أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - قراءة في كتاب -أصل العمل الفني- لمارتن هيدجر (2/2)















المزيد.....

قراءة في كتاب -أصل العمل الفني- لمارتن هيدجر (2/2)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7827 - 2023 / 12 / 16 - 00:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- الولوج إلى جوهر العمل الفني
١ من جوهر الأداة إلى جوهر العمل الفني
في مثال حذاء فان جوخ المهترئ، يشير هيدجر إلى أن هذا التكوين المادي المفترض (الجلد، الأقمشة والمسامير ) ليس هو ما يجعل "وجود"ه معروفا. ما يهدف إليه هذا التمثيل نعرفه على الفور؛ فردتي حذاء بال، أي شيئا للاستخدام يسميه هيدجر “الكائن-المنتج”. "بما أن الحذاء موجود محدد، فهو أداة، ومثل أي أداة، فهو مدمج في عالم، أو مجموعة من الموجودات المرتبطة به عن طريق الاستخدام. ما يميز الأداة هو في الواقع أنها ليست البتة ذات قيمة في حد ذاتها، ولكنها دائما في علاقة بالأشياء الأخرى". "الأداة تفترض انفتاح عالم". “لكن اللافت للنظر في هذه اللوحة لفان جوخ هو أن الحذاء يُقدم باعتباره مطلقا، معزولًا عن أي سياق نفعي يسمح بإخضاعه لأي رقابة"، يكتب جاك داريولا.
على الرغم من حقيقة أنه لا يوجد شيء على الإطلاق حول فردتي حذاء رجل قروي، فإن الطريقة جيء بها العمل الفني إلى الحضور لا تخلو من المعنى. بل على العكس من ذلك، يؤكد هذا المؤلف أن الشيء، من خلال العمل الفني، يتوقف عن الإشارة إلى أشياء أخرى، أو موجودات أخرى، ليكون أصل انفتاح أو “انفراج" على الوجود.
وكما لاحظ كريستيان دوبوا، في روح "الوجود والزمن"، كنا “نبحث عن كينونة الأداة (ما يمثله زوج الحذاء) لكي نفكر في كينونة العمل ولكن العمل نفسه يوضح لنا كيف كان وجود الأداة من خلال إدراجها في عالمه. وانطلاقا من العمل، من نطاقه "الوحشي" يمكن التفكير في الأداة (فردتي حذاء).
في هذه المحاضرات، نشهد انقلابا: العمل "يكشف عن المنفعة كأفق أفضل من الملاحظة المباشرة البسيطة للحذاء". أكثر من ذلك، يدفع هيدجر تحليله إلى أبعد من ذلك، حيث يوضح في عرضه التقديمي أن "هذه المنفعة في حد ذاتها تكمن أبعد من التفاهة البالية للمنتجات". لا يتم الكشف عن "الكائن-المنتج" من خلال الفحص البسيط للأحذية، ولكن من خلال العمل بوصفه "أماطة-كشف"، يكتب مارك فرومين موريس. سيبين هيدجر أن ما يُعطى لنا كأولوية في تمثيل هذا الزوج من الأحذية ليس هو استخدامه بله سمك وثقل العالم القروي من خلال ما يشكل، حسب تعبيره، "امتلاء الوجود الأساسي"، اي متانته، Verlässlichkeit بالألمانية.
٢ العمل الفني لا يمثل، بل يكشف
كان يُنظر دائما إلى "العمل الفني" على أنه شيء له خصوصية الإشارة إلى شيء آخر غير نفسه؛ إنه استعارة، كما يذكر هيدجر، ما اعتدنا تلخيصه بقولنا إن "العمل الفني" "يمثل بطريقة حساسة ما هو غير محسوس (أي) الفكرة، والمثل الأعلى، والروح المطلقة، والقيم وما إلى ذلك. هذا التمثيل "الميتافيزيقي" للفن باعتباره مظهرا حساسا لغير المحسوس لا يصل إلى جوهر الفن”، يكتب آلان بوتو.
يقول هيدجر: " العمل الفني لا يقدم أي شيء أبدا، وذلك لهذا السبب البسيط وهو أنه ليس لديه ما يقدمه، فهو في حد ذاته أول ما يخلق ما يظهر لأول مرة في المفتوح".
بحسبه، "العمل الفني" قوة تفتح و"تؤسس عالما".1
٣ الحضور
في مقال بعنوان "الفن يصنع للأشياء حقيقتها"2، عرض جودت فخر الدين أبرز ما تضمَّنه الكتاب، فقال إن هيدجر "رمى إلى الكلام على "حقيقة" العمل الفني، أو بالأحرى إلى الكلام على نوع الحقيقة التي يحتضنها العمل الفني أو يجسِّدها، فانطلق من توضيح بعض المفاهيم المتعلقة بالشيء، والأداة، والمادة والشكل. ومن الطريف، وهو يتناول هذه المفاهيم، أن يتأمل في لوحة فان غوغ الشهيرة "الحذاء"؛ ذلك أنه يرمي إلى تقديم رؤيته إلى كيفية حضور الأشياء في الأعمال الفنية، وتاليا إلى تحديد مفهومه لـ"شيئية" الأشياء.
في سبيله هذا، يضع "الأداة" في منزلةٍ ووسطى بين الشيء "المجرد" والعمل الفني، كما يكتب جودت. وفي نظره أن العمل الفني الذي يكتفي بوجوده الذاتي يشبه الشيء المجرد النابع من ذاته.
يقول هيدجر: "(...) لا نعد الأعمال الفنية من بين الأشياء المجردة. فالأشياء المستعملة هي دائمًا الأشياء الحقيقية المحيطة بنا. وهكذا فإن الأداة هي نصف شيء لأنها محدَّدة عن طريق الشيئية؛ ومع هذا فهي أكثر من ذلك. وهي في الوقت نفسه نصف عمل فني؛ ومع ذلك فهي أقل من ذلك؛ فليس لها الاكتفاء الذاتي الخاص بالعمل الفني. الأداة لها منزلة خاصة بين الشيء والعمل الفني".
وهكذا أدرك جودت من ملام فيلسوف الوجود أن الأشياء لها حضور "حقيقي" في الفن. وحضورها في الفن لا يكون حقيقيًّا بسبب من تطابقه مع حضورها في الواقع. الأشياء في الفن حقيقية أكثر منها في الواقع. الفن يصنع للأشياء حقيقتَها، الفن يبتكر حقيقة الشيء، ويبتكر إذن حقيقته الفنية، يكتب.
يقول هايدغر: "إن العمل الفني يفتتح وجود الموجود على طريقته. ويتم هذا الافتتاح في العمل الفني، بمعنى الكشف، بمعنى حقيقة الموجود".
إذن، "الطريقة" في الفن هي الأساس، هي الطاقة القادرة على ابتكار الحقيقة الفنية، وعلى ابتكار حقيقة الأشياء التي تحتضنها. والطريقة الفنية، إذ تضيء الأشياء وتعبِّر عن حقيقتها، لا تعيد رسمها كما هي في الواقع، وإنما تكشف عن وجود لها، هو أغنى مما يُرى في الواقع – تكشف عن الجوانب الخفية لوجودها. يتكلَّم هايدغر في هذا الأمر مستعينًا برؤيته إلى لوحة فان غوغ "الحذاء"، وإلى قصيدة ك. ف. ماير "البئر الرومانية"، فيقول:
الحقيقة تعمل عملها في الفن. فهي إذن ليست شيئا حقيقيّا فقط. فاللوحة التي تُظهِر حذاء الفلاح، والقصيدة التي تتحدث عن البئر الرومانية، لا تفصح عن الموجود المفرد من حيث هو فحسب، وإنما تترك الكشف يحدث من خلال علاقته بالموجود كلية [...]. كلما كان ظهور الحذاء أبسط وأكثر جوهرية، وكلما كان ظهور البئر أكثر صفاء، كان كلُّ موجود معهما أكثر حضورا وأكثر لطفًا. على هذه الصورة تتمُّ إضاءة الوجود المتخفِّي. وهذا الشعاع في العمل الفني هو الجميل. الجمال هو الطريقة التي توجد بها الحقيقة بوصفها كشفا.
٤ الجمال
في الفقرة الخاصة بهذه الثيمة، قال جودت إن الجمال في الأعمال الفنية ينبثق، بحسب هيدجر، من الكشف عن جواهر الأشياء، هذه الجواهر التي لا تظهر عادة في الواقع، أي في حضور الأشياء خارج الفن أو في معزل عنه. والفن الجميل، بحسب هيدجر، "إنما هو يُسمَّى هكذا لأنه ينتج الجميل". هكذا يربط هيدجر بين الجمال في الفن وبين الكشف عن الحقيقة. وهذا الكشف، مرة أخرى، ليس نقلاً للواقع، وإنما هو غوص في الخفيِّ منه، وفي الغامض من ظواهره.
يختم جودت فخر الدين مقاله بهذه الملاحظة: مضى على محاضرات هيدجر في كتابه "أصل العمل" الفني وقتٌ ليس بالقصير، إلا أن آراءه الفذة ونظراته الثاقبة في هذا الكتاب لا تزال عابقة بما هو جديد وتأسيسي.
______________________
1- https://fr.m.wikipedia.org/wiki/L%27Origine_de_l%27%C5%93uvre_d%27art
2- http://www.maaber.org/issue_august03/books7.htm



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطاردة الساحرات: فايار تسحب من المبيعات كتاب -التطهير العرقي ...
- وأخيرا.. وزارة بنموسى تقبل الجلوس مع نقابة الإفنو والتنسيقيا ...
- قراءة في كتاب -أصل العمل الفني- لمارتن هيدجر (2/1)
- فولتير ينتقد لايبنتس انطلاقا من فلسفة الأنوار
- قراءة في محضر الاتفاق الأخير بين الحكومة والنقابات وبوادر ال ...
- ملاحظات وجيزة عن محضر الاتفاق الأخير بين الحكومة والنقابات ا ...
- رسالة من المعلم محمد الجعدي إلى الأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي
- رسالة من معلم مضرب ألى عمر الشرقاوي
- شكيب بنموسى في مؤتمر اللجنة التوجيهية رفيعة المستوى حول حكام ...
- قراءة في محاضرة -تصوراتنا للعالم- لمارتن هيدجر
- تعليق مارتن هيدجر على شذرة أناكسيمندر
- برنامج النسخة الثامنة من مهرجان الأغورا للسينما والفلسفة بفا ...
- برنامج النسخة الثامنة من مهرجان الأغورا للسينما والفلسفة (ال ...
- برنامج النسخة الثامنة من مهرجان السينما والفلسفة بفاس (الجزء ...
- اليوم الخامس بعد الهدنة الإنسانية: مقتل ثلاثة شبان فلسطينيين ...
- اليوم الرابع بعد الهدنة الإنسانية: مقتل 50 فلسطينيا وإصابة ا ...
- مقدمة كتاب -تمثل المجال عند المغربي غير المتعلم- لمحمد بوغال ...
- اليوم الثالث بعد الهدنة الإنسانية: استشهاد أكثر من 100 فلسطي ...
- مترحم/ غزة: قصف مكثف بعد انتهاء التهدئة
- وادي زم: المكتب المحلي للاشتراكي الموحد يرصد مشاكل المدينة و ...


المزيد.....




- قطر.. حمد بن جاسم ينشر صورة أرشيفية للأمير مع رئيس إيران الأ ...
- ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟
- ملف الذاكرة بين فرنسا والجزائر: بين -غياب الجرأة- و-رفض تقدي ...
- -دور السعودية باقتحام مصر خط بارليف في حرب 1973-.. تفاعل بال ...
- مراسلتنا: مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في بلدة بافليه جنوبي ...
- حرب غزة| قصف متواصل وبايدن يحذر: -لن نقدم أسلحة جديدة لإسرائ ...
- بايدن يحذر تل أبيب.. أمريكا ستتوقف عن تزويد إسرائيل بالأسلح ...
- كيف ردت كيم كارداشيان على متظاهرة هتفت -الحرية لفلسطين-؟
- -المشي في المتاهة-: نشاط قديم يساعد في الحد من التوتر والقلق ...
- غزةـ صدى الاحتجاجات يتجاوز الجامعات الأمريكية في عام انتخابي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - قراءة في كتاب -أصل العمل الفني- لمارتن هيدجر (2/2)