أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - جبل العروبجية يتصدع















المزيد.....

جبل العروبجية يتصدع


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1783 - 2007 / 1 / 2 - 11:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من يتابع الفضائيات والصحف العربية في تغطيتها لإعدام صدام، ربما يبدو الأمر له كما لو أن القبيلة العروبجية قد أصيبت بطعنة في الصدر، وأن الطعنة رغم أنها أصابت منها القلب، إلا أنها تتحامل على نفسها، وتتصنع الاستمرار واقفة على قدميها، بل والسير في ذات طريقها، وكأن كل العروبجيين من المحيط إلى الخليج يرددون كلمات رئيس عشيرة صدام التي رددها اليوم في إحدى الفضائيات:

"ليعلم الجميع بأن عشيرتنا سبق لها أن أنجبت الكثيرين من الأبطال على شاكلة البطل صدام حسين، وستستمر في تقديم أمثاله من الأبطال المجاهدين"!!

كل هذا الحزن ولطم الخدود إذن ليس على شخص واحد أعدم عدلاً أو ظلماً، فلم يكن صدام مجرد فرد من أفراد قبيلة العروبة التي تناسلت واستشرت في النصف قرن الماضي، فالرجل كان (والأغلب سيظل) درة تاجها، فيما جسَّد كمال صفاتها وأخلاقها، فهو المثل الأعلى بما وصل إليه من مجد وسلطان، وبما حاز من قدرة وحشية تتصاغر أمامها قطعان أعراب القومية وأعلامهم، طوال تاريخها الذي يقطر دماً.

صدامهم إذن ليس مجرد حاكم عربي، لكنه تجسيد لكل أحلام العروبة في التحدي، تحدي كل العالم بما فيه تحدي كل من يرفع رأسه من قومه محاولاً التململ من هيمنة جبروته، هو إعصار العروبة الذي لا يبقي ولا يذر، فهو الذي هاجم إيران بجسارة وشراسة منقطعة النظير فحطم ما حطم، وقتل من قتل على الجانبين، لكنه شخصياً لم يهتز ولم يرمش له جفن كما يقولون، هو أيضاً بذات الجسارة العروبجية النهَّابة السَّلابة من انقض على الكويت الثرية، ليقتل من يقتل، ويسبي من يسبي، وينهب ما ينهب، وهو يقدم على كل هذا بشموخ وإباء عروبجي أصيل ومجيد، فالرجل رغم أنه ابن حضارة الرافدين إلا أنه يتمثل كل قيم البداوة، تلك القيم التي ابتعثتها دعاوى القومية العربية بطبعاتها الناصرية، ثم البعثية الأكثر أصالة وتوحشاً، لتأتي الجهادية البن لادنية والزرقاوية لتعطيها مسحة مقدسة.

صدام إذن هو المتربع على قمة جبل العروبة الذي صار ضخماً وشاهقاً بما يكفي لسحق كل من يسعون على مشارفه أو عند سطحه، فهو لم يكن مناضلاً هارباً بين شقوق الجبال كبن لادن أو الزرقاوي، لكنه الملك المتوج الذي يتبختر بين قصوره التي افترشت أرض العراق، وهو الذي تأتمر بأمره الجيوش الجرارة بعددها وعتادها، وهو الذي يلوح للعالم ويتوعده بأسلحة دمار شامل كيماوية وبيولوجية ونووية، فحتى لو كان لا يمتلكها كما اتضح فيما بعد، إلا أننا صدقناه وصدقه العالم معنا، ولما لا نصدقه وقد جسد حلمنا في القوة بعد ضعف مهين، وفي التنفيس عن مكنونات ثقافتنا ونوازعنا البدائية التواقة للقتل والتخريب؟!

قبيلة العروبة صارت اليوم قبيلتان لهما ذات الأصالة والأيديولوجية، ولا يفرق بينهما إلا خيط رفيع هو الموقف من البطل المغوار، فالأغلبية الكاسحة من الأعراب والمتعربين بكل امتداد البوادي العربية تقف في صف بطلها المعجزة، لا يعنيها في كثير أو قليل ما يقال عن جرائم ارتكبها في حق شعبه وأمته، ولسان حالها يقول: فليفعل ما يفعل، فلقد اعتدنا هذه المعاملة حتى أدمناها عبر عصور تاريخنا المجيد المتعاقبة، فكل هذا يهون بجانب إنجازه الأعظم بتحدي أمريكا والغرب العدو الكافر كله.

في المقابل تقف القبيلة العروبجية الأخرى الأقل عدداً، قوامها الفئات الأكثر تضرراً من مجازر صدام وبطولاته، وكل ما تطلبه هذه الفئة تنفيس مكبوت ثقافتها العروبية أيضاً، بالثأر من قاتلها، ويا حبذا لو كانت القوات المتعددة الجنسية قد أتاحت لها أن يحتسي أفرادها ولو قطرات من دماه، يمكن أن توزع في دنان فخارية بدوية، فتروي عطش الغل في قلوبها المثقلة بالجلافة والبداوة، ونحن لا نذهب بعيداً في قولنا، وقد رأينا قطعان مقتدى الصدر وهي تهلل وتطلق النار في الهواء، وهي ذات القطعان التي تتناوب وتتبادل القتل والذبح مع القبيلة الأخرى، حتى صارت أرض العراق مستنقعاً للدماء.

يبدو جانب من الصورة إذن لشعوبنا المغيبة بالثقافة العروبية كما لو كانت مجرد حلقة من سلسلة الثارات العربية الممتدة من أيام داحس والغبراء وحرب البسوس، لكن الجانب الآخر رغم أنه يحتل الخلفية، إلا أنه يملأ كل مساحتها، ومن ثم يصدم بل يفجع كلا الفريقين، فسقوط رمزنا الأسطورة لم يتم بأيدينا، وإلا لما استدعى كل ذلك الشقاق والأسى، فكم من رئيس عربي ذبحناه بأيدينا ومررنا على الأمر مرور الكرام، ففي أرض العراق ذبحنا الملك فيصل والأمير عبد الإله، ثم عبد الكريم قاسم لتتابع الحلقات حتى أحمد حسن البكر، الذي أعلن صدام المغدور أنه كان فارساً قد سلم الراية إلى فارس، ثم ما لبث أن آثر التخلص منه نهائياً، كل هذا لم يشد اهتمامنا، فهو معتاد في سياق ثقافتنا وعروبتنا، لكن الجديد والمثير اليوم هو أن سقوط درة التاج العروبي أتى عن طريق قوم آخرين ذوي ثقافة مختلفة، بل والأسوأ أن هؤلاء القوم بالتحديد هم المستهدفين بعداء العروبة ونضالها، بل أتوا لشأن آخر يعلنونه بلا مواربة.

المستهدف ليس صدام حسين وحده بل كل ما يمثله، الديكتاتورية والشمولية التي اعتدنا العيش في كنفها، المستهدف ثقافة الرأي الواحد الذي يمثل لنا اليقين والأمان، يستبدلونه بحرية لم نطلبها ولم نسع إليها، ويحدثوننا عن العلم الذي عجزنا طوال عقود عن الإمساك بأهدابه، يحاولون استدراجنا من كهوفنا العتيقة والمقدسة، إلى عالم قاس بارد ومفتوح لكل صنوف العواصف التي لا نستطيع التحليق في أجوائها، يحدثوننا عن الاندماج بعالم لا نستطيع أن نراه إلا بعين الغازي الذي يكر ويفر، يقتل ويسبي وينهب، هم العدو الذي نعيش على العداء له، فكيف نسمح له بالتسلل إلينا، ليقلب حياتنا رأساً على عقب، وما فائدة ما نمتلك من مال وسيوف وخناجر إن لم نوجهها إلى صدره؟!!

هنا المشكلة والمأساة، أن ما يبدو حتى الآن في الأفق أن كل ما نجح رسل الحضارة في إنجازه هو إسقاط الطاغية الأكبر، ليحل محله العديد من الطغاة الصغار، ربما الأكثر شراسة ودموية، فيما شعوبنا على حالها، يلطم بعضها الخدود على سقوط البطل الرمز، ويستمتع البعض الآخر بالتشفي وشهوة الانتقام، ومع ذلك لا مهرب من حقيقة أن عجلة الزمن لا يمكن أن تعود للوراء، فقد حدث شرخ في جبل العروبجية الأزلي، ويبقى الأمل في أن لا يلبث طويلاً حتى ينهار.



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذئاب على موائد الحوار
- ألف باء عقلانية
- كنيسة مصرية جداً
- العقلية الشفاهية والواقع المأزوم 4
- عافية فيصل القاسم
- اللون البرتقالي بعيون عربية
- هيا بنا نفشل
- العقلية الشفاهية والواقع المأزوم 3
- الفلسطينيون وخياراتهم الكارثية
- العقلية الشفاهية والواقع المأزوم - 2
- العقلية الشفاهية والواقع المأزوم - 1
- مصريون ضد الكراهية
- شجيع السيما وجماهيره
- فوضى الهزيمة والانتصار
- عندما تتحدث الرهينة
- رجالات لبنان بين الحكمة والتخاذل
- العرب وأبطالهم الصناديد
- الأقباط والسقوط المدوي
- يحيا العدل والبقية تأتي
- العلمانية وسقوط الأيديولوجيا


المزيد.....




- أين يمكنك تناول -أفضل نقانق- في العالم؟
- ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع ...
- بلينكن: إدارة بايدن رصدت أدلة على محاولة الصين -التأثير والت ...
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمارات ...
- أطفال غزة.. محاولة للهروب من بؤس الخيام
- الكرملين يكشف عن السبب الحقيقي وراء انسحاب كييف من مفاوضات إ ...
- مشاهد مرعبة من الولايات المتحدة.. أكثر من 70 عاصفة تضرب عدة ...
- روسيا والإمارات.. البحث عن علاج للتوحد
- -نيويورك تايمز-: واشنطن ضغطت على كييف لزيادة التجنيد والتعبئ ...
- الألعاب الأولمبية باريس 2024: الشعلة تبحر نحو فرنسا على متن ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - جبل العروبجية يتصدع