا لبقاء البشرية. أما مزيد انتشارها فيزيد الخطر تفاقما. لأن الحرب النووية، وهذا مؤكّد، ممكنة حتى بالخطأ.بل إن انفجار 15 مفاعل نووي من حجم تشرنوبيل كفيل بجّعل الحياة مستحيلة على الأرض، علماً بأنه توجد حالياً عشرة مفاعلات نووية في الوضع الذي كان عليه تشرنوبيل قبل انفجاره. ومن الأخبار السيئة الأخرى لسنة 2006 أن العالم مازال لم يجد بعد - وقد لا يجد قريبا- ضوابط للتنافس التجاري العالمي بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا والصين والهند. وذلك بعقد اتفاق دولي؛بإشراف منظمة التجارة العالمية، لتقاسم الأسواق بين جميع الأمم تفاديا للحرب التجارية. الحرب التجارية كانت دائما خلال القرن العشرين الطريق الملكي للحرب العسكرية. الشرق الأوسط: سباق بين الفوضى الدامية والسلام ومن الأخبار السيئة في الشرق الأوسط احتمال الحرب الأمريكية الإيرانية. معظم المحللين الإستراتيجيين توقعوا الحرب الأمريكية الإيرانية أو الإسرائيلية الإيرانية بأواخر سنة 2006. من الأخبار الجيدة أنها لم تقع في أواخر 2006؛ لكن ذلك لا يضمن أنها لن تقع في السنة القادمة أو التي تليها. لأن إيران لن تمتلك السلاح النووي قبل عشر سنوات وسيف الحرب سيبقى مسلّطا عليها. الهوس بأسلحة الدمار الشامل تغذيه عقدة الاضطهاد الهاذية لدى المتشددين من ملالي إيران الذين يرون الأعداء في كل مكان. قطيعتهم مع الواقع الإقليمي والدولي جعلتهم لا يبالون بكون امتلاكهم للسلاح النووي خطاً دولياً أحمر. انتخاب مجلس الخبراء الذي له الحق في تعيين مرشد الثورة وعزله، والانتخابات البلدية التي تزامنت معه في 51/12/2006، قد يدشن بداية مسار سياسي مختلف إذ أن المحافظين المعتدلين برئاسة حجة الإسلام علي هاشم رفجستاني، والإصلاحيين برئاسة الرئيس السابق محمد خاتمي هم الذين فازوا فيها على حساب الملالي المتشددين والرئيس أحمدي نجاد. وهم ليسوا متحمسين لدخول بلادهم إلى النادي النووي. هزيمة الملالي المتشددين والرئيس الإيراني، قد تُبشر بإمكانية تجنب الشعب الإيراني والشرق الأوسط كله ويلات الحرب المحتملة. هذا بالطبع إذا استطاع الملالي البرجماتيون والإصلاحيون الليبراليون السيطرة الفعلية على صُنع القرار الذي أحتكره المتشددون طوال حكم خاتمي رغم هزائمهم الانتخابية، لأن ثقافة التداول على قيادة الدولة، أو حتى قيادة الحزب، ما زالت لم تدخل إلى الوعي الإسلامي. فمازال نموذج الخليفة الذي لا يعزله إلا الموت أو الكفر البواح متجذرا في هذا الوعي. خبر سعيد آخر هو المظاهرات التي واجه بها الطلبة الإيرانيون زيارة أحمدي نجاد لجامعة طهران. لقد واجهوه بشعارات لا سابق لها في تاريخ رؤساء الجمهورية الإسلامية؛ مثل {الموت للديكتاتور} الذي عوضّ شعار الجمهورية الإسلامية منذ ظهورها: {الموت لأمريكا}. نجاح البرجماتيين والليبراليين، متوقف أساسا على المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. لماذا لا يقدمان لإيران عرضاً شاملا لاحترام مصالحها المشروعة في الشرق الأوسط، وتمكينها من امتلاك الطاقة النووية السلمية تحت الإشراف الدولي وتطبيع العلاقات معها بشرط مشاركتها الفعالة في استقرار العراق ولبنان ودول الخليج، واحترامها، بتعريف الحد الأدنى، للديمقراطية وحقوق الإنسان؟. مثل هذا العرض كفيل بتضييق خناق العزلة الشعبية على الملالي المتشددين ورئيسهم الهاذي الذي يعترف في التلفزيون بأنه يلتقي مرتين في الأسبوع بالإمام الغائب ويتلقى منه مبادئ سياسته!. وبالمناسبة فأن الشيخ عبد السلام ياسين مُرشد جمعية العدل والإحسان، أكبر الأحزاب الإسلامية في المغرب، مُصاب هو الآخر بذات المرض؛ انفصام الشخصية. وقد نشر منذ شهور على موقعه على الإنترنت خبرا يقول أنه يتعشى مع النبي محمد وأن هذا الأخير يقود به جواده إلى منزله. وهذا الهذيان في الواقع إحدى تجليات الهذيان الديني والسياسي المنتشر لدى النخبة والجمهور في أرض الإسلام، خاصة أرضه العربية الإسلامية. ولماذا لا يقدم المجتمع الدولي عرضا مماثلا لسورية يعدها باسترداد الجولان وبمساعدة اقتصادية كثيفة بشرط أن تتخلى نهائياً عن تخريب لبنان والطمع في العودة إليه عسكريا أو سياسياً، وأن تشارك مشاركة فعالة في استقرار العراق، الذي هو في الوقت ذاته ضمان لاستقرار سوريا وإيران ومعظم دول الشرق الأوسط، وتحترم ألف بَا حقوق الإنسان في معاملة شعبها؟ يبدو أن حاكم سورية مستعد لذلك. فقد أعلن التلفزيون الإسرائيلي في 17/12/2006 أن الحكومة السورية أرسلت لحكومة إسرائيل وثيقة رسمية تتعهد بالسيطرة على خالد مشعل ونزع سلاح الجولان بعد استرداده "وإقامة المصانع والمشاريع الاقتصادية بمشاركة الإسرائيليين والأمريكيين في المنطقة" {القدس العربي: 18/12/2006}. إقامة مثل هذه الشراكة الاقتصادية على الحدود بين دول الجوار وإسرائيل هي ضمانة أساسية لسلام دائم ومقدمة لمناطق تبادل حر ولاحقا سوق شرق أوسطية مشتركة...وهو ما أقترحه محمد سيد أحمد في كتابه{1977} "عندما تسكت المدافع". فلسطين: فوضى دامية أم دولة فلسطينية؟ من أخبار سنة 2006 السيئة، بل ربما كان أسوأ أخبارها، هو احتمالات الحرب الأهلية الفلسطينية بين فتح وحماس. وهو الأسوأ لأن صُناع القرار الإقليمي والدولي ينظرون للسلطة الفلسطينية كمختبر: هل هي قادرة على أن تشكل نواة دولة فلسطينية مستقرة داخليا ومسالمة مع جيرانها. النتيجة الأولى لحرب حماس- فتح ستكون تفاقم الفوضى الدامية في الأراضي الفلسطينية. وربما كانت أولى ضحايا هذه الفوضى هي الدولة الفلسطينية التي أقتنع بضرورتها المجتمع الدولي بما في ذلك حكومة الليكود التي جعلتها الديموغرفيا الفلسطينية أمام خيارين: إما أن تبقي إسرائيل دولة يهودية لِجميع مواطنيها. وهذا لا سبيل إليه إلا بظهور دولة فلسطينية مستقلة، وإما أن تضم إليها الفلسطينين كمواطنين من الدرجة الثانية، إي كأهل ذمة، محرومين من حقوق المواطنة الكاملة. وعندئذ تتحول إسرائيل حقاً إلى دولة عنصرية منبوذة من المجتمع الدولي ومن القطاع الليبرالي من يهود الشتات. إذا فشلت السلطة الفلسطينية في هذا الامتحان فقد يلجأ صُناع القرار الإقليمي والدولي إلى إحياء سيناريوهات كنا نظن أنها قُبرت مثل إعادة الضفة إلى الأردن، وإيجاد صيغة قانونية لوضع غزة تحت الحماية المصرية...بقاء الجرح الفلسطيني مفتوحا يعني بكل غباء، تقديم هدية للإرهاب الإسلامي لتفجير حرب دينية عالمية ثالثة بين العالمين الإسلامي واليهودي-المسيحي. وهذا هو هدف "القاعدة". ألم يكتب فقيهها الأول المجاهد د. أيمن الظواهري في كتابه "فرسان تحت راية النبي {2001}: فلسطين عزيزة علينا لكنها ليست هدفنا الأول. هدفنا هو الولاء والبراء....لكن لابد لنا من وقت طويل لجعل جماهير الأمة تفهمه. لكن عدونا لن يترك لنا هذا الوقت. لذا علينا أن نجعل من الجهاد ضد اليهود والصليبيين وسيلة لإفهام الأمة الإسلامية حقيقة الولاء والبراء: كراهية اليهود والصليبيين في الله! ما هي أسباب هذه الحرب الأهلية المحتملة؟ أرى ثلاثة أسباب أساسية: السبب الأول هو التدخل الإيراني- السوري الذي لا يريد حلّ النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي قبل حلّ مشاكله الخاصة: إلغاء المحكمة الدولية واستعادة الجولان بالنسبة لسوريا؛ والدور الإقليمي والسلاح النووي بالنسبة لإيران التي تخوض، بواسطة المليشيات، حربا مع دول الجوار. رهان إيران هو السيطرة على قرار العراق، ولبنان والسلطة الفلسطينية والخليج الفارسي لتستطيع التفاوض مع أمريكيا من موقع قوة. السبب الثاني هو الانتفاضة الثانية { 2000} التي استخدمت فيها حماس سلاح القنابل البشرية وكسبت به قطاعا واسعا من الفلسطينيين الذين مازال أخذ الثأر القبلي من المدنيين الإسرائيليين أهم عندهم من أخذ حقوقهم الوطنية المشروعة. وعملا بمبدأ المحاكاة الذي أكتشفه عضو الأكاديمية الفرنسية روني جرار فأن كتائب الأقصى الفتحوية حاكت كتائب القسّام الحماسية في العمليات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين. وبذلك تم تلطيخ صورة الفلسطينيين في مرآة الرأي العام العالمي الذي هو اليوم القوة الثانية التي تشكل عديلا للولايات المتحدة الأمريكية. لذلك فكسب الرأي العام العالمي هو منذ الآن رِهان المستضعفين في أرض القرن الحادي والعشرين. السبب الثالث هو فقه الولاء والبراء: بعد هزيمة الانتفاضة الثانية، اضطرت حماس للانتقال إلى طور "الهدنة مع العدو" في انتظار أيام أفضل كما يقضي بذلك فقه الجهاد. ولكن حماس تراجعت عن رفضها الانتخابات الديمقراطية التي يعتبرها فقه الولاء والبراء تقليدا مُحرما ومُجرما "لانتخابات الكفار"، وهو ما لامها عليه قبل أيام الشيخ المجاهد د. أيمن الظواهري. لكن حماس مع ذلك بقيت متمسكة، في مسألة مركزية، بفقه الولاء والبراء الذي يُحرم ويُجرم التفاوض مع الكفار خاصة اليهود على أرض فلسطين، التي هي وقف إسلامي لا يجوز التفريط في شبر منه. قادة -أو بعض قادة- حماس يفضلون الفوز بالجنة على الفوز بدولة فلسطينية تكون تأشيرة المرور إليها الجلوس مع اليهود ومصافحتهم وأخيرا التوقيع على سلام دائم معهم. والحال أن فقه الولاء والبراء لا يسمح لهم إلا بهدنة مؤقتة في انتظار استئناف الجهاد.عندما طلب السادات فتوى من الأزهر لتوقيع السلام مع إسرائيل لم يفته إلا بــ"صلح" مؤقت قياسا على صلح الحديبية بين النبي وقريش منذ 14 قرنا! ومن الأخبار الجيدة أن حسن الترابي تخلى هذه السنة عن فقه الولاء والبراء قائلا أن نقطة الضعف في قادة حماس هي أنهم قليلو الخبرة السياسية مما يجعلهم يتمسكون بالتطبيق الحرفي لفقه يعود إلى قرون غابرة. المسؤول الأول عن الحرب الأهلية الفلسطينية هو المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحكم في قراره. منذ سنة 2000 ناديت بأن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني غير ناضجين للسلام، ولا بد إذا من تدخل مجلس الأمن لفرض حل عادل على الطرفين. ومازال هذا الحل المفروض المنشُود مطروحا على جدول الأعمال لوقف تقدم الشرق الأوسط إلى الفوضى الدامية التي سيحترق في نارها الجميع. الحرب السنية / الشيعية: هل ستكون حرب المئة عام الإسلامية؟ من أخبار 2006 السيئة انتشار رقعة الحرب الشيعية / السنية. لقد كانت محصورة في أفغانستان الطالبانية، وفي باكستان، وفي إيران حيث تحرم {الجمهورية الإسلامية الشيعية الجعفرية}، كما يسميها دستورها على السنة امتلاك جامع في طهران يؤدون فيه صلاة الجمعة. علماً بأن الشيعة والسنة يكفر بعضهم بعضا لذلك لا يصلي بعضهم وراء بعض، ولا يأكل بعضهم ذبائح بعض،ولا يتزوج بعضهم من بعض. الواقع أن الدولة السنية هي أيضا دولة طائفية بامتياز لذلك حُرمت الأقليات الشيعية فيها، على غرار جميع الأقليات الأخرى الدينية والقومية، من حقوق المواطنة الكاملة. وحتى من الحريات الدينية الأساسية كحرية العبادة. نعرف مثلا كيف أن حكومة طالبان السُنية اضطهدت شيعة أفغانستان. فقتلت رجالهم وسبت نسائهم وحرمت عليهم زيارة القبور التي هي جزء لا يتجزأ من الإسلام الشيعي ومن حرية العبادة المضمونة في القانون الدولي. شيعة الخليج يُقاسون أيضا من الاضطهاد ألواناً وقد أصدر بعض العلماء في السعودية في بداية التسعينات فتوى تُحرم أكل ذبائح الشيعة. أما في عراق صدام، حيث يشكلون أغلبية السكان، فقد كانوا يُعاملون كــ{ أقلية معادية} ويمارس النظام ضدهم وضد الكُرد السنة جميع أنواع الاضطهاد بما فيها دفنهم أحياء وضرب الكُرد بأسلحة الدمار الشامل الكيماوية... بعد زوال كابوس صدام فاجأهم كابوس "المقاومة العراقية الإسلامية" التي كان إنتحاريوها يفجرون أنفسهم في المصلين الشيعة وفي الحجاج الشيعة إلى العتبات المقدسة. وأخيرا عام 2006 فجرت المقاومة السنية المراقد الشيعية المقدسة التي شكلت شرارة انطلاق الحرب الطائفية السنية/الشيعية في العراق. حتى في لبنان، حيث لا يكابد الشيعة إي اضطهاد مشابه، ومع ذلك فأن النخب السنية المتعاقبة تعامت عن فقرهم وغَبْنهم السياسي بالرغم أنهم من بين الـــ17 طائفة لبنانية، أكثر الطوائف عددا وحرمانا. وهذا ما شكل أرضية خصبة لنمو وتجذر حزب الله،الإيراني الولاء، بينهم على حساب النخبة الشيعية الدينية والسياسية المعتدلة والمتجذرة في لبنانيتها كــ{أمل} التي يقودها الرئيس نبيه بري. طالما لم تفصل الدولة في أرض الإسلام الدين عن السياسة لتصبح دولة لجميع مواطنيها، على غرار باقي دول العالم، فأنها ستظل فريسة للتوترات والحروب الدينية والطائفية، وستظل أقلياتها لا تشعر بأي انتماء إلي هذه الدولة الطائفية التي تقصيهم دستوريا وعمليا من حقوق المواطنة الكاملة وتعاملهم كمجرد مقيمين غير مرغوب فيهم لتهجيرهم. دولة لا تجد، كحل لتعدديتها الدينية والقومية، غير تهجير مواطنيها الذين لا ينتمون إلى دين أو قومية الأغلبية الحاكمة هي دولة ما قبل حديثة وغير قابلة للحياة في القرن الحادي والعشرين. عدم الفصل بين السياسة والدين وبين الدين والدولة هو الذي يوشك أن يقود المسلمين إلى حروب دينية وطائفية مستوطنة. يبدو أن هذه الحرب السنية/الشيعية بدأت تضرب أبواب لبنان، فقد أحتل حزب الله، بأمر من أمينه العام السيد حسن نصر الله، بيروت في نهاية 2006 مطالبا بإسقاط الحكومة اللبنانية التي يرأسها سُني. وهذه مبادرة مجنونة قد تقود لبنان إلى حرب طائفية قد لا تنتهي إلا بتقسيمه إلى كنتونات متعادية. وهكذا سيفقد الشرق الأوسط أفضل وأجمل دولة عرفها تاريخه! هذه هي أخبار الاتجاه التاريخي المضاد السيئة التي تنذر بحرب المئة عام السنية الشيعية. فلنستعرض الآن أخبار الاتجاه التاريخي الجيدة. هل من الممكن الانتقال من فقه الولاء والبراء إلى فقه الحوار؟ منذ بداية القرن الحادي والعشرين غدت أحداث كل سنة تُقاس أهميتها برد - أو بعدم رد – النخب على تحديات القرن الحادي والعشرين على الأصعدة الثلاث؛ القومي، والإقليمي، والدولي. فما هي هذه التحديات؟ هي تحديث الحداثة بالنسبة للشعوب العريقة فيها، والدخول إلى الحداثة بالنسبة للأمم التي ظلت واقفة على الرصيف عندما مرت عليها قاطرة الحداثة مثل الأمم العربية والإسلامية. ودخول هذه البلدان إلى الحداثة أو التوغل فيها يمر على الأرجح عبر إصلاح الإسلام من خلال إصلاح التعليم خاصة التعليم الديني؛ بالانتقال من فقه الولاء والبراء إلى فقه الحوار. فما هو فقه الولاء والبراء؟ هو القطيعة التامة مع غير المسلمين قولا وفعلا، وعداء "الكفار" ليس لما يفعلونه بالمسلمين، بل لمجرد كونهم كفارا،"فمن كان مؤمنا وجبت موالاته من إي صنف كان، ومن كان كافرا وجبت معادته من إي صنف كان" كما يقول ابن تيمية، حتى ولو كان من الصنف المحب للمسلمين. وتحريم السفر إلى بلدانهم وتحريم الإقامة فيها إلا للضرورة القصوى، وتحريم تقليدهم في معتقداتهم، أو في أزيائهم لذا يبرر القرضاوي فرض الحجاب على المسلمة قائلا:" هذا ينبغي ألا يماثل أزياء الكفار، اليهود والنصارى والمشركين، فمجرد نية تقليد نسائهم حرام في الإسلام الذي يطلب من المسلمين مخالفة الآخرين في الجوهر والشكل، ولهذا أمر بعمل عكس ما يفعله الكفار." { عادل جندي، الحرية في الأسر ص 191، دار ميريت، القاهرة.} وتحريم استخدام الرأي والعقل في فهم القرآن. قال الترمذي، تلميذ البُخاري، في "الجامع الصحيح": " من قال في القرآن بالرأي فأصاب فقد أخطأ {.......} ومن فسر القرآن بالرأي فقد كفر" وحرم بن تيمية كل ما هو مخالف للكتاب والسنة عند غير المسلمين إي تقريبا كل شيء:" من جنس موالاة الكفار التي ذم بها الله أهل الكتاب والمنافقين الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم {الاحتكام} إليهم دون كتاب الله {...} فمن كان من هذه الأمة مواليا للكفار من المشركين أو أهل الباطل وأتيانهم في شيء من مقالهم وأفعالهم كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك، وذلك مثل متابعتهم في آرائهم وأعمالهم، كنحو {=مثل} أقوال الصابئة وأفعالهم من الفلاسفة المخالفة للكتاب والسنة." { ابن تيمية، مجموع الفتاوى،ج 28 ص 199-201} كما يحرم فقه البراء والولاء "الرطَّانة" بالسنة "أهل الجحيم" إلا للضرورة القصوى؛ كما حرم هذا الفقه الاحتفال بالمولد النبوي لأنه تقليد لاحتفال النصارى بمولد المسيح، ومازالت دول مجلس التعاون الخليجي محافظة على هذا التحريم؛ كما حرم أيضا استخدام التاريخ الميلادي:"جريدة المنقد" لسان الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لم تستخدم طوال صدورها{1989-1991} في الجزائر إلا التاريخ الهجري . يصل الرُّهاب {فوبيا} الهستيري من تقليد غير المسلمين ذروته عندما يتحول إلى عقاب ذاتي هاذ:" لا نقلدهم حتى في ما فيه مصلحة لنا، لأن الله أما أن يعطينا في الدنيا مثله أو خيرا منه، وأما أن يعّوضنا عنه في الآخرة" كما يقول ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم". هذا الفقه الذي يدرس في جميع مدارس وجامعات العالم العربي باستثناء تونس شكلّ منذ ظهور الحداثة عائقا أعاق الوعي الجمعي الإسلامي من استقبال الحداثة الأوربية بما هي "تقليد للكفار" الذين اخترعوها. من يقرأ فتاوى الفقهاء منذ القرن السادس عشر يجد أن جزء لا يستهان به منها مكرساً لتحريم "مستحدثات" الحداثة اللباسية أو الغذائية، أو العلمية والتكنولوجية. مثلا حرم فقهاء مصر سنة 1511 القهوة بما هي "بدعة" وجددوا تحريمها، نظرا لإقبال الصوفية عليها، سنة 1533. وأخيرا وقع السلطان العثماني بنفسه سنة 1548 فتوى تحرمها. كل ما لم يعرفه "السلف الصالح" فهو، كما تقتضي ديانة عبادة الأسلاف، محرم. وهكذا صدرت في القرن التاسع عشر عشرات الفتاوى لتحريم "المستحدثات" الوافدة من أوربا عملا بالحديث الموضوع أكبر الظن:"شر الأمور محدثاتها". مثلا بعد أن جهز محمد علي بعض أحياء القاهرة بصنابير المياه، حرم الفقهاء المالكية والشافعية والحنبلية استخدامها، فلجأ محمد علي لفقهاء الحنفية لإصدار فتوى لتحليلها، ومنذ ذلك التاريخ غدت صنابير المياه تسمى بالحنفية.؟ كما صدرت في القرن التاسع عشر فتاوي عدة لتحريم "البرنيطة" بما هي تقليد لأزياء الكفار. تحدى محمد عبده فقه الولاء والبراء، في هذا المجال على الأقل، فكان يدخل الأزهر معتمرا برنيطة وهو يدخن سيجارة. لذلك ظل جثمانه نصف يوم في الأزهر لأن شيوخه، كما قال نجيب محفوظ، كانوا يتجادلون في جواز الصلاة عليه أم لا.؟ ظلت لعنة تكفير تقليد "الكفار" في كل شيء، قلّ أو جلّ، تلاحقنا إلى اليوم. قد ذكر د. دليل أبوبكر، عميد جامع باريس الكبير، في حديث "للقدس" اللندنية الواقعة التالية:" دعى الملك فهد علماء المملكة ليفتوه في إدخال المملكة للصحون اللاقطة"الدش"، فقالوا له "ليست من القرآن في شيء"، فأوعز الملك فهد لأحد مقربيه بوضع جمل مكان كل سيارة مرسيدس من سيارات العلماء ثم ودعهم. ولما وجدوا الجمال، عادوا إليه مفزوعين متسألين أين سياراتنا؟ فأجابهم، على حد قول عميد جامع باريس:" ليست سيارات المرسيدس من القرآن في شيء". وكذلك أحتاج استخدام طائرات النقل المدنية إلى فتوى.......الخ. الولاء والبراء هو الذي يأمر القاعدة وحماس مثلا باستخدام العمليات الانتحارية تطبيقا لمبدئه الأسمى "الجهاد باق إلى قيام الساعة"، وضرورة قتال المسلمين "المرتدين" الذين يقلدون الكفار أو يتعاملون معهم..... وقد أستغرب الشيخ المجاهد أسامة بن لادن في أحد أحاديثه للجزيرة من استمرار عضوية الدول العربية والإسلامية في منظمة الأمم المتحدة، جنبا إلى جنب مع الكفار قائلا:" حتى عقلاء الكفار مثل كوريا الشمالية يرفضون الانضمام لها". فقه الولاء والبراء يُحرم ويُجرم جميع قراءات القرآن باستثناء قراءته هو: القراءة الحرفية للنص، الوحيدة الملائمة للتزمت والتطرف والإرهاب وقطع الطريق على الحداثة، بما هي مؤسسات وعلوم وقيم "مستوردة من الكفار". وفقه الولاء والبراء هو الذي يكفر كل دولة في أرض الإسلام لا تطبق الشريعة، إي العقوبات البدنية الشرعية وحرمان مواطنيها من النساء وغير المسلمين من حقوق المواطنة الكاملة، ومنع مواطنيها من الهجرة إلى الغرب والسياحة فيه، وقطع جميع علاقاتها مع "دار الحرب".... فقه الولاء والبراء تغلغل، عبر الخطاب الديني {= التعليم، الأعلام، خطبة الجمعة، الوعظ والفتوى} في الوعي الجمعي الإسلامي المنغلق على نفسه فبات يشكل نواته الصلبة. شعارات مقاومة "الغزو الثقافي" إي التلاقح الثقافي الضروري بين جميع ثقافات العالم والحضارة العالمية، والمناداة بضرورة "أسلمة المعرفة" وبتطهير تفاسير القرآن، وفي المقدمة منها تفسير الطبري، من الإسرائيليات ومن التأثيرات المسيحية، والهوس بــ"الاستقلال الحضاري" والقطيعة مع "التبعية" الاقتصادية للغرب... كلها تعبيرات واعية لدى البعض ولا واعية لدى البعض الآخر عن فقه الولاء والبراء الذي ليس إلا بارانويا هاذية! بديل فقه الولاء والبراء الانغلاقي حتى الانطواء المرضي؛ هو فقه الحوار مع جميع الأمم والتلاقح الثقافي مع جميع الثقافات وتبني مؤسسات الآخر وعلومه وتكنولوجيته ومنتجاته وقيمه. بشائر القطيعة مع فقه الولاء والبراء في التعليم الديني بدأت في تونس عام 1990، وفي المغرب عام 2004 بقرار تدريس الفلسفة في السنوات الثلاث الأخيرة من التعليم الثانوي ربما بتأثير ما كتبته أنا حول هذا الموضوع في اليومية "الأحداث المغربية"، وفي الجزائر، ألغى الرئيس بوتفليقة سنة 2006 تدريس الشريعة في البكالوريا {= الثانوية العامة} بطلب مني في رسالة مفتوحة وجهتها له نشرتها إيلاف ونقلتها عنها صحف عديدة إلكترونية ومكتوبة. وفي أكتوبر 2006 ألغت ليبيا تدريس الجهاد وتدريس آيات السيف والعنف... كيف سيتم نقل التعليم الديني من فقه الولاء والبراء إلى فقه الحوار؟ بتقليد تونس التي أدخلت إلى هذا التعليم الفلسفة، الحاملة بامتياز للفكر النقدي، والعلوم الإنسانية المرصودة لدراسة الظاهرة الدينية. المدرسة الدينية التونسية دشنت، في أرض الإسلام، مدرسة العقلانية الإسلامية التي تهدف إلى تطوير استقلال التلميذ الفكري، إعداده للتفكير الشخصي في النص الديني المؤسس، إيقاظ وصيانة غرائز الحياة فيه. على النقيض من المدرسة الإسلامية السائدة القائمة على ترويض التلميذ، وحشو جمجمته بنصوص ميّته، وتعبئته بثقافة الاستشهاد وكراهية "الكفار"، وعداء المرأة والعقل، والخوف من الجديد، ومن التغيير، ومن التفكير المستقل، ومن مؤسسات وقيم الحداثة وعلومها. إدخال الفلسفة ودراسة تاريخ الأديان المقارن إلى الجامعة الزيتونة شكل بداية ثورة تربوية موعودة بالتعميم إلى جامعات أرض الإسلام التي مازالت متأخرة عن عصرها بأربعة قرون!في هذا الخصوص حملت لنا نهاية 2006 خبرا سعيدا هو صدور كتاب:"أسرار الكتاب المقدس" عن رابطة العقلانيين العرب، ترجمة صالح بشير. ترجمة هذا الكتاب حدث علمي بامتياز فهو يثري تاريخ الأديان المقارن إذ يعيد قراءة التوراة اعتمادا على النصوص المصرية القديمة ليكشف أن اليهود، عكساً لما جاء في العهد القديم، لم يكونوا عبيدا في مصر، وأن أخناتون هو إبراهيم، وأن موسى هو رمسيس الأول..... وأن الديانة اليهودية هي، مع تعديلات طفيفة، الديانة المصرية القديمة. ويقدم الكتاب برهانا على صحة هذا الاكتشاف، آخر الاكتشافات الأثرية المصرية. خبر سعيد آخر حملته 2006 هو إلغاء البرلمان التركي، بطلب من الاتحاد الأوربي، لعقوبة الإعدام وإقرار الحق في حرية التدين إي تبديل المسلم لدينه. والخبر السعيد الآخر هو إعلان كل من المغرب والجزائر إلغاء عقوبة الإعدام التي يتشبث بها الإسلاميون كأحد ركائز الشريعة! خبران سعيدان آخران حملتهما لنا سنة 2006 هما فتوى الفقيه الإسلامي المعروف وأحد أقطاب الدولية الإسلامية، حسن الترابي، وتقرير الأمم المتحدة عن المرأة في العالم العربي الذي صدر منذ أسابيع. في شهر مارس 2006 أصدر الترابي فتوى نسخت أحكام عدة آيات قرآنية لم تعد متكيفة مع حاجات المسلمين في هذا العصر. تماما كما فعل أبوبكر الصديق عندما نسخ حق المؤلفة قلوبهم في الزكاة الذي ضمنته لهم دون قيد أو شرط الآية 60 من سورة التوبة. قائلا:" لقد قوي الإسلام ولا حاجة لنا فيهم" { أنظر تفسير الطبري لهذه الآية}. وبالمثل نسخ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل حق المقاتلين في الفيء الذي ضمنته لهم الآية 41 من الأنفال. وعاد الفيء كله إلى بيت مال المسلمين. وعلل عمر نسخ الآية بحق الأجيال القادمة في الأرض المفتوحة قائلا في رسالة لقائد جيوشه في العراق متوجها للمقاتلين:" إذا أخذتم هذه الأرض ماذا سيبقى للذين يأتون من بعدكم؟"{"الخراج"،لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ص 18} ونسخ الفقهاء آية:"وإذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه"{ 282، البقرة}، وعللوا ذلك، مثل سابقيهم، تعليلا عقلانيا بخشية ضياع حقوق الناس في الأمصار نظرا لانتشار جهل اللغة العربية فيها، ونسخ الفقيه المغربي الكبير، الونشريسي من فقهاء القرن التاسع الهجري، في كتابه "المُغرِب في فتاوى أفريقيا والمغرب" الحديث الذي حرم الزكاة على آل البيت وصاغ فتواه نظما:" والوقت قاضٍ بجواز إعطاء/ آل الرسول من مال الزكاة قسطاً." قائلا لقد حرم النبي الزكاة عليهم حفظا لكرامتهم، أما الآن وهم يتسولون في الطرقات فالزكاة أحفظ لكرامتهم من التسول. وهو لعمري تبرير عقلاني بامتياز. هذه القراءة التاريخية للقرآن، تطوّع النص للعقل وتقدم مصلحة الناس على النص، معتبرة الآيات محكومة بالظروف التاريخية التي تطلبّتها... وهذا ما أسماه الفقهاء "علم أسباب النزول"، هي نقض لفقه الولاء والبراء الذي يقدم النص على العقل وعلى المصلحة ومتطلبات الواقع المعيش. بدوره تمرد أخيرا حسن الترابي على فقه الولاء والبراء فنسخ آية "للذكر مثل حظ الأنثويين" {11، النساء} التي تعطي في الإرث المرأة نصف نصيب الرجل في الميراث فساوى المرأة بالرجل في الميراث. ونسخ ايضا الآية " واستشهدوا شاهدين من رجالكم، فأن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان" {282، البقرة}. التي تعتبر المرأة نصف رجل في الشهادة وساوى بين شهادة الرجل والمرأة. ونسخ الآية " ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا" {،221 البقرة} التي تحرم على المسلمة الزواج بغير المسلم؛ ونفى الترابي – بعد المستشار العشماوي وجمال البنا – أن يكون الحجاب فرضا على المرأة المسلمة. كما أجاز بعد جمال البنا إمامة المرأة للصلاة وقد قالت لي الباحثة في شؤون الأقليات المسلمة في الصين، سعاد الوحيدي أن المرأة في الصين تؤم الصلاة، لكن في مساجد تخصهن، وثمة العديد من الجامعات الإسلامية الخاصة بإعداد النساء الأئمة، كما أن المرأة الإمام في الصين تحضر المجالس الرسمية التي يتم فيها تمثيل المسلمين جنبا إلى جنب مع الأئمة من الرجال. {أنظر العدد الخاص عن الإسلام في الصين من مجلة دراسات شرقية}. كان الترابي أحد كبار فقهاء الإرهاب، تخليه عن فقه الولاء والبراء، وتبنيه لنسخ أحكام الآيات المتقادمة، والتحاقه بفقه الحوار يشبه في شحنته الرمزية انتقال عمر بن الخطاب من الشرك إلى الإسلام. هذه السنة أيضا نسخ المؤرخ الإسلامي التونسي، محمد الطالبي، آية ضرب النساء؛ وكنت شخصيا اقترحت نسخ جميع أحكام الآيات التي تعيق تبني المسلمين للحداثة التي هي قضية حياة أو موت بالنسبة لهم. اعتماد هذه القراءة سيجعل الإسلام قابلا، دون تحفظ أو شعور بالذنب، لجميع قيم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية منع التمييز ضد المرأة، واتفاقية حماية الأقليات، وضمان الحريات الدينية وحقوق الطفل........وهي التدابير الكفيلة، إذا أدخلناها لمناهج التعليم الديني، بإصلاح الإسلام، إي تكييفه مع متطلبات ومؤسسات وعلوم وتكنولوجيا وقيم عصره. الخبر السعيد الثاني هو صدور تقرير الأمم المتحدة "من أجل نهوض المرأة..." الصادر هذا الشهر عن "برنامج الأمم المتحدة للتنمية" لم أقرأ التقرير بعد لكن خلاصته المنشورة في يومية فرنسية خبر سعيد، فهو يطالب بإشراك المرأة في الحياة السياسية على أعلى المستويات لتغدو قادرة على المشاركة في صناعة القرار، كما يطالب بإعطائها "التمييز الإيجابي" الذي تمارسه حكومة تونس التي تخصص 20 % من مقاعد البرلمان للنساء وحكومة أقليم كردستان، التي تخص 25% من مقاعد البلديات والبرلمان للمرأة والحكومة الليبية التي تخصص 50% للمرأة في مؤسسات السلطة. لكن الاعتراف للمرأة بحق المواطنة الكاملة لن يكون كاملا إلا إذا تم الاعتراف به أيضا للمواطنين غير المسلمين في أرض الإسلام وللمواطنين غير العرب في الدول العربية. هذه الوقائع خروج على فقه الولاء والبراء وتشكل مؤشرات واعدة بإمكانية خروج العالم العربي منتصرا من أزمة الحداثة الطاحنة التي يمر بها، أزمة الانتقال من القدامة إلى الحداثة، من الشريعة إلى القانون الوضعي، من فقه أهل الذمة واستضعاف المرأة، إلى فقه المساواة التامة في حقوق المواطنة، من قيمتي الحلال والحرام، إلى القيم الإنسانية الكونية، من فرض حقوق الله {الفرائض الدينية} على الإنسان، إلى فرض حقوق الإنسان على الدولة، من الفقه إلى السياسة، ومن الحكم الفردي إلى دولة القانون، ومن الجهاد إلى اللاعنف في الدفاع عن حقوقنا المهضومة. هذه الأحداث قد تبدو للعين غير الخبيرة بفلسفة التاريخ أحداثاً قليلة -أو عديمة- الأهمية والحال أنها مؤشرات جدية على بداية نضج الوعي الجمعي الإسلامي الذي يختمر لوقت ما تحت الأرض، عبر البحث والنقاش خاصة في وسائل الأعلام، ثم يتحول هذا النقاش إلى حقائق ومعطيات يُسلم بها كل ذي عقل سليم ليصوغها لاحقا صُناع القرار في مشاريع مجتمعية و قوانين ملزمة. اقتحام قلعة فقه الولاء والبراء التي يعتصم بها الإسلام الجهادي والسياسي وقطاع من الإسلام التقليدي مهمة محفوفة بالمخاطر بما فيها المجازفة بالحرية أو بالحياة. لكن لا يستطع المثقف المعاصر أن يتناساها دون أن يخون نفسه بما هو حارس القيم الإنسانية والعقلانية التي ينتهكها هذا الفقه في أرض الإسلام. وكيف ننسى أن ضريبة التقدم إلى الحداثة كانت تاريخيا دماء شهدائها غير المهووسين بالشهادة؟
* أجرى الحديث اشرف عبد القادر كاتب مصري وناصر بن رجب باحث تونسي
#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستنقلب حماس على نفسها؟
-
نداء إلى أغنيائنا
-
الحكم بالرجم حتى الموت
-
كيف نصالح الإسلام مع العالم؟
-
الحداثة التونسية في عيدها الخمسين
-
هل ستعدم الجزائر الإعدام؟
-
على هامش رسالتي إلى أوردغان: الحل العادل للمسألة الكردية؟
-
فدا يسوع البشرية و فدا الحريري لبنان
-
رسالة مفتوحة إلى أوردغان: كن وسيط السلام الفلسطيني الإسرائيل
...
-
تضامنا مع سعيد الكحل
-
عمرو موسى يستأسد على العراق
-
القائمة الثالثة لمساندي العفيف الأخضر
-
العفيف الأخضر يوجه من فراش مرضه نداء إلى المثقفين والمجتمع ا
...
-
العلمانية هي مفتاح المواطنة الكاملة بين الرجل والمرأة والمسل
...
-
إزاحة كابوس صدام تستحق حربا
-
بعد اغتيال الحريري : ما العمل ؟
-
مقدمة كتاب -معالم في طريف تحديث التعليم الديني
-
الأصولية والفاشية استبطنتا المرأة كأم وربة منزل فقط
-
في سبيل تعليم وإعلام ينشطان غرائز الحياة
-
هل نتقدم ونحن نلتفت إلى الوراء؟
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|