أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد عبد الرحمن النجاب - الساعة الخامسة والعشرون - قراءة حديثة في رواية قديمة















المزيد.....

الساعة الخامسة والعشرون - قراءة حديثة في رواية قديمة


رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث

(Rasheed Alnajjab)


الحوار المتمدن-العدد: 8072 - 2024 / 8 / 17 - 16:13
المحور: الادب والفن
    


تهيأت الظروف لرحلة إلى أوروبا في صيف عام 2024، وتضمن برنامج الرحلة الذي عبثت بمساره عوامل غريبة ربما تكون ذات دلالة وعلاقة بجزء من مضمون الرواية، ولن أخوض في التفاصيل، كان في المخطط رحلة أو أكثر بواسطة القطار ، إذن ثمة فرصة للقراءة، وتجنبا لحمولة من الكتب الورقية، لجأت إلى الكتب المخزنة إليكترونيا، فوجدت هذه الرواية"الساعة الخامسة والعشرون" في مقدمة القائمة، وكانت قد اقترحتها القريبة والصديقة السيدة سلام حمدان في لقاء معها وزوجها "الشاعر وليد الشيخ " في رام الله.
تقع الرواية التي تتكون من خمسة فصول وخاتمة في نحو خمسمئة صفحة، ويعتبرها كثيرون أهم أعمال المؤلف الروماني "قسطنطين فيرجيل جورجيو"، بينما يربطها آخرون برواية جورج اورويل المعنونة "1984" على أنهما روايتا القرن العشرين. وينتمي قسطنطين جورجيو إلى عائلة من القساوسة والرهبان، ويتبع الكنيسة الأرثوذوكسية الشرقية، الأمر الذي قد يشي بأن في بعض هذه الرواية جزء من سيرته الذاتية متمثلة في شخص "تريان" إبن القس ألكسندرو كوروغا، وهو أيضا الديبلوماسي في مملكة رومانيا.
قبل المتابعة أبدأ بالغلاف لقراءة ما يتضمن من دلالات، يقع في مقدمتها صورة لعدد لامتناهي من الأشخاص يعكس بقوة واحدة من الأفكار الأساسية التي تضمنتها الرواية فبالاضافة إلى نظرية "تريان" حول العبيد الرقميين من تراجع قيمة الفرد ضمن الجماعة وكونه.بات مجرد رقم لا يهم أيا كان انتماؤه الديني والفكري والاجتماعي، إضافة إلى الصليب المعقوف شعار النازية وما كان لهذا الفكر من أثر بالغ على مجتمعات الدول الأروبية سيما خلال الحرب العالمية الثانية، التي وقعت خلالها أحداث الرواية، أما لون الخلفية فيشير إلى انقضاء النهار وبدء الليل، إشارة وثيقة الصلة بعنوان الرواية ومضمونها، ما العمل إذا حل الظلام ؟ وما العمل إذا حلت "الساعة الخامسة والعشرين"؟.
تنتمي هذه الرواية إلى الأدب الكلاسيكي حيث يطول الشرح، ويتعزز الوصف، وتتعمق النقاشات لبيان وتوضيح الأفكار التي يسعى المؤلف لإيصالها للقاريء، ورغم ذلك فإن الرواية تسير بإيقاع معقول، ويتمتع السرد بقوة جاذبة في معظم أجزاء الرواية.
تضم الرواية عددا محدودا من شخوص الرواية، لا يتجاوز أقارب "تريان" وبعض معارفه وقلة من الناس الذين تفاعلوا مع "إيوهان موريتز" ومعاناته التي استطالت فبلغت ثلاثة عشر عاما من الأشغال الشاقة والتنقل بين السجون والمعتقلات التي تعددت هوياتها ، كما تعددت التهم التي ألصقت به خلالها، وجعلته في كل مرة يجد نفسه في وضع "الساعة الخامسة والعشرين " حيث لا يوجد ثمة ما يمكن عمله. وكان إيوهان ضحية لطمع قائد الدرك في بلدته في زوجته سوزانا فأبعده وألحقه بمعسكرات العمل المخصصة لليهود ولم يكن يهوديا، وخانه حظه العاثر مرة أخرى لكون هذا الإسم مستخدما من قبل اليهود، وكان بحاجة لثلاثة عشر عاما في السجون والمعتقلات قبل أن يهنأ برؤية زوجته سوزانا لمدة ثمانية عشرة ساعة فقط ثم سيقت العائلة بأكملها للاعتقال.
صحيح أن الرواية تتناول الأحداث التي تعرض لها الفلاح والحراث الساذج "إيوهان موريتز"، لكن تريان كان الشخص الهام الآخر الذي ضمته هذه الرواية، فقد لعب دور المثقف والمفكر بل والفيلسوف، وهو أيضا الروائي الذي يكتب رواية "الساعة الخامسة والعشرون" والتي أتمتها زوجته الصحفية أليونور بعد وفاته قتلا في معسكر الاعتقال. إنها إذن يمكن أن تسمى رواية في رواية .
تكمن أهمية هذه الرواية في ماتضمنته من أراء فكرية وفلسفية، وحوارات في اكثر من موقف، وأكثر من مناسبة تعرض لها تريان بالشرح المفصل وأخذت مكانا في السرد يفوق مكان متابعة حيثيات الأحداث، ومضت بعض القراءات التي أجراها النقاد إلى كشف كثيرمن مجريات هذه الأحداث، على اعتبار أن العامل الأهم في هذه الرواية هو النظرة الفلسفية التي تبناها "تريان كوروغا" نحو التقنية وما أسماهم ب"العبيد التقنيين"، ومقارنتهم بالعبيد من البشر واستحضار العلاقة بالعبيد عبر التاريخ من أيام الرومان وصولا لما تقبل عليه البشرية من خطر محدق يفوق كل ما مضى بسبب هؤلاء العبيد التقنيين.
وفي جانب آخر من السرد ومن واقع ما يعيشه الألوف من البشر في المعتقلات، ألقى "تريان" الضوء على اضمحلال قيمة الفرد في المجتمعات الغربية في مواجهة الآلة، حيث يختصر الفرد إلى رقم بغض النظر عن ديانته، وفكره، ووضعه المهني ومكانته الاجتماعية. ثم مضى ترايان كوروغا في المعتقل إلى كتابة "العرائض" التي تتناول الأحوال الاجتماعية للناس بأسلوب تهكمي ساخر في نوع من الكوميديا السوداء.
وفي المقابل فإنه طرح صورة للإنسان من واقع تعامل البلاشفة مع الناس، وأدان الجيش السوفييتي إدانة مباشرة، فبعد أن صور جيش البلاشفة بصورة مرعبة بعيدة بهدف إثارة الرعب منهم وربما التحريض ضدهم ، مضى جورجيو إلى تفاصيل التفاصيل في تصوير بعض تصرفات الجيش السوفييتي، إمعانا في الإدانة، سيما ما يتعلق بانتهاكات جنسية مزعومة أرى أنه جانب الموضوعية فيها، ناهيك عن مبالغة لاداعي لها فيما يتعلق بوصف تعاملهم مع "سوزانا" زوجة إيوهان من خلال رسالتها إليه في المعتقل. وأراه وقع في تناقض بيِّن من خلال نفس الرسالة إذ تقول سوزانا: "لم يقتلوني بل تملكهم الإحساس بالشفقة علي فأعطوني خبزا لأولادك وحلوى وألبسة لأنهم لم يكونوا أبناء شخص ألماني. وقد أعطوني كذلك طعاما وألبسة لي ، وإنني آسف الآن شديد الأسف لأنني فررت من فانتانا خوفا من الروس"
ثمة حوارات أخرى تضمنها السرد مثل الحوار مع الكونت، والحوار مع قاضي التحقيق دميان في بيت والده القس والتي توسع ترايان من خلالها في شرح نظرته إلى الأمور.
دارت أحداث هذه الرواية أثناء الحرب العالمية الثانية في مطلع أربعينيات القرن العشرين، إلا إن أجواءها لم تعكس صوت أزيز الطائرات، ولا صور الدمار، وما تبقى من هيروشيما وناغازاكي، لكنها عكست بؤس الإنسان ومعاناته في التعامل مع الآلة التي سحقته في أجواء معسكرات الإعتقال حيث تبدو آلاف الأمتار من الأسلاك الشائكة منتهى أفق الرؤية ، وحيث التحقيق مع المعتقلين يجافي المنطق، ويدخلهم في توقيت جديد تجاوز الساعة الرابعة والعشرين، ليس باتجاه فجر جديد وإنما إلى حرم الساعة الخامسة والعشرين. حيث ليس ثمة ما يمكن عمله، وحيث باتت الحياة كما صورها تريان في حديثه إلى إيوهان أثناء وجودهما في المعتقل قبيل مقتله فقال: "إن الأمل الوحيد الذي نحتفظ به حتى الآن هو أن لا نكون أمواتا".
ربما بالغ قسطنطين جورجيو في بعض آرائه نحو الروس، و ربما كان ذلك بحكم النشأة الدينية التي عاشها أو بحم ما تكون لديه من فكر واعتقاد أو كليهما، وقد مضت التجربة السوفيتية في غير ما توقع الناس وأملوا، إلا إن الفكر الذي حملته لم يمض، بينما واصلت صورة الفرد في المجتمعات الغربية مسيرها نحو تعمق وتعزيز ما أشار إليه قسطنطين جورجيو ، وهكذا أراها رواية عابرة للقرون وتستحق القراءة ربما مرارا.



#رشيد_عبد_الرحمن_النجاب (هاشتاغ)       Rasheed_Alnajjab#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شغف
- الدم لا يتكلم
- الــمــولـــودة
- سوداد (هاوية الغزالة)
- قناع بِلَون السماء
- مذكرات القائد الشيوعي محمود الأطرش المغربي
- غالب هلسا: روح ناقدة بدأت بنقد الذات
- حمزة شحاتة: مِن أخلاق البيت إلى المدرسة إلى الزقاق.
- بندلي جــــوزي:رائد الاتجاه القومي الماركسي
- د.سيد القمني: من التقليد إلى التجديد في الفهم الديني
- صادق جلال العظم: المادية والتاريخ
- هادي العلوي: جدلية الفكر الديني
- طنطورية رضوى عاشور وهذا النداء للتوثيق
- أنا و الكتابة ، من ألف باء اللغة إلى بحر الكلمات
- فرح أنطون أحد رواد الفكر العلماني والديمقراطي
- شبــلي الشمــيل، رائـــد من أعــلام الفكـــر الــــعـــلمي ا ...
- أحــــــمــــد لــــــطــــفــــي الــــسيد – رائد الليبرالي ...
- سلامة موسى .... من رواد الفكر التنويري العربي
- أنت تشرق ....أنت تضيء
- محمد شحرور في تجديد الفكر الإسلامي المعاصر


المزيد.....




- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد عبد الرحمن النجاب - الساعة الخامسة والعشرون - قراءة حديثة في رواية قديمة