|
القوالب الفنية في أوبريت العشرة الطيبة لسيد درويش
حسام موسي
كاتب وباحث وناقد ومؤلف مسرحي مصري
الحوار المتمدن-العدد: 8158 - 2024 / 11 / 11 - 02:27
المحور:
الادب والفن
بعد أن كان فن الأوبرا مقصورًا على الطبقة الأُرُسْتُقْرَاطِيَّة ورواده، بَزَغَ فن الأوبريت على يد الإيطالي جيوفاني باتيتستا بيرجوليزي (١٧١٠ – ١٧٣٦) في أوبرا " السيدة الخادمة " وطوره الفَرَنْسِي من أصل ألماني جاك أوفينباخ (١٨١٩ – ١٨٨٠ ) منتقلاً به إلى الطبقة الشعبية مقتربا منهم ومهتمَّا بشواغلهم بابتعاده عن الحبكات الدرامية المعقدة وتناوله موضوعات ذات حبكة بسيطة تسخر من الأوضاع الاجتماعية والسياسية للمجتمع، مستهدفاً التوعية والتسلية والترفية. وبعد انتشاره تعاظم من يتناول هذا النوع بالتأليف كلًا حسب بيئته وبلده فتميز في النمسا ريتشارد شتراوس( ١٨٢٥ – ١٨٩٩)، وفي بريطانيا كل من وليام جلبرت (١٨٣٦ – ١٩١١)، وآرثر سوليفان (١٨٤٢ – ١٩٠٠)، وفي فرنسا تشارلز ليكوك (١٨٣٢ – ١٩١٨)، وإدموند أودران (١٨٤٠ –١٩٠١)، وأندريه ميساجير( ١٨٥٣ – ١٩٢٩) حتي أدرك المنطقة العربية في العقد الأول من القرن العشرين بإرهاصة من رائد المسرح الغنائي السوري أحمد خليل القباني (١٨٣٣ – ١٩٠٣)، والشيخ سلامة حجازي ( ١٨٥٢ – ١٩١٧) الذي رَسّخ هذا النوع من المسرح الغنائي، ولا ننسى دور كامل الخُلعي (١٨٨٠ – ١٩٣٨) الذي أسهم في إدخال الكتابة الهرمونية والأركسترالية في موسيقى الأوبريت، والذي تطور بشكله المتفرد والمختلف عن الأوبريت الغربي على يد الشيخ سيد درويش (١٨٩٢ – ١٩٢٣) متأثرًا بالأوبريت الغربي ولاسيما الفَرَنْسِي محاولًا المزج بين الموسيقى الغربية والشرقية في أعماله، مُدخلًا فيها آلات موسيقية غربية كآلات النفخ النحاسية والخشبية والبيانو والكمان،... إلخ، وظهرت البوليفونية [1] في أشهر أوبريتاته " الباروكة " و" شهرزاد " و"العشرة الطيبة "، وهذا الأخير المُنتَج من قِبل زعيم المسرح الفكاهي العربي نجيب الريحاني (١٨٨٩–١٩٤٩) - الذي تم عرضه بكازينو دي باريس بمدينة القاهرة في يوليو ١٩٢١ لمؤلفه الشاب آنذاك محمد تيمور (١٨٩٢–١٩٢١) ومن نظم شيخ المبدعين بديع خيري (١٨٩٣ – ١٩٦٦)، وإخراج رائد المسرح المصري الحقيقي عزيز عيد (١٨٨٤ - ١٩٤٢) - زاخرًا بالقوالب الغنائية ومصادر الإضحاك فضلًا عن الطابع الحماسي الوطني، وقد قام بتلحينه فنان الشعب سيد درويش؛ مما يجعلنا إزاء تجربة ثرية أسهمت في ظهور فن الأوبريت بطابعه العربي. ولقد تفاعلت كل هذه الأشياء في بوتقة واحدة، وأفرزت نشاطًا كبيرًا للمسرح الموسيقي في أواخر العقد الثاني، وأوائل العقد الثالث من القرن العشرين مرورًا بثورة ١٩١٩. [2] ويُعَّرف الأوبريت بأنه دراما موسيقية من فصل واحد أو عدة فصول تتخللها مشاهد تمثيلية نثرية وتتنوع موضوعاتها بين الواقعي والخيالي وبين الهزلي والجاد، فيستلهم القوالب والصيغ الشائعة في فنون الشعوب كرقصات "الفالسْ" و" الكانْ كانْ" المختلفة [3] ويستفيد من تراث الأوبرا الإيطالية كما يستفيد من الأشكال الدرامية السائدة في عروض " الفودفيل "، " الريفيو"، و" الملهاة العاطفية"، وغيرها من الأنواع التي شاعت في عصر الأوبريت بمدينتي باريس وفيينا. أما الأوبريت العربي فتأسست ركائزه على مصادر فنية وفكرية أهمها: الاستهلال بذكر الموسيقى العربية بكل ثرائها من مؤثرات هندية، فارسية، تركية، وأندلسية والتى أضفت على الأوبريت العربي جرسًا يؤثر السمع ويبهج الروح ولا مناص من أن الأوبريت العربي كان مستمدًا من المسرح الأوروبي لاسيما في باريس وإيطاليا؛ مما يستدرجنا أن يكون الأوبريت الأوروبي من المصادر الفنية للأوبريت العربي ونستكمل المصادر بما يسمى تجاوزًا بالمسرح الغنائي قبل عام 1919، وكما كان الأوبريت الأوروبي مستمدًا ومتأثرًا من رقصات الفودفيل والريفيو وغيرها كان الأوبريت العربي أيضا من مصادره رقصات الفودفيل والريفيو والفرانكو آراب [4] ولانستطيع ان نقلص دور فنون الزجل وشعر العامية كمصدر هامًا خصوصًا بعد ازدهارهما. أما عن المصادر الفكرية فالحركات التحررية وشيوع ثقافة البرجوازية الوطنية إبان ثورة ١٩١٩م ، كانت مصدراً فكرياً للأوبريت العربي وكذا ضروب الثقافة الشعبية من التعبير الشفاهي مرورًا بأشكال الأداء الموسيقي وصولًا لأشكال الفرجة في العروض العامة. [5]
فكرة الأوبريت ورواية العَشَرة الطيبة، والتي لم تنل حظوة الجمهور الموالي للأتراك بتلميحاتها المزعجة إلى مماليك العهود الماضية في الأساس؛ مما أدى لإيقاف المسرحية لمدة قصيرة بعد العرض الأول في مارس 1920 وهو زعم يصعب التأكد منه في الواقع. [6] – مقتبسة من الأوبرا بوف [7] الفرنسية " ذو اللحية الزرقاء" من تأليف هنرى مياك (١٨٣١١٨٩٧)، ولودُڤيك هالِڤي (١٨٣٤ ١٩٠٨)، وإخراج جاك أوفينباخ ١٨٦٦. [8] ورغم اقتباس الكاتب محمد تيمور لأوبرا " ذي اللحية الزرقاء " إلا أن الحبكة والشخصيات والأحداث نَقلت العمل إلى عملٍ مصري خالصٍ ساخرٍ فيه من المحتل العثماني المستعمِر للدولة المصرية ممثلًا في واليه العثماني بجعله يتحدث لغة عربية ركيكة بلكنة تركية مميزة، كما لو أن الفلاح المصري ينتقم من المحتل عن طريق السخرية كما يقول برجسون "إن المجتمع ينتقم عن طريق الضحك للحريات التي أخذت منه " [9] مع اهتمامه بالبيئة المصرية عامة والمجتمع الريفي خاصة ممثلًا في ست الدار ونُزهة وسيف الدين، وبهذا لم تكن الأوبرا الفرنسية إلا نقطة انطلاق لتأليف مصري، وتصوير شخصيات مصرية من صميم الواقع، وهذا ما تؤكده حكاية الرواية الأصلية.
حكاية ذو اللحية الزرقاء وحكاية ذي اللحية الزرقاء هي حكاية خرافية ألّفها الكاتب الفرنسي شارل بيرو (١٦٢٨ – ١٧٠٥) وتم نشرها للمرة الأولى عام ١٦٩٧، وتروي حكاية رجل لا ينتمي لطبقة النبلاء رغم ثرائه الفاحش، ذو لحية زرقاء تُضْفِي عليه مظهرًا أكثر قبحًا، تزوج عدة زيجات سالفة؛ ولكن لا أحد يعلم بمصير زوجاته، وتقدم للاقتران بفتاة صغيرة من جيرانه وافقت طمعًا في ثروته، وقرر بعد مُضي شهر من زواجه السفر لقضاء بعض المهام، وأَعطى زوجته مفاتيح القصر محذرًا إياها من الولوج لإحدى الغرف، ولأن الممنوع مرغوب أثارها الفضول. فقررت زوجته الولوج إلى الغرفة المحظورة فتفاجأت بخمس جثث لنساء مُعلقات على الجدران، فتكشف لها أمرهن بأنهن زوجاته السابقات وعند عودته اكتشف فعلتها فقرر نحرها، ولما استشعرت الخطر ماطلته بمنحها وقتا لأداء الصلاة انتظارًا لأخواتها المزمع حضورهم لزيارتها، وعندما هَمَّ ذو اللحية الزرقاء بنحرها انقض عليه أخواتها فأَرْدُوه قتيلًا، وورثت الزوجة كل ثروته وتزوجت رجلاً من النبلاء. [10]
بين أوبريت العَشَرة الطيبة وأوبرا ذي اللحية الزرقاء: أما أوبرا ذي اللحية الزرقاء فتدور أحداثها بقرية ريفية يقطن بها "ذو اللحية الزرقاء" في قصره المخيف، والذي كان على وشك استقبال زوجته السادسة، وذلك بإرسال معاونه "بوبولاني" لاختيار عروس له، وعن طريق الاقتراع تصبح الراعية "بولوت" الزوجة المنتظرة، أما ملك القرية "بوبيتش" والذي فقد ابنته في طفولتها. يعلم عن طريق معاونه "أوسكار" بأن ابنته "فلوريت" ما زالت حيّة وتعيش تحت اسم مستعار "إرميا"، ومغرمة بالراعي "سفير" ويطالبها بالعودة لبلاط الملك وراغبًا في تزويجها زواجًا ملكيًا فتُعارِض فكرة الزواج؛ حتى تكتشف أن المقصود هو "سفير"، وأنه أميرٌ متنكرٌ وليس راعيًا، وعند قدوم " ذي اللحية الزرقاء" لزيارة الملك بوبيتش للتباهي بزوجته الجديدة "بولوت" يقع في غرام الأميرة "إرميا"، وكعادته يطلب من" بوبولاتي" التخلص من "بولوت" للزواج من "إرميا" كما كان يفعل مع زوجاته السابقات، ولكنه لم يكن يقوم بتسميمهن ولكن إعطائهن حبوب منومة، وعند دخول "فلوريت" و "سفير" الكنيسة لإتمام زواجهما يعترضهما ذو اللحية الزرقاء بقواته مطالبًا بأن تكون "فلوريت" زوجته السابعة فتظهر" بولوت" برفقة زوجاته السابقات، ومعهم خمسة من أصحاب مقام رفيع يُفترض أنهم قُتلوا أيضًا بسبب مغازلة الملكة "كليمنتين"، وتنتهي الأوبرا بزواج أصحاب المقام من الزوجات، ويبقى ذو اللحية الزرقاء مع "بولوت" ويتزوج كلًا من " سفير" و "إرميا". قام محمد تيمور بعملية تمصير لأوبرا ذي اللحية الزرقاء فقد غيّر في أسماء الشخصيات فالفلاحة "بولوت" صارت المرأة الريفية " ست الدار" و الأميرة "فلوريت" أصبحت "جُلبهار" أما اسمها المستعار "إرميا" فصار " نُزهة " وعشيقها الأمير المتنكر "سفير" صار " سيف الدين " .. إلخ . ولم يكتفِ بتمصير الأسماء، ولكن قام بتمصير الأماكن والمواقف فتدور الأحداث في قرية كفر الحاج محمود؛ حيث المجتمع الريفي البسيط ممثلاً في" نزهة" الطفلة ابنة الوالي التي ألقاها في النيل كونها بنت، ولكن موج النيل يقذفها حيث تنمو وتترعرع وتقع في غرام الفلاح " سيف الدين"، ويكتشف الوالي وجود ابنةٍ له بعد عشرين عامًا فيقوم بالبحث عنها . أما لمسة محمد تيمور المهمة في تمصيره لهذا العمل فتكمن في إضفائه على حبكة بريئة تدور أصلًا حول شبق الأرْمَل المزواج ذي اللحية الزرقاء (حاجي بابا حُمُّص أخضر في الصيغة المصرية) والباحث عن زوجات جديدات – أصداءٌ وأبعادٌ سياسية لم تكن موجودة في الرواية الفَرَنْسِية، وقد ساهمت إلى حد بعيد في شهرة ونجاح الأوبريت في مصر بحيث يتصادم في الصيغة المصرية أبطال من الفلاحين المصريين مع أشرار ينتمون إلى الأُرُسْتُقْرَاطِيَّة العثمانية. [11] ويقوم الحاكم المملوكي ( حاجي بابا حُمُّص أخضر) بقتل خمس زوجات له على يد مساعده (حسن عرنوس) مع قيام الوالي التركي ( فخرالدين أبو زعيزع ) بقتل خَمسة رجال على يد مساعده (حُزُنبُل الكيميائي). والمتوفون يمثلون العَشَرة الطيبة و يرمز لهم المؤلف إلى الشعب المصري المغلوب على أمره، حين أصدر الحكام أمرهم بإعدامهم، ولكن بعض المخلصين من أبناء الشعب المصري أبقوا على حياتهم، والذين ما لبثوا أن يخرجوا من مخبئهم ليفرضوا إراداتهم على الحكام، ويعلنوا أنهم لن يموتوا بل سيُبعثون وينتصرون. والزواج الجماعي الذي خُتِمت به الرواية بين هؤلاء العشرة أقوى رمز على الحياة والانتصار الذي يتنبأ به المؤلف للشعب. [12]
الأوبريت وسيد درويش استطاع سيد درويش أن يخضع ضروب الموسيقى العربية وألحانها لإحساسه وإلهامه، فيكون هذا المزج النادر بين الألحان العربية والأوربية في محاولة منه لابتداع هارموني لموسيقانا، وقد قام بتجريب البوليفوني في أوبريت العَشَرة الطيبة، وفي أوبريت الباروكة أدخل أربعة أصوات . وأوبريت العَشَرة الطيبة يحتوي على عدد من القوالب الموسيقية منها القالب الافتتاحي والمونولوج الفكاهي والدويتو العاطفي والقالب الجماعي الانتقادي والزفاف والدور والطقطوقة والقالب الختامي. يُفْتَتَح الأوبريت بالقالب الافتتاحي وفيه يتم إظهار خصائص البيئة وخصائص المكان ويتم التمهيد للأحداث، والقالب غنائيّ يقوده صوتاٌ أساسيٌ وأصوات جانبية ولا يوجد طربٌ خالصٌ، ولكن مزيج بين الغناء والإلقاء المنغم؛ والإلقاء المنغم هو نوع من الأداء الغنائي يميل إلى الإلقاء، وهو شائع في الأوبريت. [13] فنجد محمد تيمور في قالبه الافتتاحي يصور البيئة الريفية من منازل ريفية وأمامها أكوام من حطب القطن، وأشجار التوت الباسقة؛ موضحًا جزءًا من حياة الفلاحين وشقائهم اليومي فثمة الفلاح الجالس على شادوفه يمارس مهام عمله مع مرور الفلاحات الحاملات على رءُوسهن الأواني الفخارية وبها المياه المستقطعة من الترعة وتتقدمهن فلاحة تحثهن على الإسراع ويغنين مع توصية راعية الأغنام الفلاحة "ست الدار" في سعيها اليومي صبيًا صغيرًا بالاهتمام بأغنامها مع وضع سيد درويش في لحنه لهذه الافتتاحية لموسيقى ومؤثرات صوتية للبيئة المحيطة من أصواتِ الطيور والأغنام والكلاب:
فلاح : واحدة وُه. بنت : ( تتقدم صويحبات حاملات بلاليص ) جدمي ورا مني . فلاح : اتنين وُه. بنات : هيلا ليصة ، هيلا ليصة. فلاح : تلاته وُه. بنات : عوافي يا أبو حفني . فلاح : يعافيكي يا خالتي نفيسة ......... ست الدار : وله يا بخاتي فتّح عينك على غنماتي. صبي : أهم مفتوحين.[14]
ثم يدخل الفلاحون وهم حاملون لأدواتهم الزراعية و ثائرون ومتهكمون على سرقة أراضيهم التي تصبح رِشْوَة " لعزايم الأغا وكرائمه "؛ فنجد الفلاح في نهاية عمله فوق الشادوف وكأن خَلَاصِه من عمله هو سخرية من ذلك الذي ضاع من خُلَّانِه من الفلاحين .
الفلاحون : (وهم يغنون) ما بقاش فاضل نعزق واصل، غير قيراطين جبلي الفاصل، حدا وابور الطحين. الفلاح : الحمد الله وخلصنا. بنات : أقعد بالعافية، ماشيين. وتنتهي اللوحة بتبيان أن الفلاحة المصرية أفضل من غيرها من النساء الأخريات . وأن التمدين الأوروبي هو سبب المشاكل التي يعانيها المصريون.
المزارعون والبنات: انضر يا بوي النجف الأصلي، النبي أحسن ع النساوين، دي الفلاحة من دول بميّة من الكُخْيَّات المنفخين . قال يتغالبوا عما يعايبوا، علشان مش متقمطين ولا هماش عارفين . هو تلفنا وخلانا شُفنا غلب الغلب غير التمدين، فوقوا يا مصريين.
وبعد انتهاء القالب الافتتاحي ينتقل بنا مبدعي الأوبريت لقالب الدويتو العاطفي، والدويتو أو الديالوج مصطلح يستخدم لوصف عملا غنائي مشترك يقوم بأدائه مطربين اثنين؛ حيث يقوم كل مطرب بأداء جزءٍ خاص به من الأغنية أو يشتركان في جزء وتدور حول موضوع معين، قد يكون عاطفيًا أو اجتماعيًا أو سياسيًا أو وطنيًا، ويحمل رسالةً فنية وطنيةً أو إنسانيةً غالبًا ما يستسيغها المتلقي؛ لأنها تبعده عن «رتابة» الاستماع إلى صوت غنائي واحد. [15] وإذا كان العمل مسرحيًا فنجاحه يعتمد على رؤية الملحن وفهمه للموقف النصي والموقف العام، وكذا قدرته على تشخيص كل طرف في الديالوج والتعبير عن النص وعن الموقف السائد للنص وعن شخصية وموقف كل طرف على حده ويجب أن تتوافق التركيبات اللحنية بحيث تصنع وحدةً واحدة في النهاية على الرغم من تعدد الصور واختلافها. ويتجلى ذلك في أغنية "على قد الليل ما يطوّل " ذات القالب العاطفي. فطوال ما يقارب الست دقائق يستطيع كلا من الملحن سيد درويش والشاعر بديع خيري أن يرسما لوحةً فنيةً للعُشَّة التي تقف فيها " نُزهة " من جانب والساحة التي يشغلها "سيف الدين" بحيويته من جانب آخر، وهذا يذكرنا بـ " روميو " عندما كان يقف تحت شُرفة " جولييت " فيقف " سيف الدين" أمام عُشَّة " نزهة"، ولكن الغزل بينهما كان غزلًا حسيًا صريحًا بخلاف "غزل " روميو و جولييت "، مع قدرة سيد درويش على إبراز كل ما يريد إيصاله للمتفرج في هذه المباراة الغنائية بين العاشقين واستخدامه مقامًا موسيقيًا لم يكن مستخدمًا من قبل وهو مقام يسمي (الزنجران). [16] فهذان العاشقان في هذا المشهد المسرحي يتذكران ما دار بينهما في الليلة الفائتة ويتمنى العاشق إعادة ما دار بينهما باستخدام سيد درويش لآلات موسيقية غربية كالفلوت والكمان والبيانو في هذا القالب ومستخدمًا مقام النهاوند والمقامات القريبة منه كالعجم والحجاز :
نزهة : يوه يا دين النبي تنك سايح مانا لسه مقبلاك امبارح. سيف الدين : متفكرنيش أما دي حقه كانت ليلة فى غاية الرقة.
كما نجد في هذا اللحن الموسيقي امتزاجا للكلمات الساخرة مع الكلمات ذات الطابع الغزلي :
سيف الدين : سنين وأيام دايب فيكي بزمارتي أصحيكي . طول ما أنا وانتي فى الدنيا دي طظ في أهلي وأجدادي.
وفي موطن آخر نزهة : ...... حبوبي . سيف الدين : يا عين الحبوب من جوه ، يا سبب وعدي ومكتوبي يا كتاكيتها. نزهة : يا ننوسو. سيف الدين : يا قطاقيطها. نزهة : يا حنتوسو.
واستكمالا لمرحلة العرض أو بذر المعلومات للمتلقي لفهم سياق الأوبريت يُظهر لنا الكاتب شخصية " ست الدار " المرأة الريفية الشرسة والتي ستصبح زوجة الحاكم المملوكي " حاجي بابا حُمُّصْ أخضر " فيما بعد في قالب المونولوج الفكاهي، وقالب المونولوج قالب حديث يقوم بأدائه شخصٌ واحدٌ ويختلف المونولوج الفكاهي عن المونولوج الغنائي الذي أدخله سيد درويش، فالمونولوج الفكاهي يتسم لحنه بالسرعة والخفة ولا يشترط فيمن يقدمه أن يتمتع بصوت حسن، ولكن يشترط الحس الموسيقي العالي حتي يلقي القبول الجماهيري. ويتجلى ذلك في أغنية " يقطعْ فُلان على عِلان" الذي تدخل به " ست الدار" على المسرح، وهي المرأة الساخطة على كل الرجال والنساء على السواء ولكنها تُسقط سخطها على من تحبه " سيف الدين " الذي لا يأبه بها وبمشاعرها لعشقه " نُزهة " فنجد قدرة سيد درويش في التعبير عن الموقف بلحن غاية في السرعة ناتج عن حالة " ست الدار " شديدة الغضب تلك الشخصيةُ الثائرةُ فهي بطلةُ القريةِ الحقيقية الباحثة عن السعادة، والتي تزوجت الحاكم المملوكي عن طريق القرعة فهي كانت على وشك الضياع بعد قرار الوالي قتلها وتنجو بمعاونة "حسن عرنوس"، فتُقرر التضحية بنفسها من أجل إنقاذ بنات جنسها . واستطاع سيد درويش بمهارة فائقة أن يقدم شخصية "ست الدار" بمدخل غنائي درامي خاص بها، نكاد نسمع مطلع الأغنية حتى نعرف أنها ست الدار بادئًا الأغنية وينهيها بنهيق الحمار، وهو أمرٌ له دلالتِه؛ فضلًا عن قدرته على تمثيل المدرسة التعبيرية في التلحين؛ فلحنه السريع أشبه بشخص يطارد آخر، يلهث فيه المستمع مع لهاث ست الدار. ست الدار : يقطعْ فُلان على عِلان دي الناس بقت زي التيران . رجالة الشوم نسوان اللوم ستين خناقة يا أخواتي في اليوم. لو كنت من اللي بالك فيهم اللي عصاية تجريهم . ما كانوش يموتوا في جلدهم ويحاسبوا مني كلهم . إن كان صُغار والا كبُار يشوفوني يجروا بالمشوار .
ثم تبدأ رحلة البحث عن زوجة جديدة للحاكم المملوكي، وأثناء البحث يتم اكتشاف وجود ابنهِ الوالي المفقودة منذ الصغر وقد أظهر بديع خيري الموقف في قالب يُطلق عليه القالب الجماعي، وهو عبارة عن أغنية جماعية عادة ما تكون بين مجموعةٍ واحدةٍ أو بين فردٍ ومجموعة، أو بين مجموعتينِ أو بين ثلاث مجاميع [17] ويتجلى هنا في أغنية "الأمر أمر الأغا باشا"؛ حيث يقوم حُزُنُبل بالبحث عن بنت عذراء من أهل القرية ليقترن بها الحاكم المملوكي "حاجي بابا حُمُص أخضر"، ومع صعوبة الكلمات العربية العامية المقترنة بلغة الأتراك؛ فقد نجح سيد درويش لتطويع النص للحنِهِ :
حُزُنُبل : سيدكو وتاج راسكو الأزعر نسل حلنبوحة الأكبر . سنجق مماليك البندر حاجي بابا. الجميع : حُمُص أخضر. حُزُنُبل : المتعة الهايلة عشانه إنه يغرق لودانه يل ونهار مع نسوانه فشر النمرود في زمانه. الجميع : راح يبقى أحسن من ده توصل دي الناس مقامات يا أغا حزنبل. بنات : إن كان يمدغنا نستحمل ما نقولوش بم .. قول .. اتفضل. حُزُنُبل : فبناء ع الحلبقة عايز له شابة خفه ، حانقيها من الطايفه ويجي لكو ياخدها بزفه. كل بنية بنت بنوت تدي اسمها بالمظبوط. للباشكاتب عم هاروت توت .. حاوي .. توت. الجميع : توت حاوي توت توت حاوي توت.
وكذلك يتجلى المشهد الجماعي أيضا في مشهد " حسن عرنوس"، وهو يبحث عن " نُزهة " الذي أدرك أنها هى الأميرة "جلبهار" المفقودة منذ الصغر في الأغنية المعنونة " والله طيب يا زمان الخلطبيط " :
الجميع : والله طيب يا زمان الخلطبيط الأصايل يبقو آخر الزمر طيط ، واللي كانت هردبيسة وبزرميط طالعة ف العالي واحنا ف الغويط. حزنبل : ده بختك يا ابو بخيت الراعية بقالها صيت. ست الدار : اللي سعده روزبيت ماتهموش العفاريت. الجميع : اللي سعده روزبيت ماتهموش العفاريت. عرنوس : كله كوم إلا المشنة ديه كوم مسأله عايزه نظر فوق اللزوم . اسمعوا ياهووه. الجميع : آدي احنا سامعانين.
وبعد اختيار العروس – ست الدار – يتم زفافها للحاكم المملوكي باستخدام قالب الزفاف وهو من القوالب التي تتواجد في الأوبريتات ومن الممكن أن يظهر أكثر من مرة، ويوجد في أوبريت العَشَرة الطيبة ثلاثة قوالب للزفاف : " يا حلالك يا بلالك"، و" الليلة يا كتر عرسانك"، و" اتمخطري يا عروسة واتهني بعريسك"، وهذه الأغنية الأخيرة تثبت عبقرية سيد درويش في التعبير الدرامي على الرغم من كونها أغنية للأفراح؛ فإن حالة الشجن لا تخفي فيها . فالبطلة في أحداث المسرحية تُزَف إلى عريسها قسرًا، فابتغي سيد درويش الجمع بين شعورين متناقضين في بنيان لحني واحد. [18] الجميع : اتمخطري يا عروسة واتهني بعريسك سيد العرسان
ده بلبل الأفراح بيغني والسعد جانا أشكال وألوان.
سيف : يا سمن بلدي يا بلح أمهات يا فل مجوز في البستان.
ياللي عليكي تروح جنيهات بعد البعاد الوصل أهو آن.
الجميع : اتمخطري يا عروسة واتهني بعريسك سيد العرسان
ده بلبل الأفراح بيغني والسعد جانا أشكال وألوان.
نُزهة : الرب عالم يوم ما رأيتك إني على الهجران ما قدرشي،
افرح وهيص واتهني بعيدك دي ليلة الحظ ما تتعوضشي.
وفي نهاية الأغنية؛ حيث نية " حاجي بابا حمص أخضر" قتل " سيف الدين " ليخلو له الطريق للزواج بـ " جلبهار " التي أيقنت انتهاء قصة حبها واستسلمت للأمر: الجميع : والله خسارة يا سيف الدين. جلبهار : حظي انقضى ساعة القضا وآدي المقدر يا مسلمين.
فقد قام سيد درويش بالتعبير عن الموقف بثلاث جمل لحنية تتراوح بين الصعود والنزول في جملة جلبهار؛ حيث استخدم طبقة صوتية صاعدة في جملة ( حظي انقضي) دلالة علي اليأس والضعف والحسرة التي انتابت جلبهار، ثم الاستسلام في جملة (وآدي المقدر)، ثم طلب النجدة في جملة ( يا مسلمين)؛ إلا أن سيد درويش في نهاية الجملة عمد إلى استخدام خط لحني متصاعد مع لحظات الضعف حتى تظل القوة راسخة في اللاوعي، وتبقي الإرادة والأمل في الإصلاح والحرية قائمتان. [19]
ولكننا نلفي " نزهة " التي ألقاها والدها الوالي في النيل كونها بنت في طفولتها، تعيش في قرية وسط الفلاحين، وبعد معرفة الوالي بأنها ما زالت حية يطالب برجوعها إلى القصر فنجد الحالة المتباينة بين حبيبها " سيف الدين" الذي سيفقد حبيبته وبين " نُزهة " السعيدة برجوعها القصر مع علمها بأنها ستُجلب " سيف الدين" إلى القصر للعيش معها. فنلفي سيد درويش يُظهِر ذلك في قالب الدور، وهو قالب موسيقي غنائي من قوالب الغناء العربي القديم؛ حيث يبني لحنه على مقامات موسيقية مختلفة (النهاوند، الصبا، العجم، الحجاز كار)؛ ليبين العواطف المتباينة لحالة العاشقين. فتبدأ المجموعة الغناء على مقام النهاوند لتنتقل لمقام الصبا ذو البعد الحزين عند جملة ( مستني يومك من زمان ) ليظهر الجانب المؤلم لسيف الدين الذي سيفقد محبوبته ثم يعاود الرجوع لجنس النهاوند لينتقل في جملة سيف الدين( اتمخطري واتغندري واتجعصي ف التختروان) إلى مقام العجم، ثم يعاود الرجوع مجددًا إلى مقام النهاوند في جملة " سيف الدين" ( يا نور العيون خايف يكون حاتسيبيني يا زينة البنات) وينهيها بالصبا تعبيرًا على ألمه لفقده محبوبته نُزهة لينتقل إلى مقام الحجاز في جملة الحبيبة (بكره تشوف جنيهات ألوف وادندشك بالنشانات) ويعود مجددًا " سيف الدين" إلى الصبا في جملته ( مهما أسوح ولا أنوح دانا أروح وراكي كُردفان) وينهيها بمقام النهاوند في جملة ( اتمخطري واتغندري واتجعصي فـ التختروان). [20]
الجميع : آن الأوان يا حلوة آن والسعد كان مستني يومك من زمان . سيف : اتمخطري واتغندري واتجعصي ف التختروان . الجميع : آن الأوان يا حلوة آن والسعد كان مستني يومك من زمان. سيف : يا نور العيون خايف يكون حاتسيبيني يا زينة البنات نزهة : بكرة تشوف جنيهات ألوف وادندشك بالنشانات. سيف : مهما أسوح ولا أنوح دانا أروح وراكي كردفان. اتمخطري واتغندري واتجعصي ف التختروان . الجميع : آن الأوان يا حلوة آن والسعد كان مستني يومك من زمان .
ثم ينتقل الأوبريت إلي الحاشية الفاسدة حول الحاكم ونصيحة حسن عرنوس لهم بأن أفضل الطرق للوصول للمناصب هو النفاق. وتم انتقاء القالب المناسب وهو القالب الجماعي الانتقادي وهو سمة في الاوبريتات أجمع، وهنا موجود في " والله يا زمن الخلطبيط "، وكذلك في " عشان ما نعلا ونعلا ونعلا " ويطلق على هذا اللحن الأخير لحن الوصوليين وهو الذي أطلق شرارة التعبير بالموسيقي عن المعاني المرتبطة بحركة الجسد التي تعبر في الأصل عن معاني النص فيتصاعد اللحن مع تصاعد أجساد الراقصين للتعبير عن النص (نعلا لتحقيق النفوذ أمام الحاكم) ويتخافض مع تخافض الأجساد ( نطاطي أمام الحاكم) لكي يتم كسب رضاه، ولحن الوصوليين يتحدث عن مجموعة من المنتفعين في بلاط الحكم الذين يفعلون أي شيءٍ للوصول لغاياتهم حتي لو وصل الأمر للذل والخنوع للحاكم وكلما زاد النفاق زاد النجاح، وهو أعظم ألحان سيد درويش لعدة أسباب، منها: بساطة اللحن؛ حيث يستطيع المستمع العادي أداءه رغمًا عن النقلات اللحنية صعودًا وهبوطًا، كذا تمثيل اللحن للمدرسة التعبيرية في التلحين واستخدامه للأسلوب المسرحي والتيمات الشعبية، ولم يكتفِ سيد درويش بذلك بل ألبس كل فرد من أفراد مجموعة الغناء، ما يناسب دوره الدرامى على المسرح، وأيضا لم يكتفِ؛ بل جعل حركات المجموعة تعبر عن ما يقوله الحوار الغنائي . [21]
الجميع : عشان ما نعلا ونعلا ونعلا لازم نطاطي نطاطي نطاطي بسلامته الوالي أبو زعيزع مهجص باشا دقن تعيتع أفيونته تمللي قال إيه نترصص دايما حواليه نروح واقفين زنهار زي القط والفار نلقاه دايما منفوخ نفشر له طاخ طيخ طوخ عرنوس : الرك على حبة بولوتيكه وذمة كاوتشوك خربانة مادام الأمير ملته أنتيكه لازم الرعية تكون وحلانة.
وبعد عودة "جلبهار" إلي والدها الوالي " فخر الدين باشا أبو زعيزع " يرغب في زواجها من الأمير " سيف الدين" والتي تتحفز للفظه فتتفاجأ بمدى الشبه الكبير بينه وبين حبيبها الفلاح فيستخدم بديع الدرويش قالب الدويتو الفكاهي، وهو أغنية فكاهية يغنيها شخصان وتتسم بالمرح والفكاهة، والقالب يتجلى هنا في أغنية " هو بعينه وبمناخيره" :
نزهة : هو بعينه وبمناخيره هو بوشه وبشفاتيره، هو اللي أنا بالي فيه م الأول. مالحقتش أبص في وجناته وسمنت النص بغمزاته. سيف : صواميل رجليا سايبة مني . نزهة : وأنا عصافير قلبي بتغني وعند قيام الحاكم المملوكي " حاجي بابا حمص أخضر " بزيارة الوالي " فخر الدين باشا أبو زعيزع " للتباهي بزوجته السادسة " ست الدار " يغرم بـ " جلبهار" فيعطي الأوامر لحاجبه للتخلص من " ست الدار " ويذهب بها لقبرها؛ حيث زوجات الحاكم السابقات واللائي يستقبلنها بلحن صاغه سيد درويش في قالب الطقطوقة، وهي شكل من أشكال الغناء بالعامية يميزه عن غيره طريقة النظم والتلحين والغناء، وهي تتكون من مذهب وعده مقاطع تسمى كوبليهات ومفردها كوبليه ويعاد تكرار المذهب بعد كل منها كما يختم به الغناء، وقد أدخله شعراء العامية إلى العربية في مطلع القرن العشرين ومع كثرة شعراء العامية تطورت الطقطوقة فتنوعت بحورها وقوافيها، ولكنها احتفظت بالتشكيل الأساسي لها، وفي بعض ألحان سيد درويش المسرحية التي صيغت على قالب الطقطوقة أدخل بديع خيرى مقطعًا ختاميًا من وزن وبحر مختلف عن سائر النظم، وتبع ذلك تلحين هذا المقطع بلحن مختلف والانتهاء به بدلًا من العودة إلى المذهب كما فى لحن الحلوة دى ولحن الشيالين، وبذلك خرجت هذه الألحان من قالب الطقطوقة التقليدي لغرض التعبير المسرحى، وفي أوبريت العشرة الطيبة تتجلى الطقطوقة في أغنية ( يا مرحبا بك) وهو اللحن الجنائزي الذي تبرز فيه جماليات الموسيقي وتعددية الأصوات، وفيه الزوجات السابقات يستقبلن الوافدة الجديدة " ست الدار " والتي حُكم عليها بالقتل من الحاكم المملوكي " حاجي بابا حمص أخضر " ويتبادلن الشكوى والألم والمواجع فيغنين ( يا مرحبا بك آدي اللي نابنا وآدي اللي نابك) فتقوم بالرد عليهن ( ما ضاقت إلا وفرجها سيدك يارب نجينا م المهالك) :
ستات : يا مرحبا بك يا مرحبا بك آدي اللي نابنا وآدي اللي نابك.
ست الدار : ما ضاقت إلا وفرجها سيدك يارب نجينا م المهالك.
ستات : يا مرحبا بك يا مرحبا بك آدي اللي نابنا وآدي اللي نابك.
ست الدار : ايشبار علينا ياما خدعنا لولا حُزنبُل لكنا ضعنا.
ستات : يا مرحبا بك يا مرحبا بك آدي اللي نابنا وآدي اللي نابك.
ست الدار : إيدنا في إيدك.
ستات : طبّل وزمّر.
ست الدار : لازم نكيدك
ستات : يا حمص أخضر.
ست الدار : دي العبودية ما خلص زمانها وآدي لحرية حايئون أوانه.
ستات : يا مرحبا بك يا مرحبا بك آدي اللي نابنا وآدي اللي نابك.
وعلي غير المتوقع نكتشف أن الحاجب لا يقوم بقتلهن بل يعطيهن حبوب منومة ولما أفاقت " ست الدار" قادت الزوجات السابقات في مسيرة للقصر للانتقام من الحاكم المملوكي في قالب حماسي ثوري؛ حيث نجح مبدعي الأوبريت في تلمس واقع المجتمع وهمومه وقضاياه وسعوا إلى عكسها في أسلوبهم الفني، وذلك جلي في أغنية(إحنا الغجر وانتو الحكام) والتي نجحوا في إيصال رسالتهم بطريقة سلسلة من خلالها، ويتميز اللحن بتنويع موسيقي وتلوين هارموني وسرعة في الحركة الإيقاعية وغناء المجموعة فيه أقرب إلى الإلقاء المنغم .
الجوقة : احنا الغجر وانتو الحكام أفعالنا ج.ر.ش.ك.لام
الشر راح والحظ أهو دام هاتوا الكؤوس عيدوا الأيام
عشان ما نرقص ونغني.
والي : بن والله أفكار يوك أفندم عاوز أسمع غنيوة منكم
غنيوة تم تم تم تم تم تا. تم تم تم تم تم تم تا. الجميع : تم تم تم تم تم تم تم تم تا.
وينهي محمد تيمور روايته بعقد مصالحة بين الشعب وحكامه. فتزوج أحد العامة "سيف الدين " بنت الوالي " جلبهار "، وتزوج الحاكم المملوكي " حاجي بابا حمص أخضر " إحدى بنات العامة الفلاحة " ست الدار "، وهو بهذه النهاية المسرحية كان يدعو أهل مصر للتصالح مع حكامه، وكل ذلك في القالب الختامي وهو تتويج للنهاية السعيدة التي ينتهي بها فن الأوبريت عامة وأوبريت العَشَرة الطيبة خاصة؛ حيث يتم زواج العشرة الطيبة، وزواج جلبهار وسيف الدين، ورجوع ست الدار إلى حاجي بابا حمص أخضر.
الجميع : الليلة يا مكتر عرسانها حدش له هوى في جوازة كمان ده الحب يحلى ف نص الليل ظيطوا وغنوا يا عرسان.
حسن : الكتكوت الالاتركه.
حزنبل : للشمروخ الخفافي.
سيف : أنا أموت فيكي يا سمبوسكة.
جلبهار : كل دا عني ماهوش خافي.
الجميع : حطي باطاطك في باطاطه واتركنوا ع الناحية دي.
حسن : دلوقتي الدور على سي ميلص.
حزنبل : وآدي عروسته الخلبوصة.
حسن : يبقاش أحسن من دا عريس .
حزنبل : ولا فيش أحسن من دي عروسة.
في الختام أتساءل لما لم يعد هناك أوبريتات كمثل هذه ؟ تمتزج فيها المشاعر الإنسانية بالسياسية في حبكة إبداعية في التمثيل والغناء، ربما لأنه لم يعد هناك سيد درويش، هل لتكلفتها العالية ؟ ام لندرة المواهب من مؤلفين وموسيقين ومطربين ؟ أزعم ان لدينا كل المبدعين لعمل مثل ما فعل المبدع سيد درويش ورفاقه.
المصادر والمراجع ١ البوليفونية في نظرية الموسيقى تعددَ الأصوات المسموعة في العمل، سواء بتعدد النغمات (وهى الهارمونية)، أو تعدد الطبقات، أو تعدد الألحان (وهو الكونترابنط). وذلك في مقاب الصوت الوحيد، أو اللحن الواحد. ٢ سيد علي إسماعيل"2018": "مسيرة المسرح من ١٩٠٠ إلي ١٩٣٥ ، فرق المسرح الغنائي"، مؤسسة هنداوي للنشر، لندن . ٣ - رقصات الفالس: هى رقصات نمساوية ألمانية ثنائية تتصف بالدورات والانزلاقات، ويطلق مصطلح الفالس أيضًا على موسيقى هذه الرقصة، وتؤدي الرقصة في : أسلوب الخطوات الثلاث وأسلوب الخطوتين. والكان كان : رقصة شعبية غير محتشمة تتطلب جهدًا بدنيًا عاليًا، وظهرت في أربعينيات القرن ١٩. الملامح الرئيسة لها هو التلاعب بالتنانير مع الركلات العالية. ٤ – الفودفيل: نوع مسرحي أصوله فرنسية ينتمي للكوميديا الشعبية وهو في الأصل نوع غنائي تتميز أغانيه بالمرح والمكر الخبيث، هدفه التسلية والإضحاك دونما سعي نحو أهداف اجتماعية. -أما الريفيو مسرحية غيرة مكونة من عدة تابلوهات راقصة مصحوبة بالغناء، أما الفرانكو – آراب مسرحية صغيرة مكونة من عدة تابلوهات راقصة مصحوبة بالغناء وبعض المواقف االكوميدية القصيرة التي تمتزج فيها الأغنيات العربية والفرنسية في الحوار. ٥ - مصطفي سليم"2016": "سلسلة محاضرات بالمعهد العالي للفنون المسرحية"، القاهرة . ٦ حسن البحر درويش"2000": " سيد درويش بين العبقرية والمؤامرة الفنية"، دار الأحمدي للنشر، مصر. ٧ – الأوبرا بوف هي أوبرا ذات محتوى فكاهي ساخر تمتزج فيها الموسيقي والشعر والحركة المسرحية . ٨ - أدوار لويس"1964": "سيد درويش والموسيقي العربية الجديدة"، مجلة حوار، العدد الخامس والسادس، لبنان، ص ١٣١. ٩ هنري برجسون، الضحك، ترجمة علي مقلد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بدون، ص ١٢٧. ١٠ – موسوعة ويكيبيديا
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B1%D9%82%D8%A7%D8%A1
١١ فريدريك لاغرانج"2017": "قد الليل ما يتأوّل | سيد درويش والتركة المشاع"، موقع معازف على الإنترنت. https://ma3azef.com/%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D8%AF%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%B4
١٢ - فؤاد دوارة"1965": "في النقد المسرحي"، المؤسسة العامة للطبع والنشر، القاهرة. ١٣ - عواطف عبد الكريم وآخرون"2000": "معجم الموسيقي"، مركز الحاسب الآلي، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ص ١٨. ١٤ – محمد تيمور"1990": "أوبريت العشرة الطيبة، الأعمال الكاملة"، دار ألف ، ص 259. 㿏 – هيام بنوت، الدويتو الغنائي بين الأمس واليوم، صحيفة الشرق الأوسط ، عدد 11966، 2 سبتمبر 2011 https://archive.aawsat.com/details.asp?section=25&article=638479&issueno=11966 㿐 – مقام زنجران أحد المقامات المشرقية من فصيلة الحجاز، و تعود هذه التسمية الى أصل فارسي، و تعني جرس الرأس، يرتكز هذا المقام على درجة الراست، ويمتاز بجنس حجاز على الراست، ثم عجم على الجهار كاه وإمكانية النهاوند على النوا، وكذلك بجنس صبا على الحسيني يميز هذا المقام ويعطيه خصوصية. 㿑 - سونيا سامح محمد: "أسلوب صياغة فريد الاطرش الأوبريت الغنائي في أفلامه"، دراسة تحليلية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية الموسيقية، جامعة حلوان، القاهرة، ص ٤٤. 㿒 – كريم جمال: "المسرح الغنائي المصري : أربعة طرق وكنت مفقود"، منشور، ٢٨أكتوبر ،https://manshoor.com/ ، 㿓 – سفيان الفقي / فراس الطرابلسي"2010": "المسرح الغنائي في العالم العربي من خلال تجربة سيد درويش الرائدة"، مجلة فضاء الفنون، دار سحر للنشر، ص ٧٩. 20 – د. سعد الله اغا القلعة، حوارية آن الأوان، https://www.agha-alkalaa.net/archives/16498 21- فؤاد زكريا "1965": "التعبير الموسيقى"، دار القلم، الدار المصرية للتأليف والنشر، القاهرة، مصر، ط1، ص ٤٩.
#حسام_موسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحديات مسرح الشارع في الفضاء العام: بين الصناعة والتلقي
-
مساعدو الإخراج في المسرح: أدوار محورية في الظل
-
فن الصمت في التمثيل: قوته، تأثيره، ودور المخرج في توجيهه
-
الكوميديا الهزلية (الفارس): دراسة معمقة حول أحد أقدم أشكال ا
...
-
الأنانية لدي الممثل: بين تحديات الفردية والتزام الجماعة
-
التطوع في المهرجانات الفنية
-
استلهام التراث في المسرح: بين التجديد والحفاظ على الهوية
-
سمات ممثل مسرح الشارع: الفن في قلب الأماكن العامة
-
جريمة بيضاء : استكشاف الصراع بين الظاهر والباطن علي خشبة الم
...
-
-مرايا إليكترا: عرض مسرحي يتجاوز التوقعات-
-
بين الصرامة والحب: رحلة تحول الأب في - العيال فهمت -
-
الحياة حلم) بين انتقادات الكلاسيكية الجديدة و الواقعية و احت
...
-
-النقطة العميا- دعوة لتأمل الذات ومراجعة الضمير
-
- النقطة العميا- دعوة لمعرفة الذات
-
دنيس ديدرو والابن الطببعي
-
كالديرون دي لاباركا والمسرح الباروكي
المزيد.....
-
وفاة الممثل التونسي فتحي الهداوي عن عمر 63 عاما
-
مغني الراب الأمريكي بي ديدي يواجه تهما جديدة بالاعتداء الجنس
...
-
موقع عبري يقدم رواية جديدة بشأن مسار هروب كبار المسؤولين الأ
...
-
هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية تطلق معرض جدة للكتاب
-
تونس تودع الفنان فتحي الهداوي بعد مسيرة امتدت 40 عاما
-
مريم شريف تفوز بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان البحر الأحمر السي
...
-
وفاة الممثل التونسي الكبير فتحي الهداوي
-
--شكرا لأنك تحلم معنا--: فيلم كوميدي في زمن التراجيديا
-
التمثيل الضوئي للحد من انبعاثات الكربون
-
الفيلم الوثائقي -الخنجر- يشارك في مهرجان الظاهرة السينمائي ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|