أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد يعقوب الهنداوي - المثقف في عصر العمامة















المزيد.....

المثقف في عصر العمامة


محمد يعقوب الهنداوي
كاتب

(Mohamed Aziz)


الحوار المتمدن-العدد: 8145 - 2024 / 10 / 29 - 14:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نظر السيد كاظم القزويني الى الأرض قليلا ثم رفع رأسه مستغربا:

- كلكم قنادر بس آني نعال..!!

انفجرنا بالضحك واستمر به بعضنا طويلا ونحن نقف على باب الغرفة التي أتمّ فيها عقد القران منذ قليل ونستعد للبس أحذيتنا التي تركناها على باب الغرفة من باب اللياقة والنظافة والتقليد، قبل أن نفهم أنه كان يعني أن جميع الحاضرين كانوا يرتدون أحذية لأن معظمهم جاء من أماكن أخرى فكانوا بكامل هندامهم، إلا هو فكان ينتعل (نعالا) اسفنجيا لأنه كان ضيفا منذ الصباح في بيت خالتي حسنية خاتون، وكانت تربطه بأولادها معرفة قديمة، حيث كان مدعوا للغداء، ومن ثم لعقد قران ابنة خالتي (أمل صالح باقر) عصر ذلك اليوم من رمضان قبيل صلاة المغرب والافطار.

أتذكر هذا الموقف كلما تابعت جلسات البرلمان العراقي المحشوّ عن آخره بالقنادر والنعالات ولا محل فيه لإنسان شريف او صاحب مبدأ او موقف انساني أو مدافع عن حق، وإلا فما الذي يستبقيه وسط مستنقع الفساد هذا!

ولعل هذا تذكير مناسب للعراقيين، فما نزرعه اليوم نحصده غداً.


فهل من المعقول أن تختلط الأمور الى حد ان نساوين البرلمان العراقي يطالبن بكل صفاقة بإقرار تعدد الزوجات؟
وبإلغاء حماية الطفولة؟
وبتشريع تزويج الصغيرات وتحليل اغتصابهن اذا بلغن من العمر تسع سنين؟


ولمن يطالبون بالإبقاء على القانون القديم زاعمين أنه أفضل وأكثر تقدمية وحضارية وحماية للطفولة ولحقوق النساء،

هل مَنَع قانون الأحوال المدنية القديم تلك الممارسات حين كان نافذاً طوال ستين عاماً، ولا يزال؟


وهل أعاق بيع البنات الصغيرات حتى بعمر سنتين او أقل في صفقات الديّات العشائرية وزواج التبادل (الگصّة بگصّة)، وتحكم الفحل بالاناث في أسرته، ومكافأته قانونيا إذا قتل احداهن باعتبار جريمته "غسلا للعار" وجريمة شرف فلا تناله عقوبة القتل كاملةً؟

ألا تحدث هذه الجرائم القذرة طوال الوقت على مرمى حجر وعلى مرأى ومسمع من عادل عبد المهدي المنتفجي الذي يزعم أنه خريج فرنسا وبرهوم الجعفري وموفق الربيعي وحامد البياتي وحسين الشهرستاني وأخوته الذين اعتاشوا طويلا على مخصصات البطالة في بريطانيا الى جانب التسول في الحسينيات قبل أن تختارهم أمريكا لبناء عراق الحضارات الجديد وتصدير الكهرباء الى البلدان المجاورة!


هل من المعقول أن يعاد النظر بالمناهج التدريسية في رياض الاطفال والحضانة والابتدائية بحجة تعارضها مع الشريعة لأن زهرة عباد الشمس مثلا إسم يدلّ على الكفر والالحاد؟

وكذلك لوجوب ان تحفل المناهج كلها بسيرة الزعماء الطائفيين لكل زمرة وفئة في المجتمع وتبييض صفحتهم وتقديسهم؟

وأن يحصل صراع مقرف كهذا الذي نراه حول بث أو عدم بث أعمال ترفيهية تلفزيونية عن معاوية وهند بنت عتبة أو المختار الثقفي أو أبي لؤلؤة فيروز قاتل عمر أو كسر ضلع فاطمة أو ليلة إفك عائشة أو مزاعم تسميم محمد؟


هل هي محض مصادفة ان العراقي يلتفت الى الجهات الأربع من حوله فلا يجد بصيص أمل أو حلّا لمعضلات تافهة صار يعيشها يوميا بفداحة ساحقة وهو الذي كان يظنّ نفسه شعبا متحضرا يمتاز عن محيطه الاقليمي بتمدّنه ومبدئيته ورقيّه، فإذا به يكتشف انه الأكثر تخلفا وحكامه هم الأكثر انحطاطا ودونية وفسادا بين حكومات الشعوب...

وان القانون يسقط ويداس يوميا أمام هيمنة وسيادة المجالس العشائرية وفتاوى الملالي التي عادت بالبلاد الى عهود غابرة وممارسات طافحة بالعفن والتخلف...


وفي خضمّ هذا الضجيج الأصمّ الخاوي إلا من التفاهة نسمع ونقرأ الكثير عن المثقف أو اليساري أو الثوري أو الوطني أو الطليعي أو التقدمي أو... الخ، وعن قصيدة النثر واتحاد الأدباء

لا أستطيع ايقاف نفسي عن الضحك وأنا أتخيل رجلا عربيا شامخا وقورا غضب فطلق زوجته فندم فجاءها برجل ينكحها بعلمه ومباركته كل تعود اليه، لكنها أعجبت بالزوج الجديد وقررت ألا تعود وأقنعت زوجها الجديد بعدم الطلاق!

ويحدثونك عن نور زهير وعبد الفلاح السوداني و حسين الشهرستاني وعادل عبد المهدي الذي يصرح بكل صفاقة وعلى شاشة التلفزيون ان (نثرياته ومصروفات الجيب فقط) تبلغ مليون دولارا أمريكيا شهريا...

كانوا في المدرسة يشمّون أفواهنا في رمضان للتأكد من أننا صيام رغم طفولتنا وعدم وجوب الصيام علينا لكنهم لا يهتمون بكوننا نأتي الى المدرسة ونغادرها جياعا طوال السنة!

المشكلة في أدعياء الثقافة والتقدمية والثورية والمهنية في البلاد الذين لا يجدون مصلحة ولا حافزا في التحرر من الخرافات وخزعبلات منابر الجهل والطائفية والقومية والعفن التاريخي، فتجد مهنيين وحملة شهادات جامعية لا يشعرون بالخزي والعار والشنار وهم يجلسون تحت اقدام خطيب منبر أمي لا يفقه من الحياة سوى فقه الحيض والنفاس وطول الضرطة والفساد ويصدق هراءه الأجوف عن معجزات أهل البيت المزعومين.

المشكلة في العمائم والمرجعيات الدينية التي تعتاش على تجهيل الناس وافقارهم وحرمانهم من الحياة الانسانية السليمة والوعي والنمو العقلي والعلمي والاجتماعي والنفسي والاقتصادي الطبيعي بعيدا عن الاعتماد المطلق على نهب النفط وغيره من المواد الخام التي لا يعرف أين تذهب عوائدها إلا الفاسدون وأطراف الصفقات القذرة ووكلاء الأجنبي الذين لا مصلحة لهم في نهوض البلاد وارتقاء أهلها،



والواقع ان كل هذه مفردات جوفاء لا قيمة ولا مضمون لها لكنها تشكل مهربا ذاتيا لأولئك المنادين بها بعدما أفلسوا من صفاتهم تلك بسبب قسوة ما واجهوه من واقع، فهم ليسوا إلا مرتزقة ومسترزقين يعتاشون من اقلامهم ومن بيع أفكارهم ومواقفهم لمن يدفع وحبذا لو يدفع أكثر، وهم بهذا المعنى مجرد حرفيين صغار لا مبدأ لهم ولا صلة بما يزعمون إلا بقدر ما تتواءم مزاعمهم تلك مع اللقمة التي يفتحون افواههم بانتظارها...


ولأننا في عصر اختلاط الأوراق فقد تعمد هؤلاء خلط المفاهيم وارباكها أيضا حتى لم تعد تعرف الفرق بين جيفارا وروبن هود ولينين ومقتدى الصدر والحمزة بن عبد المطلب ونابليون بونابرت وقيس الخزعلي وعبد اللطيف هميم ولويس السادي عشر وهادي العامري مثلا، ولا الفرق بين بدر شاكر السياب والجعجاع الجابري وأمثاله ممن يغرف الشعر بمغرفة الهريسة، ولا بين ابراهيم جلال قديس المسرح العراقي وبين نوفل ابو رغيف وشفيق المهدي ومجاهد أبو الخيط ورياض موسى سكران وصبيانه مثلا، ولا الفرق بين رومل وحيدر العبادي أو بين عبد الحكيم عامر ونوري المالكي، على تفاهة المذكورين جميعا.


ولأن أول مقتضيات الحوار هو الاتفاق على اللغة المشتركة ووحدة المفاهيم والتعابير والمصطلحات، اقتضى الامر إعادة تعريف المسميات أولا قبل ان نستكمل هذا الحوار...


فمن هو المثقف، ومن المتعلم، والعالم والمتعالم ودعيّ العلم؟


هل يجوز للثائر أن يكون منافقاً؟


وهل يمكن أن يكون الفاسد هو ذاته رأس حربة الإصلاح؟


هل يتوجب على الانسان الاختيار بين الحرية والامن؟


وهل يحقّ لأحد الحنين لديكتاتورية صدام التكريتي وأولاد العوجة مثلا بدعوى ان الحياة كانت أكثر أمنا والعراق كان منيعا على خصومه آنذاك؟


ماذا حلّ بمنظومة القيم الإيجابية الأخلاقية والمجتمعية التي كان العراقيون يفخرون بها؟ وهل كانت حقيقية أم مجرد فقاعة جوفاء؟

ولماذا تكشفت حقيقة الذات العراقية البذيئة المستعدة للتواطؤ مع الفاسدين وتعاطي الرشوة وتغليب معايير القرابة والعشائرية والطائفية والقومية والفئوية على انسانيتهم التي طمستها معاناتهم حتى صاروا شعبا مستعدا للعيش في أحط درك من مستنقعات الذل والعبودية على ان يثور لمبادئه وانسانيته وما يزعمه من انتمائه لحضارات أثبتت الأيام والممارسات أنه لا صلة له بها...


ما هو تعريف الثقافة؟

ومن هو المثقف؟

وما هو دوره في المجتمع؟

وهل يمكن ان يكون هناك مثقف لا منتمٍ كما يزعم البعض؟

وهل على المثقف مسؤولية معينة في الحياة؟

وكيف يمكن تفعيل دوره ودفعه الى الوفاء بمسؤولياته؟

كيف يعيش المثقف وما هي مصادر عيشه؟


هل يحق للمثقف ان يعتبر بضاعته هي أفكاره التي يتاجر بها ليعتاش منها ويسترزق من تسويقها لهذا وذاك ثم يزعم انه محاصر في حريته او مهدد بلقمته؟

وهل يمثّل الزاهد ذلك المثقف اللا منتمي الذي يعيش طفيليا على المجتمع لكنه يهرب من مسؤولياته تجاه الناس ويكتفي بتصريحاته الطنانة التي يلقيها حِكَماً جوفاء والتي لا يجرؤ هو ذاته على تطبيقها والا لما هرب الى الاعتزال....

والخلاصة:

هل يمكن لأي كان أن يسمى مثقفا دون ان يمتلك موقفا ومسؤولية تجاه المجتمع الحياة وحركة التغيير؟

الانتماءات السياسية والألقاب الثورية والأمجاد التاريخية يتم توارثها في مجتمعاتنا بالتكاثر الفطري الانشطاري والوراثة العائلية والقبلية بديلا عن التوعية والحدس الطبقي والمنهج العلمي والفكر الحر!



#محمد_يعقوب_الهنداوي (هاشتاغ)       Mohamed_Aziz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولاية بطيخ
- التطبيقات العملية بين العلمانية والدين
- ألا يُبْكيكَ بُكاءُ الأمِّ الثَكلى يا الله
- من تاريخ عادل عبد المهدي
- المرأة والألوهية والظلم الطبقي وأزمة الانسان والحضارة
- ذكرى استفتاء استقلال كردستان - لا للحياة معاً إلاّ اختياراً ...
- رَذاذ دجلة
- بين المؤمن والملحد
- المثقف العنكبوت والنهوض المستحيل لأمة تعشق انحطاطها
- خرافة المصمم الذكي والتقدم الى الخلف لدى الربوبية
- تركيا أوردوغان راعية العقيدة وحامية حمى الاسلام
- فقاعة الاسلام العصري ومواكبة الحداثة
- مخاطر الاستغلال الجنسي والبدني للأطفال والقاصرين من قبل الما ...
- موسوعة (الكون) ومحاورات الإسلاميين عن الخالق
- أرقي وشيء فيك
- حَنِين
- ماركس يعود الى واجهة الفكر الانساني وتحولات المستقبل بأعظم ق ...
- سراج الحب الأول
- رَذاذ
- يعقوب


المزيد.....




- الديمقراطية وتعاطي الحركات الإسلامية معها
- فرنسا: الشرطة تداهم معهدا لدراسات الشريعة في إطار تحقيق للاش ...
- نشطاء يهود يقتحمون مبنى البرلمان الكندي مطالبين بمنع إرسال ا ...
- بيان جماعة علماء العراق بشأن موقف أهل السنة ضد التكفيريين
- حماة: مدينة النواعير التي دارت على دواليبها صراعات الجماعات ...
- استطلاع رأي -مفاجىء- عن موقف الشبان اليهود بالخارج من حماس
- ولايات ألمانية يحكمها التحالف المسيحي تطالب بتشديد سياسة الل ...
- هل يوجد تنوير إسلامي؟
- كاتس يلغي مذكرة -اعتقال إدارية- بحق يهودي
- نائب المرشد الأعلى الإيراني خامنئي يصل موسكو


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد يعقوب الهنداوي - المثقف في عصر العمامة