أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي الابراهيم - أمام مبنى العدل














المزيد.....

أمام مبنى العدل


رامي الابراهيم
كاتب، صحفي، مترجم، لغوي، سينمائي

(Rami Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 8154 - 2024 / 11 / 7 - 18:34
المحور: الادب والفن
    


كان المبنى يحتوي الكثير من الأوراق، لكن أحداً من أفراد الجماعة المتواجدة بشكل متفرق ومبعثر أمام المبنى لم يتقدم بأي من تلك الأوراق!

كانت مناسبة التّجمع نكبة بالنسبة لمجموعة "أقلام الحبر الحرة" التي تبعثرت أمام المبنى كحبات العقد المقطوع، في حين كانت نفس المناسبة عيداً وطنياً بالنسبة لكتلة "العصي الغليظة" التي تروح وتجيء متسببة بالكثير من التبعثر والتشرذم لمجموعة الأقلام.

وبالرغم من أن جماعة "أقلام الحبر الحرة" احترمت مناسبة كتلة "العصي الغليظة" وانتظرت حتى أنهت الكتلة احتفالاتها ومن ثم أعلنت اليوم الذي يليه موعداً للتجمع، إلا أن كتلة العصي الغليظة أبَت إلا أن تشارك الجميع في احتفالاتها.

ارتفع هدير العصي الغليظة وقعقعتها بشعاراتٍ تتزاحم فيها الأرواح وتسيل منها الدّماء حتى غطّى على صرير الأقلام الخافت.

حاولت بعض أقلام الحبر أن تستميل الورق لتخط عليه جملة واحدة، لكن الورق صاح:" أنا من صلب العصي ولا أقف معكم ضدها".

صحّحت الأقلام قول الورق:"أنت من صلب الأخشاب وليس بالضرورة أن تكون الأخشاب عصياً" ثم تابعت قائلة:"وأي نفع للعصي التي تدخل بين العجلات والتي تقع على رؤوس الأقلام".

صرخ الورق عند سماعه ذلك:"اخرسي أيتها الأقلام المأجورة، إن العصي تستطيع أن تكسر رأسك الأحمق وأن تهرق مدادك فوق الثرى، ولكنها تعطيك الفرصة كي تكتبي وتزخرفي وتنمقي عليها ما شئت من عبارات جميلة أفضل من هذا الهراء الذي تنطقين به. لو كان عندك عرفانٌ للجميل لذهبت وضحيت بمدادك من أجلها، اذهبي واكتبي على أوراق الأعداء فلا مكان لمدادك القذر على صفحاتنا."

كان الحبر يغلي في داخل الأقلام ويضغط رؤوسها الحامية في محاولة الخروج، لكن سرعان ما جفّ الحبر في عروقها عند سماعها مقولة الأوراق.

يئست مجموعة أقلام الحبر من إيصال جملتها الوحيدة: "عاشت الأقلام حرة" فعادت أدراجها تجر خلفها أذيال الخيبة.

تابعت كتلة "العصي الغليظة" طقوس احتفالاتها التي كانت تنطوي في جزءٍ منها على تمشيط الشوارع وتنظيفها من الأقلام أو بقع الحبر الوسخة.

بحثت العصي ملياً في الشوارع ولكن لم تجد قلم حبر واحد، فدخلت أحد المقاهي الكبيرة للبحث بين روّادها.

كان المنظر العام مطمئناً، كثير من العصي بأنواعها المختلفة (الثخين، والمتوسط، والرفيع). طبعاً كان هناك عدد لا بأس به من أقلام الرّصاص، ولكن هذه الأقلام كانت قد سارعت لحظة دخول العصي الغليظة إلى إخفاء رؤوسها الكربونية تحت الطاولات ولذلك لم يبد منها غير نهاياتها العصوية. كان هناك بالإضافة لأقلام الرصاص قلما حبرٍ يجلس أحدهما في زاوية المقهى الشرقية والآخر في زاويته الغربية ولا يحيط بكل منهما سوى جو العزلة والاكتئاب.

لم يكترث قلما الحبر بدخول العصي الغليظة بل تابعا النظر تارةً إلى سقف المقهى وتارة إلى الأفق البعيد الذي يتراءى خلف النوافذ وزجاجها الشفاف.

أدركت جماعة العصي الغليظة أنها لا تستطيع أن تسبب لأقلام الحبر من العزلة والاكتئاب أكثر مما تعيشه فعلاً، فتركتها وشأنها عسى أن تتعقل وتعيد حساباتها.

وبينما كانت كتلة العصي تهم بالخروج وشعورٌ من الرضا يجري في نسغها، لمحت فجأة ريشةً للكتابة وحارت في تصنيفها. كان جسمها عصوياً تماماً بما لا يترك مجالاً للشك، ولكن ذلك الرأس الأحمق إنه كرؤوس أقلام الحبر.

اقتربت كتلة العصي من تلك الريشة وسألت بخشونة:"هل أنت قلم حبر أم ماذا؟"

تجمّد الحبر القليل في حلق الريشة وأجابت بصوتٍ مبحوح:"أ أ أن..أن.. أنا…"

أنت ماذا؟..اهتفي هيا! صاحت بها العصي الغليظة وقد تجمعت حولها والتحفز بادٍ عليها.

"عاش.." هتفت الريشة بصوتٍ خافت.

اهتفي بصوت أعلى حتى يسمعه الجميع. قولي: "في مثل هذه المناسبة بدأ الوطن..عاش ..عاش…"

"عاش..عاش" هتفت الريشة بصوتٍ أعلى قليلاً.

"لا بأس!" عقّبت كتلة العصي الغليظة.

عادت كتلة العصي الغليظة إلى الطواف من جديد، واستمرت تمشط الشوارع حتى حلّ الظلام، فنزعت عنها الرايات والأعلام التي وزعت عليها في ذلك اليوم والتي تحمل عباراتٍ مثل:

"عاش..عاش..عاش"

"فلتسقط الأقلام المأجورة..ولتبحث عن وطنٍ آخر"

"في مثل هذه المناسبة بدأ الوطن"
وعادت كلّ عصا إلى الجزء الذي انفصلت عنه.

منها من عادت إلى قطع الحديد التي انفصلت عنها كما هو حال المعاول والفؤوس ومنها من عاد إلى كتلة القش في المكنسة ومنها إلى كرسي ومنها إلى طاولة ومنها من كانت عصا بحد ذاتها فقد سُلخت و صُمّمت ونُجِّرت وطُليت كي تكون عصا.



#رامي_الابراهيم (هاشتاغ)       Rami_Ibrahim#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنهم يفعلون ذلك
- رُبَّ صُدفة
- الحفرة
- تحذلق وحذلقة وربما حذق
- اللازمات السردية الحكائية ( قال، عاد، توت) في المشرقية
- هجرات الفايكنج إلى الشرق: أبحاث توماس نونان
- الوشم في العصور القديمة
- المشرقية و بقايا أصوات عصور ما قبل الكتابة
- المشرقية بين ثقل التاريخ و تعريفات الغرب و صراع الإيديولوجيا ...
- أركيولوجيا النسيج في الحقبتين السومرية و ما قبل السومرية
- الوعي بالحيز الفراغي في لغات الهلال الخصيب القديمة
- القمر و بوابات و ثغور السماء (مقاربة دلالية وسيميائية لمفردا ...


المزيد.....




- ملتقى الشارقة للراوي يقتفي أثر -الرحالة- في يوبيله الفضي
- بعد عامين من الحرب في السودان.. صعوبة تقفّي مصير قطع أثرية م ...
- أبرز إطلالات النجمات في مهرجان البندقية السينمائي 2025
- أبو حنيحن: الوقفة الجماهيرية في الخليل حملت رسالة الالتزام ب ...
- ميغان تشوريتز فنانة جنوب أفريقية عاشت الأبارتايد ونبذت الصهي ...
- السنوار في الأدب العالمي.. -الشوك والقرنفل- من زنازين الاحتل ...
- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟
- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي الابراهيم - أمام مبنى العدل