مفهوم اللذة بين الرؤية الدينية والمتعارف التقليدي.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 7827 - 2023 / 12 / 16 - 04:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

اللذة شعور إنياني طبيعي يتحسسها الإنسان نتيجة لفعل و موقف وأحيانا ردة فعل لحالة داخلية أستجابية لباعث ذاتي، وعي من الأحاسيس الموصوفة عموما من غير معيارية محددة ولا تشكل نسقا نوعيا عادة، فهي تتشكل وتتكون بأشكال وماهيات وحدود متباينة ليس على مستوى النوع بل حتى على مستوى الوحدة الإحساسية، ورد لفظ "اللذة" في القرآن الكريم ثلاث مرات في الآيات التالي "وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُن" الزخرف/71، " و في نص أخر بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ" الصافات/46، وأخيرا "وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ" محمد/15.
من قراءة النصوص الثلاث وتفكيك البناء الدلالي لها نجد أن اللذة وليس كما هو شائع عند الكثيرين مفهوم مقارن مرة للسعادة أو التمتع بها، وأحيانا يرتبط مفهومها بما تشتهي الأنفس، نجدها في النصوص أعلاه تتميز بما يلي:.
• الغالب في اللذة أنها تتعلق بالحاسة الذوقية وليس بالنوازع الذاتية الحسية عموما، فمثلا بالنص الأول حاسة البصر هي من يستلذ ليس بأعتبارها محل الألستذاذ بل الطريق إلى التلذذ، فمشاهدة ما يسر العين يجلب اللذة للنفس والعكس صحيح.
• في النصين الثاني والثالث لذة للشاربين فيكون اللسان محل التذوق في حالة الشرب هو المسئول تماما عما كانت ألة البصر هي المسئولة في الحالة الأولى، بمعنى أن لذة الشرب تكتشف وتفعل عن طريق حاسة الذوق وهي الجهاز الحسي في اللسان.
• أرتباط الشهوة في النص الأول مع ميل النفس بمعنى أن النفس هي محل الشهوة والأشتهاء والتشهي وهي قد تطلب الفعل للذة أو قد لا تدركها قبل أن تدركها الحواس قبلا.
• الشهوة إذا فعل أساسي محرض عليه ومطلوب لذاته بتعبير أدق هي (نزوع النفس إلي ما تريده وتطلب)، أما اللذة فهي رد فعل لمجموعة مركبة من الأفعال والأحاسيس وقد تكون فعلا عارضا أو منتجا غير متوقع.
• اللذة لها مفهوم أستجابي يمثل حالة إيجابية محمودة دوما، فهي تمنح الفرد نوعا من الرضا بدرجات متفاوتة من الرضا البسيط إلى السعادة الغامرة، خاصة مع عظم اللذة وندرتها ومناسبتها، لكن الشهوة قد تقع على سبيل الطلب الطبيعي للميل الإنساني الأعتيادي فتسمى أشتهاء أعتيادي كشهوة الجائع للطعام والماء للعطشان، وقد تكون شهوة سلبية كحب إيذاء الأخر أو التسلط الغير محمود، وقد وردت في النص القرآني علي ضربين "شهوة محمودة محللة بذاتها" وهي التي أحلَّها الله عز وجل، كما في قوله عز وجل "وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ" الأنبياء/102، وكذلك "وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ" فصلت/31، وأيضا "وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُون" المرسلات" 42، فهذه الشهوات محمودة أعطاها الله عز وجل لعباده المؤمنين في الجنة، والضرب الثاني "شهوة مذمومة بذاتها وبنتيجتها" وهي الشَّهْوة الكاذبة أي التي يمكن الاستغناء عنها ولا يختلُّ البدن من دونها، وهي المنهي عنها كما في قول الله عز وجل "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا" مريم/59.
إذا يمكننا الأن أن نقول وفق للسياق القرآني الذي أورد مفهوم اللذة أنها (كل أثر حسي يستحصل ويتولد من موارد الحس الخمسة ويترك أثرا إيجابيا في النفس والبدن والعقل الإنساني دون أن يترك أسبابا أو نتائج غير محمودة)، هذا التعريف يخرج الكثير من مفاهيم اللذة المتعارف عليها مثل لذة الجنس ولذة أثر المال وما يعرف باللذات المادية التي قد يشترك فيها البدن بنوازع ونزوات ورغبات أخرى، فلذة الجنس لا تكون إلا عن طريق الأشتهاء المطلوب وتفاعل الحاجة والقدرة عليه، فلا لذة للجنس عن العاجز ولا لذة لجامع المال المحروم من فائدته المباشرة له في رفع ما حرم منه عليه، بينما لذة الخمر أنها تنعش البدن والنفس والروح والعقل بما تتركه من أثر مادي سواء طلبها الشخص لذاتها أو لنتيجتها.
مفهوم اللذة المستعمل والمتداول بين الناس يشير إلى كل يقرب من معنى تلبية الشهوة ويرتبط معها بالدلالة، وهذا الفهم ليس دقيقا غي حال أخذنا التعريف المتقدم، فالشهوة الجنسية الناتجة عن علاقة محللة وطبيعية ووفق قوانينها العامة تنتج لذة طبيعية لا تترك أثر نفسي سيء أو نتيجة سالبة، بالعكس من لذة الجنس الخارج عن السياقات الطبيعية ومختلف فيما يترك من أثار نفسية على المستلذ قد تكون مباشرة وقد تكون مؤجلة أو ذات أبعاد تراكمية، بالرغم من ان الشعور باللذة بحد ذاتها قد يكون واحد في الحالين، لكننا ركزنا في تعريف اللذة الحقيقية بما يربط الحالة الذوقية مع النتائج المترتبة على حدوث اللذة كإحساس نفسي عقلي جسدي بأبعاده الكلية.

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل