أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمّودان عبدالواحد - اللغة والعالم : التاثر والتاثير ، كيف ؟















المزيد.....

اللغة والعالم : التاثر والتاثير ، كيف ؟


حمّودان عبدالواحد

الحوار المتمدن-العدد: 8035 - 2024 / 7 / 11 - 17:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ثمة سؤال حول العلاقة بين اللغة والعالم يجب ان يعدَّل في أداته الاستفهامية لانه غير موفّق : هل تؤثر اللغة في رؤيتنا للعالم ؟ فعوض "هل" ينبغي استبدالها بالأداة " كيف " لأنّ التأثير الذي تمارسه اللغة على تصورنا للحياة ونظرتنا للكون والوجود، والإنسان والطبيعة .. موضوع مفروغ منه ولا يختلف عليه اثنان. اَمّا الكيفية التي بموجبها تحدث اللغة تأثيرا على روية الانسان لنفسه وللاخرين، والمجتمع والحياة برمتها فهذا مما ليس واضحا بما فيه الكفاية ويحتاج الى وقفات ودراسات وبحوث ونظريات، وشروحات وتوضيحات وتحاليل. ولعله من المفيد الإشارة في هذا الصدد الى ان تعاريف اللغة قد كثرت وتعددت في موازاة لكثرة وتعدد العلوم والمعارف والمناهج والمقاربات التي تناولتها بالدرس والتحليل.
كان أندريه مارتينه يحب تعريف اللغة بأنها " اعادة تنظيم تجربة الانسان في الحياة " ! وكان الشاعر والناقد والمنظر البيداغوجي بول فاليري يجيب دائماً ، حين يُسأل عن الشعر وما هو ، بانه " لغة خلال اللغة " !
وعند هذين العلمين الفرنسيين يدور الامر كله حول اللغة التي هي النقطة المركزية في فهم طبيعة الانسان وتجاربه في الحياة، الاجتماعية والسيكولوجية منها كما الإبداعية عن طريق الكتابة عموما والشعرية خصوصا !
ما معنى اِذن " اعادة تنظيم التجارب في الحياة"؟ وانطلاقا من ماذا ؛ من واقع التجارب ام من شيء اخر ؟ وهل هذا الشيء الاخر مفصول تماما عن واقع هذه التجارب ؟
واقع التجارب الانسانية يخضع لشروط عديدة تتحقق بسببها او داخلها، من اجلها او في سياقها ... منها أساسا عناصر لها علاقة بالزمان واُخرى بالمكان. ومهما كانت اللحظة التي وقعت فيها التجربة فإنّ هذه الاخيرة ، في علاقتها باللغة التي تعبر عنها، تنتمي للماضي. وكذلك المكان : يبقى ماضويا ، وبعيدا عن الرؤية العينية ، ولو بقي حاضرا بوجه من الوجوه في فضاء الذاكرة.
الامر يتعلق بتجارب تنتمي الى الماضي، الى زمن تركناه وراءنا ، والى تاريخ كلما تقدمنا في الحياة الا وابتعد عنا واضمحلت ملامح صوره في اذهاننا وادمغتنا.
على اية حال، وكما جاء في تعبيرٍ يُعزى لِنيكولا بوالو، فإنّ اللحظة التي اتكلم فيها الان تنتمي بمجرّد حدوثها ووجودها الى الماضي. مِمّا يعني ان لا وجود في الواقع الظاهرتي la réalité phénoménale لثنائية مثل الماضي والحاضر أو الحاضر والمستقبل .. كل ما هنالك هو زمن واحد يتطور ويتقدم الا وهو الحاضر.
الكلمة الرئيسية عند مارتينه في تعريف اللغة هي التي تصف وظيفتها : انها " تنظيمية " ! وكل اليات اللغة والطرق التي تشتغل بها لها علاقة ضرورية بهذه الوظيفة التنظيمية المركزية المنصبة على تجارب الانسان في الحياة. لكن التنظيم الذي تدخله اللغة على التجارب الانسانية ليس هو نفس التنظيم الذي خضعت له هذه التجارب في الأصل. انه تنظيم اخر لنفس التجارب ؛ تنظيم في الحاضر لتجارب حصلت في الماضي ! لِنقل: انّ هذا التنظيم هو اعادة صياغة التعبير عن التجارب ، إِنّه تنظيم جديد يغيّر ويعدّل اي يتدخّل في التجارب من جانب ذاكرتها الانية لحظة حدوثها أو ممارستها.
ما الذي يبوح به هذا التعريف ؟ اولا، ادعاء ان تجارب الانسان في الحياة تخضع لنظام، مباشر او غير مباشر، تتبعه او يخضع له الانسان في ظروف معينة ووفق وسائل ومعطيات محددة، ومن اجل أهداف وغايات معروفة سلفا ! ثانيا، ان اللغة حين تعيد تنظيم هذه التجارب فهي تقدم تمثلا représentation ما لها أي تصورا لاحقا لها وبعيدا عن لحظات حصولها وأزمنة ممارستها والفضاءات المكانية التي وقعت فيها، والسياقات المقامية التي أحاطت بها والشروط الموضوعية والعناصر الشعورية التي أطرتها أو كانت وراء إفرازها وإنتاجها.
عن ماذا كان يبحث محمد شكري وماذا كان يريد عندما برر للمستشرق والمترجم الياباني الذي جاء الى طنجة ومن ثم الى تطوان ليقف على الصهريج الذي خضع لوصف جميل في رواية زمن الأخطاء علما أنّه كان قبيحا متسخا ولا جمال يحيط به أو يطبعه ؟ كان الحافز هو إعادة تلك اللحظة الشعورية الجميلة في الطفولة البريئة وليس الصهريج نفسه ! والكل يعرف أن ّ اللحظة الشعورية هي ظاهرة مشروطة وغير مستقرة ، أَي
تتقلب وتتلوّن حسب السياقات والظروف، وحيث توجد بعض العناصر التي تلعب دورا فعليا في توليد الاحساس النوعي. هذه العناصر تعلق بالذاكرة وتبقى فيها كعلامات وقرائن تحيل الى اللحظة الشعورية. فماذا كانت النتيجة ؟ نقل الكاتب جمال تلك اللحظة النفسية الى الصهريج كمكان نشأت فيه أو حوله التجربة المتوخى نقلها وتصويرها. فنتج استبدال لحظةٍ وتجربة بشيء يذكّر بهما ويحيل الى حلاوتهما وعذوبتهما ! في الواقع، لم يستطع الكاتب ولن يستطيع هو أَو غيره استرجاع تلك اللحظة الزمنية بتجربتها الشعورية ولا المكان الذي وقعت فيه كما هو تماما ! يستحيل ذلك أكيدا !
وكل من يطالب الكاتب بأن يكون صادقا في نقل سيرته الذاتية مثلا فلا يقول الا الحق والحقيقة ، فإنه يبالغ في مطلبه ويخلط بين الكتابة والمعجزة. وما من شك في أنّ " الميثاق الاوتوبيوغرافي " الذي نادى فيليب لوجون كُتّاب السيرة الذاتية أن يحترموه لم يجد من قبِل به وتبناه في الكتابة عن الذات. وكيف يمكن لأحد أن يقبل به وهو مستحيل التحقيق ؟
هذا ، ولنا أن نتساءل أيضا: كيف كان مالارميه يتكلم عن الأوصاف والصور التي تمتلأ بها أشعاره في قصائده عن الطبيعة والزمن والحياة وجمال الاشياء والموجودات فيها ؟ " كان يحب تذكير الجميع، قراءًا ونقادا، بأنّ ما يقوم بتصويره ويحاول نقله في لغته الشعرية ليست الأشياء بل الآثار التي تتركها في نفسه وشعوره. هكذا عبّر هذا الشاعر الفرنسي الكبير عن حقيقة الفعل الإبداعي حيث تبقى الأشياء والظواهر والعناصر مجرد أدوات ووسائل في خدمة الموضوع الحقيقي الذي هو اللحظة أَو الأثر أو التجربة الشعورية. وبما أنّ الأشياء والظواهر وكذلك التجارب لا تبقى على حال واحدة بل تتقلب وتتبدل وتتخذ هيئات وأشكال، هي الاخرى في تغيّر وتحوّل متواصلين ، فان الشاعر يحمل على عاتقه مهمة القبض على حال من أحوال وجودها في لحظة شعورية ذاتية بكلمات وصيغ وأساليب تسعى راغبة حالمة ويائسة سلفا إلى إيقافه وتجميده قصد إضفاء صفة الخلود عليه ! الا يعني النداء الاستعاري المشهور " أيها الزمن الطائر توقّف مؤقتا عن التحليق" شيئا من هذا المعنى ؟
لكن الشاعر لا يهمه أَن يكون عاجزا عن تحقيق المعجزات ! إنّ غايته تتلخص في شيء واحد : أن يسكن العالم بشعره ! بمعنى آخر ، إنّه صاحب مشروع شعوري يتميز بالفرادة الوجودية جماليا ! ووسيلته في ذلك هي اللغة !
ويعرف الشاعر انه من المستحيل عليه أن يصل الى رفع الحجب عن الواقع الموضوعي الكامن في باطن الكائنات. يحاول فهم الطبيعة الحقيقية للاشياء والوقوف على أسرارها فيحتاج في سبيل ذلك إلى مفتاح أو مفاتيح تمكنه من الإحساس بروح هذه الأشياء والإصغاء إلى دبيبها، والتواصل معها حالما بالتبادل الوجودي. ومنتهى أمانيه النفاذ الطفولي الى الداخل ! لهذا، يلجأ الى اللغة وهو يعرف مسبقا ان العالم (الطبيعة والكون والمخلوقات والوجود ..) يتمتع بوجود مستقل خارجي عنها وينفرد بعيدا عنها بموضوعيته الظاهراتية والفيزيقية. كما يعرف أن ّ اللغة لا يمكن لها بوحداتها ونظامها، ومستوياتها الصوتية والصرفية والمعجمية والتركيبية والدلالية، وآليات اشتغالها وقواعدها أن تفي بالغرض المنشود الذي هو إزاحة الستار والحجب، ورفع الحواجز والأغطية، وتمزيق الخواتم عن الروح الحقيقية والطبيعة الحقيقية والحياة الحقيقية والكلام الحقيقي والجمال الحقيقي للاشياء والكائنات في العالم.



#حمّودان_عبدالواحد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضدّ الكتابة حينما تجعل من اللغة زنزانة لِلفكر !
- الألم واللغة : بحثا عن كتابة إبداعية، عن أمل الأوجاع !
- أخي إلياس خوري، هل وصلتك رسالتي ؟
- مُرَوْبِصون لا يفكّرون ، ولا يحلمون !
- أين أنت أيها الإعلام ؟ فهّمني ما يراد بي فعلُه أنا العربي ! ...
- اسْطِفّان إسّل ، رسالةُ الكهلِ الساخط المبتسم بعد رحليه واقف ...
- الحرب بين هدف السلام والحقيقة
- - السِّرْفال - الفرنسي والقط الوحشي الإفريقي ، ماذا وراء الك ...
- ماذا وراء أقنعة -عمود السحاب- و -ركن الدفاع- ؟
- أهلا بفلسطين ، هنيئا للدولة 194 ، العالم معك !
- التراجيديا العربية في مرآة القناص والفريسة الحلبية


المزيد.....




- لحظة ظهور البابا الجديد من شرفة كاتدرائية القديس بطرس على وق ...
- الكلمة الأولى للبابا الجديد روبرت فرنسيس بريفوست بعد انتخابه ...
- هل غيرت Google تسمية الخليج من -الفارسي- إلى -العربي-؟
- انتخاب روبرت بريفوست كأول أمريكي في التاريخ بابا للفاتيكان
- بعد لقائه مع ماكرون..الشرع يعلن عن مفاوضات غير مباشرة مع إسر ...
- 8 مايو 1945: -مجازر الجزائريين التي ترفض فرنسا تحمّل مسؤوليت ...
- انفجارات عنيفة تضرب مطار مدينة جامو بكشمير الهندية
- -8 ماي 1945-: فيما يحتفي العالم بـ -عيد النصر-.. الجزائر تست ...
- مجلس النواب الفرنسي يصوّت على قانون جديد لمكافحة معاداة السا ...
- أوشاكوف: روسيا والولايات المتحدة تعملان على عقد لقاء ثنائي ب ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمّودان عبدالواحد - اللغة والعالم : التاثر والتاثير ، كيف ؟