أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد الجبار الحمدي - ظل العزلة/ قصة قصيرة















المزيد.....

ظل العزلة/ قصة قصيرة


عبد الجبار الحمدي

الحوار المتمدن-العدد: 7550 - 2023 / 3 / 14 - 23:50
المحور: كتابات ساخرة
    


ظل العزلة...

أقتفي ظلي وهو يضع الكِمامة، يسير بعيدا عني في بضعة أمتار، لم أتصور في يوم أنه سيفارقني خوفا على حياته، صار يلوذ هاربا بدل أن يلتصق بي ضاحكا... عجيب أمر هذا العالم!! والأعجب الإنسان المخرب الذي خلقه الله ليعمر في الأرض مستخلفاْ إياه فيها، كارثة شيطانية نعيشها جميعا الجن والإنس، الحجر، البشر الشجر حتى الحيوان بات يخاف بيئته... دلفت الى شارع عريض طويل مليء بالحفر تملئه القذارة والنفايات أكثر من البشر سارعت عيناي تلتقط صور هشة لعظام وطن نخرته المحاصصة والتدين الزائف عن الحق، صار وطني متسولا يعيش الأرصفة دون مارة تتصدق عليه ثياب مهلهلة مثل العلم الذي نرفعة متفاخرين بوطن ممزق والعار الأكبر كتب عليه أسم الله يا لها من سخرية!!! رميت بثقل أقدامي محدثا صوتا علَّ هناك من يفتح بابا او نافذة يرى من صاحب الضوضاء في شوارع خرساء لا هم لها سوى لعق أتربه ونفايات ناهيك عن حاويات مليئة ببقايا أطعمة بطون صار الأكل لها قضاء وقت وحاجة... سددت أنفي عن رائحة القمامة يبدو انها قبعت منذ زمن حتى فاحت رائحة النتانة شأنها شأن أي سياسي أو برلماني ومسئول في وطني... إنها قاذورات الزمن القابع خلسة في محراب يتعبد للدمار والبقاء وحيدا، يسترضى من يتف في كأس ماء ليشفي غليله أو كما الدخلاء تسربوا مثل الزئبق بمسميات راقت للبسطاء والمغفلين أن يترونقوا لهم بعبارات افتقدوا حسحستها في الدين فماجت أيديهم الى صدور انتفخت ذلا فضربت حتى تتأدب لكنها ابدا لن تتب عن عادات سحقت عناوين وهج الذكر الحقيقي لرمز الحياة والحرية... بان في آخر الفرع الضيق الذي دخلت صوت مذياع ورائحة شاي يبدو ان المقهى التي على ناصية الشارع هناك قد فتحت ابوابها... يا للفرج أسمعت نفسي صوتي الذي حبسته عن الحديث مع غير من سكنوا الدار معي، فلقد كان حالي حال الكرسي او الطاولة أو حتى الطابوق الذي رُصِف في داري... سارعت أمد الخطى دخلت عيناي قبل أقدامي متهللة.. لكن سرعان ما عادت لتبشرني بخيبة أمل فالمقهى عارية من لباس روادها لم يكن فيها غير رجل عجوز استوطن المقهى قبل اربعين عاما يبدو انه اراد ان يكون قبره حتى النهاية... تفرجت اساريره وهو يراني فأسمعني ترحابا مثل الذي سمعت عنه وقرأت، اراد ان يرمي بنفسه علي لكني تراجعت خوفا من كورونا... لاحظ فعلتي فأرتد بصوته لا تخف لست مصابا دون تردد أجبته وما أدراني!؟ ... وما أدراك انت؟
ابتسم عن فم فقد أضراسه بعد ان طحنتها ايام ضروس بمعاول هم وكِبر متاهات حديث، لعل لسانه الأن بات أكثر حرية بعد أن استفرغ فمه كل مقدمات وأسس الحروف فبات السين شين والراء مدغمة والجيم دال، مع ذلك تراجعت عن قراري ورحبت به مصافحا إياه لا عليك أبا نعيم لقد صرنا نخاف حتى خيال ظلنا... على فكرة هل رأيت ظلي؟ لقد كان يسير أمامي حتى أني حسبته يهرب، أو لعله خدعني و فر دون أن أشعر به... باغتني ابا نعيم بالضحك طويلا ورد قائلا: يبدو ان الوحدة والخوف من كورونا أورثاك الجنون كما حالي، فغالبا ما اتصور نفسي اسير ويرافقني أحد، مع العلم أنه لا يوجد أحد سواي وظلي رافقني حتى أنحنى ظهره قبلي، لا عليك سيأتي ما ان تنوي قدميك الرحيل للعودة... هيا أجلس دعني اصب لك شايا مُهيل يعيد لبراعم أنفك النشوة فتغير رحيق فراغ واتربة استنشقتها في وحدتك، حرك لسانك بعيدا عن مفردات الصخب يا ولد ... لا اريد صوت، أطفيء النور، كفوا عن اللعب، هكذا كنت أفعل مع اولاد أبني الذي يعيش معي في بيتي ولا أدري كم سيطول عمر هذا الوباء الذي استفردت به بلدان تريد السيطرة على مقدرات العالم... إن حديث السياسة يزكم أنفي فأرجوك أستاذ حمزه لا تتحدث عن أي شيء بهذا الخصوص فقط أسمع معي اغاني الزمن الجميل لو غيمت دنياي .. رديت..يا حريمة.. حتى أنت... سالت عنك.. حاسبينك..لا تستغرب لقد شغفت بالأبوذية والدارمي والمواويل حفظت الكثير لكني أجاري زمن السبعينيات والثمانينيات الذي عشق فيه أبني واحب إبنة خالته حتى الجنون، كان يحب أو بالأصح يذوب في سماع مثل تلك الأغاني وغيرها الكثير، آه يا بويه علاء.. أستشهد وراحت أحلامه الى الأبد أثخنني فراقه وجعا لا يمكن ان يعوضه أي مخلوق حتى أخوته وأخواته...
كان الشاي طعمه مغاير لما شربت من قبل شعرت أن مذاقه مختلف عن كل ما تذوقته من قبل في نفس المقهى أو في البيت... تركته يسترسل في الحديث، دخلت عالم الوحدة الذي أحب أن أعيش فلقد دخل أبا نعيم عالمه الحزين لبس السواد وجهه، ماجت روحه في معتق الالم تركته لغيوم هَمِهِ..
دون مبالاة لما يدور حولي لا أسمع سوى ملعقة تدور تضرب باطن كاس الشاي كأنها تريد أن تدير عقارب الساعة خاصة أني لا أحرك الملعقة إلا في الإتجاه المعاكس لحركة عقارب الساعة كإتجاه معاكس.. عقارب ساعة يا لها من مفردات غيرت وجه الحقيقة والحياة، باتت تمثلنا في الرتم السياسي والديني والاجتماعي، تفترش الأرض باسلاك شائكة حولتها العقول المريضة الى مفخخات وسيارات ملغومة، أحزمة ناسفة، حولتها الى عقول ترقص على الإغتصاب وقطع الرؤوس، الى سحق الجمال والتحول نحو العبودية كما الجاهلية خليفة وأمير، والي وغفير، وجوه طمست الرحمة لبست الجريمة والخطيئة وجها آخر لدين استفحل بعدالة الشياطين سيقت إليه رغبات زناة جدد من فتاوى رجالات جعلهم الله كما تصورا دعاة له سخطهم كالشياطين أبناء أبالسة، ألبسهم طوق وقيد العبودية، سبايا يستحدثونها على غير نسائهم او غلمانهم، روجوا للزنا بالجهاد، وروجوا لِلواط بفتوى الشهادة، تبرقعوا الدين وجه الجاهلية قطاع الطرق، أوغلوا بأسم الدين فحرقوه، صار مكروها لدى أجيال لم تعرف عن الأسلام او الدين سوى داعش والدماء، السبايا وجهاد النكاح... هززت رأس كأني أغير موجة السياسة الى موجة أخرى بحثت في زوايا بدايات الشارع والافرع التي كانت قبالة المقهى عن أي شخص يمكن ان يجالسني الحديث فلم اجد، عدت الى محيط رقعتي رشفت من الشاي قليلا لسعة منه أفاقت نفسي عليها، وجدت ابا نعيم لا زال يتحدث عن وجعه.. شاركته لِلحظات همومه حتى أنهيت كاس الشاي اخرجت علبة السجائر التي فقدت عد ما دخنته ثم قاطعته قائلا: الله يعينك ويعين كل أب، كم اب أو أم يأنون مثل أنينك، إن ما تشعر به لا يمس من قادوا العراق الى الهلكة، إنهم بعيدون كل البعد عن معاناتك.. أنظر كم شخص يموت في اليوم بل في الساعة من الذين نعرف أو لا نعرف بسبب وباء كورونا، الحكومة لاهية في المناصب والنهب والشعب لاه في وادي دار السلام يبحث لفقيده عن خرم ابرة، إنه زمن اراد ان يُشهِد الله فيه البشر على ولاة طغاة سحقوا أبناء جلدتهم لنيل رضى من تمسحوا بأسته لعقا بألسنة تردد خطبا ماجت بالعقول وأفرغوها حتى أستفرغت ترهات دين ملوث بعيد عن الحق، لقد قالها سيد البلغاء لقد ملئتم قلبي قيحا... أنظر ابا نعيم هاهو ظلي قد عاد، سأذهب الآن فلا أريد أن يقال عني الرجل الذي فقد ظله، فمن دونه لن استطيع إستيعاب الحياة وحدي، ها انا افرغت قلامة ظفر مما اريد في مقهاك هذا وظلك الذي جعلته خيط دخان بينك وبين من فارقت..
لم يأخذ مني ثمن كأس الشاي قال إنه على حسابه... ترى اي حساب منهم الدنيوي او الأخروي، يا للسخرية!! ترى كم سيطول وقوفنا امام صاحب الحساب؟ كم هي الرؤوس التي ستشهق من الخوف ساعة الوقوف الأعظم؟ نكزني ظلي عن اية خبالة تتحدث... هيا سارع فالظلمة داهمت بالدخول والشوارع ستمتلئ بالكلاب التي اتمنى ألا تكون كلاب بوليسة، فوطنك يا هذا لا يقطنه إلا من كان تابعا للسلطة وجلاد أو قابض ارواح أم تراك نسيت؟ لا ابدا لم أنسى هيا خذ بأقدامي وطر بي قبل ان تختفي ويأتي وهنك الليلي فتعيد لرأسِ صور تخاريف العزلة التي اريد نسيانها، هيا سارع فضجيج الأولاد رغم جنونه إلا أنه أرحم من وحدة الموت الذي نعيشه خوفا وهلعا.

القاص والكاتب
عبد الجبارالحمدي



#عبد_الجبار_الحمدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة بعنوان فزاعة القرن الواحد والعشرين


المزيد.....




- الحكم بسجن المخرج المصري عمر زهران عامين بتهمة سرقة مجوهرات ...
- بعد سحب جنسيتها .. أنباء عن اعتزال الفنانة نوال الكويتية بعد ...
- الجامعة العربية تستضيف فعاليات إطلاق الرواية الفلسطينية مليو ...
- بدء تصوير أول فيلم سينمائي روسي هندي
- -طفولة بلا مطر-.. سيرة أكاديمي مغربي بين شفافية الوصف ورومان ...
- فنانة مصرية تعلق على اتهامات بقتل زوجها
- هل العنف في الأفلام يجعلنا نعتاد المشاهد الواقعية؟ ريتا تجيب ...
- فيلم -إميليا بيريز- يتصدر ترشيحات -غولدن غلوب- بـ10 جوائز مت ...
- فنانة سورية تثير الجدل بعد إعلان شفائها من مرض السرطان
- فنانة مصرية مشهورة تعلن إصابتها بشلل المعدة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد الجبار الحمدي - ظل العزلة/ قصة قصيرة