أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيمة عبد الجواد - تاريخ الحجاز في العصر الأموي من خلال شعر الأحوص















المزيد.....

تاريخ الحجاز في العصر الأموي من خلال شعر الأحوص


نعيمة عبد الجواد
أستاذة جامعية، وكاتبة، وقاصة، وشاعرة، وروائية، وباحثة، ومكم دولي

(Naeema Abdelgawad)


الحوار المتمدن-العدد: 7891 - 2024 / 2 / 18 - 13:40
المحور: الادب والفن
    


كثيرًا ما يفتُّ العضد وجود شخص يهجو ويكيل الاتهامات لمن هم أفضل منه، بل والأدهى من ذلك يحيك لهم المكائد حتى ينزل بهم ألوانًا من الأذى والسوء. وكثيرًا ما نسمع أنه لا يجب الالتفات لأمثالهم؛ والسبب أن من يشعر بالنقائص يحاول أن يجعل حياة الأفضل منه جحيمًا.
وفي العصر الأموي، اتَّخذ الهجاء منحى شخصيًا وفي نفس الوقت سياسيًا. فبسبب الحروب والقلاقل السياسية التي نجمت عن استيلاء بني أمية على الخلافة، كان لابد من إحداث تغييرات جوهرية في شكل الحياة الاجتماعية. ولهذا السبب، عمد الأمويون إلى نقل عاصمة الخلافة إلى دمشق، بسبب أن جميع سكانها يدينون لمعاوية بالولاء التَّام.
وفي نفس الوقت، كان لابد من تغيير شكل الحياة الاجتماعية في الحجاز والتي يعتقد أهلها أنهم الأولى بالحكم لأنهم من المسلمين الأوائل، ولم يكن للأمويين أي فضل عليهم. ولهذا، كان ينازع بنو أمية في الحكم بنو هاشم وآل الزبير. وعلى هذا، أصبحت أفضل وسيلة لبني أمية هي استخدام العطايا وسيلة لقمع الإرهاب والقضاء على المعارضين ووسيلة لتقريب المطيع الخانع إلى الحاكم. لكنهم أيضًا منعوا العطايا عن البعض، وأسرفوا في إغداقها على آخرين لضمان صمتهم وشراء ضمائرهم.
وعلى هذا الأساس، أصبح الحجاز في زمن بني أمية يختلف عنه في الإسلام والجاهلية. فبسبب السياسة الأموية، حدثت تغيرات جوهرية. فأصبحت الحجاز منطقة لهو، يقصدونها الناس للمغنيين والمغنيات، بما في ذلك الفقهاء والنسَّاك، وحتى النساء أصبحن يتخذن الأسباب لعقد مجالس الطرب في تجمعاتهن.
وفي تلك البيئة ترعرع العديد من الشعراء، ومنهم "الأحوص الأنصاري". وعبدالله بن محمد بن عبدالله بن عاصم بن ثابت الأنصاري (660-724 م) الذي قيل أنه سمي بالأحوص لضيق في مؤخِّر العين كأنها خبطت. ويعد الأحوص أحد أساطين اللهو والعبث وحياة البذخ، والانصراف للغزل في بلدة أصبحت مسرحًا للمغنيين والجواري، ومرتعًا لأهل اللهو والعبث، فتفشى أيضًا بها المجون. أضف إلى تأثير ما يحدث في وادي العقيق ومخنثو وادي العقيق، والذي كان الأخوص زعيمًا لهم. والفرق بين مجون الأحوص ومجون عمر بن أبي ربيعة، أن الأحوص كان لا يتغزل إلا في الجواري، في حين أن عمر ما كان يختلط أو يتغزل إلا في الحرائر من النبيلات القرشيَّات. ولهذا، أصبحت أشعار الأحوص تعبيرًا صادقًا ونقلًا واقعيًا لتاريخ الحجاز في العصر الأموي.
ونظرًا لأن الأحوص كان فقيرًا، مقارنة بمعاصريه، تقرَّب من الحكَّام، وكان يطلب منهم العطايا والإمارة من خلال أشعار المدح التي كان يغدقهم بها. ويمكن تقسيم حياة الأحوص لثلاثة أطوار مختلفة: الأولى هي مرحلة الشباب الذي كان فيها أمله للإمارة والسلطان شديدًا وتمتد هذه الفترة من وفاة معاوية بن أبي سفيان إلى أوائل عهد الوليد بن عبد الملك. ومرحلة أصابه فيها الإحباط واليأس من بني أمية، وتمتد من أواسط عهد الوليد بن عبد الملك إلى نهاية عهد سليمان ابن عبد الملك، ثم مرحلة تمتد من عهد عمر بن عبد العزيز إلى وفاة الأحوص الأنصاري، وقد كان أولها وبالاً عليه . وكل فترة من هذه الفترات كانت نتاجاً طبيعياً للمرحلة السابقة لها، وكل هذه المراحل مجتمعة هي التي شكلت شاعرية الأحوص الأنصاري وشخصيته.
و كان الأحوص أموي الهوى، يميل إليهم ميلًا شديدًا بعاطفة صادقة ولم يمدح أحداً سواهم مهما علا شأنه ومكانته. ومن القصائد التي تدل على صدق عاطفته، تلك التي رثى فيها "معاوية بن أبي سفيان"، والتي كانت جميع حروفها نابعة من نفس بعيدة عن الجشع والأطماع، فيقول:
أن أمرأً أمن الزمان وقد رأى غير الزمان وريبة لجهول
أين ابن هند وهو فيه عبرة أفما اقتديت بمن له معقول
وهو في ذلك يرثي شخصية فجعه أن يغدر بها الزمان وتكسر قلوب محبيها. ولقد أنشد الأحوص قصيدته ولم يعبأ بامتداح الخليفة الجديد يزيد بن معاوية؛ لأنه كان يبكي بصدق ولم يرد طلب رضا أحدهم.
وبعدها لم يتناول الأحوص سلطانًا بمدح أو ذم، إلى أن جاءت ولاية "عبد العزيز بن مروان" ونمت بينهما علاقة رائعة يمكن تشبيهها بعلاقة المتنبي بسيف الدولة. فلقد كان يقدِّره وقرَّب الأحوص من مجلسه في زمن كان يعج فيه بلاط "عبد العزيز بن مروان" بأعظم الشعراء وأكبرهم مكانة مثل الأخطل والفرزدق. وبالرغم من أن الأحوص كان شديد الفخر بنفسه، تغاضى "عبد الملك" عن ذلك إلى أن ألح الأحوص في طلب السلطان لأنه من أسرة بالرغم من فقرها، جاهدت في سبيل الله جهادًا عظيمًا؛ فجده حمى الديار، وخاله غسيل الملائكة. فكان لابد من رفع قدره؛ لأن لن يُرقِّع برقع فقره سوى الإمارة والسلطان. فما كان من إلحاحه سوى احتقار "عبد الملك" له ثم نفيه إلى دهلك، بعد أن استضافه يومًا في قصره وأنزله به بعد أن أجزل له العطاء. لكن "الأحوص" راود الخبَّازين عن نفسهم وأراد أن يفعلوا به الفاحشة، فما كان من "عبد الملك" إلا أن أخرجه من القصر عاريًا وطيف به في الشوارع. بدلًا من أن ينتابه شعورًا بالذل والعار، أخذ الأحوص ينشد عاريًا فخورًا بنفسه مؤكِّدًا أن هذا من كيد أعداءه الذين أعياهم نجاحه.
وبعد النفي، انقطع عشم الأحوص في السلطان في عهد بني أميَّة برمتهم، فأصيب بيأس شديد وظهر إحباطه ويأسه في حياته الاجتماعية وأشعاره؛ فبات يهجو الجميع؛ فخاطره الكسير جعل شوقه يتوق في كل ما يراه إلى السلطان والسيادة. فكان هجاءه رثاء لحاله لشعوره بالنقص، أكثر منه لوجود نقيصة في الآخرين. ومن الوقائع الدالة أن الحقد أخذ منه مبلغه حينما أخذ يهجو "معن بن حميد الأنصاري" سيد قومه، فقال:
عليك بأدنى الخطب إن أنت نلته وأقصـر فلا يذهب بك التيـه مذهبًا
وعندما هب بنوه ومواليه لعقاب الأحوص، أمرهم سيدهم قائلًا: " دعوا الكلب، خلوا عنه، لا يمسه أحد منكم". فلما انصرف والحقد يملأه، وجد ابن أبي جرير أحد سادة بني عجلان فهجاه أيضًا، بسبب أن مكانته لم يظفر هو بها، فقال:
وإن بقوم سودوك لحاجةً إلى سيد لو يظفرون بسيد
وهذه القصة التي يهجو فيها الأحوص الأول على ثروته وكثرة أبنائه ومواليه، والثاني الذي كان سيدًا وزعيمًا لقبيلته أبلغ مثال على أن المسيء لا يسعى إلَّا إلى تهدئة نفسه الحاقدة؛ فهو مريض يحاول أن يهدئ من روعه.



#نعيمة_عبد_الجواد (هاشتاغ)       Naeema_Abdelgawad#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرارة الضحك والسخرية: مارك توين
- ما بين التعاسة والسخرية ضحك ملوَّن
- المسرح الشعري وديونيسوس إله الممارسات الدنيوية
- هيفاستوس إله الابتكارات والرقمنة
- الهوية والتأريخ الشعبي
- -آلهة أمريكية- فلك أسطوري معاصر خلقه نيل جيمان
- الدولة الأموية والعرجي فارس الشعر
- الحضارة العربية وتاريخ من الواقعية السحرية
- الإعلام والنشطاء والصحافة الصفراء قديمًا: أبو فراس الحمداني
- عميد الشعر العربي ورائد حركة الحداثة: أبو تمَّام
- الحجاج: بلاغة الأديب ووحشية السفاح
- جيبوتي دولة عربية ذات إبداع أفريقي
- أبو العلاء المعري والتيار الوجودي
- -تونس والإبداع العربي- في لجنة العلاقات العربية بإتحاد كتاب ...
- دولة مالي ومماليك مصر: عصور من الانفتاح على إفريقيا
- العصر العباسي وأيدلوجيا الحداثة في شعر أبي نواس
- حياة اللهو والمجون مرادفها -عمر بن أبي ربيعة-
- -أبو العتاهية- رائد الشعر الشعبي يعشق جارية
- بانوبتيكون المقاربة السوسيولوجية في -صباح ينتظر الفرج-
- درس -النوَّار- القاسي يزجي نيران فضيحة -الفرزدق-


المزيد.....




- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيمة عبد الجواد - تاريخ الحجاز في العصر الأموي من خلال شعر الأحوص