أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الجبار الحمدي - محيط النار / قصة قصيرة














المزيد.....

محيط النار / قصة قصيرة


عبد الجبار الحمدي

الحوار المتمدن-العدد: 7924 - 2024 / 3 / 22 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


محيط النار...

منذ نعومة أظفاري و أنا أعيش في محيط من النار، لا سلطة لي في أختياري، ولدت قضاء وقدر هكذا اتخيلني كلما واجهت العوم في ذلك المحيط الناعم الملتهب من حرارة الشمس، لم احظى بطفولة مثل ما سمعت ورأيت بعد ذلك بزمن تسارع وجعلني افترش واحات مياه باردة ملاذ أمن، شغفت صعوبة الحياة التي فرضت عليّ الى أن كابدت لهيبها، خاصة بعد أن ورثت مهنة والدي العراب كمهرب بين حدود دول متجاورة، ذاع صيتي بين حكومات تلك الدول، لم يتبينوا أو يتعرفوا عليّ غير انهم أطلقوا عليّ اسم سندباد محيط النار.. ذلك المحيط الرملي المليء بخبايا السراب و افواه الموت الجائعة التي تتلقف كل من يسترخي او يستريح لبضع سويعات، الرمال التي امتصت سياط الشمس الملتهبة ثم احتفظت بها لتردها الى كل من يسير متبخترا مدعيا انه دليل صحراء محيط النار، كنت قد توصلت الى قرار التخلي عن ركوبه، غير أنه في مرة جائني شخص أراد مني ان انقل له علبة لا يتجاوز حملها اكثر من يد واحدة، مصمما ان لا أحد يقوم بذلك غير و ألزمني أن اسلمها الى رجل اودعني اسمه وعنوانه وصورته، إلا بيده ولا لأحد غيره، كنت قبلها بأيام أداول نفسي كما ذكرت الخروج بسفينتي التي طالما سارت في محيط من الرمال السائبة والمتحركة، كان يرافقي اغلب الاحيان ملك الموت الذي لا ينفك ينتظر كسر صواري عزيمتي، غير ان صوت ما جعلني استفيق من ضربة الشمس التي كانت تهدنني، فتحديتها فعزمت الخروج حيث العالم الآخر، بعيدا عن عالم محيط النار هذا، طلبت ثمنا كونها آخر مهمة لي تعجيزي لكن ذلك الرجل وافق على عجالة ودون تردد، لذا كنت امام الامر الواقع كما اني حسبتها جيدا بأن المبلغ سيعينني على ما نويت في حياتي القادمة.. يعلم اغلب اهل الكار اني لا اسير سوى في الليل درءا لدوريات الشرطة الحدودية و كذلك درءا عن حرارة الشمس ولهيب محيط نار، رمال الصحراء الملتهبة، كالعادة المكان الذي اقصدة لا ينال الوقت فيه سوى أربعة ليال و صباح يوم خامس اكون قد انهيت مهمتي، كما العادة ايضا لا يرافقني في رحلتي سوى بندقيتي وزوادة صغيرة وقربة ماء، توكلت على الله في نفس ليلة الاتفاق لكن بحذر فالكار الذي اعمل فيه لا يخلوا من رفاق سوء او خيانة، عالمنا لا صاحب فيه ولا صديق، مجرد مصالح عنوانها الرئيس الموت او القتل، لم اسأل عن ماهية ماكنت انقله تلك عادة ورثتها عن والدي كي احظى بالامان بالاضافة الى ابقاء جرعة الشجاعة التي اتمتع فيها، لأن معرفتي بما انقله تضعف من عزيمتي وشجاعتي كون الحرص يزداد في حمايتها الى جانب فقدي التركيز على المحيط الذي ابحر فيه، مرت الليلة الأولى بسلام ودون منغصات، و الليلة الثانية ايضا، توجست خيفة، غير ان اليوم الثالث ما أن لبس آخر النهار عبائته حتى تواردت الضباع من عدة اتجاهات كأن هناك من سخرها للنيل مني، عوائها سقيم طبعها لئيم، الضبع حيوان انتهازي مستغل اي لحظة هجوع او سكون، اوقدت النار كي احمي نفسي ثم جلست ممسكا ببندقيتي متجولا بعيون خبرت انفاس تحرك الرمال، في تلك الاثناء حفرت لي في الرمال حفرة ثم حشوت نفسي بداخلها بعد ان غطيت جسمي بالرمال حتى رأسي، بعدها ان وضعت عليه ما يقيني من الرمال غير أني عملت مخرجا صغيرا للتنفس، بداية كنت متفقا مع رمال المحيط التي بدت باردة لكن بعد ان مر اكثر من ساعة وافتني حرارة الرمال حتى ابتلت ثيابي وشعرت بفوران دمي في شرايينها... لم اطقها رغم عشرتها لي، دفعت بنفسي الى الخارج، كمن يلقى طود نجاة من الغرق، كانت الضباع تتجول حولي و لا تقترب خوفا من النار، غير ان احدهم بدا انه زعيمهم هجم علي منتهزا ارتباكي فنال من ساقي بعد ان اجرى فيه انيابه، اطلقت رصاصة لا على التعيين، هرب يجر خيبته وهو يلعنني لكنه نظر إلي بنظرة تشفي وفوز، ثم عوى بقوة كأنه يبلغ جماعته بنصره ويقول لي انه قد نال مني.. سارعت بأخذ قدر كف يدي من الرمال التي تحت النار فوضعتها على الجرح، أحسبها كفيلة على ايقاف النزف، ربطتها و ركنت الى نفسي ممسكا ببندقيتي تحسبا لهجوم غادر سافر جماعي، بينما أنا كذلك سمعت صوت حركة كنت متأكدا انه ليس صوت حيوان، توجست الخيانة لربما هناك من تبعني ليسلبني الحياة وينال مما بين يدي، اخرجت العلبة راودتني نفسي ان اكشف سرها لكن عتاب ضمير منعني فالخيانة رداء لم يرتديه والدي ولا اسلافي، زممت النار بالرمال فانطفأت ثم سارعت في طريقي، الضباع تقارعني بين كر وفر كنت خفيفا وأنا اجري رغم جرحي، أما ذلك الصوت فقد بات بعيدا... ساعات لا اعلم وقتها كنت قد وهنت اوصالي بسبب جرح ساقي، شارف الفجر أن يزيح غطاء الظلمة، طرحت بنفسي بين طل صغير وهضبة شبه بعيدة، بدا الهواء بارد، قبل ان ارى الجرح اوقدت النار ومن خلال ضيائها كان ذلك الضبع ومعه اثنان يتطلعان إلي، اخرجت جعبة الماء وبللت قطعة قماش ثم عمدت الى مسح جرح ساقى، يبدو ان رائحة الدم اثارت الضباع فاخذ تعوي وهي منطلقة تدور حولي، فعمدي الى بندقيتي فصوبتها الى ذلك الضبع الذي وقف منتصبا متحديا لي، اطلقت الرصاصة الاولى فأنفلت منها اما الثانية المباغتة في السرعة اظنها صرعت رفيقا له، في اثناء ذلك كادت رصاصة تصيبني وقد أزت مسرعة بالقرب مني، التفت وإذا برجل يحاول قتلي، رميت بنفسي حيث الطلة الصغيرة ورحت اتدحرج كأنه اصابني، كنت انظر في اتجاة مكان اطلاق الرصاصة.. وهلة رأيت فيها شخص يبادر للنهوض بحذر كنت قد رصدته والضباع تعوي لموت رفيقها، ما ان قام حتى اطلقت عليه النار فارديته صريعا كما ذلك الضبع.. صراخه جعل الضباع تسارع اليه لإفتراسه، اما انا فانتهزتها فرصة كي احظى بركوب رمال المحيط الباردة قبل بزوغ الشمس، في المكان المحدد سلمت الرجل العلبة، بعدها قمت بالتداوي مؤملا نفسي بعمر جديد احياه في بيئة يابسة ليس فيها محيط من الرمال المتحركة، هذا ما قصصته على زملاء لحفيدي كانوا يرتادون زيارته، بعد عودتهم من المدرسة، كان متفاخرا وهو يستمع الى قصة الضباع كبطولة لجده.

القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي



#عبد_الجبار_الحمدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة بعنوان /مرايا الوهم
- الساعة الذهبية / قصة قصيرة
- رعاة البعر / قصة قصيرة
- قصة قصيرة بعنوان /صندوق حكايا
- قصة قصيرة بعنوان/ حوارات ارباب العصر
- مجسات هلامية / قصة قصيرة
- السبدة / قصة قصيرة
- دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة
- أنامل وقحة/ قصة قصيرة
- تلك حكايتي/ قصة قصيرة
- المتسكع/ قصة قصيرة
- قصة قصيرة بعنوان لونلي بيرل ج2
- قصة قصيرة بعنوان/ بيرل الفصل الاول
- ظل العزلة/ قصة قصيرة
- قصة قصيرة بعنوان فزاعة القرن الواحد والعشرين


المزيد.....




- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- قصيدة(حياة الموت)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الجبار الحمدي - محيط النار / قصة قصيرة