|
سر القبور الجماعية المكتشفة في فنلندا ؟
يوسف ابو الفوز
الحوار المتمدن-العدد: 1772 - 2006 / 12 / 22 - 11:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لم يعد أكتشاف القبور الجماعية ، حكرا على البلدان التي عاثت فيها الانظمة الديكاتورية والظلامية ظلما وفسادا ، مثل العراق ويوغسلافيا وافغانستان ، فالبلدان الاوربية الديمقراطية ، بين الحين والاخر صارت تواجه صفحات مظلمة وغامضة من ماضيها ، الذي تعتقد انه صار بعيدا واسدلت عليه الستائر ، وذلك باكتشاف أثار صفحات منه ، فتعود الكوابيس والاسئلة الى الواجهة ، ومع وجود اجيال جديدة من الباحثين والمؤرخين تعمل باطار موضوعي باحثة عن الحقيقة ، يتم نبش الذكريات وصفحات التاريخ ، وتتصاعد اصوات مسؤلة تدعوا للتمسك بالمنجز الحضاري المعاش من اجل مستقبل اكثر اشراقا . فنلندا ، ( نفوسها 5 ملايين نسمة ، مساحتها 338 الف كم مربع ) ، البلد المسالم ، المرمي على حافة القطب الشمالي ، في الايام الاخيرة ، راحت وسائل الاعلام فيه تسلط الضوء على صفحات مظلمة من تأريخ البلاد يحيطها الغموض وتكتنفها الاسرار ، وذلك اثر العثور بشكل عرضي ، في منتصف شهر تشرين الاول الماضي ، على مقبرة جماعية شمال شرقي العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، في منطقة هوهتينيمي Huhtiniemi في غابات لابيرانتا Lappeenranta ، حيث تمتاز هذه المنطقة بكثافة الغابات ، وهي من المناطق المفضلة عند الفنلنديين لصائدي الايائل . فور اكتشاف المقبرة ، التي تبين انها تضم رفات 11 جثة ، وضعت تحت حماية الشرطة المحلية ، وشكلت فرق رسمية للكشف والبحث والتحقيق بشكل جنائي مع احتمالات ان تكون القضية جنائية ، ارتباطا بكون القبور وجدت على عمق متر واحد ، وبلا توابيت ، وموضوعة بشكل متراصف ، مما اثار الشك في أن تعود لضحايا عصابات المافيا ، خصوصا ان المنطقة ملاصقة الى الحدود الروسية (30 كم ) ، وتشهد بشكل دائم نشاطا لمختلف عصابات التهريب. ولكن مع بدء العثور على دلائل تكشف بأن المقبرة تعود لفترات زمنية طويلة ، تولت جامعة هلسنكي مهمة الكشف والبحث ، وشكلت لجنة خاصة من الباحثين المختصين لدراسة المقبرة وفك الغازها . الكشوف الاولية ، بمساعدة خبراء طب الاسنان ، بينت ان اعمار المدفونين في المقبرة تتراوح بين 20 الى 22 عاما ، ولم يتمكن فريق الكشف الاول من تحديد سبب وفاة اصحاب الجثث . واذ ان المقبرة المكتشفة كانت قريبة الى موقع مقبرة قديمة سبق ان اكتشفت عام 1971 ، وايضا بشكل عرضي خلال اعمال حفر قناة ، فالتخمينات الاولية تشير الى ان المقبرة المكتشفة حديثا قد تكون تعود الى فترة الحرب العالمية الثانية ، في عام 1944 او الحرب الاهلية الفنلندية عام 1918 . احد التخمينات التي اطلقتها وسائل الاعلام المحلية تشير الى انه ربما تكون الجثث تعود الى هاربين من حرب عام 1944 ، والتي تسمى في تأريخ فنلندا بأسم "حرب الاستمرار" ، وهي الحرب التي خاضتها فنلندا ضد الاتحاد السوفياتي . وحسب اشاعات وحكايات وتحقيقات صحفية فأن قيادة الجيش الفنلندي ايامها شكلت محكمة عسكرية سرية لمحاكمة العسكريين الهاربين من جبهة الحرب ، وكان يتم نقل الهاربين جميعا الى معسكرات خلفية في منطقة لابرانتا لتنفيذ حكم الاعدام بهم . والاشاعات تقول ، حسب بعض الروايات ، ان عدد المعدومين بلغ ما بين خمسمئة الى ستمئة عسكري هارب ، واتلفت سجلات المحكمة ايامها عمدا من قبل قادة الجيش ، لان المحكمة كانت صورية ولم تكن دستورية. وهناك من يعتقد بأن المقبرة تعود الى فترة الحرب الاهلية الفنلندية ، المعروفة في تأريخ فنلندا بأسم "حرب الشتاء"، والتي اشتعلت عام 1918 بين معسكري البيض (قوى اليمين) والحمر(قوى اليسار)، وفي اوضاع وتفاصيل تشبه بشكل ما الاوضاع السائدة حاليا في العراق ، حيث الموت ، وعلى الهوية ، يطرق باب كل مواطن فنلندي بمجرد الشك بولائه الى اي من المعسكرين. واهتمت قيادة الدولة الفنلندية الحالية بالمقبرة المكتشفة ، وبقرار مباشر من رئيس الوزراء ، شكلت لجان رسمية على مستو عال للمتابعة والاشراف ، وتسلم مسؤولية التحقيق والكشف " المكتب الوطني للتحقيق " بالتعاون مع مؤسسات البحث العلمي ، مثل معهد الطب العدلي في جامعة هلسنكي ، والمتحف الوطني الفنلندي ، وسط متابعة وترقب شديدة من قبل الراي العام الفنلندي . المفارقة التي تلفت الانتباه ، هو ان احد الباحثين في هذه القضية هو البروفسيورة هيلينا رانتا Helena Ranta ، وهي طبيبة اسنان جنائية مختصة ، ولها تجربة كبيرة في الكشف والبحث في المقابر الجماعية في يوغسلافيا وفي تايلند وفي العراق ايضا ، حيث قامت بزيارة المقابر الجماعية المكتشفة في العراق اكثر من مرة ضمن وفود دولية ، واشارت بعض التوقعات الى انها قد تستدعى للشهادة في محاكمة صدام حسين. فريق الباحثين في مقبرة هوهتينيمي Huhtiniemi اعلن عن اكتشاف عِدّة معلّقات برونزية وفضّية ، أزرار عظمية ، وقِطَع قماشِ ، وايضا صلبان ورموز تعود الى ديانة الكنيسة الأورثوذكسية ، مما ساعد على بروز فرضية مقبولة عند كثير من الباحثين تفيد بان القبور تعود الى مرضى مستشفى عسكري روسي اقيم هناك خلال فترة 1830 ، حيث في تلك الفترة كانت فنلندا بالكامل تخضع لاحتلال جيوش الامبراطورية الروسية . يستند الباحثون في تقديرهم لذلك الى عدم وجود علامات تشير الى حالة الاعدام سببا للموت ، والى تقارير اطباء الاسنان العدليين لتحديد فترة الوفاة ، وايضا الى طريقة دفن الجثث حيث ان التقليد الأورثوذكسي ، يقضي بأن عند دفن المَوتى يوضع الصليب على الصدر، وتكون اقدام الميت بأتجاه الغرب ووجهه الى الاعلى الى جهة الشرق ، ووذلك حسب الاعتقاد بأن الميت اذا بعث من القبر سيواجه اولا الشمس لان السيد المسيح مصدر الضوء . يذكر ان الاحصاءات الرسمية الفنلندية تشير الى انه على مدى تاريخ فنلندا ، فأن الغالبية من السكان الفنلنديين يتبعون الكنيسة اللوثرية ، بينما نسبة ضئيلة من الفنلنديين يتبع الكنيسة الأورثوذكسية ، التي تتبعها النسبة الغالبة من سكان روسيا القيصيرية .
#يوسف_ابو_الفوز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسائل الاطفال الفنلنديين الى رئيسة جمهوريتهم
-
اطفال الانفال 8
-
نيكاراغوا ودروس نضالية جديدة
-
موجة عراقية جديدة من اللاجئين الى أوربا
-
اطفال الانفال 7
-
عن الحزب الشيوعي العراقي والعمل بين الشبيبة والطلبة
-
أطفال الانفال - 6
-
رسالة مفتوحة الى المثقفين العراقيين المقيمين خارج الوطن
-
قصة قصيرة لها قصة طويلة
-
اطفال الانفال 5
-
هل من مجيب على السؤال : الا ترون قفص الاتهام في جرائم الانفا
...
-
هل يتطلب تغيير اسم الحزب الشيوعي العراقي ؟
-
أطفال الانفال - 4
-
حسن بلاسم .. احفظوا هذا الاسم جيدا !
-
اطفال الانفال - 3
-
أطفال الانفال - 2
-
شهادات اطفال الانفال - 1
-
شموس مندائية
-
- جنون الطائفية - !!
-
حكومة انقاذ وطني ، أم ... أنقلاب ؟
المزيد.....
-
روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا
...
-
إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط
...
-
سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
-
عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
-
-البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا
...
-
أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي
...
-
لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
-
فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س
...
-
هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد
...
-
الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان
المزيد.....
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
-
آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس
...
/ سجاد حسن عواد
-
معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة
/ حسني البشبيشي
-
علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|