أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمير السليمي - مع صديقي الملحد (4)















المزيد.....


مع صديقي الملحد (4)


أمير السليمي

الحوار المتمدن-العدد: 7844 - 2024 / 1 / 2 - 10:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في هذا الجزء أحاول العودة إلى بعض ما قيل إلى الآن في الأجزاء السابقة، أفترض اعتراضات وأرد عليها، وأواصل التكلم عن أخلاق الملحد.. أرجو منك أن تتذكر أن العبرة بالنتائج، وانظر جيدا إلى ما أدعوك إليه وافترض تطبيقه والالتزام به وقارن بين ذلك وما تحياه الآن: إن كانت النتيجة أحسن فلم لا تعمل به؟

شيء مهم جدا يترتب عن الالحاد هو التميز وفي كل شيء (*)، أنت قتلت الله الكامل وأخذت مكانه، فهل يعقل أن تكون ذيل الفصل؟ هل يعقل أن يوجد شيء في هذا العالم وليس في بلدك ومجتمعك فحسب وليس لك دراية به؟ مثلا كيف تقبل أن يتكلم مؤمن معك عن حدث تاريخي -لنقل الحرب العالمية الثانية- وأنت لا تعلم شيئا عنها؟ أو عن انجاز علمي فيزيائي؟ أو عن اكتشاف جديد يخص البايولوجي؟ أو أو أو وأنت لا تعلم شيئا؟ صحيح هذه الأسئلة لا علاقة لها بالإلحاد مباشرة، لكن تبعات إلحادك تحتم عليك أن تكون ليس مختصا وعالما بكل شيء وهو أمر مستحيل لكن ألا تكون كذلك الفاتح فمه والذباب راتع فيه.. مثال صغير: خلفيتك أدبية، هل يعقل أنت تكون مريضا بالقلب ولا تعرف أي شيء عن عمل القلب، عن مرضك؟ فقط تشرب أدوية وتذهب لمواعيد وانتهت القصة؟ .. آخر: أنت طبيب وستبني منزلك، هل يعقل ألا تعرف شيئا عن مواد البناء حديد اسمنت وغيره؟ .. آخر: لست محاميا وعندك مشاكل ارث، هل يعقل ألا تعرف أي شيء عن قوانين بلدك وتضع القضية في يد المحامي دون أن تحضر حتى في المحكمة أو تعرف مراحل القضية؟ الذي يفعل ذلك هو الباحث عن راحة البال والمخ، من يقبل أن يكون مفعولا فيه لا فاعلا مشاركا: أليس هذا سلوك عوام المتدينين الذين يرفضون حتى السماع؟

الملحد الذي قتل الله وأخذ مكانه لا يمكن أن يعيش دون ضوابط، كل إله لنفسه والملحد إلهه نفسه وفي عقله كل لحظة، ضميره الذي لا ينام ولا يمكن أن يوافق على الخطأ.. أي خطأ؟ الذي يحدده الملحد نفسه ولا أحد غيره، الملحد الملم بكل أو بجل ما يحيط به من أحداث ومعارف يستطيع الحكم ووحده، ولنأخذ أمثلة، أبدأ بالجنس:

إذا كانت الأديان وخصوصا المسيحية رسخت لثقافة الكبت والعقد من الجسد والجنس فهل النقيض يعني أن الملحد يستطيع أن يكون بورن ستار؟ وأن ينام مع كل من هب ودب دون ضوابط كما يفعل البعض منا؟ الجواب قطعا لا! بعيدا عن أقوال الأديان، تلك العلاقة عندها، لنقل قانون كوني يحكمها، وهو: علاقة بين عاقلين/ كبار/ راشدين بالاتفاق وخارج المحارم:

.الرشد يعني العمر وهنا منع بات للبيدوفيليا، يعني أيضا العقل والحظر مشروع مع المرضى العقليين.
.الاتفاق يمنع الاكراه أي الابتزاز والاغتصاب، وأيضا البيدوفيليا لأن الصغير لا يستطيع أن يعطي تلك الموافقة.
.خارج المحارم، أنا عاقل وموافق وأختي مثلي فهل نحن أحرار؟ قطعا لا!

ستقول لي ومن يرى غير ما قلت؟ وأجيبك أن منظمة الصحة العالمية وتبعا لها الدول الغربية يقولون أن من حقوق الطفل الجنس، في إطار سعيهم لتشريع البيدوفيليا (الصغير يستطيع أن يعطي موافقة!). وأن الجنس مع المحارم أيضا فنتازيا عند كثير من المنحرفين.. عندما تزور موقع بورن ركز مع -التخصصات!- المعروضة، ستشد انتباهك كثرة وجود الجنس في العائلة، طبعا سيقولك فنتازيا وربما فن! لكن ما الهدف من وراء ذلك؟ أفلام البورن هذه عندما تضيف إليها أن الاسلام أباح كل شي في العائلة تكون النتيجة المآسي الموجودة في السعودية ومصر وإيران وغيرها.

طيب، اليوم تعرفت على الأولى ومعها الشروط المطلوبة، أمضينا مدة معا، ثم جاءت الثانية، ثم الثالثة، ثم رقم مئة وألف، ما المانع؟ لا يوجد ولك ذلك، لكن أشباه موانع ستأتيك من حولك أولا ومن إلهك ثانيا.. من حولك، والملحد ليس أيا كان في مجتمعه عادة فهو طبيب ومهندس وجامعي ومحامي ووو فهل شهرة زير نساء تتوافق مع عمله وسمعته في مجتمعه المحافظ؟ وهل لن يقول له إلهه ما الفرق بينك وبين مسلمي أيام اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر؟ .. ثم وهذا من تبعات الإلحاد، أنا قتلت الله وأبدا لن أرض بأن أستعبد لأي كان لا فكر ولا فلسفة ولا أيديولوجيا ولا ... جسد!

طبعا لم أتكلم عن مشاكل الأمراض المعدية والحمل وغيره، فالملحد يمكن أن يكون لا يعلم شيئا هنا، وأعطيك فقط مثال نفي الحمل أي المحبوبة جسدها كما هو لم يتغير فيه شيء طيلة تسعة أشهر، عادتها الشهرية منتظمة، وفجأة عندها آلام، تذهب للمستشفى فيقول لها الطبيب سيدتي أنت ستلدين الآن! حاول تخيل ذلك ولنقل أنك في صعيد مصر..

الأمثلة التي قيلت وغيرها الكثير تمنع الملحد من أن يكون زير نساء وإن كان لا يوجد أي مانع أخلاقي عنده وليس فقط في مجتمعاتنا بل حتى في أكثر مجتمعات الغرب تحررا جنسيا: هل ككل -سلفي- أنا أدعو إلى الفضيلة هنا؟ الجواب مصطلح الفضيلة مصطلح ديني بائس الملحد تجاوزه منذ قرون.. وما قيل تكلمت فيه عن "زوج" لا عن أعداد أخرى... قلت بين "كبار" ولم أقل "كبيرين"...

أمر إلى مسألة مهمة جدا تتعلق بتبعات الإلحاد وهي ثقافة الغفران، وأسأل هل الغفران خلق للملحد؟

مباشرة تقفز في أذهاننا ثقافة الأخذ بالثأر اليهودية الإسلامية وثقافة الغفران المزيفة المسيحية، والإلحاد نتج عن هذه الأديان أذكرك.. الأخذ بالثأر ثقافة تدمر المجتمعات والغفران أرقى بكثير، لكن هل أنا أتكلم عن مجتمعات الآن؟ ما أقوله موجه للملحدين وهو يستثني حتى اللاأدريين وهم الأقرب إلينا فلا تنس ذلك (اللاأدريون لم يقتلوا الله بل هناك إمكانية وجوده عندهم/ ليسوا آلهة لذلك كلامي لا يشملهم/ هناك أشياء تخص اليهود فيما بينهم ولا غضاضة في ذلك، تخص المسيحيين والمسلمين و.. أيضا الملحدين ولا يجب أن يوجد أي احراج في ذلك).. هل ما قلته عن الجنس مثلا يصلح للشباب المتحرش المصري؟ كلامي سيأخذهم ليس لاغتصاب تلك المسكينة بل سيفعلون فيها ما فعله سيدهم خالد في مالك بن نويرة..

الكلام عن الغفران يخص الجرائم الشنيعة التي وقعت في حق الملحد، ولا يخص طفلا كسر زجاج سيارته أو زميل عمل قام بتجاوز تجاهه. الغفران يخص مسائل دينية عالقة وقضايا تخص مجتمع الملحد وبلده والانسانية ككل.

أعود للاغتصاب الديني الذي تعرض له الملحد في صغره، في الدول -المتحضرة- جرائم البيدوفيليا والاغتصاب لا تسقط بالتقادم مثلها مثل الابادة الجماعية. ترى امرأة في الثلاثينات وتقولك أبي تحرش بي عندما كنت صغيرة ولم أكن أعلم ذلك، اكتشفت ذلك بعد ذهابي إلى الطبيب، تقدم شكوى، تبحث القضية ويعاقب الأب إن ثبتت إدانته. الاغتصاب والتحرش هنا جسدي ووقع مرات لن تكون بالآلاف وفي حيز زمني قصير لكنه مدمر لمن وقع عليها أو عليه. لماذا لا تقارنه بما وقع عليك؟

اغتصاب جماعي من العائلة -الكريمة- والجيران، في الكتاب، في الروضة، في المدرسة، في الاعلام، في الشارع وطيلة اليوم 24/7 حتى في نومك لأنك ربما مئات الكوابيس قضت مضجعك.. والجميع ينظرون ويباركون ويهللون.. لا أعلم قصة الحادك ولا تظن أن قصتي مريرة مؤلمة لأني في شخصي لم أعاني يوما من الدين لحسن حظي العائلة لم يكن فيها من الاسلام غير الاسم، لكن هناك من عانى وهناك من أضاع عمرا ليتخلص من هذا الدين وهناك من لا يزال يعاني من رواسبه، فهل معاناة أولئك لا تعنيك في شيء؟ إذا كنت لا تأبه لما وقع عليك في صغرك، فأنت مثل المرأة التي اغتصبت في صغرها وهي لا تفهم لماذا ترفض وتهرب بل وتصرخ كلما حاول أحدهم لمسها وقد تمضي المسكينة كل عمرها لا يمكن أن تنجح لها علاقة مع رجل وربما أوصلها جهلها بما وقع عليها إلى الظن أنها مثلية..

هناك نوع مقيت من الملحدين، ذلك الذي ولد في بيئة دينية بالاسم، الذي لا يهتم لشيء حوله وإن مات كل البشر، ذلك الذي فكر خمس دقائق في الدين فاكتشف الخرافة فقال أنا ملحد وانتهت القضية، لكنه واصل حياته وكأنه مؤمن فتزوج على سنة الله ورسوله وختن ابنه وأقام له ليال ملاح وفرض خال أو عم أو جد على بنته الخمار فقبل وربما خرج في مظاهرة تساند حماس: أرجو ألا تكون من هذا الصنف ولا أظن ذلك لأنه لن يقرأ أصلا..

طيب.. كيف يغفر الملحد هذه الجريمة التي وقعت عليه مباشرة؟ إن تجاوز عن نفسه، كيف يغفرها عن مجتمعه؟ لماذا ذلك الجاهل الأمريكي الذي لا يعرف حتى الكتابة بلغته يعيش في مجتمع أحسن منك؟ ليس الدين كل شيء نعم، لكن أصل التخلف في بلدك هو هذا الدين.. هل ضمير الملحد يسمح له بأن ينسى؟ بأن يغفر؟ الجواب: استحالة! وهذا لا يعني طبعا، لو توفرت السلطة، أشنق أمي وأبي وكل شعبي..

شخص ما فقأ عيني، هل عندما يعتذر مني أو لا يعتذر، ستعود لي عيني؟ الجواب لا، إذن يعتذر أو لا يعتذر سيان عندي
هل أفقأ عينه؟ (ثقافة الثأر) إن فعلت، هل ذلك سيعيد لي عيني؟ الجواب لا، إذن أفقأ عينه أو لا أفعل سيان.. ثم أنا أعور الآن، ماذا سأجني لو صار أعورا مثلي؟ الجواب لا شيء
هل هذا يعني أغفر له فأرتاح من الغيظ الذي في داخلي؟ (ثقافة الغفران المسيحية)، ومن قال أنه يجب أن يبقى غل في داخلي؟ عيني راحت، الغل سيزيدني دمارا ولن يرد لي عيني.. هذا الذي فقأ عيني لا وجود له أصلا ووجوده انتهى بعد فعله الذي لا يُصلَح، أنا الموجود الوحيد وأنا المقرر الوحيد.. هل يعني هذا أغفر له؟ قطعا لا، هل يعني أيضا أني ما لم أقتص سأكون عرضة لأن أخسر عيني الثانية من نفس الشخص؟ قطعا لا لأني لن أسمح بذلك.. يبقى ثمن عيني، من سيدفع؟!

ثقافة الثأر تقول أني عندما أحكم أنكل بالإسلام وأهله. ثقافة الغفران تقول انس يا ملحد ما وقع عليك، لست وحدك فذلك عاشه كل البشر، انس ولا تضخم القضية أم أنت خير من كل الملحدين واللادينيين وحتى المؤمنين الذين غيروا أديانهم، على راسك ريشة يعني؟!

الاثنان مرفوضان جملة وتفصيلا، والاثنان لا يمكن أن يكونا ثقافة للملحد، الثانية هي السائدة عند أغلب الملحدين الذين يظنون ذلك -رقيا- و -تحضرا- و -علمانية- وفيهم من يراها تنازلا لجاهل أو بائس قلل من احترامه في الطريق أو في مقهى.. الثانية هذه تسمى "التقليل من الشر"، والمقلل من حجم جريمة أو كارثة مساهم فيها وفي الدفاع عن مرتكبيها وعى ذلك أم لا..

هل أغلي على أمي وأبي لأعلقهما على المشانق؟ قطعا لا، وعندما لا أغفر لهما من يدفع؟ الذي سيدفع هو أنت صديقي الملحد، فأنت الوحيد القادر على ذلك، هناك عدل لا يمكن أن تتجاوزه، نعم يشبه الأمر عقيدة الفداء في الديانات المصرية والمسيحية، لكن أن تنسى أو تغفر هكذا فهو المستحيل بعينه..

كيف يدفع الملحد ثمن ما وقع عليه؟ بسيطة، بأن يمنع ما استطاع تلك الجريمة بأن تقترف في غيره، وأول هذا الغير أقرب الناس إليه والذين معهم يستطيع أن يفعل ذلك: شريكته، أبناؤه بالدرجة الأولى! هذه قضية لا يلتفت لها عدد كبير من الملحدين، لكن فليعلم من لا يعلم أنها القضية رقم واحد عند آخرين وتأتي قبل تلك الفحوص الطبية التي يقوم بها المقدمون على الارتباط، بل هناك من رفض الانجاب أصلا لأنه يعلم أنه لن يستطيع منع تلك الجريمة عن أبنائه..

يدفع بأن يلتزم بما تمليه عليه تبعات إلحاده في كل شيء في سلوكه في دراسته في عمله: في كل شيء في حياته! أن يكون الأرقى، الأعلم.. أن يكون مثالا لغيره في كل شيء.. وهنا إلحاده سيتبعه إلى الحمام! وهنا أيضا نفهم كيف يستحيل على الملحد أن يكون أنانيا لا يفكر إلا في نفسه، وأنه غصبا عنه يجب أن يدخل المعترك الفكري والسياسي في مجتمعه: أبدا لن يكون كبش فداء نعم، لكن نفسي والطوفان من بعدي هذه أيضا لا وهي ثقافة دينية بدوية بالمناسبة!

اعتراض لن يتأخر هنا، وهو: أنت تدعي أن الملحد يجب أن يكون -الكمال المطلق- وأنه وأنه.. أليست هذه يوتوبيا ساذجة لا تختلف في شيء عن الأديان وعن أي أيديولوجيا أخرى؟

أولا: ما العيب في أن نسعى لأن نكون هذا الكمال؟ أن نكون متميزين في كل شيء؟ هذه ميزة وليست مسبة، العيب هو من يدعي بدون دليل ويفرض ذلك بالقوة بالسيف والتلقين والتجهيل فهذا شعب مختار وهذا نور للعالم وهذا خير أمة أخرجت للناس! وبأمارة ماذا؟ عندما تبحث لا تجد شيئا وإن اعترضت قطعت رأسك.. المقارنة جائرة لأني لا أفرض بالسيف ولا أتكلم دون دليل، وفي الأخير هي كما قلت رغبة في أن نكون أحسن وأعلم وأرقى فنستفيد من ذلك ونفيد. المقارنة جائرة أيضا لأني لم أقل أنا الوحيد الحل وعندما أحكم سيأكل الذئب والخروف معا بل قلت أن الملحد لا يصلح للحكم، أن يكون من المستشارين نعم ورأيه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لأنه لا يتبع أي أيديولوجيا وسيكون موضوعيا وعقلانيا في أقواله ومواقفه عكس كل الآخرين -وأولهم الملحدون الذين يجهلون أو يتجاهلون تبعات إلحادهم كما بينت-(هنا قلت أن الملحد هو الوحيد الذي يستطيع جمع الفرقاء في بلده لأنه لا يتبع أيا منهم): أنا لا أصلح أن أكون وزير تربية لأن أول قرار لي -مع السلطة- سيكون الغاء تدريس الدين، لكني أستطيع أن أكون مستشارا لوزير التربية الذي سيعمل على ذلك غصبا عنه لأني سأردده عليه كل الوقت لكي لا ينسى أو يتساهل أو يتنازل.

ثانيا: إلحاده سيتبعه إلى الحمام؟ ربما كان لا يلتزم بشعائر دينه فهل سيفعل ذلك وهو ملحد؟ .. كل البشر ملحدين وغيرهم يلتزمون بقوانين والحرية -المطلقة- وهم تجاوزه الملحد، كلهم عندهم كود أخلاقي يلتزمون به وكل والكود الذي عنده وكل ودرجة التزامه.. هل اعلاء سقف الالتزامات عيب؟ سلوك شخص مسؤول أرقى أم سلوك شخص مستهتر؟ ثم لا أحد سيستطيع فرض شيء على الملحد فهو الوحيد الأوحد الذي سيفعل وكل ما سيأتيه لن يتجاوز عنده مجرد رأي أو اقتراح يمكنه أن يقبله مثلما يمكنه رفضه.. لا أحد سيستطيع وسيتجرأ على لعب دور شيخ أو أستاذ معلم، كائنا من كان لا يمكنه إلا أن يقدم ما عنده يبين حججه والقرار الأخير يعود لذلك الملحد وإن رفض فله ذلك وإن لم يلتزم بأي شيء.. المسألة بينه وبين ضميره الذي لا أظنه سيتركه يقوم بالمحظور دون تنبيه على الأقل: من هذه مثلا أزعم أنه يستحيل أن يمد ملحد يده على ابنه لأن لغة العنف لا يمكن أن تكون لغة تربية أطفال! (لكني قلت سأفرض منع تدريس الدين وهذا عنف؟ المقارنة لا تجوز لأن الدين مرض والطبيب في حالات كثيرة يستطيع فرض العلاج على المريض، وأيضا مقارنة ذلك بنشر وفرض الدين بالقوة لا يجوز لأن الملحد يريد الحيادية ولا يطالب بتدريس الالحاد بالقوة للناس)

أختم مع -صاحبة الفضل-..

في موقع شات، كنت على يقين أن الدرر يمكن أن توجد في أمكنة كتلك، فنويت -وإنما الأعمال بالنيات- و-تفاءلت- ووضعت الاعلان التالي: "أنا إنسان مهم جدا، وليس عندي وقت أضيعه، أريد التعرف على فتاة جميلة فقط للجنس، أستطيع أن أتبادل معها الرسائل هنا خمس دقائق فقط، ثم ترسل لي صورتها على المايل لأني لا أستعمل أي سوشيال ميديا، بعد ذلك أكلمها على الهاتف، وإن أعجبتني يمكن أقابلها ونبدأ.. لكن مع شرط ألا تكلمني أبدا وأنا الوحيد من يتصل عندما يكون عندي وقت ورغبة"

الاعلان الجميل لم أجن منه إلا السب وليس من النساء فقط بل حتى من الرجال.. فقط معرف واحد لم يسبني وكان أول ما قرأت لذلك المعرف وبالعربي (عادة الجميع استعمال لغات أجنبية): "أرغب في التعرف عليك، لكني حميراء!" [الشيعة عن عائشة يقولون أن الحميراء هي المحياض النجسة التي لا ينقطع عنها الدم]، فأجبتها أن أخيرا هناك من فهم، واشترطت بعد ذلك شروطي الحقيقية أي رسائل الكترونية تعنى حصرا بمواضيع فكرية مع منع بات لأي معلومات شخصية (الاسم، العمر، العمل، البلد...).. أول مواضيعنا كان الجنس، وكان سؤالي لها :"ما الذي يمنعك الآن من ممارسة الجنس مع كل من يعجبك وإن كانوا بالآلاف؟" ولم تستطع أن تقنع أن امتناعها ليس إلا بقايا عقد الدين، لأنها كانت ترى الإلحاد -مجرد موقف فكري من الأديان وآلهتها-...

استغربت عندما قلت لها أن مفاهيم مثل "الوفاء" و "الخيانة" و "الغيرة" مفاهيم دينية صرفة تخفي حقيقة ملكية الرجل للمرأة وعلى المرأة أن ترفض تلك المفاهيم وأن تنادي بدلها بمبدأ بسيط: العدل!

من أهم أسباب إلحادنا -الفلسفية- غياب العدل وكيف يسمح الإله المزعوم بكل الظلم الذي يحيط بنا بل ويقوم به بنفسه؛ بالسماح بالكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل وبراكين وأوبئة يذهب ضحيتها الآلاف وعبر العصور الملايين. العدل الذي ينسف فكرة جهنم من أساسها، فكيف يعقل أن يشوى إلى الأبد من اخترع وطور وشفى الملايين ويدخل الجنة صعلوك وضيع فقط لأنه آمن بذلك الدين أو غيره؟ (يقولك أصولك فاسدة أي لم تؤمن بمحمد أو يسوع أو ... كل ما سيأتي بعد ذلك لا قيمة له: الأصول/ العقيدة أولا ثم الفروع/ الأعمال!)، وكيف يعقل ألا تتساءل كل امرأة عن كل الظلم الموجود في جسدها فالرجل لا يحمل ولا يلد ولا يرضع ولا يحيض، الولادة وحدها تسببت في قتل آلاف النساء ولا تزال إلى اليوم. أما الرجل في كل هذا، فمهمته تدوم ثوان!! إن أراد، ولا خطر عليه ولا قلق عنده.. تلك الأسئلة البسيطة التي يمكن أن يطرحها طفل صغير، والتي يسخر منها المؤمنون، وحار فيها المتكلمون واللاهوتيون عبر الأزمان وإلى اليوم، هي التي أخرجت كثيرين منا من وهم الدين والإله دون حتى العودة إلى شعائر ودقائق ذلك الدين أو غيره.

أنا مع فلانة واتفقنا أن نكون معا ووضعنا شروطنا والخطوط الحمراء التي لا تتجاوز..

لم أغار عليها؟! الغيرة نوع من الشك في نفسي وفيمن معي. إذا كنت أشك في نفسي فهي مشكلتي ويجب أن أعالجها، وإذا شككت في فلانة فأنا اتهمتها واحتملت أنها قد تفعل المحظور: ماذا أفعل معها أصلا إذا ولماذا أبقى معها من أساسه؟ الثقة أصل من أصول المعاملات بين الناس وحتى مع الغرباء، لن تشتر لحما من جزار لا تعرفه وليس لك حد أدنى من الثقة، فهل يعقل أن يكون ملحد مع امرأة يمكن ولو بنسبة واحد على مليار أن يشك فيها؟ عجيب كيف يرى الناس والنساء خصوصا أن الغيرة -دليل حب-!

كيف أخونها؟! إذا نظرت لغيرها فهذا دليل أني في نقص معها، وإذا كنت كذلك فلماذا أواصل معها أصلا؟ وكيف قبلت بها منذ البداية؟ أقول لها يا فلانة انتهت القصة لأني معك ينقصني كذا وكذا.. وليس كلاما يوتوبيا، لأن الملحد عندما يلتزم بمسؤوليته وبنتائج إلحاده لن يكون ضبعا كأغلب الناس يقدم على فعل لم يدرس كل جوانبه وعندما يصدم لن يستطيع إلا الخيانة والكذب مواصلا مع نفس المرأة التي من المفروض إن أخطأ منذ البدء واختارها وهي لا تناسبه إما يقطع علاقته بها أو إن واصل يتحمل نتائج خطئه ولا يخونها..

عندما ترى ملحدين يرفضون الارتباط فلتعلم أن جلهم لم يجدوا من يريدون، وبما أنهم يستحيل أن يلعبوا على حبلين، لن يقبلوا أن يكونوا كباش فداء: مصطلح الخيانة لا يمكن أن يوجد في قاموس الملحد، وهنا أعود إلى العدل:

عندما أنظر لأخرى، علي أن أسأل نفسي مباشرة هل أقبل أن تنظر هي لآخر؟ وبما أني لا أقبل، فكيف أجيز لنفسي ما أرفضه منها؟ تنتهي القضية هنا وبكل بساطة مع التأكيد أني لست "وفيا" لها بل قراري/ موقفي لا علاقة له بها أصلا وليس -دليل حب- أو غيره من مفاهيم من المفروض أن الملحد تجاوزها: أنا الفاعل الوحيد هنا، أنا حكمت أن ذلك موقف صحيح وعندي دليل عليه ويجب أن ألتزم به، أنا الله تذكر عزيزي والله لا يحتاج لأحد ليقرر الحق والصواب. تعجب المرأة العامية المتدينة (متدينة بالاسم وتقريبا تتصرف كأنها ملحدة) كيف تكون مع ملحد لا -يحبها- لكنه في نفس الوقت لا يخونها، وبعضهن يفسرن ذلك بالإيجو الذكوري الذي يرفض الاعتراف (أكيد -يحبني- لكنه لا يريد الاعتراف بذلك)!

آخر القول في هذا المقام.. هل حقا "الإلحاد مجرد موقف فكري" أم أن تبعاته ستتبع الملحد في كل شيء "حتى الحمام" وترتقي به بعيدا عن أقوال ومفاهيم غيره من البشر.. جوابي واضح، يبقى جوابك أنت وقرارك؟

__________________________________________________________________________
(*) المهم هنا هو أن تصل الفكرة، ولست مختصا في اللغة وبلاغتها. لكن الأخطاء الاملائية تقلقني، وإن وجد الحد الأدنى المرضي من سلامة اللغة وخصوصا وصول المعنى حتى مع الخطأ. من ذلك مثلا "الموصومة" في المقال السابق عوض "الموسومة" و"أي" بدل "أن" وهكذا فيه وفي غيره. ولن أتذرع بصعوبة اللغة وبأنه حتى أساطينها يخطئون فيها بدءا من القرآن وإلى اليوم. مبدأ التميز يقول تكتب بلغة أتقنها ما استطعت، وفي أي شيء آخر وإن لم تكن مطالبا به، أنا من أحكم من أقرر: أنا/ أنت الله تذكر!



#أمير_السليمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع صديقي الملحد (3)
- مع صديقي الملحد (2)
- مع صديقي الملحد (1)


المزيد.....




- اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في ...
- هيئة معابر غزة: معبر كرم أبو سالم مغلق لليوم الرابع على التو ...
- مصدر مصري -رفيع-: استئناف مفاوضات هدنة غزة بحضور -كافة الوفو ...
- السلطات السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق ...
- ترامب يتهم بايدن بالانحياز إلى -حماس-
- ستولتنبرغ: المناورات النووية الروسية تحد خطير لـ-الناتو-
- وزير إسرائيلي: رغم المعارضة الأمريكية يجب أن نقاتل حتى النصر ...
- هل يمكن للأعضاء المزروعة أن تغير شخصية المضيف الجديد؟
- مصدر أمني ??لبناني: القتلى الأربعة في الغارة هم عناصر لـ-حزب ...
- هرتصوغ يهاجم بن غفير على اللامسوؤلية التي تضر بأمن البلاد


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أمير السليمي - مع صديقي الملحد (4)