|
محنة غزة أظهرت الحاجة الى الإصلاح
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 7853 - 2024 / 1 / 11 - 00:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أولا : إصلاح إسرائيل والفلسطينيين : 1 ـ تعبير ( حل الدولتين ) مع إنه ضرورى إلا إنه مبهم ويحتاج تفصيلا وتحديدا . الدولة الفلسطينية المقترحة ليست دولة منزوعة السلاح كما يقول السيسى ، أو حكم صورى إدارى تحت سيادة إسرائيلية فجّة أو مستترة . حين نتكلم عن حلّ جذرى فلا بد من دولة فلسطينية ذات حدود وذات سيادة وإستقلال فى الضفة وغزة مع ممر يصل بينهما ، وترتبط هذه الدولة الفلسطينية مع إسرائيل بعقد صلح وسلام معها . يستلزم هذا : 1 / 1 : من فلسطين : إستبعاد القيادات الفاسدة الحالية ( منظمة التحرير وحماس ) ويقود هذه الدولة منتخبون من الشعب الفلسطينى مُبرأون من القيادات السابقة . 1 / 2 : من إسرائيل : إستبعاد المتطرفين الدمويين وإقصاؤهم سياسيا ، ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من فساد وسفك دماء . 1 / 3 : من فلسطين وإسرائيل معا : إصلاح مناهج التعليم الاسرائيلى والفلسطينى لتمحو الكراهية المتأصّلة بينهما ، ولتكون مع السلام والأمن وحق الحياة والكرامة الانسانية للفرد الفلسطينى والاسرائيلى على قدم المساواة . 1 / 4 : من إسرائيل وأمريكا والاتحاد الأوربى : لأنهم الجُناة فلا بد من أن يتحملوا : 1 / 4 / 1 : إعادة إعمار قطاع غزة . 1 / 4 / 2 : تعويض أهالى القتلى الفلسطينيين . 2 ـ هذا يصبُّ فى مصلحة إسرائيل أكثر من الفلسطينيين ، لأن فلسطين مقبرة للغزاة القادمين اليها إذا أقاموا فيها مذابح . توالى على الأرض الفلسطينية غزاة وفاتحون من الفراعنة واليونان والفرس والآشوريين والعرب والعثمانيين ، لم يقيموا مذابح لأهلها ، فأقاموا فيها بسلام وتركوها بسلام . أقام الصليبيون مذابح فى طريقهم لفلسطين ، ثم فى فلسطين ، وسبحت خيولهم فى بحر من دماء السكان المسلمين والمسيحيين واليهود فى ساحة المسجد الأقصى حسبما ذكره مؤرخوهم . مع هذا فلم ينعم الصليبيون بالأمن ، عانوا حروبا متكررة واحتاجوا الى حملات عسكرية من أوربا ، ولم تغن عنهم شيئا ، وأخذوا فى التقهقر إلى أن تم إجتثاثهم على يد السلطان المملوكى الأشرف خليل . إسرائيل بدأت مذابح للفلسطينيين قبل قيامها ، كما لو كان الفلسطينيون هم النازي الذين أرتكبوا الهولوكوست . ولا تزال المذابح هى السياسة الاسرائيلية المتبعة . يظنون أنهم بذلك يحققون لأنفسهم الأمن . ولم يتحقق لهم أى أمن ، بل إنه كلما زادت مذابحهم للفلسطينيين إزداد خوفهم من الفلسطينيين ، ووصلوا الآن الى مرحلة الإبادة الجماعية ، ومستحيل أن تبيد شعبا مستقرا فى وطنه آلاف السنين . العكس هو الذى سيحدث فى المستقبل ، فلن تظل إسرائيل ـ بعدة ملايينها ـ هى الأقوى من أكثر من بليون ونصف البليون ، من الفلسطينين والعرب و ( المسلمين ) فى شتى أنحاء العالم . لا يبقى شىء على حاله ، القوة أمر نسبى ، أنت أقوى لأن خصمك أقل قوة منك أو اضعف منك ، وحين تتغير موازين القوى ـ وستتغير حتما ـ فسيعانى سكان إسرائيل من هولوكوست لن يُبقى ولا يذر، وبدون أن يذرف عليهم أحد دمعة حزن واحدة . ثانيا : إصلاح سلمى سريع لمصر بإزالة حكم العسكر وتأسيس دولة مدنية علمانية حقوقية 1 ـ الخطر الأكبر على أوربا والمنطقة وعلى إسرائيل بالذات يأتى من مصر . عملت إسرائيل وأمريكا والغرب على إضعاف مصر والسيطرة على حكامها العسكر . ووصلت مصر بهذا الى شفا مرحلة سقوط الدولة ، وأصبحت مرشحة لحرب أهلية وانفلات أمنى وثورة جياع ، سينقسم فيه الجيش والأمن ويتشتت ، وتختفى الأسلحة لتظهر فى أيدى ميليشيات وعصابات ، دون قيادة منظمة . فى هذه الحالة ـ التى ليست مستبعدة ـ تخيل عشرات الملايين من المصريين الجوعى اليائسين على الحدود الاسرائيلية ، وقد تربوا على كراهية إسرائيل ، ويعرفون أن عدوهم السيسى خدم إسرائيل ومن أجلها قهرهم واذلهم وأجاعهم . أى لا بد من علاج سريع للحالة المصرية قبل أن تنفجر ليس فقط فى وجه إسرائيل بل فى أوربا أيضا . أوربا تعانى من لجوء السوريين ، فكيف بجحافل المصريين ؟ 2 ـ إصلاح مصر ليس صعبا . من السهل على أمريكا والغرب إقناع السيسى وجنرالاته بالخروج الآمن ، وتكوين حكومة مدنية مؤقتة تؤسس إصلاحا دستوريا وقانونيا وتعليميا وإقتصاديا ، وعلى أساسه تجرى إنتخابات حرة نزيهة تحت إشراف دولى ، وتتولى الحكومة الجديدة مهامها وفق ديمقراطية نيابية أو رئاسية ، وفق تداول السلطة ، وحياة سياسية حرّة . ثالثا : إصلاح الديمقراطية الغربية 1 ـ ننشر الآن كتابا عن ماهية الدولة الاسلامية من تدبر قرآنى ، وهى التى أقامها النبى محمد عليه السلام . وقلنا أنها دولة علمانية ذات ديمقراطية مباشرة ، وتمنع تكوين رأسمالية تسعى للإستئثار بالسلطة . وقلنا إن بعض ملامحها توجد الآن فى بعض دول الشمال الأوربى ( دول اسكندنافيا وسويسرا وهولندا )، وقلنا إن الديمقراطية الجزئية ( النيابية التمثلية ) تتيح سيطرة رأس المال على الحياة السياسية ، وخصوصا فى السياسة الخارجية . ولهذا حاربت أمريكا الديمقراطية فى فيتنام وأفغانستان والعراق ، وهى الآن تساند إسرائيل فى عدوانها على غزة . هذا يتناقض مع المبادى الغربية ( والأمريكية ) المعلنة عن حقوق الانسان وحق الشعوب فى تقرير مصيرها . دماء عشرات الألوف من أطفال غزة ونسائها أيقظ الشعوب الغربية ، فثارت مظاهرات شارك فيها نبلاء من اليهود ، ونبلاء مثقفون من كل الأطياف . إرتفع ضجيج المظاهرات ، ولا تزال قائمة متجددة ، ولكن تأثيرها حتى الآن محدود . لا تزال أمريكا والاتحاد الأوربى وأجهزة الإعلام فيهما فى تأييد لاسرائيل فى ذبحها أطفال فلسطين ونسائها ، وتدمير مستشفياتها ومرافقها ، ولا تأبه بالاحتجاجات . والعداء الراسخ بين الرئيس بايدن وغريمه ترامب لا يحجب حقيقة أنهما يتنافسان على تأييد إسرائيل . 2 ـ الخصومة بين بايدن وترامب تعنى أن هناك مشكلة لو وصل ترامب للحكم ، وهناك مشكلة لو لم يصل للحكم . أمريكا الآن تغيرت ديموغرافيا . الأقليات العرقية فى داخلها إزداد عددها ، واصبحت أعدادها المتزايدة تهدد الأغلبية البيضاء . وظهر التأثير سياسيا فى فوز باراك أوباما مرتين بالرئاسة ، وتمتعه بالاحترام فى رئاسته وبعدها . وظهر أيضا فى تولى إمرأة غير بيضاء منصب نائب الرئيس بايدن . البيض المتعصبون هم الذين قاموا من قبل بتطهير عرقى للهنود الحُمر السكان الأصليين ، وهم الذين حاربوا ضد تحرير الرقيق وأدخلوا أمريكا فى حرب أهلية طاحنة . ثقافتهم المتعصبة لا تزال راسخة حتى الآن يمثلهم ترامب والملايين من أنصاره . أولئك ( الواسب ) البيض المتعصبون ليسوا سعداء بهذا التغيير الديموجرافى وتأثيراته السياسية . و سياسة ترامب فى رئاسته تعكس هذا خصوصا مع موقفه من الهجرة الشرعية . أنصار ترامب به متمسكون ، ولا يتورعون عن إرتكاب أعمال عنف ، وقد فعلوها كثيرا ، أفظعها الهجوم على مبنى الكونجرس وإحتلاله . أمريكا مقبلة على قلاقل ، خصوصا فى العام القادم . ولا بد من إصلاح عاجل ، منه ما يخص النظام الانتخابى المعقّد ، وما يخص النصوص المطاطة التى تختص بسلطة الرئيس ومحاسبته ، وهل تتماشى مع مبدأ أنه لا يعلو أحد على القانون . 3 ـ هذه المشكلة الأمريكية الخالصة تتوازى مع الانفصام بين السلطة الحاكمة فى واشنطن وبين الجماهير الأمريكية المتعاطفة مع سكان غزة ، والتى تطالب دون جدوى بوقف المذابح ووقف إمداد إسرائيل بالسلاح والتنديد بالفيتو الأمريكى ضد حياة أهل غزة . رابعا : إصلاح الأمم المتحدة 1 ـ تأسست الأمم المتحدة وتوابعها بعد الحرب العالمية الثانية ، وهى تعكس أحوال العالم وقتها ، ولا تزال تُمثّل ذلك الماضى العتيد الذى مرّ عليه حوالى ثلاثة أرباع القرن . فى هذه المدة حدثت تغييرات سياسية ، سقط الاتحاد السوفيتى وإنفرط عقد دوله ، وتغيرت التحالفات وتبعثرت ، وظهر الارهاب الدينى عباءة للمقاومة يفتك بالمدنيين أو يتحصّن بهم دروعا . فى وجود الأمم المتحدة لم تتوقف الحروب ، بل قامت بها أمريكا ، الدولة التى تستضيف مبنى الأمم المتحدة . وفى كل الحروب التى حدثت فى وجود الأمم المتحدة ظلت الامم المتحدة مجرد حائط مبكى للمظلومين ، والذين تكاثروا . الأسباب كثيرة ، وأهمها فى نظام الفيتو فى مجلس الأمن ، والذى تسىء أمريكا إستخدامه ، وهذا معروف ومألوف . آن الأوان لاصلاح جدى للأمم المتحدة لتكون قادرة على ردع الظلم والظالمين . 2 ـ فى النصف الأول من القرن العشرين كان العالم قرى مختلفة وبأسوار تحجز بينها . الآن يعيش البشر فى قرية كونية واحدة ، يرون نفس الشىء فى نفس الوقت . ثورة الاتصالات والمواصلات وما نتج عنها أحدث تغييرا هائلا ، لم يعد يصلح معه وجود الأمم المتحدة كما هى . أخيرا 1 ـ محنة غزّة أظهرت الحاجة الماسّة لاصلاح فلسطينى اسرائيلى مصرى غربى أمريكى وعالمى . لا تخلو أى محنة من جانب إيجابى ، وهذا لمن يستفيد من المحن ويفكر ويعتبر ويقرر الإصلاح . 2 ـ ما نقترحه ليس مستحيل التنفيذ . هو فى إطار الممكن . وبدون الاصلاح ستكون التكلفة هائلة . لا تهتم بتكاثف الظلام فضوء شمعة واحدة يبدده ، المهم أن يوجد من يمسك الشمعة ويتمسك بها . لا يزعجك كثرة الخبيث ، فقد قال جل وعلا : ( قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) المائدة ) . ودائما : صدق الله العظيم .
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن ( التعوذ من الخبث / أشد الناس كفرا )
-
القاموس القرآنى ( الماء )
-
عن ( عادة مصرية سيئة / كما تدين تُدان )
-
حدود الإلتزام الفردي فى تطبيق التشريع الاسلامى
-
عن ( قتلهم الأنبياء ، وهل كان منهم يحيى عليه السلام )
-
حدود تدخل الدولة الاسلامية فى فريضة الحج
-
أسئلة عن القرآن الكريم
-
حدود تدخل الدولة الاسلامية فى الزكاة المالية
-
عن ( آدم وحواء والنفس فى الدنيا والآخرة / النفس وقانون الزوج
...
-
عن الوحى وأنواعه
-
عن ( أصناف من الناس / بادر بالهرب منها / السّلم / حقوق الأرم
...
-
عن التاريخ وأُسطورة قطعى الثبوت وظنى الثبوت
-
عن ( يوسف ومصر والفرعون والارهاب )
-
عن ( أبواب ) فى القرآن الكريم
-
لا تدخل مطلقا للدولة الاسلامية فى عبادة الصيام
-
عن ( علاقة النبى بالكافرين فى مكة )
-
( وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) ( لقمان 5 ، النمل 3 )
-
عن ( الشهادة للميت بحُسن الخاتمة / الفطور والتفاوت )
-
مدى تدخل الدولة الاسلامية فى عبادة الصلاة
-
عن : ( الأمن والخوف / هل الأقارب عقارب ؟ / الانسان بين الاست
...
المزيد.....
-
-فخ إسرائيلي- للإيقاع بدروز سوريا... وكراهية الإسلام أضحت -ع
...
-
القدس في أبريل.. انتهاكات غير مسبوقة للاحتلال في المسجد الأق
...
-
الأردن: أحكام بالسجن 20 عاما ضد متهمين في قضية مرتبطة بالإخو
...
-
عاجل.. أعداد كبيرة من المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى بحماي
...
-
لماذا يترك بعض النيجيريين المسيحية لصالح المعتقدات الأفريقية
...
-
TOROUR EL-JANAH KIDES TV.. تردد قناة طيور الجنة على القمر ال
...
-
متاحة الآن مجانًا .. أحدث تردد قناة طيور الجنة الجديد على نا
...
-
ترمب مازحا: أود أن أصبح بابا الفاتيكان الجديد
-
السجن 20 عاما لـ 4 متهمين في قضية الإخوان بالأردن
-
خلي أولادك يفرحوا.. اضبط تردد قناة طيور الجنة 2025 على جميع
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|