أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - رياض سعد - التكتك قضية وطن ومحنة أمة (1-2)















المزيد.....


التكتك قضية وطن ومحنة أمة (1-2)


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 7988 - 2024 / 5 / 25 - 16:35
المحور: الصحافة والاعلام
    


(1)
بعض الناس يرفع شعارات لا تنسجم مع واقعه , ويتفوه بعبارات لا يفقه معناها , ويتحدث عن قضايا أكبر من حجمه و وعيه ؛ و يظن انه يحسن صنعا ؛ ومن مصاديق هؤلاء , الناس الذين صدعوا رؤوسنا بضرورة افراغ الشارع العراقي من ( التكتك والستوته والدراجة ... الخ ) في الوقت الحالي ؛ بحجة ان العراق بلد غني , وبالتالي ينبغي ان يركب العراقيون كلهم وعن بكرة ابيهم سيارات مرسيدس المانية او تويوتا يابانية ؛ او لا أقل سيارات حديثة ... الخ .
واحيانا يكون الهدف من هذه الدعوات افقار العراقي , والامعان في رفع معدلات مشاكله الاقتصادية , وليس رفع مستواه المعاشي كما يدعون ؛ تماما كما تفعل الانظمة السياسية الفاشلة والتي ترفع الشعارات الدينية او القومية والعابرة للحدود والقارات , لإلهاء الجماهير واهمال الشؤون الداخلية للبلد ؛ بحجة مقارعة العدو البعيد , فلا تستغرب من نظام سياسي يهمل شؤون بلده الواقع في قارة اسيا مثلا , بذريعة الاهتمام بقضية دينية او انسانية او سياسية في امريكا اللاتينية او قارة افريقيا .
و دعوات هؤلاء للتلاعب بالعقول والضحك على الذقون او لإثارة الرأي العام ضد هذه الحكومة او تلك , وكلنا يتذكر الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات الجماهيرية في العراق , والتي تم اختراقها من قبل الاعداء , وكانت نتائج مطالبة الشعب بالإصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد ؛ المجيء بالفاشل الكاظمي وزمرته من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي و رجال الاعلام الذين لا يفقهون شيئا في شؤون الاقتصاد ومحاربة الفساد , وأول اجراء قام به الكاظمي ارضاءا لمن جاء به , وسانده ؛ قطع رواتب المعتقلين والسجناء السياسيين من ابناء الاغلبية العراقية وايقاف كافة مستحقاتهم القانونية والتي اقرتها قوانين المرحلة الانتقالية , كما هو المعمول به في اغلب دول العالم , مع الابقاء على رواتب البعثية وازلام الاجهزة القمعية والبالغ عددهم 550 الف متقاعد , على حالها من دون المساس بها ؛ ففرح البعض واعتقد ان هذا الاجراء الحكومي يعد من الانجازات الاقتصادية الا ان الحقيقة تشير الى خلاف ذلك ؛ فقد اراد الكاظمي و زمرته بهذا القرار الجائر والفاشل , زيادة نسبة الفقر داخل دائرة الاغلبية العراقية بحجة محاربة الفساد والاصلاح ؛ فقد اضاف الى جيوش العاطلين عن العمل والمحرومين من رواتب التقاعد والرعاية شريحة جديدة ؛ بينما كان الاولى به توسيع رقعة المستفيدين من ميزانيات الحكومة وثروات العراق ؛ ولو كان صادقا فيما يدعي لألغى رواتب زبانية النظام البائد , وحاسب حيتان الفساد , وقلل من امتيازات و رواتب المسؤولين والساسة والموظفين الطائلة , وغير سلم الرواتب بما ينسجم مع العدالة الاجتماعية و تقليل الفوارق الطبقية ؛ و قد كلل جهوده الاقتصادية الجبارة وخطواته الاصلاحية الكبيرة بقانون الامن الغذائي سيء الصيت – اذ اختفى بحدود ال 30 مليار دولار بحجة الامن الغذائي - ؛ وسرقة القرن وغيرهما من الكوارث الاقتصادية , وصدق من قال انه باع العراق ( تفصيخ ) , وحبل فضائح حكومته على الجرار ؛ فكل يوم نكتشف جريمة جديدة ...!!

كذلك هؤلاء الذين يطالبون الحكومة بمطاردة اصحاب ( التكتك والستوته والدراجة ... الخ ) ومصادرة الياتهم والتضييق عليهم ؛ بحجة ان هذه الوسائل لا تليق بالعراق والعراقي ؛ او بذريعة مخالفة بعض السواق للقوانين وقواعد السير والمرور العامة ... ؛ فهذه الدعوة اشبه بكلمة الحق التي يراد بها باطل , هذا اذا احسن الظن بهم ؛ والا فهي كلمة باطل ويراد بها باطل ايضا .
والذي يستمع لهؤلاء ؛ يظن ان العراق كان متطورا ومزدهرا وغنيا , وان العراقي كان ملكا ومرفها وعزيزا وامرا ناهيا يعمل بخدمته الاجانب والغرباء , ويركب افخم السيارات الامريكية والالمانية , ويسكن القصور , ويأكل ما لذ وطاب من الاطعمة والاغذية المحلية والمستوردة , ويلبس افضل الماركات العالمية , ويتزين بالذهب والفضة , ويسافر للسياحة والاستجمام في كل شهر مرة ...!!
يريد منا هؤلاء المبالغون او الافاكون او المغفلون ؛ القفز على حقائق التاريخ المعاصر , وغض الطرف عن حقائق الواقع العراقي المؤلمة , والتصديق بهذه الدعوات الطوباوية والشعارات الكاذبة , فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 والى سقوط الصنم عام 2003 ؛ لم ير العراق والعراقيون خيرا قط ؛ فخيرات العراق تذهب الى الدول الاستعمارية والاقليمية والعربية ؛ او تنفق على الحروب والسجون والمعتقلات والمقابر والاعدامات الجماعية وادوات التعذيب وقمع الثورات والانتفاضات الشعبية , او تذهب الى جيوب الساسة والحكام والمرتزقة من زبانية الاجهزة القمعية واصحاب الاقلام المأجورة من العراقيين الفاسدين وغيرهم من شذاذ الدول الخارجية .
طوال 83 عاما من الحكم الطائفي والعنصري البغيض ؛ ومحافظات الجنوب والوسط محرومة من الكهرباء والماء الصالح للشرب والبنى التحتية والحياة الكريمة , فقد كانت السيارة بسعر البيت بل أغلى منه احيانا , واغلب العراقيين كانوا تحت خط الفقر : بلا سكن ولا وظيفة ولا راتب تقاعدي يكفي لسد الاحتياجات , ولا امان ولا استقرار , فقد خلفت تلك الانظمة القمعية الدموية وراءها جيوش جرارة من المرضى والفقراء والعاطلين عن العمل والبائسين والمشردين والمعاقين والمصابين بمختلف الامراض النفسية والعقلية والايتام والارامل والسجناء والمعتقلين والجهلة والمتخلفين ... الخ .
تصور عزيزي القارئ ان شوارع العراق والى عام 2003 كانت تسير فيه سيارات رديئة وقديمة ( سكراب ) تعود لحقبة العهد الملكي , وان محافظة النجف الاشرف لا توجد فيها غير 5000 الاف سيارة فقط , واغلبهن موديلات قديمة ومتهالكة (دك النجف ) ؛ واما سيارات المرسيدس القليلة فهذه من حصة صدام و زبانيته فقط , و كان العراق العظيم من شماله الى جنوبه لا يوجد فيه اكثر من 141 الف سيارة فقط عام 2003 ؛ ولا زلت اذكر ان اغلب السيارات كانت عندما تسير في الشارع تخلف وراءها سحب من الدخان الاسود الكثيف , وكان رؤية السيارات العاطلة في الشوارع أمرا مألوفا لدى العراقيين , واما باصات النقل العام , قليلة ورديئة وغير مريحة , ويقف الناس فيها كأنهم اسرى حرب من شدة الازدحام , وعلى الرغم من قلة السيارات فرض النظام الجائر قانون الزوجي والفردي للسيارات ؛ وذلك لعدم انسيابية سير السيارات في الشوارع وما ينتج عنه من ازدحامات خانقة ؛ بسبب انهيار البنى التحتية وانعدام النظام وقلة الشوارع المعبدة بصورة صحيحة وكثرة الشوارع المتضررة , وكانت عربات الخيول والحمير تجوب شوارع بغداد والمحافظات كافة ؛ وهذا الذي ذكرته لك عزيزي القارئ يعتبر غيضا من فيض ؛ وبعد عقود الجوع والحرمان والبؤس والتخلف والامية والجهل في العهد الملكي , وبعد ايام العنف ومسلسل الدم والانقلابات العسكرية والحروب والويلات في العهد الجمهوري ؛ وبعد السنوات العجاف واعوام الحديد والنار والارض المحرقة واجرام صدام وارهاب البعث ؛ يخرج لنا احدهم ويدعي ان العراق كان غنيا وان العراقي لا يليق به ان يركب ( التكتك) الهندية او سيارة ( السايبا ) الايرانية ...؟!
نعم كلنا نطمح ان يكون العراق اعظم دولة , وان يعيش العراقيون في بحبوحة ورفاهية ؛ وان لا نستورد من الخارج الا الصناعات الجيدة والمعروفة بجودتها وعمليتها وملائمتها للأجواء العراقية ؛ الا ان الواقع شيء والاماني شيء اخر مختلف تماما ؛ وصدق شاعرنا المتنبي عندما قال :
ما كلُّ ما يتمنى المرء يدركهُ تجري *** الرياح بما لا تشتهي السُّفنُ.
فالأوضاع الاقتصادية الحالية في العراق ؛ تحتم علينا تنويع مصادر الدخل وكذلك تعدد وسائل المواصلات - ( بدءا من الطيران العام والطائرات الخاصة وطائرات الاجرة الخاصة , مرورا بوسائل النقل البحري والنهري المختلفة , وصولا للقطارات والمترو والشاحنات والباصات والسيارات , وانتهاءا بالدراجات والتكتك والستوتة وعربة الدفع ( العربانه ) ... الخ ) - ؛ فلسنا أعظم شأنا من الهند النووية ؛ اذ يوجد فيها كافة وسائل النقل بما في ذلك الدراجات الهوائية ذات العربة الصغيرة والتي تستخدم للأجرة والنقل ايضا , بل حتى ظهور الفيلة تؤجر للسياح والمواطنين في بعض المناطق السياحية ؛ وكذلك ايران فقد رأيت عمال النظافة والبلدية يستقلون ( الستوتة ) ويعملون من خلالها , والبعض منهم يتنقل في المناطق الجبلية بواسطة البغال والحمير , والدراجات النارية هنالك تستخدم للأجرة وعربات الخيول للسياحة , وكذلك مصر تستخدم كل هذه الوسائل بل تستخدم الجمال لنقل السياح قرب الاهرامات , وتستعمل عربات الخيول والحمير لنقل القمامة وفي العاصمة ... الخ .
فالمسألة ليست عبارة عن شعارات ودعوات وتمنيات ؛ اذ ترتبط وسائل المواصلات بالواقع ومتطلبات السوق وظروف العمل ؛ فلو هبطت سفن فضائية في شمال العراق ؛ لما تخلى الكردي عن وسيلته المفضلة في التنقل عبر الجبال ؛ الا وهي البغال , وكذلك (التكتك والستوتة وغيرهما من الوسائل البسيطة ) , فقد سدت فراغا في الشارع العراقي , فمن باب اختفت وسائل النقل العام كالباصات من الشوارع فضلا عن عدم وجود مترو , وارتفعت اسعار اجور سيارات الاجرة - التكسيات - , وبسبب تخريب البنى التحتية والتجاوزات التي ادت الى ضيق الازقة والشوارع في بعض المناطق والاوحال والمياه الاسنة المنتشرة هنا وهناك , لا يقبل اصحاب ( التكسيات ) بالذهاب اليها , بينما يقبل اصحاب ( التكتك والستوتة ) بذلك ؛ وبأجور منخفضة مقارنة بأجور اصحاب سيارات الاجرة , ولان ( التكتك) اقتصادية في التصليح والادوات الاحتياطية وصرف البنزين ؛ نجحت , وازداد الطلب عليها من قبل الشباب العاطلين عن العمل , وبعض الشباب يجني من العمل بها يوميا 50 دينار احيانا بينما لا يجني البعض الاخر اكثر من 10 الاف دينار , وهكذا ... الخ .
فبدلا من هذه الدعوات الطوباوية والشعارات الهلامية والتي من الصعب تحققها في الوقت الراهن وفي ظل هذه الظروف العصيبة والتحديات الخطيرة ؛ طالبوا بالمطالبات الواقعية والممكنة ؛ كتطوير البنى التحتية لاسيما الشوارع والارصفة والانفاق والجسور والمحطات و ( الكراجات ) ... الخ ؛ وفرض النظام المروري الصارم والعملي , وتشريع القوانين التي تصب في صالح الوطن والمواطن , مع نصب اعمدة الاشارات المرورية والكاميرات الحرارية واعمدة الإنارة واشارات السير العامة وتحديد اماكن العبور والسير والوقوف ... الخ ؛ وتوزيع دوريات رجال المرور والامن والقانون في كل مكان , وتخفيض اسعار بيع ( التكتك) من خلال اعفاءها من الضرائب ورسوم ( الكمرك) او انشاء مصنع لها في العراق , او الزام التاجر والمستورد بوضع نسبة معقولة من الربح عليها ؛ اذ ليس من العدل والانصاف ان يربح التاجر على ( التكتك ) الواحدة اكثر من 3000 دولار , فقد بيعت بعضها بمبلغ 7 مليون دينار عراقي ...!! , وتسهيل معاملة التسجيل واعطاء الرقم المروي ؛ والا باي حق يؤخذ من الشاب اكثر من 800 الف دينار عراقي ؛ نعم تم تخفيض المبلغ فيما بعد الى 500 الف دينار ؛ في حين ان سعر ( التكتك ) المستعمل قد يصل في بعض الاحيان الى مليون دينار فقط , والعجيب في الامر ؛ ان التاجر استوردها بعلم الحكومة , واخذت الدولة كافة الرسوم عليها , وباعها للشباب المساكين والمظلومين والمغبونين بأوراق رسمية واموال كثيرة وارباح مجحفة , ومع ذلك تبدأ رحلة العذاب الاولى للشباب والكسبة في مراجعة دوائر الدولة ؛ من اجل تسجيلها والحصول على رقم ؛ اذ يعاني الشاب المراجع الامرين ؛ ويصاب بالصداع والدوار ؛ بسبب تعدد مصادر القرار واختلافها , وكثرة الاجتهادات وتضاربها , فضلا عن الروتين والفساد المستشري في دوائر المرور وغيرها , و بعد اللتيا والتي ؛ يحصل الشاب ( المكرود) البائس على الرقم ؛ الا ان معاناته لا تنتهي عند هذا الحد , اذ تطارده الدوريات في كل مكان , بل ان بعض الاماكن محرمة عليه وممنوع دخولها من قبله , وطالما صادرت الجهات الرسمية مئات بل الاف ( التكاتك) باجتهادات شخصية و وفقا لأمزجة المسؤولين ؛ والمصيبة انها تباع مرة اخرى للمواطن البائس في المزادات الحكومية , وتناهى الى سمعي ان دراجات الشباب العراقيين المصادرة من قبل اجهزة الدولة , تباع الى نفس التاجر المستورد تحت ذريعة المزاد العام ؛ والذي يرجع يبيعه بدوره للشاب العراقي المحارب من قبل دوائر حكومته , مرة اخرى ...!! ؛ وكأن الامر اشبه بتدوير المشاكل والبلاءات والعذاب والازمات , فهو استنزاف لمقدرات وجهود الشباب المساكين ... الخ .
(2)
من المؤلم ان يستيقظ الشاب صباحا ؛ وبداخله شعور بالاسى والقلق حيال عمله كسائق ( التكتك ومن لف لفه من مكاريد الشباب والعراقيين ) اذ تتراءى امام عينيه صور مطاردات الشرطة والدوريات ومضايقات رجال المرور اليومية , وازعاجاتهم الروتينية , و التي تنغص يومه وتعكر مزاجه ... , فالكل يشعر بانه مطلوب ومطارد , والجميع يعلم بأن موظفو الحكومة ولاسيما رجال الامن منهم يعاملون المواطن كعدو او مواطن من الدرجة الثانية في افضل الاحوال ... , وبالتالي يعيش المواطن القلق والاضطراب ... , ولعل سائل يسأل هل وظيفة الاجهزة الامنية والدوائر الحكومية زرع الامل والطمأنينة والامان في قلوب المواطنين ؛ ام العكس , وهل واجبها تسهيل معاملات الناس والرفق بهم والاحسان اليهم , وبذل الجهود الحثيثة لرفع مستواهم المعاشي من خلال تقديم افضل الخدمات والارتقاء بالواقع الاقتصادي والصحي والتعليمي والثقافي والاجتماعي ... الخ ؛ فضلا عن انجاز منظومة البنى التحتية الرصينة والمتكاملة ؛ ام وظيفتها تعسير السهل وتعقيد الامور ومحاربة العباد وتدمير البلاد ...؟؟!!
من يعتقد ان المشكلة في ( التكتك) او ان سبب الخرق الامني يكمن في الدراجة ؛ فهو واهم , فالقضية تتعلق بأصحاب ( التكاتك ) والدراجات والستوتات ... الخ ؛ بتعبير ادق : ليست التكتك من تدفعهم للمشاركة في التظاهرات , ولا الدراجة تغيرهم بالاغتيالات او مخالفة القوانين ؛ انما ظروفهم هي من تجبرهم على فعل ذلك ؛ والانسان ابن بيئته كما يقولون ؛ وابن البيئة المظلومة والمحرومة ناقم دائما وابدا , وابن البيئة المهملة والجاهلة والمهمشة قد يعمد لارتكاب الجرائم ... , وهكذا ؛ فليس من المنطقي والعملي , ان يصدر المشرع العراقي قرارات تمنع سياقة التكتك او الدراجة ؛ لمجرد ارتكاب جريمة او اكثر بهما , ولو ان المسؤولين ورجال الامن والقانون في العالم ؛ منعوا كل وسيلة نقل من السير في الارض او البحر او السماء لمجرد ارتكاب اصحابها جرائم فيها او بواسطتها ؛ لما بقت في حياة بني البشر وسيلة يقطعون بها الفيافي والبحار والسهول والانهار غير اقدامهم ...!!
فالعلة لا تكمن في وسيلة النقل بل بصاحبها و ظروفه وقوانين بلده وكفاءة اداء اجهزة ودوائر حكومته , وها هي دول العالم توجد فيها مختلف وسائل النقل الجوية والبحرية والنهرية والبرية ؛ ومع ذلك الامن فيها مستتب , ومصالح الناس تسير بسهولة وانسيابية , ولا توجد مشاكل في البين ؛ لان القوانين العملية موجودة , والكل ملتزم بالنظام والقانون , والحكومات هناك تعمل اناء الليل واطراف النهار على خدمة مواطنيها .
وطالما عانى العراقيون الاصلاء من ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ من الاتهامات الجاهزة والادعاءات المفبركة ولغة التعميم التعسفية ؛ ومن ضمن هؤلاء الذين تعرضوا للنقد الهدام والتعميم ؛ اصحاب ( التكاتك ) وقد تعرض لهذه الهجمة الاعلامية والشعبية الشرسة من قبلهم اصحاب الدراجات النارية , و من قبلهم سواق ( الريم والكوستر والكيا واللوريات ) ايضا , وكلامنا هنا لا يعني اتصاف هؤلاء جميعا ؛ بالأخلاق والذوق والكفاءة والمهارة والالتزام بالقانون ؛ اذ لكل قاعدة شواذ , وكما يقول المثل الشعبي العراقي ( ماكو زور يخله من الواويه ) ؛ففي كل مهنة وفي كل ملة ؛ يوجد الصالح والجيد وكذلك يوجد الطالح والسيء ؛ واغلبنا شاهد الفيديو الذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي والذي اظهر احد اصحاب السيارات الحديثة الباهظة الثمن ( جكسارة) وهو يسرق (كارتونة ماء ) من احدى المحلات ... ؛ فاتهام اصحاب (التكاتك ) بانهم سراق ومنحطون وساقطون ... الخ ؛ غير صحيح , فقد رأيت البعض منهم من اصحاب الشهادات الجامعية ... !!

ومن المؤكد ان الدخلاء والعملاء والغرباء واتباع الخط المنكوس عندما ينتقدون هذه المهنة او تلك ؛ وينتقصون من اصحابها , لا يقصدون بتلك الاتهامات والافتراءات والاحكام التعسفية الجاهرة واستخدام لغة التعميم الباطلة ؛ المهن او اصحاب تلك المهن فحسب ؛ بل المقصود البيئة الاجتماعية الحاضنة لأصحاب تلك المهن , او الاصول النسبية والجذور العرقية والقومية التي يرجع اليها اغلب اصحاب تلك المهن , فهؤلاء يرون اصحاب المهن مخطئين في كل الاحوال وبغض النظر عن الظروف ؛ لانهم مؤدلجون بالفكر المنكوس الحاقد على ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ لذا تراهم ينبزون العراقيين الاصلاء ب : (( فلح – عمالة – دوارة – عتاكة – زبالة – عربنجيه - سواق – اهل التكاتك – اهل سوق مريدي ... الخ )) .
ومن العجيب ان الذين كانوا يكيلون الاتهامات لأصحاب التكاتك ؛ انقبلوا 180 درجة كما يقولون , وبدوءا بالهتاف لأصحاب التكاتك بالشعار المعروف ( ابو التوكتك علم ... !! ) عندما اندلعت التظاهرات والاحتجاجات الشعبية وما رافقها من احداث مؤسفة , وتحولت ( التكتك) الى ايقونة الاحتجاجات العراقية ؛ وذلك بسبب الاعمال الوطنية والانسانية التي قام بها اصحاب التكاتك ؛ فقد تركوا أعمالهم وقاموا بإسعاف الجرحى والمصابين ؛ جراء المواجهات والتي وقفت خلفها العديد من الجهات والدوائر الاجنبية والخارجية الحاقدة ... ؛ وقد اختلطت دموع اصحاب التكاتك بدماء اخوته العراقيين من ابناء القوات المسلحة والمتظاهرين ؛ لتنصهر في بوتقة الوطنية الصادقة ؛ والتي انتجت فيما بعد ؛ شريحة عراقية راقية , تؤمن بالوطن وتسعى لخدمته بالوسائل السلمية والواقعية , وتحذر من الانجراف خلف مخططات الاعداء الذين يسعون لسفك الدم العراقي الطاهر .
ولا غرو في ذلك فهؤلاء يمثلون ضمير الامة و جوهر الهوية العراقية العريقة ؛ كما كان اباءهم واسلافهم من قبل , وكل حدث وطني عظيم يقترن بوجودهم , فما من حدث او انعطافة تاريخية خطيرة او انجازات كبيرة الا وكان هؤلاء من وراءها , وهذه الظواهر والشكليات لا تغير من حقيقة الامر ؛ فسواء كانوا سواق ( تكسي او كيا ) او اصحاب ( تكتك او ستوته او عربانه ) او كانوا ( عمالة ) او من ابناء الحشد الشعبي ... الخ ؛ يبقون هم ملح الارض , و ولد (الملحة) , وابناء الحضارات الاولى , والامجاد الغابرة , والعشائر الرافدينية العريقة , واحفاد جماجم العرب ... الخ ؛ فهم الهوية والشعار وهم القضية والدثار .
للبعض الحق في انتقاد استيراد ( التكتك) واعتبارها عجلة فاشلة ... الخ ؛ ولكن بما أن الامر قد اصبح واقعا , وقد ترتب عليه الكثير من الامور ؛ ينبغي علينا معالجة التداعيات بالحلول الواقعية الناجعة , لذلك كل الدعوات المطالبة بإلغاء وجودها في الشوارع باءت بالفشل , حتى ان البعض استغرب من ارتفاع سعرها , بل وصوله الى سعر السيارة الايرانية ( السايبا ) احيانا... ؛ وان دل هذا على شيء فإنما يدل على قوة الطلب .
طريقة علاج الامور في بلدان العالم الثالث المغضوب عليها ولاسيما العراق ؛ عجيبة غريبة , فمن باب تقوم تلك الانظمة السياسية بإطلاق شعارات استصلاح الصحراء و زراعتها ؛ واذا بهم يجرفون الاراضي الزراعية او يسمحون للمواطنين بفعل ذلك , بحجة البناء والعمران ؛ بينما كان الاولى بهم الابقاء على سلامة الاراضي الزراعية وتوسيعها , والبناء في الصحارى والاراضي غير الخصبة , بدلا من تدمير الاراضي الزراعية والبناء فيها , وبذل الجهود والاموال لاستصلاح الاراضي الصحراوية والمالحة ... الخ ؛ او استيراد الخمر مثلا , ثم اخذ الضريبة عليه من قبل وزارة المالية , ثم بيعه في الفنادق واخذ الضريبة على تلك الاماكن من قبل وزارة السياحة , وكانت تستورده وزارة التجارة سابقا , بالإضافة الى اعداد البعض من المشروبات الكحولية في المصانع المحلية , وبالتأكيد كانت تلك المصانع مجازة رسميا وتأخذ الدولة منها ضرائب ورسوم , وحتى محلات بيع الخمور الموجودة في البنايات والمجازة رسميا , تأخذ الدولة منها ايضا ضرائب , ومع كل ذلك المواطن مطارد من قبل الاجهزة الامنية والتي اغلب عناصرها من ( الخمارة ) بحجة منع الشرب او بيعه ؛ بل ان البعض اتهم بعض العناصر الامنية المخربة والفاسدة بتسهيل انتشار المخدرات تحت غطاء محاربة المشروبات الكحولية ...!!
او ان تمتنع الحكومة من توزيع الاراضي الشاسعة وغير المأهولة بالسكان على المواطنين من الذين لا يملكون دارا او ارضا في الوطن , وعندما تقوم بعض الجهات السياسية او الشخصيات المدعومة بتوزيع تلك الاراضي على المواطنين وبيعها بأسعار مرتفعة , وعندما يصرف المواطنون على تلك الاراضي الاموال الكثيرة لبناء البيوت والدور , ومن ثم بذل الاموال والجهود لإقامة البنى التحتية في تلك المناطق ... الخ ؛ وبعد كل هذه الجهود والاموال والتي كانت تنظر اليها الاجهزة الامنية والدوائر الحكومية منذ البداية نظرة المتفرج اللامبالي , تقوم تلك الاجهزة والدوائر بإزالة تلك الدور والبيوت , او تهديد اصحابها بين الفينة والاخرى , ولعل هذه الحالات العجيبة الغريبة تعتبر مصداقا للمقولة الشعبية الشهيرة : (( لا ارحمك ولا اخلي رحمة الله تجيك ...!! )) .
وكذلك قضية التكتك ؛ فقد تم استيرادها من قبل بعض التجار المرتبطين بالجهات والشخصيات السياسية , ودخلت الى العراق بصورة رسمية , واخذت دوائر الدولة عليها الضرائب والرسوم , ومنذ البداية عرف العراقيون فضلا عن موظفي الحكومة ؛ بانها وسيلة من وسائل النقل , واستمر استيرادها لعدة سنوات على مرأى ومسمع من دوائر الحكومة , وبعد كل هذه الاموال الطائلة التي صرفت على هذه الالية , وبعد كل تلك الجهود وعمليات الاستيراد ... الخ ؛ تعالت بعض الاصوات الحكومية بضرورة مصادرتها وتدميرها وسحقها وتنظيف الشوارع منها , والادعاء بان المستورد عندما استوردها لا بعنوان انها وسيلة من وسائل النقل ( كالستوته ) بل انه استوردها بعنوان انها لعبة من العاب الاطفال ...!!
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقولة وتعليق / 48/ شظايا الكلمات وكلمات الرصاص
- ادعياء المثالية المزيفة
- الشعبة الخامسة بين الترفيه والتذكير..!!
- عيد الغدير و رمزية الامام علي العراقية
- اشكاليات مفهوم الامة العراقية / 9
- متسولات باكستانيات في بغداد والمحافظات .. ؟!
- تظاهرات شباب البصرة المطالبة بطرد العمالة الاجنبية
- التظاهرات مدفوعة الثمن والاحتجاجات اللاعفوية
- الكويت تدفع نحو تأجيج الاحتجاجات التخريبية في العراق
- من استراتيجيات البعث التكريتي الهجين (5)
- ظواهر كلامية من بلادي / الحلقة الثانية / بذاءة اللسان
- 1 ايار .. العيد الاسود والمصخم للعمال العراقيين
- جرائم بشعة ترتكب في الموصل
- لا تعالج الجريمة بالجريمة ولا يصحح الخطأ بالخطأ ..!!
- مناوشات في حي طارق بسبب الفساد و المقاولات ..!!
- ذي قار وارتفاع معدلات الانتحار..؟؟!!
- الماء مقابل كل الاشياء ..؟؟!!
- يا أردوغان لو زرتنا لوجدتنا .. نحن الضيوف وأنت رب المنزل !!
- ايران وضرورة الاستعداد للمواجهة الحتمية مع الغرب
- استهداف قاعدة كالسو العسكرية في بابل


المزيد.....




- تداول فيديو في الكويت لشخص قاد سيارته برعونة واستهتار على ال ...
- مدفيديف أمام منتدى الأغلبية العالمية لعالم متعدد الأقطاب: أح ...
- قوات خاصة تحمي -كنتاكي-.. ما -رسائل- السلطات العراقية وراء ا ...
- -هدوء مفاجىء- في غزة وانتقادات إسرائيلة للهدنة -التكتيكية-
- حادث تصادم بين سفينتين فلبينية وصينية في بحر الصين الجنوبي
- بورتسودان .. محطة أخرى في استراتيجية النفوذ الروسي بإفريقيا ...
- بديل السكر شائع الاستخدام ولكن مخاطره كبيرة!
- الأسد يثير تفاعلا بإجابة عن صحة زوجته أسماء (فيديو)
- مسؤول أوكراني: بعض الدول عرضت علينا الوساطة في إقامة اتصالات ...
- نيبينزيا: نظام زيلينسكي غير مؤهل للتفاوض


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - رياض سعد - التكتك قضية وطن ومحنة أمة (1-2)