|
اطفال الانفال 8
يوسف ابو الفوز
الحوار المتمدن-العدد: 1748 - 2006 / 11 / 28 - 11:21
المحور:
حقوق الانسان
اطفال الانفال هو العنوان الداخلي لكتابي ، الذي اردته شهادة بلسان ضحايا وشهود جريمة الانفال بحق ابناء شعبنا الكوردي ، والذي بدأت العمل فيه بعد احداث الانفال مباشرة ، وكنا لا نزال بالملابس التي اجتزنا فيها الحدود العراقية نحو الاراضي الايرانية ، وفيما بعد صدر عن وزارة الثقافة الكردية في السليمانية ، شتاء 2004 ، وتحت عنوان (لدي اسئلة كثيرة او اطفال الانفال ) . حيث كنت مع انصار الحزب الشيوعي العراقي ، في قلب الاحداث ، وسط أجواء التحدي والموت والجوع والعطش . كنت مع بسطاء الناس ، جزءا من المأساة ، وواحدا من ضحاياها . كنت مع الجميع شاهدا على كثير من فصول جريمة الديكتاتور المجرم ونظامه الشوفيني الفاشي ، و ما جرى بحق ابناء شعبنا الكوردي . في صفحات الكتاب ـ الشهادة حاولت أن ارصد بعض مما جرى ، ومن خلال زاوية محددة : الأطفال الأكراد . لم اكتب فقط ما رأيت ، وما سجلت في دفاتري ، فشهادتي وشهادة الآلاف من الرجال والنساء ، المقاتلين والطلاب والفلاحين لن تجسد الحقائق المروعة اكثر من شهادات الأطفال أنفسهم الممهورة بالصدق والبراءة والرعب ، حملت أوراقي وتوجهت للأطفال وسجلت شهاداتهم مباشرة . في الحلقة رقم 1 نشرت جزءا من مقدمة الكتاب ليكون القارئ في صورة الاحداث ، وفي هذه الحلقات المتتابعة اورد بعض القصص ـ الشهادات التي ضمها الكتاب . ***
من أوراق مخيم اللاجئين في منطقة خوي الايرانية "1"
6/6/1989 نحيلة ، ملونة العينين ، بخصلات شعر اسود تحيط بوجه قمحي نظر . كل يوم أراها ، طفلة نشطة ، تعمل مثل ربة بيت كبيرة ، اسمها : سميرة ! قالت لي : من قريتها ، وخوفا من قصف المدفعية كانت تهرب إلى الجبل ، وتحتمي بكهوفه طوال النهار . البارحة ، كان مجموعة من الأطفال المشاكسين ، يعبثون ، فراق لهم أن يبتكروا لعبة جديدة ، في مجمع اللاجئين ، وقريبا من الغرفة حيث يسكن أهل سميرة تقع غرف المرافق الصحية العامة ، أمطر الأطفال الأبواب الحديدية بسيل متلاحق من الحصي ، فصدرت عن الأبواب أصوات حادة ، متعاقبة ، ظنتها سميرة أصوات إطلاق نار ، خرت مغشيا عليها ونقلت إلى الوحدة الصحية للمجمع ! قال أهلها : أنها المرة الرابعة التي يحصل لها ذات الشيء ، ولأسباب مشابهة تماما ! "2" 3/7/1989 إدارة المجمع ولحكمة ما ، تحرص على دفن الموتى ليلا ! والمقبرة التي تم افتتاحها على سفح الجبل القريب باتت تستقبل زبائنها من كل الأعمار وخاصة الأطفال ، وأحيانا بين يوم وأخر !! عن منتصف النهار رأيته ، يسير وئيدا هادئا ، في فمه سيجارة غير مشتعلة ، والى جانبه يسير عدة رجال ، أحدهم يحمل بين يديه لفافة ! فورا ، ومن نظرات النسوة الواقفات عند الأبواب عرفت ماذا تحوي اللفافة . تحاشيت اللقاء بهم وجها لوجه ، لكنه حين لمحني سار بأتجاهي ، ماذا يريد ؟ لماذا أنا من بين الاخرين ؟ حاولت أن أهيأ كلمة مواساة ، لكنه فاجأنيبالسؤال عن كبريت ، ناسيا أني مرارا حدثته بأني لم اقرب السجائر ، ارتبك ، أعاد السيجارة لجيبه ، ومن الجيب الأخر اخرج حفنة من بذور عباد الشمس ، وضع بكفي قليل منها ، وراح يكرز بلا مبالاة ، وتبع الرجال الذين سبقوه إلى المقبرة ، لدفن ابنه الثاني الذي توفي هذا الشهر ! 24/7/1989 وسيم وخجول كفتاة . ابتسامته المشرقة توسم محياه بألفة عذبة ، كل يوم أقابله في ساحة المجمع يحمل علبة سجائر " سومر " ليبيعها بالمفرق على اللاجئين وليربح بضع تومانات ، فأشاكسه : ــ ( مرك بر قه جه قجي ) ! "3" يطلق محمد ضحكة مرحة ويزوغ عني . لست مدخنا ، ولا يوجد عندي له سوى المزاح والمشاكسة . اضبطه أحيانا يتزاحم مع بائع أخر في منافسه على زبون . أحاول أن اصلح بينهما ، يستجيب بأدب لكلامي ، فأشاكسه : ــ كم ألف تومان (4) جمعت حتى ألان ؟ يضحك مدهوشا ، وبصدق وعفوية يخرج ما في جيبه من تومانات قليلة ليريها لي . اليوم وجدته حزينا ، كسيرا ، وبصعوبة استطعت أن اعرف أن الماء بشكل ما تسرب إلى ثلاث علب سجائر سومر ليتلفها له ، لتصيبه خسارة مالية جسيمة لا يمكنه تعويضها بسهولة . كان حزينا بشكل غريب ، حزن يفطر القلب ! أنا لست مدخنا ، وهي المرة الأولى في حياتي التي اشتري فيها لنفسي ثلاث علب دخان مرة واحدة ، ولكنها ... تالفة ! قررت أن اترك مشاكسته ! هوامش 1 ـ مع بدء عمليات الأنفال تدفق الاف اللاجئين الاكراد الى ايران وتركيا ، وخصصت ايران اماكن عديدة لاستقبال اللاجئين الاكراد ، وقامت الحكومة التركية بأستقبال الالاف ولكنها بنفس الوقت رفضت استقبال وطرد المئات منهم في محاولة لاجبارهم على العودة الى الاراضي العراقية ، وامام تهديد الموت من قبل قوات نظام صدام حسين اضطر مئات اللاجئين الى المخاطرة والتسلل الى ايران عبر الاراضي التركية ، وكانت قرية زيوة الايرانية الحدودية والواقعة في ضواحي مدينة ارومية الايرانية مخيما لغالبية الاكراد الذين طردتهم تركيا ورفضت استقبالهم ، وثم تم نقلهم الى مجمع خوي الإيراني الواقع قريبا من قرية زارعان الإيرانية ، في محافظة ارومية وقريبا الى الحدود السوفياتية ، حيث حولت الحكومة الايرانية سجنا سابقا يقع هناك الى معسكر للاجئين العراقيين ، وبعد أحداث الأنفال وايام اعداد هذه الشهادة شكل الأكراد اللاجئين الى ايران غالبية اللاجئين المتواجدين فيه . 2 ـ أخيرا ، كادت سميرة أن تجن ، إذ أصيبت فجأة بهستيريا حادة ، وراحت لأيام متوالية تهذي ، تغني وتبكي وتضحك ، فاقدة سلوكها الطبيعي ، وبسبب من عدم توفر الرعاية الطبية الكافية في مجمع خوي ، ولصعوبة الأوضاع المادية لعائلتها تأخر إرسالها إلى الطبيب المختص للكشف عليها ، وساءت حالتها جدا ، لحد ساد الاعتقاد أنها جنت تماما ، ثم وبمساعدة أناس أخيار حصلت عائلتها على دعم مادي وارسلت للعلاج ، وتبين أن لديها حالة اكتئاب شديد ومعقد . نذكر أن سميرة عمرها عشر سنوات فقط ، ترى من يضمن عدم انتكاسها من جديد ؟( الهامش مكتوب خلال تلك الايام ـ الكاتب ) 3 ـ (مرك بر قه جه قجي ) : جملة باللغة الفارسية ، وتعني ( الموت للمهربين ) وهو شعار سائد في إيران في أيام أعداد هذه الشهادة ، في إطار حملة الحكومة الإيرانية في محاربة التهريب والمهربين . 4 ـ تومان : عملة إيرانية .
#يوسف_ابو_الفوز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نيكاراغوا ودروس نضالية جديدة
-
موجة عراقية جديدة من اللاجئين الى أوربا
-
اطفال الانفال 7
-
عن الحزب الشيوعي العراقي والعمل بين الشبيبة والطلبة
-
أطفال الانفال - 6
-
رسالة مفتوحة الى المثقفين العراقيين المقيمين خارج الوطن
-
قصة قصيرة لها قصة طويلة
-
اطفال الانفال 5
-
هل من مجيب على السؤال : الا ترون قفص الاتهام في جرائم الانفا
...
-
هل يتطلب تغيير اسم الحزب الشيوعي العراقي ؟
-
أطفال الانفال - 4
-
حسن بلاسم .. احفظوا هذا الاسم جيدا !
-
اطفال الانفال - 3
-
أطفال الانفال - 2
-
شهادات اطفال الانفال - 1
-
شموس مندائية
-
- جنون الطائفية - !!
-
حكومة انقاذ وطني ، أم ... أنقلاب ؟
-
حكومة انقاذ وطني ، أم ... أنقلاب ؟
-
فهد والصحافة
المزيد.....
-
مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال
...
-
واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي
...
-
مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
-
بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي
...
-
صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها
...
-
إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
-
اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
-
مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است
...
-
الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي
...
-
إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|