خيري فرجاني
الحوار المتمدن-العدد: 8169 - 2024 / 11 / 22 - 01:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ظهر مفهوم الإسلام السياسي في منطقتنا العربية والإسلامية منذ عشرينيات القرن الماضي وتحديدا في عام 1928م، في إحدى مدن القناة (الإسماعيلية)، وكانت ظاهرة الدين السياسي نتاج لاجتياح الغرب للمنطقة، منذ نحو قرنين من الزمان، ولكن لم تظهر نتائجها إلا مع بدايات القرن العشرين خاصة بعد سقوط الخلافة العثمانية وهيمنة الاستعمار الأوروبي على المنطقة. حيث اصبحت منطقة الشرق الأوسط عمومًا فريسة للإستعمار، وكان للاجتياح الغربي لهذه المنطقة آثارا جد خطيرة على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. إلخ.
فقد فقدت معظم دول المنطقة سيادتها وتغيرت معالمها الجيوسياسية، دول تنشأ وأخرى تغيب عن المشهد وتقسيم وتفتيت للمنطقة شكل يخدم مصالح الدول الإستعمارية، وشعوب تتعرف على حضارة جديدة ومنتجاتها بعد انعزال دام طيلة أربعة قرون هي عمر الإحتلال العثماني، وجيوش تدخل وتخرج، وحروب عالمية لتقاسم النفوذ، وصراع ضار على الأسواق والثروات.
ظهر في ظل هذه الظروف فكر الإسلام السياسي برعاية بريطانية لمواجهة القومية الوطنية، حيث ظهرت نزعات أصيلة رافقت هذا التاريخ وحتى هذه اللحظة. فقد بدأت تتشكل الظواهر السياسية في المنطقة منذ ذلك التاريخ وفي ظل هذه الظروف العصيبة، حيث بدأت تظهر التيارات القومية العربية التي أخذت حيِّزا كبيرا في سياق النضال من أجل الاستقلال العربي عن الآستانة.
كما ظهرت فكرة تسيس الظاهرة الدينية إسلاميًا، هذه الظاهرة بدأت تحت أعين الاستعمار البريطاني في مصر وبرعايته، وفي سياق ما ذكرناه أعلاه، حتى أنتجت ما يعرف حتى اليوم بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين. لحركة دينية دعوية نشأت عام 1928م، على يد حسن البنا، الذي تلقى دعما ماليا من شركة قناة السويس، حسب ما أورد البنا نفسه في مذكراته، المعنونة بـ "مذكرات الداعية والدعوة"، وفي عام 1931م، بعد اشهار الجماعة برز نشاطها في القاهرة، حيث أسس البنا عددا من الشُعَب في أكثر من محافظة
بدأت الجماعة في التوجه للعمل السياسي الذي انتهج العنف طريقا وسلوبا في مواجهة وتصفية الخصوم السياسيين، والذي انتهى بإغتيال البنا في عام 1949م، من قبل النظام الخاص لجماعته بعد أن انكشف أمره من خلال محاولته تسليم ملف النظام الخاص للأجهزة الأمنية.
وقد تعامل الانجليز مع جماعة الإخوان المسلمين منذ البداية بصفتها ظاهرة سياسية بالدرجة الأولى، أي يمكن تصنيفها إنكليزيًا بكونها جماعة أشبه ما تكون بـ"حزبًا سياسيًا"، يمكن استخدامها وتوجيهها لمواجهة فاعلية شيوخ ورموز النهضة الوطنية التي بدأت بالفعل في تشكيل مرجعا أساسيا لتيارات سياسية ذات طابع استقلالي، أو تلك التي كانت تطالب بخروج الاستعمار البريطاني، هذا بالإضافة إلى مواجهتها لأحزاب سياسية كبرى كانت تكتسح الساحة السياسية كحزب الوفد.
تعاون البنا مع الأمريكان لمواجهة الشيوعية حيث طلب البنا من السفارة الأميركية، تكوين مكتب مشترك بين الإخوان والأميركيين لمكافحة الشيوعية، على أن يكون معظم أعضائه من الإخوان، وتتولى أميركا إدارة المكتب ودفع مرتبات أعضاء الإخوان فيه. وهذا الطلب يدل على عمق العلاقة وتبادل المصلحة بين البنا والأمريكان. فقد مارست جماعة الإخوان باعتبارها جماعة سياسية بغطاء ديني عمليات الاغتيالات من جهة، والتحالف مع القصر من جهة أخرى، والعمل في خدمة المخابرات البريطانية من جهة ثالثة، وأخيرا عملت لحساب الألمان والنازية.
ان ما ميز المرحلة التأسيسية للإخوان لجماعة الإخوان وفكر الإسلام السياسي بصفة عامة من خلال مراجعة لتاريخ الحركة أن الاغتيالات السياسية كانت عنصرا أساسيا في منهج الإخوان، والأمر الثاني أن الانجليز، وكل العالم الغربي، والقوى السياسية المصرية كانت تتعامل مع الإخوان بصفتهم حزبًا سياسيًا في الدرجة الأولى والأخيرة، ولم يجرِ التعامل معهم على أنهم تعبير أو ممثل سياسي وثقافي للإسلام وللمسلمين، وبقيت هذه المعاملة وهذه النظرة على مدار تاريخها.
ولا شك أن مفهوم العنف الإجرامي (الإرهاب) لدى الغرب كان يتبدل ويتحول من مكان إلى آخر ومن وقت إلى آخر، فتارة نجد الغرب والولايات المتحدة الأمريكية يمجدون العنف ويساعدوه في مكان وربما يجرِّمونه في مكان آخر، في تبادل للأدوار والمواقع والرمزيات حسب الرؤى والمصالح.
فنجد ان الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لم يجرم آنذاك بل وحتى الآن أي نوع من أنواع العنف الذي مارسه الإخوان المسلمون في كل دول العالم، لأنه كان موجهًا ضد القوى المحسوبة على المعسكر الشرقي الشيوعي. ولهذا كانت الدول الإسلامية في غالبيتها تعيش معركة في صفوف الغرب ضد الشرق الشيوعي. وكانت طبيعة هذا الصراع تفرض هذا النوع من التعامل مع ظاهرة العنف لأسباب سياسية، لكن الأهم من كل هذا أنهم أطراف سياسية تتصارع وتتبادل المواقع، وليست أطرافًا دينية أو ثقافية.
للمفارقة أيضًا، فإن الرئيس الأمريكي ريجان استقبل قادة الحرب الأفغاني باعتبارهم مجاهدين، وتم دعمهم من قبل دول الخليج العربي بل ومصر، حتى أن الغرب لم يستخدم مفهوم الإسلام الأصولي إلا في العقد الأخير من القرن الماضي، فقد كان يستخدم مفهوم "الصحوة الإسلامية"، إبان السبعينات والثمانينات لمواجهة المد الشيوعي. لينبثق بعدها مفهوم الإرهاب كنشاط إيديولوجي يستخدم العنف، الذي يهدف إلى التخويف من أجل تحقيق أهداف سياسية سواء بالإصالة عن نفسه أو بالنيابة عن طرف آخر، وأصبح المجاهدون الأفغان ارهابيون.
في حين كان يشار إلى أعمال المقاومة الفلسطينية حتى قبل وجود حركة حماس أو حركة الجهاد الإسلامي. بأنها انشطة ارهابية!! رغم عدم وجود أي ملمح إسلاموي للمقاومة الفلسطينية آنذاك، حيث تتوزعها قوى يسارية وقومية عربية ووطنية فلسطينية وليس فيها أي ملمح إسلاموي.
ولهذا، فإن الإرهاب كمصطلح لم يكن يعبر عن ثقافة أو دين بعينه في الأساس، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر 2009م، أصبح له دلالة أكثر حضورًا وارتباطا بجماعات العنف والإسلام السياسي، لكونه عنفا مسلحًا وسياسيا، فإن السلاح والمتفجرات والعبوات الناسفة -في الزمن الراهن- هي منتج سياسي، ولا يمكن أن تصل إلية أي مجموعة مهما صغرت أو كبرت دون دوافع سياسية وطرق سياسية ولأهداف سياسية.
فهذه خدمة مجانية للإرهاب ذاته ولمن يقف خلفه من نظم إقليمية ودولية، كما أنه لا يمكننا فهم "الإسلام السياسي"، بمعزل عن العمل السياسي داخل مجتمعاتنا ومن خلال تبادل المنافع والكراهية مع السلطات الحاكمة داخل المنطقة وبقية العالم.
فالإسلام السياسي مفرز يتبادل المنفعة أحيانًا مع الظواهر الإرهابية، ومهما كانت العلاقة بين الإرهاب والإسلام السياسي، فإن هذا الإرهاب هو سياسي ونتاج سياسي ويخدم نموذجًا سياسيًا يتخذ من التدين ستارا ومن أي دين كان، فهو نموزج يرفض مبدأ العيش في دولة القانون والحريات والمؤسسات وتداول السلطات، والإرهاب وحده هو الذي لا يقبل بهذا المنطق، ولا يقبله ليس انطلاقًا من موقف ديني، بل انطلاقًا من مصلحة سياسية مباشرة تحاول أن تجد مرجعًا أيديولوجيًا لها في الدين أو في القومية أو في العرقية للوصول إلى تحقيق أجندتها السياسية. فإن بن لادن و"طالبان" والإخوان وغيرهم نموذجًا واضحا وصارخا لهذا المفهوم.
فلا فصل بين الإخوان المسلمين كحزب سياسي والإسلام السياسي بدلالاته المتداولة حاليًا، وأيضًا فإن مفهوم الإسلام السياسي، بات أكثر دلالة على الإرهاب والتطرف، والخوف كل الخوف من انسحاب هذا المفهوم إلى كل المسلمين أفرادًا وجماعات، فهذه الدلالة التي يراد تعميمها منذ أن رأى هذا المصطلح النور في الأدبيات والإعلام الغربي وغير الغربي، من خلال هذه اللوحة ثلاثية الأبعاد: "إخوان، إرهاب، إسلام سياسي"!!
وفق هذا المنظور هل يمكننا الحديث عن دخول مرحلة جديدة من خلال تجربة "حزب العدالة والتنمية الإخواني"، باعتبارة الحاضنة العالمية الجديدة للحركات الإرهابية في العالم كافة بعد فشلت القاعدة وطالبان والنصرة وغيرهما من جماعات الإسلام السياسي. فإن إخوانية أسامة بن لادن لا شك ولا شِبَةَ فيها؛ فقد تحدث هو بنفسه عنها صراحة في "وثائق أبوت آباد"، ,أيضا في كتاب الصحفي الأميركي لورانس رايت في كتابه المعنون بـ"البروج المشيّدة"، نجد الدلائل الواضحة على المنهج الإخواني الذي تربّى عليه أسامة بن لادن؛ حيث ذكر في إحدى هوامشه أن النسبة الصحيحة لأسامة هي جماعة "الإخوان المسلمين"، وليست "السلفية الجهادية" أو غيرها من التنظيمات الأخرى.
كما هو واضح أيضا إخوانية بل قطبية أيمن الظواهري، فأمره ظاهر، وإخوانيته القطبية واضحة للعيان، فهي من القطعيات التي لا شك ولا جدال فيها. وقد تناول طرفاً من ذلك في كتابه الشهير "الحصاد المرّ". ناهيك عن تنظيم سيد قطب 1965م، وتنظيم "الفنية العسكرية" 1974م، وجماعة التكفير واغتيال الشيخ الذهبي 1977م، وأخيرا وليس أخرا اغتيال الرئيس السادات، فضلا عن فتاوى يوسف القرضاوي، وأحاديث سعد الفقيه، ووجدي غنيم، وعلي بلحاج، وعبد الحكيم بلحاج، وعلي الصلابي.. إلخ.
فلا شك ان الجماعات التي حملت السلاح وكفّرت وقتلت وأسقطت دولها لصالح الغرب، جميعها خارجة من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وما تقدمه الجماعة من خطاب مهادن، مثل: "نحن دعاة لا قضاة"، فهذا كلام مخاتل يطرح على سبيل التوقّي والوقاية "إلا أن تتقوا منهم تُقَاة" ليس إلا. فالإخوان يمنحون المرء القابلية لأن يكون على طراز سيد قطب وشكري مصطفى ومحمد عبد السلام فرج، ولولا بيئة الإخوان الحاضنة لكل ما هو ارهابي لما اصيبت مجتمعاتنا بهذه الصراعات الدموية.
#خيري_فرجاني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟