أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . افلاس الناطقين به . ( تابع )















المزيد.....


أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . افلاس الناطقين به . ( تابع )


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 8069 - 2024 / 8 / 14 - 14:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


--- أزمة المشروع التنظيمي : اليسار التنظيمي الثوري مثل كل الأحزاب الشيوعية ، والأحزاب الثورية ، أولى عناية خاصة لمسألة الحزب الماركسي الثوري ، لأنه وحده القادر على حل إشكالية الثورة ، والدفع بجماهير العمال الى تسلم السلطة او الحكم .. وكم كان التحليل خارجا عن الصواب ، حين حمّلوا الحركة العمالية مسؤولية استلام السلطة ، وهم هنا يكونوا بمن يمارس الاسقاط على " حركة عمالية " ليس لها من الثورة غير الاسم ، سيما وانها اعتادت عيش الرعية في دولة رعوية مخزنية وطقوسية . وبما ان الحركة ( العمال ) في المغرب تنعدم عندها قابلية الثورة ، لأنها أصلا ليست ثورية ، وتتماها مع الحياة الرعوية ، فان هذه ( الطبقة ) التي تجهل وضعها الاجتماعي ، وتجهل انها بحق أنها عمالية ، لن تكون ثورية اكثر من حركة العمال الاوربية التي طلّقت شعار ماركس " يا عمال العالم اتحدوا " ، ولتندمج في النظام الرأسمالي الاستهلاكي ، ولتصبح طبقة مستخدمة لا طبقة عمالية ، تدافع عن أوضاع اجتماعية متعارضة كليا مع حقوق الطبقة العمالية الحقيقية .. فما يسمى في الادبيات الماركسية بالطبقة العاملة ، لا وجود لها في دولة رعوية مخزنية ، وطقوسية ، وغير مثقفة ثقافة ماركسية عمالية .. فكانت اجتهادات الماركسيين الأصليين ، او الذين اعتنقوا الفكر الماركسي ، تنصب بالأساس على بناء الحزب الماركسي اللينيني ، الذي يروا انه أمل تحقيق إنجازات الثورة اقتداء بثورة أكتوبر 1917 في روسيا القيصرية .. بل وباستثناء تجربة الحزب الشيوعي المغربي ، الذي سيصبح حزب التحر والاشتراكية ، فالاجتهادات الماركسية المغربية في سبيل بناء الحزب الماركسي اللينيني الستاليني ، قد حظيت بالجزء الأعظم من إنجازات التنظير الماركسي . بل ان منظمة الى " الامام " ، حتى في اعز محطاتها السلبية ، استمرت تنظر وتدعو للحزب الماركسي ، حين تم ترديد مقولة " لنبني الحزب الشيوعي المغربي تحت نيران العدو " ، وطبعا فان من يحلل الجملة ، سيكتشف ان اليسار الجذري فشل الفشل الذريع في المسالة التنظيمية ، وفي بناء الحزب الماركسي اللينيني الستاليني الماوي . ولا يزال هذا الضعف في بناء الحزب الثوري ساريا حتى الآن .. فما معنى ان تمر تجربة اليسار منذ 30 غشت 1970 ، أي خمسة وخمسين سنة ، و الحزب لم يُبني الى حد الآن ، بل بعد تشتيت اليسار الراديكالي في حلقات كثيرة ، ستزيد مشكلة بناء الحزب ، بل اصبح حلما لن يتحقق ابدا في الساحة ، وهذا الحظر الخارج عن طاقة الماركسيين ، سببه الضعف ، وليس النظام المخزني البوليسي ، الذي ذهب بأجهزته البوليسية والسلطوية ، الى التركيز على الإسلام السياسي الذي استطاع غزو الجامعة ، وسيطر على المنظمة الطلابية " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " " UNEM " .. ولنطرح السؤال . هل بناء حزب " النهج الديمقراطي ( العمالي ) ، هو قمة ما نظر له اليساريون الماركسيون ، منذ انفصالهم عن أحزاب القصر ، حزب التحرر والاشتراكية " وحزب " الاتحاد الوطني / الاشتراكي للقوات الشعبية " . فإذا علمنا ان وزارة الداخلية هي من رخصت للحزب بالنشاط السياسي ، بعد ان اعترف ( بالمقدسات ) " الله الوطن الملك " ، فهل هذا هو الحزب الذي شغل اليسار الراديكالي نفسه لبنائه ، ليصبح جزءا من الدولة لا خارجها ، رغم الشعارات التي تم ترديدها خلال هبّة 20 فبراير ، كعدم التقيد بسقف معين في المطالبة بالنظام السياسي الذي ترتضيه الجماهير ، أي بما فيها مطلب الجمهورية ، وهي جمهورية لن تكون كما خطط لها اليسار الراديكالي عند انطلاقته الأولى في 30 غشت 1970 ، وفي 23 مارس 1970 .. بل سيذهب الحزب بعيدا عندما نسق مع جماعة " العدل والإحسان " التي ترمي وتشتغل على نظام ( الخلافة ) . فكما كان مطلب الجمهورية مجرد مزايدة يسارية من دون تدخل الجيش ، فكذلك مطلب الخلافة الذي تردده " الجماعة " ، هو مزايدة من دون تدخل الجيش الذي يملك وحده القدرة لإسقاط النظام ، من دون تعاون من اليسار الراديكالي ، ومن دون تعاون من الإسلام السياسي .. ومرة أخرى هل " حزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) " ، هو قمة ما وصل اليه التجديديون باسم اليسار ، منذ المراجعات التي حصلت بالسجن المركزي بالقنيطرة في سنة 1979 ؟ . لماذا بعد مرور خمسة وخمسين سنة على 30 غشت 1970 ، لم يستطع اليسار الماركسي ، من بناء الحزب الماركسي ، غير حزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) الذي هو جزء من الدولة لا من خارجها ؟ .. لأنه قدم اوراق ( اعتماده ) مباشرة للسيد ياسين المنصوري عندما كان واليا مديرا عاما للشؤون الداخلية بوزارة الداخلية .. لكن ما يثير السخرية اكثر من الحدود ومن اللازم ، ورغم هذا الفشل الذريع في بناء الحزب ، لا تزال بقايا اليسار الماركسي ، يدعون لمجتمع ماركسي جاهل وغير مثقف ، ويحلمون ولا يزالون بالنجاح ببناء الحزب الماركسي الثوري كما تم التنظير له قبل 30 غشت 1970 ..
ورغم الفشل الواضح في مسألة بناء الحزب ، فان الماركسيين اللينينيين ، اجتهدوا في بناء تنظيم ، يعتقدون انه كان سيكون نواة بناء الحزب ، عند تعريض القاعدة ، وهي لن تتوسع ابدا ، في مجتمع طقوسي ، نيوبتريركي ، نيوبتريمونيالي ، رعوي في دولة رعوية ، كمبرادوري ، طقوسي ، مخزني مفترس ...
ويمكن لنا حصر النواة التنظيمية التي اعتبروها النواة الأساسية في بناء الحزب الماركسي اللينيني ، حتى عندما رفع اليساريون التقدميون وليس الرجعيون التصحيحيون شعار " لنبني الحزب الماركسي اللينيني ، تحت نيران العدو " . والجملة هذه كانت كجواب عن التحريفيين في سنة 1979 ، الذي سيصل بهم قمة تنظيرهم مستوى " حزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) " ..
ويمكن لنا ان نحصر في هذا الاطار وفي عجالة ، المسألة التنظيمية قبل إصلاحات سنة 1979 ، التي كانت نواة ترخيص وزارة الداخلية بالنشاط السياسي لحزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) .. أنا اتحفظ على كلمة ( عمالي ) ، لان الطبقة العاملة وبالمفهوم الماركسي غير موجودة ابدا في المغرب . لذا فان إضافة كلمة ( عمالي ) لعنوان الحزب ، هي من مستملحات الطاووسية ، والتمييز بين الكائنات الحزبية التي تنشط في الساحة ، وليس تمييزا مع بقايا اليسار الماركسي الذين ينشطون من وراء الحاسوب ، وبالشعارات الجوفاء الجافة ، في مجتمع قروسطوي يعيش نظامه تقاليد حكام القرون الوسطى ..
اذن سنحاول معالجة ارهاصات الأولية للمسألة التنظيمية من خلال محورين . محور الحزب الماركسي اللينيني المبني على المركزية الديمقراطية ، ومحور العنف الثوري كقابلة للتاريخ ، دون ان ننسى الموقف من قضية الصحراء الغربية ، لآنه ساهم في الانشقاقات داخل التنظيم الواحد ، وفي التباعد التنظيمي بين المنظمات . ..
1 --- لجان الديمقراطيين Les comites des démocrates . تتكون هذه اللجان من العاطفين على اليسار الراديكالي ، وبالأخص اقوى منظمة في هذا اليسار ، منظمة الى الامام . وهؤلاء كانوا يواظبون على قراءة ادبيات التنظيم ، وكانوا يساهمون في التصويت لفائدة مرشحيها اثناء انتخابات الجمعيات الطلابية في المدارس العليا ، وفي التعاضديات في الكليات ، وعند انتخاب مرشحي المؤتمرات الطلابية بمنظمة " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " UNEM .
2 --- لجان العاطفين المناضلين ، وتتكون من الأجانب خاصة الفرنسيين الذين يشتغلون في المغرب بمقتضى اتفاقيات التعاون الثقافي المغربي الفرنسي . ان مهمة هؤلاء تنحصر في تقديم المساعدات المختلفة ، من دعم مالي رمزي ، وتسهيل تهريب اطر اليسار الماركسي المتابعين بوليسيا الى فرنسا ، واخفاء المبحوث عنهم مثل ابراهام السرفاتي ، عبداللطيف زروال ، المشتري بلعباس ... الخ . كما ان هؤلاء كانوا يعتبرون عنصر اتصال بين الداخل ( المغرب ) والخارج ( فرنسا ) ..
3 --- الحلقات الأيديولوجية ، وتضم الافراد المبتدئين الذين تم استقطابهم من طرف اطر المنظمة الماركسية . ويتلقى هؤلاء داخل هذه الحلقات تكوينا سياسيا وايديولوجيا ، ليصبحوا أعضاء جذريين بدل متدربين .
4 --- لجان النضال . وتتكون من أبناء الحي الواحد ، او الاحياء المتقاربة والمتداخلة ، الذين يتكلفون بالتنشيط السياسي والتأطيري في الاحياء التي ينتمون اليها ويسكنونها .
5 --- لجان المناضلين . وهؤلاء يتولون توجيه أعضاء لجان النضال ، أعضاء الحلقات الأيديولوجية ، وأعضاء لجان المتعاطفين الأجانب .
6 --- لجان المناضلين الأساسيين . ويتكون هؤلاء من السياسيين المحترفين الذين يوجهون اعمال المنظمة اليسارية ، وهم يعيشون في سرية تامة .
7 --- خلايا الرفاق . وتتكون من الثوار المحترفين ، والمناضلين الجذريين في المنظمة ، وينتخب هؤلاء من بينهم ، وفي سرية تامة ، لجنة وطنية مُقرِّرة بمثابة مكتب سياسي . ويمكن حصر أساليب العمل النضالي الذي اتبعته المنظمة اليسارية فيما يلي :
ا --- الانغلاق في التنظيم .
ب --- اعتماد مركزية ديمقراطية جد متشددة .
ج --- كراء البيوت والمحلات السكنية في الاحياء الشعبية .
د --- تزوير أوراق التعريف والبطاقات الوطنية .
ه --- انتحال المهن والوظائف ، وتغيير الألقاب والاسماء .
و --- استعمال الإشارات وعلامات خاصة في التخاطب والتحرك .
ن --- تنظيم المظاهرات في الاحياء الشعبية ، والتظاهرات والوقفات في المدارس العليا ، وفي الكليات وبالمدارس الثانوية ... الخ .
--- الحزب الثوري :
حظيت المسألة الحزبية باهتمام فائق في التنظير ، واعتبر دوره في " ... يكون بناء الحزب البروليتاري ، ضرورة يمليها واقع الصراع الطبقي ، لتنظيم الإمكانيات الثورية للجماهير الكادحة ، وتخليصها من تأثيرات الأيديولوجية السائدة ،وفي مواجهة تنظيم الطبقة الحاكمة ، وترسانتها القمعية ... " ، " ... ان النضال التحرري للطبقة العاملة يهدف سياسيا الى قلب السلطة الحاكمة ، وفرض حكم العمال والفلاحين الفقراء ... " ، " ... وان دور الحزب هو تغدية هذه التناقضات الجماهيرية ، والرفع من قدرتها التنظيمية والسياسية ، وتهييئ عنفها المضاد الثوري ، لانتزاع السلطة في المرحلة الثورية الناضجة ... " ، .. لقد اعتبرت المنظمة اليسارية الماركسية ان المبدأ الموجه للحزب المركزية الديمقراطية ، التي تنظم وتضبط علاقته مع الفئات التي يدعي انه يتكلم باسمها ، أي العمال والفلاحون الفقراء ( في المغرب لا توجد طبقة عاملة بالتعريف الماركسي ، كما لا يوجد فلاحون بالتعريف الماوي Mao للحركة الفلاحية ، بل يوجد القرويون فقط ، والمغرب بلد قروي وليس فلاحي ، لأنه يستورد كل ما يتعلق بالفلاحة ، وبما فيه استيراد الغداء ، وعلف الماشية من اوربة .. ) . ان اعتماد المركزية الديمقراطية التي سارت عليها المنظمة اليسارية الى الامام ، يعني ان القيادة الستالينية الماوية ، تقترح المشروعات وتطرحها على الأجهزة التحتية للمناقشة ، في اتجاه القبول تحت طائلة اعتبار الرأي او العضو المعارض ، رجعي او مرتد .
"...ان المبدأ الموجه في بناء الحياة الداخلية للحزب الثوري ، هو مبدأ المركزية الديمقراطية . ان هذا المبدأ ما هو في الواقع الاّ انبثاق وتطبيق للأهداف التي يناضل من اجلها الحزب ، ولمضمون علاقته بطبقته ، وبالجماهير ، ولأسلوبه الرئيسي في النضال ... ان الديمقراطية العمالية تنبني في العمق ، على أساس التضامن والتآزر مع مجموع الطبقة ، كما ان حرية الفرد الحزبي تمارس ضمن مجموع التنظيم ، ولمصلحة الثورة بالأساس .. ان هذا المفهوم يتعارض بالمطلق مع مفهوم الديمقراطية والحرية ، وبالتالي المركزية في النظرية البرجوازية .. " . والملاحظ ان السبب وراء هذه الاطروحة في نظر أصحابها ، توحيد خطة الحزب ونظرته ، والحفاظ على تجانسه ، وفي نفس الوقت تجنب اخطار الانشقاقات التي تعتبر اهم خطر يهدد الأحزاب والمنظمات السياسية والنقابية .
--- العنف الثوري :
أولى اليسار الماركسي ، وبالأخص منظمة الى الامام الماركسية الستالينية والماوية ، أهمية قصوى لمسألة العنف الثوري ، ورفعته الى درجة القداسة . فاعتبرت انّ ما يميزها عن الأحزاب الاصلاحوية الانتهازية ، هو هذه الخاصية . أي العنف . لذلك اعتبرت ان كل ما هو عنيف ثوري ، وكل ما هو ليس عنيفا ليس ثوريا . ومن هذا المنطلق او الركيزة ، رفض اليسار الماركسي ، وخاصة منظمة " الى الامام " ، و" اسود الريف " ، و" لنخدم الشعب " ، النشاط السياسي داخل البرلمان ، سموه بالخط الإصلاحي ، ورفعوا شعار " برلمان الدليمي " الجنرال احمد الدليمي .. كما رفضوا النظام الملكي ، وطرحوا بديله الحكم او السلطة بمفهومه الثوري وليس الانتخابوي . أي نظام الجمهورية الديمقراطية الشعبية ، التي ستتحقق بواسطة حرب الشعب الطويلة الأمد . ( تأثير ماوي ) .
في هذا الخصوص شرع اليسار الماركسي ، وبالأخص المنظمة الرئيسية فيه ، " الى الامام " ، تنظر بخصوص هذه المسألة ، متأثرة في ذلك بالنموذج الاسيوي في الثورة . فمحورت نظرية العنف ، حول مواقع الصدام ، القواعد الحمراء المتنقلة ، القواعد الحمراء الثابتة ، البؤر الثورية ، العنف المضاد كقابلة للتاريخ ... الخ " ... ما من تناقض طبقي ، وما من قضية أساسية سبق ان حُلّت في التاريخ الاّ عبر العنف ... " ، " ... مجابهة العنف الرجعي بالعنف الثوري ... " ، " ... ان التناقض بين الامبريالية والطبقة الحاكمة في المغرب ، وبين مجموع الطبقات الكادحة الوطنية ، لا يمكن ان يحل الا بالعنف الثوري ... " .
يلاحظ هنا ان المنظمة الرئيسية في اليسار الثوري منظمة الى الامام ، رغم انها رفعت العنف الثوري درجة التقديس ، فأنها ادانت ما سمته " العنف البرجوازي الصغير " ، أي عنف البلانْكية الذي مارسه الفقيه محمد البصري " الاختيار الثوري " ، ابّان الانتفاضة المسلحة في 3 مارس 1973 بالأطلس المتوسط " خنيفرة ، مولاي بوعزة ، گلميمة " .. لقد اعتبر اليسار الماركسي ، باستثناء يسار " لنخدم الشعب " ، ان هذا العنف يشكل وجه العملة الثاني للخصم الاصلاحوي ، عبر في نفس الوقت عن سخط ونفاد صبر البرجوازية الصغيرة ، امام فشل الأسلوب الاصلاحوي ، ولعجز هذا العنف القصير النفس ، والمعزول جماهيريا ... " .. ان سر وذيلية العنف البرجوازي الصغير ، يرجع كونه كخط سياسي وعسكري ، عاجز عن تعبئة جميع الحركة الجماهيرية .. " ..
لقد طرحت منظمة الى الامام البديل الثوري ، حين ركزت في تنظيراتها السياسية ، وفي أدبيتها وايديولوجيتها ، على الطبقة العاملة التي بشرت بدكتاتوريتها ، وعلى الطلبة والتلاميذ الذين اعتبرتهم طليعة تكتيكية ، مؤهلة بحكم مستواها الثقافي والاجتماعي ، لنقل بذرة الوعي الثوري الى العمال ، والى الفلاحين الفقراء ، الذين ارتبطوا في نظرها بمسألة العنف الثوري في البادية . وان التجذر السري داخل الطبقة الفلاحية ، من اجل تنويرها وتثقيفها سياسيا ، ثم تنظيمها في اطار الحزب الماركسي اللينيني .. ، هي مهمة يقوم بها التلاميذ والطلبة الذين يدرسون في المدينة ، ويسكنون في البادية . فهؤلاء وحدهم مؤهلون لنقل دعاية اليسار الماركسي الثوري الى البادية ، للتحضير لمناطق الصدام المتحركة والثابتة ، و القواعد الحمراء ، والبؤر الثورية ... الخ . ان كل مدقق ومحلل لهذه الاطروحة وغيرها ، كتلك التي جاءت منذ بداية الثمانينات ، يجد نفسه مضطرا لطرح بعض الأسئلة ، حول جدية المشروع الماركسي ، ومدى قابليته للتطبيق في مجتمع تنخره الطقوس والتقاليد الشعوبية ، في مجتمع نيوبتريركي ، نيوبتريمونيالي ، طقوسي ، مزاجي ، ثيوقراطي وما هو بثيوقراطي ، كمبرادوري ... مفترس وناهب لثروة المفقرين الذي ينظرون الى ثروتهم تهرب لتكدس في المصاريف الاوربية ..الخ . فالإجابة التي ستأتي على ضوء هذه الأسئلة ، تثبت بالملموس درجة الإخفاق الأيديولوجي والتنظيمي لليسار الماركسي المغربي ، خاصة تجربة منظمة الى الامام ، وتجربة منظمة 23 مارس .
انّ من اهم هذه الأسئلة :
-- هل نجحت منظمة " الى الامام " عند انفصالها عن حزب التحرر والاشتراكية ، الحزب الشيوعي المغربي ، ومنظمة 23 مارس التي انفصلت عن حزب الاتحاد الوطني / الاشتراكي (للقوات الشعبية ) ، في صياغة الإجابات والتكتيكات المناسبة ، على ضوء نمو النضال الاجتماعي الجنيني ، وبعلاقة وثيقة بالبرنامج الاستراتيجي ؟ .
-- هل تمكن اليسار الماركسي وخاصة منظمة الى الامام ، تجنب السقوط في التكيف مع الحركة الجماهيرية من جهة ، وتجنب الانعزال عنها من جهة أخرى ؟ .
-- كيف يمكن ان توجه ظروف نمو النضال الجماهيري الجنيني ، في اتجاه بناء الحزب الماركسي الثوري ، الأداة الوحيدة والضرورية لكل تغيير جذري ؟ . أي هل كان انفصال وخروج منظمة الى الامام عن حزب التحرر والاشتراكية قرارا صحيحا في وقته ، يستجيب لخصوصيات الظرف ، وطبيعة التناقضات التي عرفها المغرب منذ سنة 1956 ؟ .
ان الجواب عن هذه الأسئلة ، يبين انه لم تكن لدا منظمات اليسار الماركسي التي استحال الى أرخبيل من النسيان ، التهيئة النظرية والسياسية الضروريتين ، للإجابة عن هذه الأسئلة المحرجة في زمانها ، خاصة في جانب العجز الكلي عند تنزيل هذه التساؤلات الى ارض الواقع . لقد خرجت منظمات اليسار الماركسي في بداية سبعينات القرن الماضي ، منظمة " الى الامام " في 30غشت 1970 ، " 23 مارس " في 23 مارس 1970 ، و" حركة لنخدم الشعب " خرجت من رحم 23 مارس في سنة 1972 ... مثقلة بكافة النقائص والامراض التي المّت بها ، فجاء ظهورها تمشيا تجريبيا وانتقائيا فوقيا على الحركة الجماهيرية ، الامر الذي يفسر واقع هذه الحركات الذي استحال الى التشرذم ، وانتهى بإفلاس تجربة سياسية لم تكن في المغرب وحده ، بل كانت في اوربة مايو 1968 ، وامريكا ، وانتشار النزعة ضد حرب الفيتنام ، وضد الانقلابات العسكرية في أمريكا اللاتينية ( الشيلي والرئيس سلفادور ألندي ) ، وتصفية الوطنيين " كبتريس لوموبا " وزعيم الحزب الشيوعي السوداني المحجوب ..
والخلاصة التي اجمع عليها محللو شأن اليسار الماركسي ، خاصة من الذين راجعوا التجربة التي كانت مُرّة ، ان المسألة التنظيمية ، المركزية الديمقراطية ، والحلقية ، واللجوء الى السرية .. كانت من الأسباب الرئيسية التي أدت الى تفجير الصراع التنظيمي والايديولوجي وحتى السياسي داخل هذا اليسار ، الذي شغل اهتمام العديد من المهتمين المنتمين الى دوائر مختلفة . وكما افلست التجربة الأيديولوجية ، افلست التجربة التنظيمية ، وزاد في هذا الإفلاس ، افلاس الاتحاد السوفياتي ، وسقوط جدار برلين ، وسقوط الأنظمة ( الشيوعية ) التي حكمت اوربة الشرقية .
لقد كان الطابع المكثف لعملها النظري الفوقي ، وخارج ارهاصات وحقيقة ما كان مختمرا في المجتمع ، ثم الطابع المغلق لعمله السياسي الحلقي .. سببا رئيسيا جعل هذا اليسار والمنظمات ، تعجز عن المزج بين انجاز مشروعها السياسي والايديولوجي ، وبين التحرك النضالي في الوسط العمالي / الفلاحي . لذلك بقيت هذه المنظمات ، وخاصة منظمة الى الامام التي تم اختزالها في حزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) ، حبيسة التهميش ، لأنه تم قص اجنحتها حتى في الجامعة وفي المدارس العليا ، فالتقى البوليس السياسي وجماعة العدل والإحسان ، في طرد هذا اليسار من اخر قلاع كان ينتعش فيه ، خاصة حين أصبحت " ا و ط م " UNEM تخضع للإسلاميين ، بعد تقزيم اليساريين ..
لكن رغم أسباب الفشل الذي كان إيديولوجيا ، وتنظيميا ، وسياسيا ، فان السبب الرئيسي في حصول انشقاقات داخل نفس التنظيم ، وحصول تباعد سياسي وتنظيمي وايديولوجي بين الحركات التي تتحرك في الساحة ، كان موقف اليسار الماركسي من قضية نزاع الصحراء الغربية . طبعا فان ما نظر له هذا اليسار ، ودخل بسببه المئات الى السجون ، اصبح النظام المزاجي التائه والبوليسي يؤمن به اكثر من ايمان اليسار به . فهل كان اليسار الماركسي يتوقع ان يقترح الملك محمد السادس حل الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف الجبر الذي كتب به ؟ وهل كان اليسار الماركسي ينتظر ان يخرج النظام المخزني البوليسي مرة ، ليطرح تحديات على مستوى الحلول المقترحة لنزاع الصحراء الغربية ، خاصة وان اعتراف الملك شخصيا بالدولة الصحراوية ، الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ، كان امام العالم ، وليس في الاقبية والبيوت . بل ان الملك سيصدر ظهيرا وقعه بخط يده ، يقر فيه بهذا الاعتراف الذي شمل الحدود الموروثة عن الاستعمار ، ونشر هذا الاعتراف بالجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد : 6539 / يناير 2017 ..
( يتبع )
--- موقف اليسار الماركسي من نزاع الصحراء الغربية : الحلقة القادمة ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تكون الگويرة سببا في اندلاع حرب بالمنطقة
- أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . ...
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو الأمين العام للأمم المتحدة ...
- 5 غشت 1979 ذكرى انسحاب موريتانية من - وادي الذهب - ، وذكرى ا ...
- ماذا يخطط لصراع الصحراء الغربية
- أراك في عيون الغد المعلق
- الغاية من الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء
- الموساد الإسرائيلي
- أي نظام سياسي صالح للمغرب ؟
- هل حقا ان فرنسا ايدت الحكم الذاتي بالصحراء الغربية ؟
- الأوراق الملعبة
- هل ممكن انتظار حرب بين النظام المخزني المزاجي البوليسي المغر ...
- بلادي صحروك جففوك
- آخر خلفاء بني أمية .. أنت .. ميتا ..
- حين يقلد النظام الجزائري النظام المغربي
- هل صحيح ان النظام البوليسي المغربي ، يشترط على نظام العسكر ب ...
- ظهور الاميرة سلمى بناني مع الأمير الحسن
- القضاء الإيطالي يصفع وجه المدعو فؤاد الهمة ، ويصفع وجه المدع ...
- ديمقراطية الدولة المخزنية
- من له مصلحة في اشعال الحرب بين نظام المخزن المغربي ، ونظام ا ...


المزيد.....




- بدء هجوم صاروخي إيراني واسع على إسرائيل الآن وصفارات الإنذار ...
- لقطات فيديو لسقوط صواريخ إيرانية على مناطق متفرقة في إسرائيل ...
- يديعوت أحرنوت: هجوم إيراني جديد بالطائرات المسيرة من المناطق ...
- مباشر: موجات متتالية من القصف والصواريخ بين إسرائيل وإيران ت ...
- التصعيد الإيراني الإسرائيلي يسيطر على أجواء قمة مجموعة السبع ...
- كيف رد ترامب على سؤال حول ما إذا كان سيتدخل في نزاع إسرائيل ...
- وزراء خارجية الخليج يبحثون الهجمات الإسرائيلية على إيران
- الصحة الإيرانية تعلن ارتفاع عدد القتلى جراء الهجمات الإسرائي ...
- ترامب يتوجه إلى قمة مجموعة السبع في كندا مع توقعاته بتوقيع ا ...
- -القناة 14- العبرية: انتشال جثمانين آخرين من تحت الأنقاض في ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - أزمة النظرية الماركسية . أزمة المشروع الأيديولوجي الماركسي . افلاس الناطقين به . ( تابع )