أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أمل فؤاد عبيد - واقع الثقافة العربية والإسلامية في ظل العولمة















المزيد.....



واقع الثقافة العربية والإسلامية في ظل العولمة


أمل فؤاد عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 1778 - 2006 / 12 / 28 - 11:41
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


العولمة بين القبول والرفض
رغم الآثار والتحديات التي تواجه الدول الأقل تطوراً من جراء عملية العولمة وتجلياتها الاقتصادية والسياسية والثقافية إلا أن هناك من يؤكد على أن العولمة مع أخطارها تحمل في طياتها العديد من الإمكانيات التي تسهم في إحداث الارتقاء والتطور1 .. ولا يجب النظر إلى المشكلة من هذه الزاوية الضيقة .. أي من زاوية التشاؤم أو التفاؤل أو مع أو ضد .. وإنما يجب أن نضع المشكلة ( العولمة ) في الإطار الواقعي الصحيح .. فالعولمة ما هي إلا واقع لا بد من الاعتراف بوجوده .. وبالتالي تصبح المشكلة : هل نحن قادرون على مواجهة تحديات هذه الظاهرة ؟ هل نستطيع الاندماج في نظام العولمة معالتحوط للمخاطر كما يشير الأمين للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ( الاسكوا ) ؟ ومن هو القادر / القادرون على مواجهة تحديات العولمة ..؟ هل يتحول العربي في الزمن المعاصر على شخصية كوكبية ..؟ وإلى أي مدى يتقبل أو يستدمج سمات شخصية جديدة تندثر فيها رواسب ثقافته التراثية ..؟ وهل سيصبح مواطناً بلا هوية محددة ..؟ ولمن يشعر بالانتماء ..؟ 1 .
واليوم هناك عدة مواقف اتجاه العولمة بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات .. فمنهم من لا يرغب في الاحتكاك بالعولمة أو بما تفرزه العولمة .. وكأنه في الاستطاعة التنحي عن هذا العالم الجديد المتخلق في قلب الأحداث اليومية .. والتي لا بد من فرصة لغلق الأبواب أمام تحدياتها الجديدة .. وهناك من يؤيد فكرة الأخذ بها وبكل مستجداتها .. لعلنا أمام انفتاح يستطيع الأخذ بأيدينا نحو التطور والتنمية والرخاء والنماء .. وهناك من هو متوسط الموقف فقد يرى في العولمة ما هو فرصة لكي نستعيد إمكانياتنا .. في تطوير ما لنا من تاريخ فكري وأدبي وثقافي قديم وطويل .. أي التعامل مع العولمة بطريقة الانتقاء وكأننا في إمكاننا ونحن إزاء عالم مفتوح مطلق الحرية نستطيع المنع أو الرفض .. ولكن هناك من يرى في سلبيات العولمة أو إيجابياتها ما هو دافع لأن نعيد حساباتنا مع أنفسنا ومع الآخر وما ينتجه من ثقافة قد تفيدنا في صور منها ونعرض عما يكون منافساً لقيمنا وقواعدنا الخلقية .. من لا بد من التعامل مع العولمة بحذر مسبق .. وهناك من يأمل أن تكون العولمة بجميع أهدافها ووسائلها .. وسيلة فعالة لتخطي حالة الركود الاقتصادي وتخطي مراحل الضعف والوصول على حالة من الاستقرار المعيشي والنماء والتطور المطلوب .. وبلغة أخرى أن العولمة طرحت كثير من الرؤى والاتجاهات العربية المتباينة .. : يحاول أصحابها تشخيص الواقع واستشراف مستقبل المجتمع العربي .. ولقد تأرجحت هذه الرؤى بين السلفية والمعاصرة .. بين الأصولية والليبرالية بتياراتها المتمايزة .. من هنا سوف نتناول بعض الموضوعات الخاصة بالعولمة والعالم العربي .

أولا / حال الفكر العربي

يخطئ من يتصور أن أزمة الثقافة العربية وأزمة المثقف العربي كامنة في البناء المعرفي في ذاته .. ويتوهم ذلك الذي يدعو – منطلقاً من المقولة السابقة – إلى ضرورة إجراء تعديلات في البناء الثقافي أو في تطوير عناصره الداخلية .. كما أنه من الخطأ أن نتخيل أن أسباب تخلف الثقافة العربية كونها بعيدة عن ممارسة ( الاحتكاك الثقافي ) بالثقافات الغربية المتقدمة .. فمع إيماننا بأن هذه الوسائل من شأنها الحد من الأزمة .. إلا أنها تمثل تأجيل الأزمة وليس القضاء عليها .. إنها قد تعد حلولاً وقتية وليست نهائية 2 .. وبالرغم من تلك الإصلاحات التي يقوم بها المسؤولون إلا أن الثقافة العربية تمر بمرحلة الأزمة .. كما أن المثقف العربي ما زال يعيش المحنة ذاتها .. إن أزمة الثقافة والفكر في الوطن العربي ترمز إلى أزمة البناء الاجتماعي – الاقتصادي في هذه المنطقة .. إذ أن الفكر يتشكل في إطار تاريخي جدلي مع الواقع الفعلي المعاش .. ومن ثم يجب علينا أن نحلل طبيعة التفاعل الجدلي بين الفكر وبين الواقع في ضوء رؤية التاريخ المتميز الذي يشكل المجتمعات العربية 2.. وفي كل هذه الحالات نجد الفكر العربي منعزلاً عن واقعه أو متقوقعاً داخل ذاته .. يجتر ثقافته السلفية .. أو يترجم ثقافة غيره .. أو يحلق في تصورات طوباوية ليست متجذرة في مجتمعه .. ومن ثم فمن المتوقع أل تتحول الثقافة في المجتمع العربي إلى جزء عضوي ( بالمعنى الجرامتشي ) من الحياة الاجتماعية .. بحيث يمكنها أن تتفاعل مع المشكلات اليومية للأحداث والقضايا مما يمكن أن يخلق تلاحماً أساسياً بين الفكر والواقع .. بين النظرية والتطبيق .. ربما كان ذلك السبب في أنه ظل وسوف يظل معتمداً على أشكال دنيا من الاجتهاد لا الإبداع الحقيقي .. وهكذا أصبح العقل العربي يعيش أزمة حضارية هي أزمة إهدار إمكانات قدرته العضوية 2..
يقول الكاتب المغربي الحبيب الجنحاني أنا لا أستطيع أن افكر تفكيراً إيجابياً إذا لم أجد خبزاً آكله .. وسوف أفكر في معدتي أولاً2 .. وهو القول الذي يكشف عن مدى العلاقة بين التأثيرات المتبادلة بين البناء الفوقي والبناء التحتي .. أي بين البناء الثقافي والفكري والبناء الاجتماعي – الاقتصادي في الأقطار العربية .. " فليس هناك فصل بين أزمة البناء الفوقي .. بمعنى أزمة التشوه الثقافي .. وأزمة الهيكل الاجتماعي – أي أزمة التخلف الاجتماعي – الاقتصادي2 .. إن المتتبع لتاريخ الحضارات الإنسانية يستطيع رصد العلاقة الجدلية بين المستويين .. المادي والفكري .. بين التطور في الأوضاع المادية ( قوى وعلاقات الإنتاج ) والازدهار في العناصر الحضارية ( البناء الفوقي ) وهذا يقتضي البحث عن منشأ التخلف في الوطن العربي ومروره بمرحلة الأزمة .. حتى يمكن فهم منشأ أزمة الثقافة العربية .. وتطورها .. ومظاهر المحنة وانعكاسها على المثقف العربي في الوقت الراهن 2.
إن التعرض لمشكلة التخلف ضرورة لفهم منشأ التخلف وتطوره في الوطن العربي وعلاقته الجدلية بأزمة التشوه في البناء الفوقي 2 .. ويرى البعض من المفكرين أنه من الخطأ تصور مكمن التخلف في المنطقة العربية مرجعه إلى أصول تخلف البناء الداخلي لهذه المنطقة أو بسبب عدم قدرة هذه المجتمعات على إدخال أو استيراد ميكانيزمات التحديث التي خبرتها المجتمعات الغربية المتقدمة ( نظرية التحديث ) .. كما أنه من الخطأ أيضاً اعتبار التخلف في الوطن العربي ينحصر فقط في العوامل الخارجية بدءً من أساليب النهب الاستعماري حسب مفهوم مارلوف .. ومروراً بأساليب التغلغل الرأسمالي ومراحل التكامل مع السوق الرأسمالي العالمي .. تبعاً لتقسيم العمل الدولي ( نظرية التبعية )3 .. على اعتبار أن نظرية التحديث تؤكد على أن القيم التقليدية هي العقبة الأساسية في تنمية وتحديث المجتمعات المتخلفة .. وبتالي فالخروج من هذا المأزق لا بد أن يعتمد على تغيير الثقافات التقليدية عن طريق تبني قيم التحديث .. أي القيم الغربية ويمثل الاحتكاك الثقافي بالنموذج الغربي المتقدم المنحى الجوهري في تنمية المجتمع المتخلف وتطويره 3 .. بمعنى أن نظرية التحديث هذه تسعى إلى إعادة إنتاج التجربة الرأسمالية الغربية في العالم الثالث .. ويرى بعض أنصار هذه النظرية من الاقتصاديين أنه لا بد من محاكاة التحديث الأوروبي عن طريق تغيير العملية الاقتصادية التقليدية حتى نستطيع اللحاق بركب الدولة المتقدمة .. وتدعو هذه النظرية إلى ضرورة المحاكاة الثقافية والتكنولوجية أي استيراد الوسائل الحديثة من الغرب 3 .. ولا يخفى علينا ما لهذا الطموح من عائد سلبي على الوطن العربي الذي سيجعل منه تابعاً للنسق الغربي وذلك نتيجة ربط المجتمعات العربية بالنسق الرأسمالي وذلك عن طريق استيراد راس المال والوسائل التكنولوجية الحديثة .. وهو ما يتبعه من تغيرات هيكلية في داخل هذه المجتمعات 3 .. كما أن نظرية التبعية خاصة أفكار مدرسة أمريكا اللاتينية – تدور حول فكرة محورية مؤداها أن التخلف لا يمثل الحالة الأصلية للمجتمع في العالم الثالث .. بل نشأ التخلف وتطور من خلال أساليب الخضوع للنفوذ الرأسمالي .. بمعنى أنه نشأ تاريخياً وتطور مع نشأة وتطور التقدم في البؤرة أو المركز الرأسمالي المتقدم 3 .
عندما نعيد قراءة التاريخ العربي ما بعد الإسلام وفي الفترة التي أخذ العلماء –بالأخص علماء الكلام والفكر الفلسفي – في الاطلاع على ثقافات المناطق التي كان يتم فتحها على أيدي المسلمين .. نجد حواراً بناءً ما بين الفكر الإسلامي أو الثقافة الإسلامية وثقافات هذه الدول من فارسي ويوناني .. وقتها وبالرغم مما كان يجده المفكر الإسلامي من فكر خلاق وإبداع عظيم .. لم يقف موقف الحائر والخائف .. بل كانت أمامه مسؤولية التفاعل الحي بينه وبين ما يأخذه .. وما يقع بين يديه من ثقافات متنوعة وأفكار متباينة .. أخذ يقلب في أوراق هذه الثقافات مطوراً حيناً ومضيفاً حيناً آخر .. ولم يكن في موقف الناقل فقط بل كان يدقق وينقح ويغربل هذه الأفكار منتقياً منها ما يتلاءم .. بل وما يثري معلوماته وثقافته .. بل قل أيضا كان يأخذ من هذا الكم الهائل والمتنوع من الثقافات – من أدوات قد يجدها فعالة – ما يعينه على شرح وتفسير ومنطقة ( بفتح الطاء ) الشروح الإسلامية .. وقد كان له ما أراد .. فهناك المنطق الإسلامي والمستمد جذوره من منطق أرسطو .. وهناك كثير من الفكر الفلسفي اليوناني وغيره من فلسفات متنوعة كانت عوناً للمفكر الإسلامي في خوض كثير من الموضوعات التي أثرت الفكر الإسلامي الفلسفي .. وكانت مرحلة القرون الثلاثة الأولى الهجرية خير دليل على هذا التفاعل الحي البناء والذي من شأنه أعلا من الفكر الإسلامي وعمل على تقدمه وثرائه .. ولولا ما أنتاب المفكرون الإسلاميون اللاحقون .. والتراجع البين الذي نجده من خلال الانتكاسات الفكرية والتراجعات المنهجية .. في البحث والقراءة ما كان للفكر العربي أن يصل اليوم ما وصل إليه من ترد وانهزامية .. وما كان ذلك إلا لتراجع العزيمة الإسلامية أو العربية على وجه الخصوص .. وكانت السلافية والتمسك بفكرة التراث والخوف من الاحتكاك مع الثقافات الأخرى هو البوابة الرئيسية التي دخل منها الفكر الإسلامي والعربي دائرة الجمود والسلبية .. واليوم ونحن ننفتح بكل ما لنا من آفاق معرفية .. نجد أنفسنا أمام الكثير من الثقافات والتي لا بد من التعامل معها بحذر .. هو حذر المتحفز . بمعنى آخر .. التعامل معها بندية شديدة .. ونتخذ موقف الناقد والباحث والمبادر .. أي لا بد من تنحي كل سلوكيات الفكر والتعامل السلبي مع الأشياء .. والخروج من دائرة التخاذل .. على اعتبار أن الأشياء لها منطقها الخاص .. ولا بد أولاً وقبل كل شيء تنحي فكرة المؤامرة .. من قبل الغرب .. ولنفترض أن ذلك حقيقة .. فما بالنا نعطي الفرصة كاملة لعدونا .. بل عدو الإنسانية جمعاء .. بأن نقف مكتوفي الأيدي .. إن من كوادرنا الثقافية والعلمية المبدعين الذي لا يجدون لهم مكاناً تحت الشمس لكفيلين بأن ينهضوا بثقافتنا .. وإثراء معرفتنا .. لولا الظروف المحيطة والتي تعمل على استلاب هؤلاء العلماء دون إرادة منهم .. ولكن هناك سلبيات قد تقع كواهلها عليهم دون غيرهم .. وقد جاء الوقت لتسهيل عمليات التفاعل الثقافي على مستوى عال .. وربما كان هذا محفزاً أساسياً لإثبات وجودنا واحتلال المواقع أو الصفوف الأولى دون منازع .. خاصة وأننا نملك إمكانيات لا يملكها غيرنا وخاصة الدين الإسلامي .. بما فيه من تنوع وثراء .. وقيم إنسانية صرفة بقدر العلم والعلماء وتقدر الإنسانية بكل ما فيها من نزوع وسلبيات وقوة ..


ثانيا / سؤال الهوية وأحوالها


خلقت العولمة أو شبكة المعلومات الكونية .. وسواساً عظيماً هو الخوف من تلاشي التمايزات .. فإن فكرة توحيد النموذج وتسوية النماذج .. عن طريق العولمة .. يشعرنا جميعاً بقلق يتعلق بما يسمى ( الهوية ) كوننا نتصور أن هذه الهوية هي ثابت مقدس غير قابل للحركة التاريخية .. وأما هذه الهوية .. بهذا المعنى .. فهي التي تشكل المعضلة الحقيقية الآن في عالمنا .. ونتصورها الدرع البديل للمقاومة .. إننا نقع جميعاً أسرى شبكة المعلومات .. هذه الشبكة التي هي رهينة بتوجيه سلوكنا .. وبتالي ثقافتنا وحين يمر الزمن .. يبدو لنا الحال كما لو أنه تشكيل لهوية .. ومن عجب أننا نتصور الهوية على اعتبار أنها طبيعة .. وليس تاريخاً .. والحق أن أية هوية هي تاريخ .. وليست طبيعة .. وأي تاريخ لا يكون كذلك دون تفاعل مع الزمن .. وهذا التفاعل هو الذي يطرح لنا التغير الذي هو الصيرورة .. وأي تغيير من شأنه إيجاد عادات تقوم بالتفاعل والإزاحة لعادات ماضية .. وثقافات تقوم هي الأخرى بالتفاعل والإزاحة لثقافات ماضي .. وليس اليقين والاعتقاد .. والدين سوى ثقافات تمثل في النهاية هويات زمنية .. أي تاريخية .. يعني متغيرة4 ..
يقول المفكر الدكتور يوسف سلامة : مفهوم العولمة من حيث هو بناء منطقي لا يمكن لنا التعرف على الأشياء دون اللجوء إلى هذا المفهوم .. وذلك أمر لن يتغير على الأرجح .. ومن هذه الناحية لا بد أن يكون لكل شيء هوية .. ولا بد لكل شيء أن يكون متسماً بمجموعة أمور من الصفات والخصائص والمزايا التي تؤلق في مجموعها ذاتية خاصة .. بهذا الشيء تميزه في النهاية وتعزله وتخصصه عن كل ما سواه في العالم .. فيكون من هذه الناحية مساوياً لذاته دوماً .. فمن الناحية العلمية والمنطقية لا يمكن الاستغناء عن المفهوم .. ولا حتى في العلوم الاجتماعية والإنسانية5 .

ثالثاً / الثقافة

إن الثقافة بالمعنى التقليدي : تعني النتاج الأدبي والفكري والفني
أما الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي الموسع : فتعني أنماط السلوك المادية والمعنوية السائدة في مجتمع من المجتمعات والتي تميزه عن سواه .
أما الثقافة اليوم فقد اتسع معنى الثقافة في العقود الأخيرة .. فأصبحت تعني جملة النشاطات والمشروعات والقيم المشتركة التي تكون أساس الرغبة في الحياة المشتركة لدى أمة من الأمم والتي ينبثق عنها أو منها تراث متروك من الصلات المادية والروحية يغتني عبر الزمان ويغدو في الذاكرة الفردية والجماعية .. إرثاً ثقافياً بالمعنى الواسع لهذه الكلمة هو الذي تبنى على أساسه مشاعر الانتماء والتضامن والمصير الواحد6 ..
من هنا ومن ناحية أخرى نجد أن هناك تداخل أو عدم القدرة على تحديد دلالي ( بين الثقافة والحضارة باعتبار أن الثقافة تعبر عن الجانب الذهني والقيمي أو الرمزي عامة .. على حين أن الحضارة تعبر عن الجانب المادي والعملي 7 .. لذلك لا بد – من الضروري – تحديد دلالة مصطلحات أربعة يدور حولها جدل كبير وهي الثقافة والحضارة والعولمة والهوية .. كأدوات إجرائية منهجية 7 ..
إن الثقافة والحضارة : هذان المفهومان يكادان يندمجان بعد أن اتسع معنى الثقافة .. وغدت الحضارة هي الثقافة بالمعنى الواسع للكلمة .. ( الحضارة نتاج الثقافة ) وغدا كلا اللفظين يضم ( القيم والمعايير والمؤسسات وأنماط التفكير التي أولتها أجيال متتالية .. في مجتمع أو أو أمة معينة .. أهمية حاسمة .. ومن هنا يرى باحثون من أمثال داوسن أن الحضارة نتاج عملية مبتكرة من الإبداع الثقافي الذي قدمه شعب معين 8 .
كما أن هناك تعريفات متنوعة للثقافة .. يعرفها دافيد روتكوبف بأنها : نموذج كلي لسلوك الإنسان ونتاجاته المتجسدة في الكلمات والأفعال وما وتصنعه يداه .. وتعتمد على قدرة الإنسان على التعليم ونقل المعرفة للأجيال التالية9 .. كما يعرفها د. محمد عابد الجابري بأنها : ذلك المركب المتجانس الذكريات والتطورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تحفظ لجماعة بشرية تشكل أمة .. أو ما في معناها بهويتها الحضارية .. في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء 9 .. .
أما الدكتور طلال عتريس فيعدها : أكثر صعوبة وتعقيداً .. ذلك أن الثقافة – كما يقول – محصلة التفاعل بين ثلاث علاقات مع الله ( العقيدة والذات ) ومع الآخر ( المجتمع والطبقة ) ومع الذات ( الرغبات والغرائز والحاجات ) 9 .. من هذه التعريفات المتنوعة نستطيع استخلاص بعض محددات الثقافة وهي كالآتي :

أن الثقافة لا تقتصر على مجرد المعلومات والتصورات الذهنية لدى كل فرد .. بل تطال مجموع الشخصية الإنسانية ومدى تفاعلها مع البيئة والكون .
أنها لا تعكس بالضرورة تصوراً فردياً محضاً .. بل صورة لمجتمع كامل وأمة بأسرها .
أن الثقافة تعبر عن الخلفية الإنسانية التاريخية .. وهي في الوقت ذاته إحدى طموحات النفس البشرية 9 .

من هنا فإن الثقافة بدلالتها الأنثروبولوجية العامة في جوانبها الرمزية والمادية والعملية .. والعلمية للواقع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني عامة .. التي تتجلى في أشكال السلطة ونمط الإنتاج والسلوك السياسي والقيمي والإبداعي في ارتباط بواقع محلي معين .. وبهذا المعنى فالثقافة تختلف باختلاف التشكيلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من مجتمع إلى آخر .. بل تختلف وتتنوع داخل المجتمع الواحد .. باختلاف وتنوع المواقع والمواقف السياسية والاجتماعية والفكرية كما تتطور وتنمو بتطور الأوضاع والتشكيلات القومية المختلفة .. فالثقافة – بشكل عام – تجمع بين ما هو قومي خاص .. وبين ما هو إنساني مشترك بين متخلف الخبرات الإنسانية .. وهو مشترك ثقافي نابع من الاحتياجات الأساسية العضوية والاجتماعية والموضوعية الإنسانية .. والتفاعل بين الثقافات المجتمعية القومية المختلفة .. دون أن يلغي هذا خصوصية الثقافة في كل مجتمع من المجتمعات10 .. وكذلك الهوية التي هي السمة الجوهرية العامة لثقافة كل مجتمع من المجتمعات .. إنها ليست إقنوماً ثابتاً جاهزاً نهائياً كما قد يفهم أحياناً .. وإنما هي مشروع مفتوح على المستقبل ومتطور كذلك .. أي أنه متشابك متفاعل مع الواقع والتاريخ .. وفضلاً عن هذا فهي ليست أحادية البنية .. أي أنها لا تتشكل من عنصر واحد هو العنصر الديني وحده .. أو الإثني أو العرقي وحده .. أو اللغوي وحده 10 ..
إزاء الأهمية الاجتماعية والعلمية للثقافة .. حاول كثير من العلماء الاجتماعيين منذ القرن الماضي .. ومازالوا يحاولون الوصول إلى تعريف أو تحديد لمفهوم الثقافة .. وهو أمر ليس باليسير .. ولعل من اقدم التعريفات للثقافة .. وأكثرها ذيوعاً حتى الآن لقيمته التاريخية تعريف إدوارد تايلور الذي قدمه في أواخر القرن التاسع عشر في كتابه ( الثقافة البدائية ) والذي يذهب فيه إلى أن الثقافة هي : كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف .. وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في مجتمع 11 .. وهذا التعريف يبرز العناصر اللامادية لحياة الناس في جماعة كالأخلاق والقانون والعرف التي تنشأ نتيجة للتفاعل الاجتماعي .. وتأخذ طابعاً إلزامياً .. إلى جانب العنصر المادي للثقافة .. علاوة على العلاقات بين الناس .. وبين العناصر المكونة للثقافة11 ..
وهناك تعريف آخر قدمه أحد علماء الاجتماع المحدثين وهو روبرت بيرستيد والذي ظهر في أوائل الستينيات فيقول : إن الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه .. أو نقوم بعمله .. أو نتملكه كأعضاء في مجتمع 11 .. يبرز هذا التعريف الصيغة التأليفية للثقافة لتصبح ظاهرة مركبة تتكون من عناصر بعضها فكري وبعضها سلوكي .. وبعضها مادي 11 .. فهناك من ينظر إلى الثقافة على أنها تتكون من القيم والمعتقدات والمعايير والرموز والأيديولوجيات وغيرها من المنتجات العقلية .. وهناك من يربط الثقافة بنمط الحياة الكلي لمجتمع ما .. والعاقات التي تربط بين أفراده .. وتوجهات هؤلاء الأفراد في حياتهم 11..
ومن خلال هذين الاتجاهين استمد ثلاثة مفاهيم تمثل الثقافة :
التحيزات الثقافية
العلاقات الاجتماعية
أنماط أو أساليب الحياة
واضح أنها ظواهر أو عناصر مرتبط بعضها بالبعض الآخر .. في الكل المركب للثقافة .. فالتحيزات الثقافية تشمل القيم والمعتقدات المشتركة بين الناس .. والعلاقات الاجتماعية تشمل العلاقات الشخصية التي تربط الناس ببعضهم البعض .. أما نمط الحياة فهو الناتج الكلي المركب من الانحيازات الثقافية والعلاقات الاجتماعية11.
أما بالنسبة للهوية فهناك رؤية سائدة لها : باعتبارها الذاتية الثابتة المنغلقة على نفسها والمكتفية بذاتها .. والحاملة والحامية للذاكرة التاريخية .. أما العولمة فما أشد ما تختلف دلالتها وتتنوع النظرة التقييمية لها تمجيداً وتنديداً باختلاف وتنوع المواقف الأيديولوجية والأخلاقية وغلبتها على الرؤية الموضوعية والتاريخية لها12 .. وإذا كانت العولمة في معناها البسيط تعميم الشيء وتوسيع دائرته فشأن الثقافة أوغل في هذا الميدان .. لأن التأثير الثقافي أسرع من أي تأثير آخر .. وذلك بحكم تفاعل النفس البشرية مع الغير .. ولذا يعد ( دافيد روتكويف ) أن طغيان ثقافة واحدة وعالمية وتهديد ثقافة المرء يصبح تهديداً لدينه وأسلافه .. ومن بعد تهديداً لجوهر هويته 13 .. وسوف نتحدث هنا عن العولمة الثقافية وما ينتج عن عملية الصراع العالمي الآن .. حيث نجد أن الدكتور الجابري قد قدم بعض الأطروحات في هذا الجانب وهي :
الهوية الثقافية ومستويات ثلاثة : فردية وجمهورية ووطنية وقومية .. والعلاقة بين المستويات الثلاثة تتحدد أساساً بنوع آخر الذي تواجهه .. فالفرد داخل الجماعة الواحدة .. الجماعات داخل الأمة .. والأمة إزاء الأمم الأخرى .. فهناك ثلاث مستويات ثقافية : فردية وجماعية ووطنية .
لا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها مجموع الوطن والأمة والدولة .. الوطن بوصفه الأرض والأموات أو الجغرافيا والتاريخ .. وقد اصبح كياناً روحياً واحداً يعمر قلب كل مواطن .. الجغرافيا وقد أصبحت معطى تاريخياً .. والتاريخ وقد صار موقعاً جغرافياً والأمة بوصفها النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة وقوامها ذاكرة تاريخية وطموحات تعبر عنها الإرادة الجماعية .. التي يصنعها حب الوطن .. والدولة بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة .. إذن فكل مساس بالوطن أو الأمة أو الدولة .. هو مساس بالهوية الثقافية والعكس صحيح .
ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي .. بل هي أيضاً وبالدرجة الأولى أيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم
العولمة شيء والعالمية شيء آخر .. العالمية تفتح على العالم والثقافات الأخرى واحتفاظ بالخلاف الأيديولوجي .. أما العولمة فهي نفي الآخر وإحلال للاختراق الثقافي محل الصراع .
فإن الصراع الأيديولوجي صراع تأويل الحاضر وتفسير الماضي والتشريع للمستقبل .. أما الاختراق الثقافي فيستهدف الأداة التي يتم بها التأويل إذ يستهدف العقل والنفس ووسيلتهما في التعامل مع العالم ( الإدراك ) .
ثقافة الاختراق تقوم على جملة أوهام هدفها ( التطبيع ) مع الهيمنة وتكريس الاستتباع الحضاري .. وهذه الأوهام هي : وهم الفردية .. وهم الخيار الشخصي .. وهم الحياد . الاعتقاد في الطبيعة البشرية التي لا تتغير . الاعتقاد في غياب الصراع الاجتماعي13 .
إن الاختراق الثقافي نستجلي تأثيره في إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى .. ويدفع إلى التفتيت والتشتيت لربط الناس بعالم لا وطن له ولا أمة ولا دولة .. أو يغرقهم في أتون الحرب الأهلية 13.. فإذا كانت العولمة تعمل على هذا فيجب علينا ا، نتحمل مسؤولية تطوير أدواتنا دون الوقوف موقف المهزوم .. أمام ما يأتينا من الغرب بل أننا ،اخذ بالقشور دون مضامين الأشياء لنصبح هامشي التفكير والتمييز .. مقلدون دون الإبداع الحقيقي .. الذي هو الوسيلة الوحيدة لتطوير الأمم .. كما أن مشروعية ( استعادة الذات العربية المفقودة .. أو ما يسمى بالمشروع المجتمعي الذي يبغي استقلالية الفكر وحرية الإرادة 14.. لهو من المسؤوليات الهامة التي لا بد من النظر إليها على اعتبار أنه أولى الخطوات الهامة الواجب البدء فيها .. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال دراسة موضوعية لفهم أزمة المجتمع العربي والإسلامي ووضع اليد على النتوءات البارزة والخافية لمعرفة إمكانية العلاج الممكن والمطلوب والفعال .. ولن يكون ذلك إلا بوضع المسؤولين عن العمل الاجتماعي موضع التساؤل والمفكرون أيضاً موضع النقد لأنفسهم ولمجتمعاتهم .. إلى جانب وضع خطة عمل جماعية .. لا تستثني أحد .. كما أن حال المجتمعات العربية دوت استثناء تعاني ما تعانيه من تخلف وانهيارات في كافو هياكلها الاجتماعية والثقافية .. بالرغم مما تتوهم من تحقيقه .. فبالقياس مع ما يأتينا من ثقافات .. لا تساوي شيئاً فبدلا من الخوف المستشري من العولمة .. لا بد من ضرورة التفاعل الحي .. وعمل حواجز منيعة .. تستطيع غربلة ما يأتينا وأخذ الأفضل .. ولن يتاح ذلك إلا بثقافة مضادة نخلقها نحن ونعمل أو نسعى إلى خلقها بفكرنا وإرادتنا .. وذلك من خلال مسارين لا يجب الفصل بينهما .. خاصة وأنها أصبحت ضرورة لا تنفك تفرض نفسها علينا .. وهي العودة للماضي بقلب مفتوح وبفكر مسبق أن العودة ما هي إلا إعادة صياغة وليس لمجرد الاحتماء والنزوع إلى الماضي ابتغاء البحث عن هوية مفقودة .. بل لضرورة القراءة الجديدة .. التي تسعفنا في قراءة الحاضر وتعيننا على تحديد موقعنا الذي فقدناه منذ زمن .. إلى جانب المسار الثاني والذي يجب أن يكون في موازاة مع المسار الأول وهو الإطلاع دون خوف على ما يقتحمنا من ثقافات جديدة .. مع سبق الإصرار على القراءة النقدية الفعالة أيضا ابتغاء التنقيح والاستفادة دون الذوبان التام .. فيما يعرض علينا من أفكار .. ابتغاء التنقيح والاستفادة دون الذوبان التام .. فيما يعرض علينا من أفكار .. وهذه المنهجية ضرورة من ضرورة إحياء القومية والفكر العربي ولن يكون هناك من بديل سوى الفناء أو التلاشي وسط تيارات لا تنتهي من الثقافات التي تحاول إثبات وجودها ولتكون هي الثقافة المعممة .. من هنا نسأل ما دور الثقافة العربية ودور المثقف العربي في إحياء الثقافة العربية بماضيها وحاضرها الفعال .. دون كما قلنا الوقوف خلف متاريس الماضي نستجدي الذكريات لإثبات الهوية .. التي باتت تشكل هاجس كل الشعوب .. فالهوية .. هي القرار والموقف والحياة بكل ما فيها من نزوع إلى المستقبل وكشف في الحاضر وتمسك بالماضي .
من هنا لنا أن نستوفي حق التقديم لبعض النقاط المترابطة بذات سياق العلاقة بين الثقافة والعولمة من خلال هذه الفرعيات الضرورية :

الثقافة والهوية والمرجعات المستعارة

إن العولمة في الفن وفي الثقافة هي تسليعهما معاً .. أي اختراع نموذج تعميمي تبدأ وظيفته بالاستهلاك .. وتنتهي بإعطاب المبادرة .. والتخيل .. ويبدأ التسليع بالتصنيع .. وتقوم الشركات الكبرى العابرة للأوطان وللقارات بمهمة التوزيع 15.
يقول عبد الله إبراهيم في كتابه ( الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة ) : أن الثقافة العربية الحديثة أصبحت ثقافة ( مطابقة ) وليس ثقافة ( اختلاف ) .. فهي في جملة ممارساتها العامة .. واتجاهاتها الرئيسية .. تهتدي بـ( مرجعيات ) متصلة بظروف تاريخية مختلفة عن ظروفها .. فمرة تتطابق مع مرجعيات ثقافية أفرزتها منظومات حضارية لها شروطها الخاصة .. ومرة تتطابق مع مرجعيات ذاتية تجريدية وقارة متصلة بنموذج فكري قديم .. ترتبط مضامينه بالفروض الفكرية والدينية الشائعة آنذاك .. وفي هذين الضربين من ضروب ( المطابقة ) تندرج الثقافة العربية الحديثة في نوع من العلاقة الملتبسة التي يشوبها الإغواء الأيديولوجي مع الآخر و ( الماضي ) .. بحيث يصبح حضورهما ( استعارة ) جردت من شروطها التاريخية .. ووظفت في سياقات مختلفة .. ومن الطبيعي أن يؤدي كل هذا إلى تمزيق النسيج الداخلي لتلك الثقافة .. إلى درجة أصبحت فيها التناقضات والتعارضات ظاهرة لا تخفي .. وتتجلى تلك التناقضات من خلال صور النبذ والإقصاء والاستبعاد المتبادل بين الممارسات الفكرية التي تستثمر هذه المرجعية أو تلك ضد الأخرى .. ومن خلال أشكال التمويه والتخفي والإكراه والتنكر الذي تأخذه المفاهيم والمناهج والرؤى . وهي توظف ( بفتح الظاء ) بأساليب لا تأخذ في الاعتبار درجة الملاءمة بين هذه العناصر والسياقات التي تستعمل فيها .. إلى هذا يضاف التعسف في إخضاعها لأنساق لا صلة لها بأنساقها الأصلية .. الأمر الذي ينتج عنه غموض وإبهام والتباس في كل ما يتصل بتلك العناصر .. وكل هذا يعمق نوعاً من الثقافة المسطحة التي غيب عنها الفرضيات الكبرى والأسئلة الجوهرية .. كما يرى أيضا د. عبد الله أن لكل ذلك أسبابه التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتتوزع تلك الأسباب ليتصل بعضها بالثقافة الغربية وبعضها بالثقافة العربية .. فمن ناحية تمكن ( الغرب ) من بناء نموذجه الثقافي بمظاهره العلمية والفلسفية والسياسية والاقتصادية منذ عصر النهضة .. وبفعل جملة التطورات الخاصة به .. تمركز ذلك النموذج حول ذاته في حركة محورية .. أدت لظهور ( المركزية الغربية ) بكل إشكالياتها التي صاغت الفكر الغربي الحديث صوغاً يوافق نوعاً من أيديولوجيا التفوق العرقي والثقافي والديني .. وتطورت نزعة التمركز فطرحت مفهوماً متصلاً بفرضية التمركز نفسها .. وهو مفهوم ( الكونية ) أو ( العولمة ) .. وبهذا امتد الطموح ليشمل العالم بأجمعه ويدرجه ضمن رؤية غربية مستمدة من الفرضية المذكورة .. مع مراعاة شرط التراتب والتفاضل والتمايز بين ما هو غربي وما ليس كذلك .. ومن ناحية أخرى فإن ( الثقافة العربية ) لم تلح في بلورة ملامح خاصة بها .. وظلت أسيرة مجموعة من الرهانات المتصلة بغيرها .. ومن المعلوم أن لذلك أسبابه الكثيرة أيضاً ومنها ما يتعلق بكيفيات التحديث .. ومنها ما يتعلق بطبيعة الصلة مع الماضي .. وهذا الاصطراع مزق النسيج الداخلي لها .. وأدخل في ممارساتها عناصر متضادة ومتعارضة .. استخدمت بوصفها منشطات أكثر ما هي مكونات فاعلة .. وبعابرة أخرى فقد اخترقت أنساق ثقافية مستعارة .. لها مرجعياتها الخاصة بها .. نسيج الثقافة العربية .. الذي كان مهيئاً للاختراق .. فأدى ذلك إلى نوع من ( التهجين ) الذي يستند إلى جملة استحواذات وإقصاءات دون أن يتمخض عن مكون له ملامح مميزة .. مكون متطابق مع مرجعيات مختلفة عما ينبغي أن تكون له16 .
إن العولمة قد خلقت إمكانات واسعة لسيادة الولاء للآخر .. وهيمنة الفكر الامتثالي .. واختزال الذات إلى عنصر هامشي .. واستبعاد المكونات القابلة للتطور والنمو .. وتفجير الحراك الاجتماعي بصورة فوضوية .. وكل ذلك أدى على انهيارات متعاقبة في الأنساق الثقافية غير العربية16 .

المثقف العربي وخيار التجديد

"إن الطابع العام للمثقف المعاصر هو المثقف المزيف .. والمثقف المزيف هو قبل كل شيء مثقف مباع" جان بول ساتر

هل الثقافة هي الكل أن أنها جزء من الواقع أو بالأحرى هل كان ما يكتسبه الإنسان ويتناقله عبر الأجيال .. من خلال عملية التعليم والرموز التي اخترعها .. هو تعبير عن ثقافة محددة .. كما يرى ورسلي .. أم أن الثقافة هي نشاط عملي وإبداعي يجتذب عناصر وفئات من البشر دون غيرهم ..؟ وهل المثقف هو الناقد أم الناقل أم المجتهد أم المبدع .. ( الثقافة العربية ص 45 ) .
إذا كانت الثقافة طريقة في الحياة .. أو معارف عامة أو نشاطاً خلاقاً .. أو هي كل هذا وذلك .. فما هي وضعية المثقف في سياق النظم الاجتماعية ..؟ أهو مشارك في السلطة .. بمعنى أنه ينتمي إلى الفئة التي تمثل دوراً حاسماً في تبرير النظام القائم في مجتمعه .. ( وهو ما يعبر عنه البعض بمصطلح واعظ السلطان ) .. أم هو المفكر الملتزم بالموضوعية العلمية بالمعنى الدوركايمي .. أم هو الذي ينتمي إلى الفكر العلمي السالب لقوة النظام ؟
لا جدال في أن ردود الفعل تجاه هذه القضايا كما يقول د . عبد الله إبراهيم كانت متباينة بل ومتعارضة إلى حد بعيد .. إذ تأرجحت المواقف تبعاً لأدوار المثقفين العرب .. بين مثقفي السلطة ومثقفي الجماهير .. بين المثقف الملتزم التابع .. وبين المثقف ب( الخبرة ) ( العضوي ) .. لذا ظهرت الاتجاهات منقوصة ومشوهة إلى حد كبير .. ولم تفلح إلا في تعميق الخلافات بين المفكرين الاجتماعيين العرب .. فظهرت الحلول وكأنها تعبر عن قضايا طائفية ودينية وتراثية ومعاصرة .. ومن يريد أن يستقرئ التاريخ يجد أن الخلافات الحادة بين المفكرين تظهر بشك أعمق مما هي عليه في الواقع الفعلي للمجتمع أو بالأحرى هي تجسيد مبالغ فيه لقضايا الواقع المأزوم 17 ..
وفي ضوء الحوارات الثقافية السائدة أصبح السؤال المحوري هو : ما دور المثقف في تخطي أزمة التأخر ..؟ وهنا برزت إشكاليات متعددة ومعوقات تحد من قدرة المثقف على ممارسة الدور المنوط به 17.. إنها رغبات وآمال متفرقة ومتباينة يتخبط فيما بينها العقل والفكر .. والإنسان العربي عامة دون استثناء .. فإذا كان هو هذا حال مثقفينا وعلمائنا .. فما الواجب من طرحه كأسئلة تعطي ولو شيء من التعليل لهذه الحالة التي نعيشها من التخبط والحيرة بين مسارات لا اتفاق بينها ..
إن الأسئلة التي تفرض نفسها علينا نتيجة لما نعانيه اليوم .. من ظروف متداخلة ومتشابكة لا شك أنها تلمس جوانب ذات حساسية شديدة .. إذ أن المثقف اليوم يمر بأزمة خاصة جداً .. لا تعبر فقط عن حالة الاغتراب الفكري والمعنوي ..للمثقف فقط .. وإنما تكشف حالة الشتات واللا انتماء عنده .. وهي ظاهرة تشمل المجتمع بكافة فئاته وطبقاته .. وكان لا بد من أجل الخروج من هذا المأزق الوجودي والمصيري للمثقف والمجتمع عامة لا بد من رصد كثير من الإشكاليات التي تحد من قدرة المثقف على ممارسة الدور المنوط به17 .. ووضعها موضع المساءلة القانونية والفكرية .. هذه الإشكاليات هي :
ما يتعلق بالعلاقة بين المثقف والجماهير .. فإذا تأملنا هذه العلاقة في المجتمع العربي نلاحظ أن هناك انفصالا شبه تام بين من يطرح ( سلعاً ثقافية ) وبين من هو مجبر على استهلاكها , لا لأنها السلع الحضارية الملائمة لواقعه .. بل لأنها السلع المتاحة له .. كما أننا نلاحظ أيضاً أشكالاً من الوعي غير مهتم بتصنيف السلع الثقافية .. حيث نجد مجموعات تستهلك بوعي , وأخرى بتلقائية وعفوية نادرة .. وثالثة تستهلك هذه السلع بشكل أعمى وربما يرجع هذا التجزؤ إلى ما يمكن أن نطلق عليه ( نخبوية الثقافة ) و ( ترفيه الفكر ) في إطار ( تبعية الإعلام والإعلان ) 17 .
وهناك الإشكالية الثانية الخاصة بالعلاقة ( بين الثقافة والسياسة , أو رابطة المثقف و الوالي ) إذ يدل واقع المجتمعات العربية على التناقض بين موقف المثقف من نظام السلطة التقليدي أو الديكتاتوري أو الديمقراطي المظهري في المجتمع العربي .. فمن الملاحظ تأرجح المواقف الأيديولوجية للمثقفين ورجال الفكر الاجتماعي العربي من النظم الاجتماعية – السياسية لهذه المنطقة .. ففي ظل الأزمات التي يمر بها المجتمع العربي نجد التأييد والمعارضة .. وهذا أمر طبيعي بل صحي .. إلا أنه لا يظل على هذا الحال .. بل إن مواقف المثقفين من هذه الأزمات لا تتم في إطار موضوعي وابتكاري متجدد .. وإنما تتم في إطار ذاتي أو قل مصلحي في كثير من الأحيان .. ومن ثم يصبح موقف المثقف من السلطة متأرجحاً نبعاً لما تحققه له من مزايا أو مصالح أو مراكز داخل إطار السلطة ذاتها .. لذلك نجد اقتراباً من ( وال ) أو ابتعاد عنه وتبريراً لأيديولوجيا الصفوة في مرحلة معينة ثم تغييراً للموقف بتغيير الأيديولوجيا في مرحلة تالية .. ومن ثم تدعيماً لسياسات أخرى مغايرة 17 ..
الإشكالية الثالثة تركز على نقطة هامة أل وهي ( جدلية العلاقة بين الاستقلال الوطني والتبعية الاقتصادية .. فإن المتتبع للنتاج الثقافي العربي يستطيع – دون جهد – رصد أشكال النزاعات الفكرية منذ عصر النهضة بين المفكرين العرب خاصة في ما يتعلق بمسائل إمكانات الإنسان العربي .. وإلى أي مدى يمكن إطلاق القدرة على الإبداع في الفكر الاجتماعي العربي المستقل ..؟ وهل يفيد ذلك في فهم حالة الركود والتخلف التي انتابت المجتمع العربي كله .. وتحليلها ..؟ وهل يمكن وضع استراتيجية معتمدة على الاستقلال الذاتي .. ولماذا إهدار الإمكانية العربية ..؟ 17
أما رابع الإشكاليات فتكمن بين الفكر ووعيه ويتمثل ذلك بلا شك في تلك العلاقات الجدلية بين الفكر والواقع .. والتفاعل بين المثقف والجماهير .. والمثقف والسلطة .. والمثقف والطبقة17 .

المثقف العربي والوضع الراهن

إن حال المثقف والثقافة العربية اليوم ما هو إلا دليل على حالة الانفصام والازدواجية .. فكرية كانت أم سلوكية أم مرجعية التي يعانيها المثقف العربي .. وهناك سببان لحالة الانفصام هذه : الحالة الأولى هي مثقف السلطان : وهو مثقف مفصوم لأنه لا يعبر عن متطلبات الثقافة .. وإنما يعبر عن متطلبات السلطان والأمير والملك والرئيس .. ومن ثم فهو مفصوم إذا نظر إليه على أنه مثقف .. أما إذا خرج من دائرة المثقفين فإنه يصبح والحالة هذه واحد من العاملين في الدواوين الأميرية وفي هذه الحالة يخرج من دائرة المفصومين ودائرة المثقفين .. أما الحالة الثانية فهي حالة الإفقار الشديد التي تفرضها السلطات على المثقفين 18 .. الذين يرفضون أن يوالوا السلطان ومن ثم تتعمد السلطات إلى قهرهم ودفعهم إلى الحاجة .. من ناحية أخرى تمثل كل من هذه إشكالية قائمة بذاتها منها العلاقة بين المثقف والواقع الاجتماعي .. فالمثقف حين يدخل في حوار جدلي مع الواقع الاقتصادي والسياسي يصبح في أزمة مع ( الوالي ) ( السلطة السياسية ) .. وحين يأخذ موقفاً غير جدلي يصبح في أزمة انعزال وتغريب عن الواقع .. وحين يتخلى عن التحديث وينكص إلى تراثه السلفي يصبح في أزمة عصرية .. وحين يشكل أيديولوجية على حساب التراث يزداد تغريباً واغتراباً 19 .. كما أن أحد الأقطاب الأخرى هو ذلك التراث والذي يمثل أحد ركائز شخصية المثقف العربي وأحد تكويناته الرئيسية .. أي موقف المثقف العربي من التراث الأصيل لمجتمعه .. فإن الدكتور أحمد حجازي يرى : أن فصل الثقافة العربية المعاصرة عن التراث الحضاري العربي الإسلامي هو من الأمور التي يجب رفضها .. فالتجديد لا يلغي الموروث .. حيث أن الموقف من التراث هو الذي يوضح أيديولوجيا المثقف .. بناءً على هذا الموقف تتحدد رؤيته وتصوره لقضايا مجتمعه .. فهناك موقف سلفي محافظ يملي على المثقف الانغلاق في الماضي .. يسلبه القدرة على الإبداع والتجديد .. بل يجعله عاجزاً عن مواجهة قضايا العصر .. وهناك موقف آخر يعبر عن أيديولوجيا مغتربة .. تركز على رؤية الحاضر في ضوء المستقبل .. وفي هذه الحالة ينعزل المثقف عن الواقع العربي وقضاياه الأساسية .. ويصبح غير ملتزم ويفقد هويته الأصلية .. وهناك أيديولوجيا أخرى راديكالية تشير إلى اتخاذ موقف ورؤية تقدمية تسعى إلى تحرير التراث والتاريخ وغربلته من مظاهر الخرافة والتزييف .. وتخليصه من القداسة والتوثن .. وتؤكد على تبني المنحى الجدلي السليم المرتبط بقضايا الواقع العربي المعاصر19 .. وهناك أيضاً من تلك الأقطاب التي تتنازع المفكر العربي .. ما يقوم من صراعات فكرية في الوطن العربي : أي الصراع بين الاتجاهات الفكرية القائمة بين فئات النخبة المثقفة .. فإذا كان الحوار أمراً طبيعياً في مجتمعات تتميز بالفكر الديمقراطي الحر الذي يقوم على منحى الجدل العلمي الجيد – كشرط أساسي لتراكم المعرفة – فإنه على مستوى الواقع الثقافي العربي يقوم على خلاف ذلك مما يشكل جوانب إشكالية في البناء الثقافي تنقل المثقف من دائرة تحليل بؤرة قضايا الواقع الأساسية إلى البحث في هامشية هذه القضايا 19 .

نظام العولمة والتوجه الإسلامي


أولا / العولمة من منظور إسلامي

لا يختلف التقدير الإسلامي لمفهوم العولمة عما رصدناه من تعريفات متفرقة .. فالرؤية الإسلامية ما هي ببعيدة عن التحليل المنطقي والعلمي السليم .. متخذة سبيل العلم والتحليل والتنظير لما يصادفها من مهمات إنسانية كثيرة ومتنوعة على اعتبار أن النظرة الإسلامية للأشياء والحياة والعالم هي نظرة واقعية وقيمية تنبع من أصل الأشياء ذاتها واحتكامها لمنطق العقل والدين .. فكثيرا ما جاءت أحكام العلماء المسلمين فيما يتبنوه من قضايا اجتماعية أحكاماً بينة .. أساسها المرجعية الإسلامية التي تحترم العلم وتحترم العلماء .
والعولمة كظاهرة تاريخية متطورة تفرض نفسها فرضاً على واقعنا العربي والإسلامي .. فكان لا بد من رصد ظواهرها السلبية والإيجابية معاً على واقع المجتمعات العربية والإسلامية بغية وضع حلول لكل ما يستجد من مظاهر لا تتفق ومنطق إسلامنا الرشيد والإنساني الهدف والغاية ..
فإن قراءة التاريخ – العربي عامة والإسلامي خاصة – يصور مدى ما اتخذه الصراع بين الإسلام وأعدائه من الغرب ألواناً شتى وأشكالا كثيرة كانت غايتها هو الإجهاز على ديننا الحنيف .. والعمل على إفراغ قوتنا وطاقتنا في محاولات لرد العدوان والهجوم الدائم من قبل هذا الغرب .. وبالرغم من هذه الصورة المعتمة من تاريخ علاقتنا بالغرب إلا أن الإسلام .. كمنهج دين ودنيا .. لم ولا ينكر قط حق الإنسان في تكوير نفسه وتحريره من كل ما يعمل على استلابه وقتل عزيمته وتدهور قوته .. فبالرغم من أن الغرب بما ينجزه من تطورات تقنية وأدوات تساعد على تنمية القدرات وتكنولوجيا تسهل له الحياة .. والتي يحاول من خلالها أن يفرض على البلاد العربية والإسلامية منهجاً مغايراً لوجهة الإسلام وبعيدة كل البعد عن أهدافه الإنسانية .. إلا أن ذلك لم يمنع الإسلام من الدعوة البناءة إلى الأخذ من الغرب ما يمنحه من فرص وإمكانات لحياة أفضل وتنمية أوسع .. لذا كانت العولمة في أوجهها الإيجابية مقبولة من وجهة النظر الإسلامية ولم تصادر حق الإنسان العربي في أن يأخذ نصيبه من هذه التطورات والتحولات والتغيرات .. إلا بما يتعارض ومرجعيتنا الثقافية والفكرية والدينية التي هي أهمهم جميعاً .
من هنا نستطيع القوم أن الإسلام كمنهج حياة وعبادة وجد نفسه اليوم مطالباً بأن يراجع مكان العالم العربي والإسلامي وسط هذا التداخل البين والمتشابك لثقافات كثيرة .. وعوالم متنوعة تتهدد الهوية .. ( ثقافية كانت أم دينية أم تاريخية ) .. فكان توجه نحو قراءة موضوعية لواقع هذه الظاهرة وتفاعلها مع الأمم لإمكان تحديد السلبيات والإيجابيات بهدف وضع خطط عملية ومنهجية بإمكانها إسعاف موقفنا وسط عالم يتخبط لا سبيل له .
وسنعتمد في رصد هذه الرؤية ,, وتحديد الوجهة الإسلامية على قراءات إسلامية متنوعة .. ياـي التعريف كبداية منهجية ضرورية لمعرفة وتحديد الموقف العام من العولمة وهو الشيء الذي سيشيد موقفاً وفقاً له هذا النقاط ..
إذ أن التعريف قد يحدد ناطاً أساسية يحتاجها البحث .
يقدم لنا البحث تعريفين هما :

التعريف الأول وهو مفهوم العولمة كما ينبغي أن تكون : وهو تعريف أو تصور للعولمة التي من المفترض أن يتكافأ فيها الشمال والجنوب .. أي العالم الغربي والعالم العربي والإسلامي .. ويمكن فهم العولمة – على وجه العموم – من الناحية الاصطلاحية بأنها ( حركة تهدف إلى تعميم تطبيق أمر ما على العالم كله ) وقد أورد الباحث عدة تفريعات متداخلة لهذا التعريف منها ( عولمة تنقية البيئة ) أي جعل البيئة في جميع أنحاء العالم بيئة نظيفة ومناسبة لأن تحيا الكائنات فيها حياة صحية .. ومن المفترض أن الباحث هنا يقصد بالبيئة بشكل عام من جهة سلوك واخلاق وقيم .. إلخ .. وهناك تعريف ( عولمة الاقتصاد ) أي جعل الاقتصاد في جميع أنحاء العالم يتبع النظام نفسه .. ويطبق الأساليب ذاتها ويستخدم آليات بعينها لصالح جميع الشعوب دون تمايز بينها .. أما مصطلح ( عولمة السلام ) أن تتعاون جميع الدول لحفظ السلام في العالم .. كما نتعاون على قتال المعتدين . ويشترط الباحث في نهاية هذا التعريف المثالي للعولمة والتي من المفترض أن تكون عليه .. أن تكون جميع دول العالم قد اشتركت في صياغة أسسها وتخطيط أساليبها وتحديد آلياتها .. إلى جانب ضرورة أن تتمتع بكامل حريتها في قبول العولمة أو رفضها فإن ذلك سيكون دلالة على أن ظاهرة العولمة ظاهرة صحية .. من هنا يمكن تطوير مفهومها ليكون : حركة قامت على اختيار جميع دول العالم اختياراً حراً لتعميم تطبيق أمر ما عليها جميعاً دون تمايز بينها .
يرى الباحث أن العولمة : ليست جديدة ولا هي وليدة وقتنا الحاضر .. فهي ظاهرة نشأت وتطورت مع ظهور الإمبراطوريات في القرون الماضية .. حيث أن الإمبراطورية الرومانية والفارسية حاولت أن تصبغ الشعوب التي تبسط نفوذها عليها بثقافتها .. وتسعى لترسيخ هذه الثقافة في مختلف جوانب حياة هذه الشعوب .. كما عملت على توجيه قيم هذه الشعوب وتقاليدها .. وحضارتها وفق أنماط الحياة التي تريدها .. فكانت هذه الخطو نحو العولمة .. فالعولمة قد لبست عدة أثواب .. منها العسكري ومنها الاستعماري ومنها استنزاف الموارد .. إذ أن الشمال قد قام باحتلال بلاد الجنوب متعللاً بأسباب كثيرة .. وعن طريق هذا الاحتلال كان قد سيطر على كافة مقدرات البلاد واستنزاف مواردها وغرس ثقافته فيها وهذا كله خطوة أخرى نحو العولمة بصورتها الحالية بخلاف تفوق هذا الشمال حيث أصبح مصدراً لإنتاج حديث في كل المجالات .. وأصبح الجنوب في المقابل مستهلكاً لهذا الإنتاج فقط .. ويرى الباحث أن الشمال ولكي يقنن هذه العلاقة والتي هي شكل جديد من أشكال الاستعمار القديم .. أطلق نداء العولمة وأخذ بأسباب تحقيقها في مختلف الميادين . ويطرح لنا الباحث هنا عدة أطروحات عن مفهوم العولمة المعاصرة فيقول لنا : إن البعض يرى في العولمة آليات اقتصادية وأسواق عالمية .. وجدت إطارها المقنن في اتفاقية التجارة العالمية التي تضع الاقتصاد أمام الإنسان .. وتهدر سيادة الدولة ومصلحة الفرد لحساب السيطرة الاقتصادية .. ومن ثم فلا بد من أن تتصادم مع التراث الثقافي لمختلف الشعوب نظراً إلى أنها تنزع إلى صياغة ثقافية كونية تهدد الخصوصية الثقافية للمجتمعات .. وهناك من يرى في العولمة على أنها هيمنة المفهوم الغربي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي على العالم .. ومن ثم فإنها تفرض على الآخرين – ليس فقط ما يتعلق بتخطيط التنمية , وإنشاء البنى التحتية والخدمات اأساسية – ولكن تتعدى هذا على البنى الثقافية والحضارية .من هنا يمكن أن يحدد مفهوم العولمة المعاصرة بأنه : سعي الشمال عن طريق تفوقه العلمي والتقني للسيطرة على الجنوب تربوياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً بدعوى مساعدته على التنمية الشاملة وتحقيق العدالة في الاستثمار والرفاه .
من استقراء هذه التعريفات نستنتج أن الرؤية الإسلامية لا تختلف عن التعريفات السابقة .. إنما يمكننا قول أن هذه التعريفات توضح النظرة الاستغلالية للشمال .
من جانب آخر يقرر الباحث أن هناك أساليب كثيرة يمكن ان يستفيد بها الجنوب من العولمة فعلى سبيل المثال يمكنه الاستفادة من معطيات التقدم العلمي التقاني الذي تستخدمه العولمة .. في توسيع خطواته نحو التقدم .. كما يمكنه أن يتستنهض قدراته الذاتية .. وأن تتضامن مجتمعاته في مواجهة تحدياته .. وفي توجيه القرارات الدولية السياسية .

ثانياً / بين الإسلام والعولمة

لقد اتخذت العولمة مسارين لها مترابطين متوافقين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر .. ففي المسار الأول السعي إلى تهديد الدولة بالسيطرة عليها ومن ثم استلابها القدرة على اتخاذ قرارها وتحديد سياستها ومنه تستطيع بالتالي التحكم في الاقتصاد من خلال خلق التنافس على الأسواق .. أما المسار الثاني والذي هو موصل الهدف والغاية بالمسار الأول ومبنياً عليه في آن وهو السعي إلى تبديد ثقافات الشعوب وهوياتها القومية والوطنية وضرب مصالحها وخصوصياتها في الصميم وذلك من خلال ما ترمي إليه من تعميم لأنموذج من سلوك مغاير وأنماط من العيش مختلفة وفرض منظومات من القيم وطرائق التفكير متباينة .. وما ذلك غلا لتكوين رؤى وأهداف تعمل على خدمتها .. فهذه العولمة تتبنى فكرة أو أيديولوجية ثقافية تريد أن تغزو بها ثقافات ومجتمعات العالم الأخرى .. وهي العملية التي ستؤدي إلى تخريب معتقدات وقيم وإحلال قيم أخرى محلها في مجتمعات لا ترتبط بخصوصياتها وثقافتها .. وبخلاف هذه الهواجس والمخاوف التي نتعرض لها .. فإن وضعنا اليوم أو وضع الأمم اليوم لا يبشر بأي خير فقد نتج من جراء ذلك التوجه العولمي كثيراً من الأخطار التي تهدد السلم والأمن اللازمين لأي مجتمع .. وهذا التهديد خير دليل على أننا نفتقد القدرة على إيجاد عالم دولي حقيقي .. خاصة وأن كثيراً من الدول وبالأخص دول العالم الثالث .. تعاني انتهاكاً واضحاً ومباشراً لقيمها وحقوقها الإنسانية .. وذلك من خلال إدعاء العولمة بامتلاكها منهجاً سلمياً قادراً على رفع مستوى البشر وتأكيد إنسانيتها .
من هنا نجد أنه من الضروري إقامة مفاضلة ما بين النهج الإسلامي كثقافة وقاعد سلوك وكأيديولوجيا والعولمة وما تفرزه من مفاهيم .. إلا أننا سنركز على عدة نقاط هامة فيما يخص النظام السياسي .. ومبدأ السلام وحقوق الإنسان :

النظام السياسي

من المتفق عليه أن النظام المتعدد الأطراف الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية قد أدى لظهور العولمة وازدهارها .. وهي التي تبنت مبدأ الديمقراطية وأكدت عليه في مجال السياسة .. فهو النمط من الحكم الواجب ممارسته في كل مكان .. ولذا ذهبت به لأن تجعله النمط الغربي الواجب تطبيقه في العالم كله .. وفرض بنوده الأساسية من حيث الأخذ بالتعددية .. وفتح المجال لحرية التعبير .. وإعطاء الحق في إبداء الرأي . . إلا أن ذلك كله لم يمنع أن النظام الديمقراطي كما تطبقه العولمة يؤخذ عليه نقاط مآخذ كثيرة : فبالرغم من التعددية التي يؤكدها مبدأ الديمقراطية إلا أن ذلك ينتهي بأن يصبح الحكم في يد فئة قليلة .. كما ويتحكم في وصول المنتخبين إلى الحكم بالنفوذ المالي للمنتجين أو رأس المال إلى جانب الانتماءات القبلية والنزعات العرقية والعنصرية والنفوذ والسلطة .. وما يمكن من أن يجده من دعم أممي أو إعلامي كبير
وفي حين أن العولمة تسعى لأن تجعل هذا الشكل من الحكم ( الديمقراطية الغربية ) هو الحكم المأخوذ في الدول الأخرى .. تعمل على إضفاء الشرعية عليه ترغيباً فيه .. بأن عدم تطبيق الديمقراطية فيه تعد صارخ على الحقوق المشروعة للفرد في مجتمعه .. بل وإجحافاً كبيراً لحقوق الإنسان .. بالرغم من أن العولمة كثيراً لا تراعي الخصوصية الدينية ولا الثقافية ولا الأعراف الخاصة بالمجتمعات الأخرى .. وصور التحيز كثيرة وبينة في الواقع لدينا منها تحيزها مثلاً لقوى ضد قوى أخرى أو هي لا تساوي مثلاً بين حقوق الشعب الفلسطيني والإنسان اليهودي .
إلا أن التطبيق الديمقراطي هذا – الذي نبشر به العولمة – لا يستند وكما نعلم – إلى مرجعية دينية إنما يعتمد على مصوغات الدساتير والقوانين الوضعية .. لذا نجد أن مبدأ الشورى الذي تعتمده في انتخاباتها اغلب عليه نزعة التفاضل تبعاً لما تقتضيه المصلحة أو الامتيازات .. فقد يتغلب حزب على حزب أو جماعة على جماعة لمجرد الكثرة العددية .. أو لمجرد امتيازات مادية أ, عرقية أو سلطوية .. مما يفضي لأن يكون الحكم فيها على الأمور تبعاً للمصالح والأهداف فقط .. لا غير .. أو بلغة أخرى تصبح مرجعية الحكم على الأمور فيما يخص الحرية والعدالة فيها تتأثر بعوامل سياسية وحزبية واقتصادية وإعلامية .. إلى جانب ملمح أساسي وهو ما يختص بالفرد ذاته .. فهو غير ملزم بأن يبدي رأيه .. أو يكون ملزماً لأن يبدي صوته في الانتخابات فقد يتعمد مثلاً الغياب عن التصويت أو حجب صوته .. وذلك لما يحقق مصلحة انتمائه السياسي أو مصلحته الشخصية .. بالرغم من أن المحور الرئيسي لهذا الفكر السياسي الذي تبشر به العولمة .. هو الاحتكام لأكبر قدر من الأصوات .. أي عدد الأفراد الذين ينحازون إلى رأي معين .
أما إذا قرأنا النظام السياسي وهو النظام الديمقراطي المثالي : نجد أن الحكم فيه يقوم على أساس من العدل والشورى .. حيث يعتمد العدل في الإسلام على المنهاج الشرعي .. الذي هو شريعة الله .. وعلى تطبيق الحدود .. فقد قامت الشريعة على العدل بكل أشكاله .. العدل على مستوى المجتمع بكل فئاته العقائدية .. والعدل مع النفس .. والعدل داخل الأسرة .. والعدل في ساحة القضاء .. بل وفي مجال العلاقات الإنسانية عامة ..
وما تطبيق الحدود إلا دعماً هاماً من دعائم نشر العدل وتحقيقه في المجتمع ومن أهم أسس استقرار الحياة فيه .. وقد حفل التاريخ الإسلامي على طوله بصور ووضاءة من صور تطبيق العدالة .. بكافة صورها من عدالة اجتماعية وسياسية وأخلاقية .
أما الشورى فهي الوسيلة المباشرة للوصول إلى الرأي الأصوب ذلك أنه رأي بني على مشورة الجماعة وبناءً على اختيارها وتفضيلها له .. واتخذ مفهوم الجماعة هنا معناً مغايراً لمفهومه في النظام الديمقراطي فليس المقصود بها الأغلبية المطلقة أو الأغلبية العددية وحدها .. وليست هي الجماعة البشرية التي تعيش في مكان معين .. إنما هي الجماعة التي تكون مؤهلة لأخذ رأيها واستشارتها في أمور الجماعة الكلية لما يتوافر لديها من تقوى في العمل والفكر والمنهج .. كما أنهم يملكون الخبرة والعلم الكافيين فيما يستشارون فيه .. ذلك أن هذه الجماعة تعتمد الكتاب والسنة في الفصل فيما بينها ..ثم ليعرضوا ما توصلوا إليه من أحكام على الجماعة حيث يكون التقويم المبدئي للرأي فيما بينهم وتبين مدى التزامه بالعقيدة ومن ثم انطلاقه من الشريعة ثم يأتي بعد ذلك تحكيم الأغلبية العددية . فكما نرى أن مبدأ الشورى في الإسلام يتيح للجميع الحوار الحر وإبداء الرأي ومن ثم مناقشة جميع المبررات وطرح جميع الحجج لاختيار أكثر القرارات التزاما بمبادئ الحق والعدل .. وأكثر توافقاً مع مقاصد الشريعة الغراء وأصولها ومبادئها .. لذا نستخلص من ذلك كله أن مبدأ الشورى الذي يؤكد عليه الإسلام ويحبذه لا يأخذ بالكثرة فقط ولا يأخذ بفرض المصالح الشخصية أو الفردية أو المعنوية .. إنما ما يحكمه هو أولوية الشريعة والاستعانة بعد ذلك بالعقل والفكر .

السلام بين العولمة والإسلام

إن الإسلام هو دين الفطرة .. وقد جاء تكريماً وإكراماً لأفضلية الإنسان على باقي مخلوقات الله .. لذا قد راعى الله سبحانه وتعالى في تشريعه كل ما يحفظ على الإنسان حقوقه قبل واجباته .. ولأنه دين العالم والبشرية كلها فقد جاء محملاً بالسلام ومشبعاً بالرحمة .. لذا كان الإسلام هو أول من نادى بالسلام .. وذلك قبل وجود نظام العولمة وقبل أن يعقد ميثاق الأمم المتحدة سنة 1948 .. وهو الميثاق الذي قرر بعدم الاعتداء وبحل المنازعات بين البشر بالطرق السلمية .
ومنذ نزول القرآن الكريم أمر الله المسلمين أن يتجهوا إلى السلم في مسيرتهم وحياتهم .. ودعا إلى الاستجابة لدعوة السلام في حال صدق الطرف المنازع ونيته في السلام .. فالإسلام بذاته دعوة للسلام .. السلام داخل المجتمع الواحد .. السلام بين المجتمعات المتعددة والمختلفة الأعراق والملل واللغات والثقافات والعقائد .. وهو ما يطرح فكرة الحرب جانباً .. فبالرغم من أن ظاهرة الحرب ظاهرة قديمة إلا أن الإسلام دعا إلى الحد منها .. بل واستخدامها فيما تقتضيه الشريعة فقط .. ولم يجعل منها وسيلة لتحقيق الخير أو النفع العام .. إلا أن الإسلام قد فرض على المسلم مفهوماً آخر مغاير ومختلف كل الاختلاف عن مفهوم الحرب .. مفهوماً أسمى وأرقى وهو مفهوم الجهاد وهو المفهوم الذي يتسع ليشمل معنى مقاومة كل شر وعدوان .. وبدءً من شرور النفس وانتهاءً بدفع العدوان وطلب تحقيق العدل والإحسان على الأرض .فليس الجهاد بهذا المعنى شكلاً مميزاً من أشكال الحرب التي تشن بهدف السيطرة والاستحواذ والإذلال .. إنما الجهاد ما هو إلا السبيل إلى دفع الطغيان والعدوان .. وليس استخداماً للقوة والنفوذ في إذلال البشر واستلابهم .. إنما الإسلام يدفع بالتي هي أحسن دون إجحاف بحقوق الآخرين أو تعد عليهم ..
وهو ما حدث عليه الإسلام فيما يخص العلاقات بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم .. والتي تقرر الحقوق الفردية للغير وضرورة حفظ ماله وعرضه دون التعدي عليه . أما السلام فيما تطرحه العولمة فهو مفارق لمفهوم السلام الإسلامي .. حيث نجد أن العولمة قد عملت على تأكيد الفوارق الطبقية وترسيخ المنازعات العرقية والدينية والثقافية .. مما نتج عنه صراعات باردة تعمل على تفكيك المجتمعات وتأخذ بهم إلى طريق المهالك .. مبددة قدراتهم وإمكانياتهم في نزاعات لا جدوى منها .. سوى أنها تزيدها تفرقاً وانقساماً وتشرذماً .
أما فكرة الحرب .. فإن تاريخ الاستعمار يعطينا صوراً مثالية وواقعية لمفهوم الحرب .. التي لا هدف ملها سوى السيطرة على غيرها من الأمم ومد سلطانها للهيمنة على الآخرين .. وإذلالهم لاكتساب المغانم .. فهذا العدوان غايته التوسع والسيطرة والاستعلاء على الناي بالقوة والتي يحتكم إليها وحدها .. فمضمون الحرب لم يتخذ أبداً صورة جهادية كما فرضها الإسلام .. على المؤمنين والمسلمين .. أولاها بالاهتمام والمبادرة هو جهاد النفس ونوازعها بأطماعها وشهواتها .. وسقطاتها .. فإننا نجد العالم الغربي وقد وصل إلى مرحلة شديدة الخصوصية من حيث تحلل للقيم وتبديد للأخلاقيات الكريمة .. التي تؤكد على إنسانية الإنسان وتحفظ كرامته .. فمضمون الحرية الفردية أو مبدأ الحرية غير المشروطة إلى جانب ما يستجد من آلات وتطويرات دفعت بالفرد أو بالإنسان على الاصطراع مع أهوائه وشهواته دون أن يكون هناك وازع أو ضمير .. فالسلام المعولم هو سلام واهي .. لا أساس له ولا منطق يصدر عنه سوى المصلحة وما تحدده هذه المصلحة .. وذلك من خلال مجتمع يسعى لتسهيل تبادل الخدمات والمصالح والمنافع .

حقوق الإنسان بين الإسلام والعولمة

من الثابت أن كافة الحروب التي نشبت طيلة القرن الماضي .. قد عملت على إهمال حقوق الإنسان .. وإهدارها من خلال الأعمال الهمجية والوحشية التي انتهكت حياة الملايين من البشر والمصادرة على حياتهم .. وهو الشيء الذي دفع على ضرورة إصدار ميثاق عالمي لحقوق الإنسان عام 1948 .
وقد كان لما استجد على الساحة العالمية من قضايا مثيرة للجدل أن يقرأ مفهوم ( حقوق الإنسان ) قراءة جديدة لما تعرض له الإنسان في كل مكان من انتهاكات لا حد لها ز. فكان من أهم ما أدت إليه العولمة في السنوات الأخيرة هو زيادة الاهتمام بقضية حقوق الإنسان ,, وهو الذي أخرج هذه القضية من دائرتها المحلية أو الدالخية الوطنية في دول العالم إلى الآفاق الدولية واعتبارها من المسائل الهامة والرئيسية التي تهم المجتمع الدولي حتى أمكن بعد ذلك اتخاذ إجراءات معينة – عن طريق منظمة الأمم المتحدة والوكالات العالمية التابعة لها – في إعطاء الحق لمراقبة الدول التي ينتشر فيها أساليب تؤدي إلى إهمال أو إهدار لحقوق الإنسان للحد منها .. أو الإقلال منها .
وإذا ما عقدنا مقارنة صريحة بين ميثاق حقوق الإنسان العالمي الصادر عن الأمم المتحدة أو اتفاقيتي الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية الصادرتين سنة 66 عن منظمة الأمم المتحدة وبين ما كان قد اقره الإسلام من حقوق للفرد والمجتمع والأمة بشكل عام نجد أن غالبية المفردات التي تضمنتها هاتين الاتفاقيتين قد اقرها الإسلام .. فهي الحقوق التي أحقها الله للفرد في المجتمع المسلم .. وفقاً لما تقره الولاية المتبادلة بين أفراده من رجال ونساء .. إلى جانب معنى النصرة والتعاون وتبادل الرأي والنصيحة ومبدأ التكافل الاجتماعي الذي يكفل الاستقرار والأمان لكافة أفراد المجتمع الفقير قبل الغني .. مثل فريضة زكاة المال التي تجب على أغنياء المجتمع لفقرائه خاصة .. فالإسلام يمنع أن يزداد الأغنياء غنى وقد يكونوا قلة ويزداد الفقراء فقراً وقد يكونوا كثرة .. وتأكيد حرية الفكر وإبداء الرأي والحق في التعليم والعيش الكريم الذي يعتمد التوزيع العادل لثروات البلاد وإتاحة المزايا والإمكانات أمام الجميع .. كما كفل للفرد الحقوق المدنية والتي تحفظ حقه في إدارة شؤون حياته الخاصة والعامة .
فإذا كانت العولمة بوجهها الديمقراطي قد أقرت كثيراً من هذه الحقوق وصادقت عليها إلا أن الواقع غير ذلك فما بالنا نرى المجتمعات تزداد تمزقاً وتفرقة حيث اتخذت الفئات تنقسم ما بين فقير وغني .. دون اعتبار لحقوق هذا الفقير أو وضعه في حساب العولمة التي تسعى لزيادة الربح وبالتالي زيادة الفوارق الطبقية .. فأي حقوق هذه التي تسعى العولمة لأن تمنحها للأفراد في مختلف مجتمعات العالم .. إنها حقوق تعتمد المصلحة وتحقيقها والتي بدورها تخلق جواً من المنافسة الضرورية لتحقيق مطالبها المادية التي لا حد لها . فإذا كانت العولمة قد أتاحت أمام العالم فرصاً كثيرة إلا أنها قد انتزعت بماديتها وعنصريتها وشهوتها للمال والسلطة إنسانية الإنسان وهويته وقسمت وجوده .. وهو الشيء الذي يرفضه الإسلام ويأباه .

ثالثاً / العولمة والثوابت والمتغيرات الإسلامية

إن العولمة ليست مجرد مال وصناعات متقدمة وعلوم .. إنما هي صراعات فكرية وعقائدية وثقافية .. إنها هوية يراد منها المسخ والاضمحلال20 .
فإذا كانت أهم أهداف العولمة هي تحطيم الثوابت الدينية والقيم الفكرية والأخلاقية وذلك لتحقيق أقصى ما يمكن من السيادة المركزية والهيمنة العالمية للنموذج الغربي .. الذي يسعى ويهدف إلى إلغاء ونفي الخصوصية الفردية ومحو الهوية الذاتية مما يؤدي إلى إلغاء التعددية الثقافية .. هذا إلى جانب توطيد ( العولمة الاقتصادية والسياسية ) التي تحمل في طياتها الحضارة العالمية إلى كافة الشعوب بتصنع من الإنسان بناءً متهاوي لا يقدر على فعل شيء .. ويذوب في قلب هذه العولمة التي لا تعترف بما هو إنساني بقدر اعترافها بكل ما هو مادي ونفعي .. فإن النظرة الإسلامية ترى في العولمة تعدياً صارخاً على الحقوق المشروعة للإنسان العادي .. والذي هو رهناً للظروف التي يعيش داخلها .. خاصة وأن الأمة الإسلامية أمام هذا التكتل الكبير والأوضاع المتردية .. أمة ممزقة وضعيفة وفقيرة يسهل تبعيتها والتحكم باقتصادها وسياساتها وثرواتها .. مما يجعلها أكثر ضعفاً وأكثر تمزقاً .. كما أنها لا تملك القدرات التقنية العالية التي تمكنها من المنافسة أو التصدي لما يصادفها من تحديات .. لذا كانت الدعوة الإسلامية المعتدلة .. والتي لا ترى في الحضارة والعولمة – خاصة في جانبها المعرفي والتطوري – إلا فرصة متاحة أمام الإنسان لإمكانية تطوير أدواته والسعي نحو التنمية الكفيلة بأن تحقق الرفاهية والاكتفاء الذاتي المطلوب .. أما العولمة وخاصة – في الجوانب السلبية – تلك التي تعمل على استلاب العقل والضمير والإنسان بكل ما فيه من قوة وإرادة .. فما هي إلا حاضر مشوه ملعون يجب القفز عليه وتفاديه بشيء من الوعي والإدراك الواعي لتقديم بدائل كفيلة بأن تغلق الأبواب أمام سلبيات العولمة بشيء من الحذر والحيطة .. ولكن من المعروف أنه من الصعب تفادي هذه السلبيات بكل ما نتخذه من حيطة وحذر .. فإن سلبيات العولمة إحدى مهامها المتشابكة والتي لا يمكن فصلها عن ما لها من إيجابيات واضحة .. لذا باءت كل تلك المحاولات في تجاوز تلك السلبيات من الأمور الصعب تحقيقها أو تطبيقها بسهولة .
فإن كثيراً من الباحثين يرون : أن العولمة صارت نظاماً حتمياً تنصهر فيه كل الاتجاهات وتذوب فيه كل الفوارق .. وما على العالم إلا أن يتقبل الأمر الواقع بكل رحابة صدر .. ويذوب فيه ذوبان الملح في الماء 21 . هذه النظرة الحتمية للعولمة هي التسليم الضمني بهيمنة النظام العالمي الجديد .. كما أنها الاستلاب المضمر للقوى المضادة حتى لا تقدر على الانفلات من العولمة لأنها القدر المقدر على العالم أجمع .. وهو المنطق القيمي لبعد سيادي شامل وهيمنة كلية .. وهو المنطق الذي ترفضه كافة الإرادات الحرة .. على اعتبار أن الاستلاب ما هو إلا صورة جديدة من صور الاستعمار القديم بكافة تبعياته .. التي لا تتحملها سوى الدول المسودة .. والواقعى تحت السيطرة الاستعمارية .. فكان العالم العربي والإسلامي ولأنه ( يمثل رقعة واسعة من العالم من جهة .. ولأنه ليس لديه من مقومات العيش ما يراه بنفسه كفيلا بالذاتية والاستقلالية من جهة ثانية ) 21 .. من أسرع الدول لمحاولة إيجاد حلول سريعة المفعول لتفادي استمرار الانهيارات المتتالية لهذه البنى الاجتماعية والفكرية والثقافية والهيكلية الإسلامية بكل ما تحويه من فكر وتراث وعقيدة غراء ودين يأبى التحرر من أساسيات الالتزام الإنساني .. نتيجة هذا الانفتاح غير المنضبط وغير المدروس .. والذي لا يهتم سوى بالعائد المادي للأشياء مما تسبب في ضياع كثير من القيم وتفشي الانفلات الخلقي البين .. كما تسبب في نشوء كثير من الأشكال الحياتية المفارقة لقيمة الإنسان وطبيعته الإنسانية .. وذلك في حقيقته الانهيار الحقيقي والدمار الشامل .. كما أن العيش الكريم وضمانات السعادة الحقيقية لا يمكن في حضارة يموت فيها الإنسان وتحيى فيها المادة .. لأن الهدف الحقيقي لكل حضارة إنسانية هو الارتقاء بمستوى الإنسان وتنمية قدراته الذاتية .. ومواهبه العقلية .والفكرية ورفع مستواه النفسي وتحسين مشاعره التي تجعله بحق جديراً بأن يكون لبنة في جدار الحضارة21 .
لذا نرى أن الهدف هو الأجدر بالاهتمام به .. وهو الأحق بتحقيقه على مستوى العالم أجمع .. خاصة وان الرسالة الإسلامية رسالة عالمية شاملة .. لا تخص جيل دون جيل .. ولا تنفع أمة دون أخرى .. بل إنها رسالة الإنسانية كلها .. من هنا كان النداء الإسلامي لكافة الأمم هو الأخذ برؤية إنسانية جادة دون التحيز للأمور .. والأخذ أيضاً بسبل التنمية التي لا يضيع حق الإنسان فيها بل تلك التي تعمل له ومن أجله ولأجله .. وذلك انطلاقاً من النظام الإسلامي الذي يؤسس لحياة عادلة تحترم حقوق الفرد وحرياته .. وتحفظ عليه كرامته .. فالإنسان هو الأحق بكل خير وله الحق في أن يعيش في عالم من الرخاء والمودة .. وفي واقع يحفظ عليه إنسانيته وهويته وضميره الذي هو كينونته ووجوده .. لذا كان الطرح الإسلامي الطرح السليم في مواجهة سلبيات العولمة دون إيجابياتها .. فالإسلام .. يحترم كل ما هو في صالح البشرية وحقها في الخير العام .. من هنا كان طرحه طرحاً سليماً ومستوفي العناصر وكامل الأهداف .. وهذه العناصر الضرورية لتأسيس قاعدة فكرية لانطلاق العمل وتفعيل الآليات والفواعل الاجتماعية اللازمة لنهضة عربية إسلامية .. والتي من الضروري أن تمثل المرجعية لأي عمل نهضوي لاحق وسوف نورد بعض هذه العناصر بشيء من الإيجاز :
واجب الوعي بظاهرة العولمة ودراستها دراسة علمية شاملة .. الهدف منها تحديد الظاهرة ورسم أبعادها وفهم توجهها وحصر أهدافها .. بغية وضعها موضع الظاهرة الخاضعة لفحص علمي محايد دقيق .. وعدم أخذ موقف سلبي مسبق مما يساعد على الأخذ بأسباب القوة الاجتماعية التي هي الأساس في إثبات الذات والمبدأ والفكر .
السعي على تصحيح مفهوم عالمية الإسلام .. والتأكيد على أنه دين الإنسانية عامة .. والإيمان بأنه دعوة موجهة للكافة .. خاصة وأن مبادئ الإسلام هي مبادئ الفطرة الإنسانية والتي لا تفترق من مكان لآخر .. وتأكيد ضرورته القيمية في بناء الشخصية وسلامتها من الآفات المهلكة .. فإذا ضاع الإيمان فلا أمان .
مراجعة الذات بسلبياتها وإيجابياتها بموضوعية حقيقية .. ورؤية نقدية تقع خارج أطواق التعصب الأعمى والتزمت الديني اللا إسلامي واللاسليم .. مما يزيد الأمور سوءاً وتجذراً كفيل بأن يبقينا أسارى الفقر والانحطاط والرجعية والتخلف .. فلا بد من كشف عوراتنا دون خجل .. وتغيير سياساتنا اللا تنموية .. والحد من أشكال الاستلاب في مجتمعاتنا .. والخروج من دائرة التأرجح دون هدف .
العمل على تنشيط الاجتهاد والتجديد بما يتواءم والثوابت الدينية والمفاهيم الإسلامية التي لا تتعارض مع كل جديد وتطوير هو في صالح البشرية ولا يعمل على استلابهم وخضوعهم لقوى مغايرة تعمل على تخلفهم وتراجعهم وتدهورهم .
إدراك العولمة في جوانبها الخطرة وكيف السبيل إلى تجاوز هذه السلبيات والحد من تأثيراتها اللا إنسانية واللا دينية واللا قومية على الفرد .. والأسرة والأخذ بالشواهد البينة بما يحدث في المجتمعات الأوروبية والأمريكية ذاتها .. ذلك أن العولمة ما هي إلا نموذج غربي إمبريالي يسعى لأن يكون النموذج الأوحد في العالم أجمع وطغيانه على أي نظام آخر يتعارض وأهدافها المادية الرأسمالية الحديثة .. التي تعتمد اعتماداً كلياً على آليات السوق .. التي تشجع الربح السريع وزيادة رأس المال .. مما يؤدي إلى التفاوت الطبقي .. وتوزيع الدخول والثروة بين المواطنين .. وهو شيء يتعارض ومبادئ العدالة الاجتماعية الإسلامية التي تسعى على توحيد المجتمع والسعي نحو تنمية جماعية عامة .
السعي إلى الاستفادة من الظواهر الإيجابية على أكمل وجه وبطريقة موجهة توجيهاً علمياً وإرادياً .. حيث المهارات العلمية والقدرات التقنية والتطورات التكنولوجية التي هي من أسباب القوة والتنمية .. مع الإيمان بطبيعة المرحلة الحالية .. وبأنها مرحلة لا بد من اتخاذ موقع فعال داخلها للخروج من مأزقها .. بكل ما فيه من فقر وتخلف .. وإلا .. كان الوهن والضعف والتبعية لقيم بعيدة كل البعد عن القيم الإسلامية النبيلة .. والخسران المبين
رفض الاندماج في النسق القيمي الغربي الجديد ومواصلة التمسك بالقيم والعادات والثقافات التي هي أصولنا الأولى والتي لا تنفصم عن ملامح شخصيتنا العربية والإسلامية وما ذلك إلا لتأكيد وتعزيز الهوية الذاتية الإسلامية .. وربطها بالتاريخ والأرض والوطن .. دون أن يمنعنا هذا من علمنا المتواصل البناء في تسخير كل ما يصل إلينا من علوم وحداثة لتطوير أدواتنا وإمكانياتنا الفردية والجماعية .

رابعاً / مشروع حضاري لنهضة إسلامية

من البديهي ونحن أمام حضارة غربية تسعى لأن تجد لها لغة موحدة وثقافة واحدة وشاملة ونهج حياة معمم على مستوى الكون .. ضرورة السعي إلى التأكيد على الهوية الإسلامية وترسيخ المعتقد الإسلامي وتعميم النهج الإسلامي القويم في كافو المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية .. والذي يقوم على الشورى والمساواة وكفالة الحريات السياسية .. وتنظيم أمور الدين والدنيا .
يقول الدكتور صوفي أبو طالب / رئيس مجلس الشعب المصري الأسبق .. حول – اثر العولمة على الهوية الثقافية في العالم الإسلامي : إننا قادرون على احتواء الجانب الثقافي للعولمة والتفوق على الجانب الاجتماعي لها .. ومعايشة الجانب الاقتصادي شريطة العودة إلى الذات الإسلامية .. وتفعيل الأنظمة الاجتماعية لدينا .. بعيداً عن القطيعة المفتعلة بين الجماهير وأنظمة الحكم .. وشل الطاقات الفاعلة في المجتمعات الإسلامية22.
كما يقول الدكتور / إبراهيم بدران / وزير الصحة المصري الأسبق : إن قضية التوحد الإسلامي لم تعد قضية ترف قطري .. أو زعامة شخصية .. بل هي رأس ضرورات العصر .. إن المدخل الطبيعي للبحث العلمي هو إشاعة الحرية والعدالة .. مما يؤدي إلى حفز الابتكار والاختراع ..22.
ولا نستطيع أن نتجاهل مبادئ العدالة الاجتماعية في الإسلام .. فهي " تدعيم للوحدة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي 22 .. والوحدة الداخلية والسلام الأهلي بين المسلمين شعوباً وأنظمة .. ومحاولة تجاوز الفخ المنصوب للحركات الإسلامية .. بفعل أصابع أجنبية جلية وخفية 23 .. كما انه آن الأوان لتفعيل حقوق الإنسان والحريات العامة .. ليستطيع كل واحد منا أن يتحدث بلسان قومه 22 .. ولا بد من تقديم حضارة الإنسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل .. المتوازنة الربانية التي ترتب لنا الأولويات وتربط الدنيا بالآخرة .. كما ينبغي علينا أن ننتقل من الصياغة والتنظير إلى التفعيل والتطبيق 22 .
من ناحية أخرى قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد : أن هناك نقاطاً أساسية يجب علين تجاوزها قبل صياغة مشروعنا الحضاري المنشود .. وهي أن الفهم الخرافي للإسلام يوشك أن يكون دين عامة .. وأن هناك العلمانية التي تريد أن تجعل من ديننا نظاماً محبوساً في المساجد والزوايا والضمائر .. وهناك مسلمون يكتفون بالرجفة والدهشة أمام الثورات العلمية المذهلة .. وهذه قضية مركبة .. لأنها قضية نفوس وعقول وفكر وأوضاع اجتماعية وسياسية 22 .. ومن هنا فقد اصبح فرض ضرورة وعين العمل لفض هذا الاشتباك بين كثير من روافد العمل الأهلي الجاد السمح للإسلام .. والحكومات في عالمنا العربي والإسلامي .. لأننا أصبحنا حيال قضية المصر الواحد والزورق الواحد .. أمام العدو الواحد والمستقبل الواحد 22 .. وقد قال الدكتور / أحمد صدقي الدجاني : بضرورة تقدم طلائع المفكرين والمثقفين على المستوى الأهلي بمثل هذا الحوار الداخلي وأن نستشعر أهميته وخطورة توقفه .. لأن استلهام الذات الحضاري هو المقدمة الطبيعية لهذا المشروع الحضاري النهضوي لأمتنا .. وأخذ الحذر من غلاة العلمانية الذين مسوا الدين واللسان العربي .. إن الفرانكفوتية تتضافر مع الأنجلوساكسونية .. في حرمان تيارنا العربي والإسلامي الأصيل من التعبير عن نفسه .. وترفض الحوار معه .. فارضة عليه عزلة وحصاراً مما يعرض المجتمع لـ ( نقص المناعة ) الحضارية وبروز علاقات ثقافية غير صحية نعاني منها جميعاً على امتداد الساحة الإسلامية 22 .. كما أن العالم العربي والإسلامي بلا شك يعاني اليوم كافة أشكال الانهزام والهزيمة .. ويعاني أكثر مسؤولية النهوض والسعي نحو القيام لترميم تلك الفجوات التي صدعت جدار مجتمعاتنا الإسلامية مما يستدعي إلى وضع خطة عملية واضحة تستلزم القيام بها .. ومن خلال ما تقدم يمكننا صياغة منهج عمل أو خطة عمل فعلية لتفعيل عناصر المجتمع كافة :
أول واجباتنا الأساسية .. هي إيجاد قاعدة من الحكم الديمقراطي الذي يحفظ حرية الفرد ويعززها .. وهو الحكم الذي يتبع النظام الإسلامي والذي يقوم فيه الحكم على الشورى والعدل وتطبيق شريعة الإسلام .. للوصول على حالة من التوازن والاستقرار اللازمين لمجتمع يحسن إدارة شؤونه والقيام بواجباته .. ولتفعيل أفضل واشمل للأنظمة الاجتماعية لدينا .. خاصة وأن المدخل الطبيعي للبحث العلمي هو إشاعة جو من الحرية والعدالة مما يحفز على الابتكار والاختراع .
من الواجب التأكيد على ضرورة التوحد الإسلامي ضرورة واجبة .. فهو تدعيم للوحدة الاجتماعية .. والوحدة الداخلية والسلام بين المسلمين .. أفراداً وشعوباً وأنظمة.. وأن لا تأخذ من منطلق شخصي كهدف في الزعامة أو تأكيد على مطالب شخصية .. أو كمزية فطرية .. بل لا بد من النظر إليها على أنها ضرورة من ضرورة العصر الحالي .
إننا إزاء هذا الانفتاح الاقتصادي والثقافي للعولمة واجب علينا أن نسعى إلى احتواء الجانب الثقافي للعولمة .. والتحكم في تأثيراتها الاجتماعية .. ومعايشة والتفاعل مع الجانب الاقتصادي شريطة أن يكون ذلك من منطلقات إسلامية أي بكلام آخر العودة على الذات الإسلامية وتفعيل الأنظمة السياسية والاجتماعية معاً متجاوزين تلك القطيعة المفتعلة بين الجماهير وأنظمة الحكم والتي تدفع إلى شل الطاقات الفاعلة في المجتمعات الإسلامية
من الواضح أن الحقوق الإنسانية .. وكما تمارس اليوم في ظل العولمة لا تراعي الخصوصية الدينية والثقافية والأعراف الصحيحة للمجتمعات .. إنما خلق جواً من التحيز والتعصب يضيع فيه معنى حق الإنسان بل ويفرغ من معناه تماماً .. من هنا كانت ضرورة تفعيل منهجية وقاعد حقوق الإنسان والحريات العامة .. ليستطيع كل واحد منا أن يتحدث بلسان قومه .. وهو أساس أي تنمية وأي تطور .
واجب أ يبدأ اليوم التفعيل الحقيقي والتطبيق الواقعي لفعاليات إيجابية تعتمد في حركتها الدين الإسلامي وقاعدته لحضارة ( الإنسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل ) تلك القاعدة المتوازنة الربانية والتي تقدم لنا ترتيباً متسلسلاً من حيث أهمية تلك القضايا الأولية ثم القضايا التابعة أو الثانوية . كما أنها تربط بين أمور الدنيا وتطلعات الآخرة .
ضرورة التعاون البناء والحي والفعال ما بين العمل الأهلي والمؤسسات الحكومية في العالم العربي .. ذلك أن القضية المطروحة اليوم هي قضية مصير تتطلب تكافل وتكاتف جميع القوى لصياغة تخطيط سليم لمواجهة السلبيات وطرح الإيجابيات .. إذ أن الانقسامات والتشرذمات المؤسساتية التي تملك علينا أمورنا أصبحت من العوامل الخطيرة والأسباب المباشرة لاستهلاك قوانا في ما لا يفيد ولا يجدي .. كما أن هذا الالتحام والتواصل فيما بين المؤسسات يتطلب حواراً يتمثل كافة القضايا الملحة والضرورية بصورة ديمقراطية بناءة .
لا يقتصر الأمر فقط على المؤسسات والمنظمات الأهلية والحكومية .. إنما لا بد من تفعيل كافة فئات المجتمع من مثقفين ومفكرين بتياراتهم المتنوعة والمتباينة الذين هم على دراية أكثر بأهمية التواصل الفكري والعلمي فيما بينهم وبين تلك المؤسسات دون إذعان لفروقات بيئية أو دينية أو أيديولوجية أو فكرية أو ثقافية .. فلا بد من تقدم طلائع المفكرين والمثقفين على المستوى الأهلي بما يساهم في حوار بناء لا خصوصية له .. وأن نستشعر أهميته وخطورة توقفه .. فهذا الحوار سيساعد على تنمية قدرات النقد وإمكانية طرح الكثير من البدائل البناءة والخيارات المتنوعة أمام الجميع .. وهو أيضا ما سوف يتيح صياغة علاقات ثقافية صحية .. كما يؤكد على سلامة المجتمع .. ومناعته أمام أي اقتحامات أو تحديات خارجية .. على امتداد الساحة العربية والإسلامية
وأخيرا وليس بآخر ..مثلما يمكننا فتح أبواب من النقاش والحوار البناء بين فئات المجتمع الواحد .. من الممكن أيضاَ فتح سوق مشتركة تجمع الأمم العربية والإسلامية .. توحد المصالح والأهداف .. كما يتيح لها إمكانية امتلاك تقنية من خلال تضامن وتعاون اقتصادي وسياسي .. مما سيفضي إلى إيجاد أرضية ثقافة موسعة ومشتركة .. كل ذلك سيعمل على تحسين أوضاعها الاقتصادية والسياسية لتشكل تكتلا متماسكاً وليس تكتلات متنافسة في سوق الإنتاج الصناعي والإنجاز الخدماتي العالمي .


المراجع /


الثقافة العربية ص 42
الثقافة العربية ص , 57 . 75 , 82
الثقافة العربية 83 . 84
العصور الجديدة العدد الثاني / 10/ 99 ص 159 , 196
العهد / الصفحة الثقافة / 27 / 4 / 2000
عبد الله عبد الدايم / المستقبل العربي / العدد 260 / 10/ 2000 / مستقبل الثقافة العربية ص / 34
محمود أمين العالم / جدل العولمة والهوية / مجلة جسور العدد 1/ 99 / ص 4
مرجع سابق / عبد الله الدايم
البعد الثقافي لمفهوم العولمة ص 9 , 10
محمود أمين العالم / جدل العولمة والهوية / مجلة جسور العدد 1/ 99 / ص 4 . 5
نظرية الثقافة / عالم المعرفة العدد 223 ص 9 , 10
محمود أمين العالم / جدل العولمة والهوية / مجلة جسور العدد 1/ 99 / ص 4 . 5
البعد الثقافي لمفهوم العولمة ص 10. 11 . 12
الثقافة العربية ص 47
العصور الجديد العدد الثاني / 10/ 99/ ص 198
الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة ص 8 , 9
الثقافة العربية ص 53 . 54 , 56
العهد / الصفحة الثقافية ص 5
الثقافة العربية ص 75 , 76
الأصالة وتحديات العولمة ص 2
البعد الثقافي لمفهوم العولمة ص 17
مجلة المجتمع 1357 / ص ,1 , 2



#أمل_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخطوط ..
- ارتحالات اللؤلؤ وتجديد الشكل عند نعمات البحيري
- الثقافة العربية في زمن العولمة / قراءة في كتاب أحمد حجازي
- ماجد السامرائي .. وسؤال الحرية
- ممر خلفي .. قصة قصيرة
- عناق .. وردة سماوية .. قصة قصيرة
- تيار الوعي .. دراسة نقدية تحليلية لرواية الخباء للكاتبة ميرا ...
- قراءة في قصائد متناثرة للشاعر الفلسطيني موسى أبو كرش
- قراءة نقدية .. تهويمات على صدى الحقيقة .. لديوان - أف - للشا ...
- ظهور الحركة الصهيونية وتحولاتها التاريخية
- جيل دولوز بين الطبيعية والتجريبية وفقا لهيوم
- جيل دولوز والسؤال الفلسفي
- تهويمات على صدى الحقيقة .. لديوان - أف - للشاعر الفلسطيني مو ...
- قراءة على هامش الأدب والنقد
- الفقد .. شرخ في ذاكرة فلسطينية
- -إدارة الأفكار وإرادة المعرفة - الرهان المعرفي عند الكاتب عل ...
- مكونات اليهودية من وجهة نظر غربية
- - إدارة الأفكار وإرادة المعرفة - الرهان المعرفي عند علي حرب


المزيد.....




- ولاية أمريكية تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة
- الملك السعودي يغادر المستشفى
- بعد فتح تحقيق ضد زوجته.. رئيس وزراء إسبانيا يفكر في تقديم اس ...
- بعد هدف يامين جمال الملغى في مرمى الريال.. برشلونة يلجأ إلى ...
- النظر إلى وجهك أثناء مكالمات الفيديو يؤدي إلى الإرهاق العقلي ...
- غالانت: قتلنا نصف قادة حزب الله والنصف الآخر مختبئ
- بايدن يوقع قانون مساعدات كبيرة لأوكرانيا والمساعدات تبدأ بال ...
- موقع أمريكي ينشر تقريرا عن اجتماع لكبار المسؤولين الإسرائيلي ...
- واشنطن.. التربح على حساب أمن العالم
- السفارة الروسية لدى سويسرا: موسكو لن تفاوض برن بشأن أصول روس ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أمل فؤاد عبيد - واقع الثقافة العربية والإسلامية في ظل العولمة