النقطة العمياء في السياسة الأمريكية تجاه سوريا ، محمد عبد الكريم يوسف

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)

الحوار المتمدن-العدد: 7873 - 2024 / 1 / 31 - 17:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

النقطة العمياء في السياسة الأمريكية تجاه سوريا


لقد شكلت النقطة العمياء في السياسة الأمريكية تجاه سوريا تحديا كبيرا في فهم الديناميكيات المعقدة للصراع وتأثيراته طويلة المدى. وتأتي هذه النقطة العمياء من عوامل متعددة، بما في ذلك التركيز المفرط على المصالح قصيرة المدى، والافتقار إلى الذكاء القوي، وعدم القدرة على فهم تعقيدات الصراع. يدرس هذا المقال هذه النقاط العمياء في السياسة الأمريكية وعواقبها، بالإضافة إلى الحلول المحتملة للمضي قدما.

وتتمثل إحدى النقاط العمياء في المبالغة في التركيز على المصالح القصيرة الأجل، وخاصة تلك المتعلقة بالأمن القومي والاستقرار في الشرق الأوسط. وقد دفع هذا الولايات المتحدة إلى التحالف مع جهات فاعلة قد لا تضع بالضرورة في اعتبارها المصالح الفضلى للشعب السوري. ومن خلال التركيز فقط على الأهداف المباشرة، مثل مكافحة الإرهاب أو تأمين الموارد، غالبا ما يتم التغاضي عن العواقب الطويلة الأجل مثل الأزمات الإنسانية وعدم الاستقرار السياسي أو اعتبارها أقل أهمية.

لقد أدى الافتقار إلى المعلومات الاستخبارية القوية إلى إعاقة قدرة صناع السياسات الأميركيين على فهم تعقيدات الصراع في سوريا بشكل كامل. ويمكن إرجاع هذه النقطة العمياء إلى محدودية الوصول إلى المعلومات الدقيقة على أرض الواقع، فضلا عن صعوبة تمييز المصادر الموثوقة وسط بيئة إعلامية شديدة الاستقطاب. ونتيجة لذلك، يتم اتخاذ القرارات بناءً على معلومات غير كاملة أو متحيزة، مما يزيد من إدامة النقاط العمياء وربما يؤدي إلى تفاقم الصراع.

وهناك نقطة عمياء أخرى في السياسة الأميركية تجاه سوريا، وهي عدم كفاية الفهم للديناميكيات الاجتماعية والعرقية والدينية التي تلعبها المنطقة. إن الصراع في سوريا ليس مجرد معركة بين الحكومة والجماعات المتمردة المختلفة، بل هو شبكة معقدة من التوترات الطائفية والصراعات الإقليمية على السلطة. وقد يؤدي الفشل في فهم هذه التعقيدات إلى تدخلات مضللة وحلول مفرطة في التبسيط تفشل في معالجة الأسباب الجذرية للصراع.

كما تفاقمت النقطة العمياء في السياسة الأمريكية تجاه سوريا بسبب الافتقار إلى التخطيط الاستراتيجي طويل المدى. غالبا ما تتبنى الولايات المتحدة نهجا رجعيا تجاه الصراع، وتستجيب للتطورات الفورية بدلا من تطوير استراتيجية شاملة ومتماسكة. وقد أدى ذلك إلى تدخلات مجزأة وأهداف سياسية غير متسقة، مما ساهم بشكل أكبر في عدم إحراز تقدم وعدم القدرة على التعامل بشكل فعال مع الصراع.

علاوة على ذلك، أدت النقطة العمياء في السياسة الأمريكية تجاه سوريا إلى إهمال الأزمة الإنسانية التي تتكشف في البلاد. وقد طغى التركيز على الشواغل الأمنية على محنة الملايين من المشردين داخليا واللاجئين. ومن خلال فشلها في إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية، فإن الولايات المتحدة تقوض مكانتها الأخلاقية وربما تغذي الاستياء وعدم الاستقرار في المنطقة.

والنتيجة الأخرى لهذه النقطة العمياء هي الدعم غير المقصود للجماعات المتطرفة والتطرف. ومن خلال التركيز فقط على التهديدات المتصورة للأمن القومي، اصطفت الولايات المتحدة في كثير من الأحيان مع الفصائل التي ثبت لاحقا أنها تسبب مشاكل. وقد سمحت هذه النقطة العمياء للجماعات المتطرفة بالازدهار، لأنها في كثير من الأحيان هي الخيار الوحيد المتاح للمتمردين في مواجهة الدعم المحدود من المجتمع الدولي.

إن النقطة العمياء في السياسة الأمريكية تجاه سوريا تمثل أيضا تحديات في الدبلوماسية وسبل محتملة لحل الصراع. ومن دون فهم دقيق لديناميكيات الصراع، فإن صناع السياسة الأميركيين يكافحون من أجل التعامل بفعالية مع مختلف الجهات الفاعلة وتحديد المجالات المحتملة للأرضية المشتركة. هذه النقطة العمياء تمنع الحوار الهادف وتديم دائرة العنف وعدم الاستقرار.

للمضي قدما، من الأهمية بمكان أن يعالج صناع السياسات الأمريكيون هذه النقطة العمياء وأن يطوروا فهما شاملا لتعقيدات الصراع في سوريا. ويتطلب هذا تعزيز القدرات الاستخباراتية القوية، والاستثمار في الخبرات الثقافية والإقليمية، وتبني نهج تفكير تقدمي طويل الأمد في صياغة السياسات.

علاوة على ذلك، يجب على الولايات المتحدة إعطاء الأولوية للمخاوف الإنسانية والعمل على إيجاد حلول مستدامة للملايين المتضررين من الصراع. ومن خلال الانخراط في حوار هادف مع جميع أصحاب المصلحة والبحث عن حلول دبلوماسية، يمكن التغلب على النقطة العمياء في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، ويمكن تحقيق التقدم نحو السلام والاستقرار.

#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات