|
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الواحد والثلاثون)
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 8105 - 2024 / 9 / 19 - 00:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في إطار التوجه الأساسي الاول، يعني الوجود الحر قبل كل شيء الاستقلال عن الطبيعة. ما نريد أن نقوله من خلال ذلك هو أن فعل الإنسان، في حد ذاته، لا يكون سببه في المقام الأول العمليات الطبيعية ولا يخضع الإكراه قوانين سير العمليات الطبيعية وضرورة هذه القوانين. لكن هايدجر يؤكد على أن هذا الاستقلال عن الطبيعة يمكن فهمه بطريقة أكثر دقة وأهمية إذا اعترفنا بأن القرار والحل الأكثر حميمية للإنسان ما يزالان مستقلين، من وجهة نظر معينة، عن الضرورة الموجودة في مجرى التاريخ والأقدار البشرية. هذا الاستقلال عن الضرورة الطبيعية والتاريخية، يمكننا، تبعا لما تقدم، أتلخيصه تحت عنوان الاستقلال عن "العالم"، على اعتبار أن الأخير يُفهم على أنه الكل الفريد للتاريخ والطبيعة. لكن هذا المفهوم السلبي الاول عن الحرية بترافق - لبس دائما بالتأكيد، ولكن عندما يستيقظ الوعي الأصلي بالحرية - مع مفهوم سلبي ثانٍ نحاول توضيحه في ما يلي. في إطار التوجه الأساسي الثاني وبحسب هذا المفهوم، يعني التحرر من... الاستقلال عن الله كذلك، الاستقلال الذاتي عنه. ذلك أن ذلك، كما يقول هايدجر، لا يحدث إلا إذا كان هناك استقلال مماثل للإنسان عن الله بحيث تكون العلاقة معه ممكنة من جانب الإنسان. عندها فقط يمكنه أن يبحث عن الله، ان يتعرف عليه، وأن يتمسك به، وهكذا يأخذ على عاتقه المطلب الذي يعرضه الله عليه. مثل هذا الكائن بالنسبة إلى الله سيكون مستحيلا في الأساس إذا لم يكن لدى الإنسان إمكانية التحول عن الله. لكن إمكان التحويل أو الارتداد تفترض بشكل عام دخول لعبة استقلال معين عن الله وتحررا معينا من الله. لذلك، يعني المفهوم الكامل عن الحرية السلبية الاستقلال عن العالم وعن الله. فإذا تناولنا إذن ماهية الحرية الإنسانية، ولو بالمعنى السلبي فقط، أي إذا كنا نفكر حقا في هذا الاستقلال المزدوج، إذن، في الفكر وتصور هذه الحرية، لا يمكننا أن نتجاهل حيال ماذا يكون الاستقلال في كل مرة ايتقلالا: عن العالم، عن الله. علاوة على ذلك، العالم والله لا يتم تمثيلهما بشكل مشترك في المفهوم السلبي عن الحرية، فهما بالأحرى يفهما فيه بضرورة جوهرية. إذا أخذت الحرية السلبية على أنها ثيمة، فإن العالم والله ينتميان إلى هذا الثبمة باعتبارها "ما هو" جوهري في الاستقلال. لكن العالم والله يشكلان في وحدتهما الموجود كله. نتيجة لذلك، عندما تؤخذ الحرية كمشكلة في جوهرها، حتى لو كانت أولاً مجرد حرية سلبية، نكون بالفعل قد تساءلنا بالضرورة اتجاه الموجود كله. إن السؤال عن جوهر الحرية لا يقصر النظر على مجال معين، فبعيدا عن تحديد التساؤل، يقوم بلا تحديده. إلا أن هذا التحديد لا ينقلنا من خاص إلى كوني؛ لأن الله والعالم، يواصل هايدجر، ليسا هما الكوني في مواجهة الإنسان باعتباره خاصا. إن اللاتحديد يقودنا إلى كل الملوجود، العالم والله، الذي بداخله يجد الإنسان ذاته، عندما يجد نفسه في علاقة مع العالم ومع الله. إن السؤال عن جوهر الحرية لا يحدد على الفور أفق مجال محدد ويشير إلى الكل، إلى كلية الموجود. الحرية عند هايدجر بالمعنى السلبي كاستقلال عن العالم (الطبيعة والتاريخ) واستقلال عن الله تظهر بدون شك علاقة بهذا الموجود، لكن الأمر مع ذلك مجرد علاقة سلبية، تباعد؛ وما العالم والله إلا ما لا يرتبط بهما الحر. لكن هذا كان تجاهلًا لحقيقة أنه، إذا كان من المشروع حقًا التحدث بشكل عام عن الحرية السلبية، فيمكن ويجب التفكير في حرية إيجابية، وبالتالي فهذه الأخيرة، بوصفها إيجابية، ترسم مسبقا الخطوط العريضة لمشكلة الحرية؛ أو يجب كذلك أن يتم تمثل الحرية السلبية، على أي حال، في وحدة مع الحرية الإيجابية إذا أردنا أن نقرر في شأن مشكلة الحرية. وأمام هذا البديل، قررنا على عجل ومن جانب واحد من أجل الحرية السلبية. والأكثر من ذلك، أننا قد فهمنا بالفعل هذه الحرية السلبية نفسها بطريقة غير كافٍية. لنسمح لأنفسا الآن بتقديم تأويل معمق للحرية السلبية، تأويل سوف يسهل علينا صياغة أكثر شمولا للحرية الإيجابية. 2. التأويل المعمق لـ "الحرية السلبية" باعتبارها تحررا من... انطلاقا من طبيعتها النسبية. إن الموجود في مجمله هو بالضرورة موضوعاتي مشترك في مسألة حرية الإنسان. لقد أولنا الحرية السلبية أعلاه على أنها استقلال إزاء العالم (الطبيعة والتاريخ) والله. "حرف "عن"" في هذا الاستقلال عن ... تم التفكير فيه بشكل مشترك، ولكن لم يتم اعتباره تيمة بشكل صريح؛ ولم يكن مطلوبا منا أتمتته، لأن موضوعنا كان على وجه التحديد الحرية، وبعبارة أخرى، الوجود- المستقل عن... كما هو. ولكن ماذا يعني ذلك؟ الاستقلال عن... إذا أردنا أن نوضح الأمر أكثر، سنقول بالضرورة، استيحاء دائما من هايدجر، إن الأمر يتعلق بمسألة علاقة، علاقة وجود مستقل للواحد عن الآخر. علاقة من نفس النوع، قد تكون مثلا تماثل الواحد مع الآخر، أو حتى تنوعا باعتباره عدم مساواة بين كليهما. في أي علاقة نميز بين أمرين: (1) الوجود-المنقول من الواحد إلى الآخر باعتباره كذلك، ثم، (2) على وجه التحديد هذا الواحد وهذا الآخر اللذان يوجد بينهما الوجود-المنقول هما عضوا العلاقة. غالبا ما يكون تعبير "العلاقة" غامضًا. تارة، لا نضع نصب أعيننا سوى الوجود-المنقول باعتباره كذلك ، تارة أهرى، وفي كثير من الأحيان، الوجود-المنقول في وحدته مع العضوين المنقولين نفسيهما. اللامساواة، اللاتماثل علاقة "سلبية" شأنه شأن الاستقلال. وحتى يجعلنا نفهم هذه "السلبية"، وضع هايدجر أمامنا طاولة ومصباحا معلقا إلى سقف الصالة؛ وقال لنا ما يلي: مثلا، إذا لاحظنا عدم تماثل الطاولة والمصباح الموجود في السقف، فإننا نتعامل مع علاقة. أثناء مراقبة مثل هذه العلاقات، يؤكد هايدجر، لا ينبغي لنا فقط أن نشارك في التفكير بشكل عام في أعضائها - طاولة، مصباح -، حتى نتفادى، إن صح التعبير، لنفترض ألا يطفو الوجود-المنقول في الهواء بدون أساس، بل يجب علينا الارتباط بأعضاء العلاقة نفسها. بعد القيام بذلك، نلاحظ جهة الطاولة وجهة المصباح، إنما حسب جهة كل منهما ندرم لاتماثلهما. هذا هو الحال في أي معاينة للعلاقات: من الضروري النظر في أعضائها نفسها لا شيء يمكن أن يكون أكثر وضوحا. ولكن هل يترتب على ذلك توضيح الحرية - كاستقلال نتطلع إليه، هل يجب أن تأخذ في الاعتبار أيضا طرفي العلاقة؟ بالتأكيد، لا يمكننا أن نرى الاستقلال بغير ذلك، فهو لا يوجد في أي مكان معطى بذاته، ولكنه معطى في علاقة بطريقة متناسبة: إنما فقط في التزامنا بالإنسان باعتباره العضو الأول في العلاقة وبالعالم باعتباره عضوها الٱخر نتمكن من العثور عليها. ولكن هل نريد أن نعاين الاستقلال (الحرية، بتعبير ٱخر)؟ وهل نستطيع القيام بذلك؟ لا هذا ولا ذاك. نحن لا نتعامل دون أي طريقة أخرى مع حرية الإنسان، بل مع ماهية الحرية الإنسانية. ماهية الحرية؟ فإلى إضاءة ماهية، كما يريد هايدجر، تنتمي ثلاثة أشياء: (أ) كنهها، وما هي (الحرية) في حقيقتها. (ب) كيف يمكن لهذا الوجود-ماذا أن يكون ممكنا في حد ذاته. (ج) أين يكمن أساس هذا الإمكان؟ (يتبع) نفس المرجع
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فاس: النقابة الديمقراطية للعدل تدعو منخرطيها إلى المشاركة غد
...
-
ترامب يعاتب بايدن وهاريس بعد استهدافه بمحاولة اغتيال جديدة
-
جمعية عزبز غالي تدخل على خط الهروب الكبير لٱلاف الشباب
...
-
قراءة متبصرة للأحداث التي وقعت في هذا الأسبوع
-
شذرات متفرقات وومضات مختلفات
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
الحزب الاشتراكي الموحد يحدد موقفه من عدة قضايا وطنية وإقليمي
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
حصيلة محينة للخسائر البشرية والمادية الناجمة عن الأمطار العا
...
-
الجزائر: تبون يضمن ولاية ثانية كرئيس للبلاد بعد نجاحه في الا
...
-
الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تستعد لتخليد مرو
...
-
سوريا: أب يقتل ابنته القاصر وصديقها في بلدة قنوات
-
رسالة من مواطن مغربي إلى هشام جيراندو المقيم في كندا
-
سؤال كتابي من النائبة البرلمانية منيب إلى رياض مزور وليلى بن
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
محمد بوندي يصوغ ملاحظات ويقوم بمقارنات بين أشكال التنظيم الص
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
-
إسبانيا تدعي أن المغرب يرفض تسليم أربعة من مهربي المخدرات مت
...
-
جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء
...
المزيد.....
-
هذه الصور في بيروت تجسد براعة البشر في وجه انهيار البنى التح
...
-
مصر تخطط لتوسيع مطار القاهرة
-
إسرائيل -ستواصل- العمل لتجنّب تعريض قوة يونيفيل في لبنان للخ
...
-
القاهرة: نهر النيل ليس ملكا لأحد ونحتفظ بحقنا في الرد حال وق
...
-
السعودية تسيّر جسرا جويا إغاثيا إلى لبنان (صور)
-
-ظاهرة ساحرة-.. سماء فلوريدا تتحول إلى اللون الأرجواني قبل إ
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن رسميا عن إصابة عسكريين اثنين بجروح خطي
...
-
بعد ادعاء منعه دخول الروضة الشريفة.. نجم عربي يثير الجدل بفي
...
-
إيران تنفي تزويد روسيا بصواريخ بالستية وتدعو أوروبا للبحث عن
...
-
هل ارتداء النظارات باستمرار يضر بصحة العين؟
المزيد.....
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
المزيد.....
|