حمزة الحسن ..المتصوف الذي يعيش مجردا من بلده

محمد عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8022 - 2024 / 6 / 28 - 19:53
المحور: الادب والفن
    

"الكاتب في سجن ومنفى من يوم حمل القلم" .
ترددت كثيرا ،وانا اكتب عن انطباعي حول رواية " ولادة ذئب " للاستاذ حمزة الحسن ، المفكر والروائي العراقي المغترب ، ولكن ليس عن وطنه.
فالكتابة عن هذا الشامخ الصوفي ،تعني السير في درب زلق نحو قمة جبلية، والانزلاق يعني النهاية . فسيرته سفر ، وعمق تجاربه وتاريخه النضالي ، يضاف اليه موسوعته في الفكر والثقافة والفن العالمي،التي يختزنها بذاكرته كفيل في عزفك عن الكتابة .
فوليد الثورات والارهاصات الفكرية والتخندقات السياسية وسطوع الايديولجوجيات عجنت الحسن الذي لا يعجبه سوى ما يقول. لان ما يقول هو الحقيقة. وعليك ان تاخذ بها او تدعها لتعود اليها .
والكتابة ايضا عن هذه الموسوعة المتكاملة والغائبة عنها للاسف جامعات العراق والمؤتمرات والندوات المعنية بالثقافة ، يعني ان تكون واثقا بقدرتك الى الوصول لبعض حوافي سواقيه المتناثرة قبل التقائها بنهره الغزير العطاء، وان كنت صحفيا سجلت حضورا لافتا في تاريخك النضالي وفي الصحف والمجلات العربية الصادرة في اوروبا.
والقراءة لهذا الروائي العراقي المبهر،المنفي جسدا عن بلده والمتوجس من مستقبله اليوم وغدا وصولا لاجياله، فانت تعيش تاريخا مختزلا لرواد الثقافة الغربية وحيثيات نتاج ابداعاتهم،من فلاسفة وشعراء وكتاب ورسامين وممثلين لتُسحب دون شعور من فصول تلك الابداعات ،الى عراق يمر كقطار مثقل على سكة صدأة. حاملا لك الاماكن واجوائها ،الساحات بما شهدته من احداث والاسواق المشهورة،والمقاهي وشواهد دور العرض وازقة بغداد ودجلة وجسورها .
تعيش روح الثورات ،وتداعيات الانتكاسات المتكررة من دون اشارة لها ، وحزن الهزائم وهواجس النفي،الهروب وظلمات السجون.تعيش الصراع بكل صنوفه .لكنه،لم يتوقف عند هذه الفواصل لبلد ما يزال يثخن بجراحه ، ليصطحبك الى شوارع بغداد المضطربة من الماضي حتى الغزو وما تلاه والى اليوم.
تعيش انظمة حكمته وشعارات الثورات،والتظاهرات السابقة واللاحقة ، بلياليها ورصاص الظلام المختبئ خلف عيون القتلة، دخان القنابل الغازية في ساحة التحرير،والحروب وضحاياها على مدى 15 عاما من عمر الكاتب .
انها رواية لا تقف عند حدود !!
لم تكن الاماكن ولا الكوارث التي حلت بالعراق وحدها سر الابداع والتميز في " ولادة ذئب".
فالرواية التي جاءت بـ208 صفحات،حملت الكثير من العوالم والحكايات والتجارب ومشاهد ووقائع خاضها وعاشها الكاتب الفيلسوف (كما اراه ) . ابتداء من طفولته ،شبابه ،اعتقاله المتكرر،هروبه،مرورا برفاقه وهم من ابرز اعلام العراق السياسي والثقافي لحقبة سبقت استيلاء البعث على السلطة ،وما بعدها.
وان كان زهيدا في التعمق فيها رغم اهميتها التاريخية .
ما ينافر بالتاكيد ما يصدر اليوم من مذكرات كتبت باثمان بائسة لشخوص زحفوا الى المناصب واخرين يدسون انوفهم زيفا بتاريخ العراق السياسي او الثقافي .
واقع العراق بعد 2003 بكل تفاصيله كان فاتحة الرواية، وتحديدا من ظاهرة تفشي قتل النساء تحت مسمى (جرائم الشرف) ، واطفال ليلة الغزو ، ليأخذك الى فصول وسرديات لا تنتهي حبكة كاتبها لواقع مرير لحقيقة العراق اليوم بكل تفاصيله ليمنحك كعادته نتيجة واقعية ومقنعة لكل ماحدث ويجري اليوم .
فالمشهد العراقي الماضي والحالي الذي رافقته تجارب الكاتب من بلده وحتى اقامته في النرويج ، بعد رحلة الحياة اوالموت، التي قرر خوضها بين الالغام على الحدود العراقية الايرانية، يتجدد مع ذلك الذي ولد اوائل خمسينات القرن الماضي .
لم تتغير قناعاته منذ ان كان رقما مع ابرز اعلام العراق خارج وخلف اقبية السجون من سياسيين وشعراء ومفكرين ومتمردين .
يلخص تجاربه وكأنه لا يرغب بالحديث عنها كالمتصوف الرافض دوما عن مشاركته خلواته،لكنه وبغفلة او سهوة ، وباسلوبه المتميز وبحكبته المتجددة ،يسرد لنا وقائع شهدها العراق الحديث كان له بها اثر . بعد مزجها بالاماكن التي ينتقيها بخبرته وفق سياق الرواية، كاطلال قصر العريبي وحمامة فائق حسن ،والمعبد البهائي الذي تحول الى سجن لضحايا مجزرة الخلد عام 1979، مرورا بعمارات شارع السعدون وتمثاله وازقة البتاوين وغيرها من الاحياء والمنازل حيث تلاشى معها تاريخ ساكنيها .
كل ذلك يرافقه بحبكة وسرد متميز لاحداث الانقلابات الثلاثة في العراق ، و ما جرى من حرب اهلية بعد الغزو ، ودور جيمس ستيل رجل اميركا الغامض الذي اسس لها واشعل فتيلها.
ف"تاريخنا تاريخ مصادفات وحماقات ونزوات قد تقلب الوضع كله بلا توقع " .
كما يأتي في سياق الرواية ليختمها بنهاية الباحث المتمرد بـ "مجهول الهوية ".
هذا ليس كل شيئ عن الرواية و"حمزة الحسن"المجرد من وطنه جسدا .
فولادة ذئب لا تختزل بعمقها ورسالتها بهذه السطور كونها ملحمة سردية لتاريخ وطن تنتهي احجياته العصية بها .
قراءات اخرى عن مؤلفاته حين توافرها وهي "الاعزل -حقول الخاتون -عزلة اورستا -تاريخ مضاد -سنوات الحريق".

#محمد_عبدالله (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل