أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد الوكيل البايعيشي - الأستاذ المغربي بين الماضي والحاضر














المزيد.....

الأستاذ المغربي بين الماضي والحاضر


عبد الوكيل البايعيشي

الحوار المتمدن-العدد: 7817 - 2023 / 12 / 6 - 15:50
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


من بين الأساطير الرائجة في المجتمع المغربي هي أسطورة "الأستاذ القديم" فهذا الأستاذ القديم يشبه في الأسطورة قنينة النبيذ المعتق الذي يزداد جمالا وتدويخا كلما تقادم عليه الزمن، إن الأستاذ القديم أفضل من الأستاذ الجديد، أو على الأقل كما تقول الأسطورة، لماذا هو أفضل من الأستاذ الجديد ؟ لا جدوى من طرح هذا السؤال لأن الأسطورة لا تقدم أجوبة منطقية بقدر ما تخلق قصصا تتغنى بسحر الماضي فقط لأنه ماضي.
هذا الهوس بالأشخاص والأزمنة البعيدة موجود في جميع الثقافات وفي جميع الأزمنة، إنه ما نطلق عليه مجازا ب "الحنين" أو النوستالجيا، يتخذ أحيانا شكلا فرديا من خلال حنين الفرد لماضيه الشخصي وبالخصوص لمرحلة الطفولة وما يرافقها من سذاجة وغياب المسؤوليات وضغوطات الحياة وأحيانا يتخذ شكلا جماعيا حيث تحن جماعة بشرية صغيرة كجماعة الرفاق إلى ذكرياتهم التي مضت في مرحلة الدراسة أو في بلدهم الأصلي بعد الهجرة لبلد آخر وكثيرا ما يمتد هذا الهوس بالماضي إلى أمم بعينها وعلى وجه الخصوص الأمم المنحطة حضاريا فلا عزاء لهذه الأمم سوى العودة إلى أمجاد أجدادها سواء كانت هذه الأمجاد حقيقية أو مجرد استيهامات وخيالات رومانسية.

إن العودة للماضي هي عودة لزمن منفلث من قبضتنا، زمن لا نستطيع العودة إليه إلا من خلال خيالنا، يكمن سحر هذه العودة في الرغبة للوصول إلى شيء لم يعد حيز الوجود ولا توجد رغبة عند الإنسان أقوى من الرغبة في الحصول على الأشياء صعبة المنال الأشياء التي خرجت حيز الممكن، في فيلم "منتصف الليل في باريس" للعبقري "وودي آن" يستطيع بطل الفيلم "بيل غيندر" العودة إلى أزمنة مختلفة من الماضي عبر آلة العودة بالزمن لكن بيل في كل مرة يعود فيه بالزمن إلى الخلف كان يجد أن الأشخاص في ذلك الزمن لا يجدون أية ميزة في الزمن الذي يعيشونه ويعتبرون حياتهم مغرقة في الروتينية، بل يرون أن الزمن الذي كان سابقا عليهم هو الزمن الذهبي الذي يستحق أن يعيشوه وهكذا كل جماعة ترى أن الأشخاص الذين عاشوا في زمن سابق عليهم كانوا محظوظين بعيشهم لتلك الحقبة الماضية. لكل عصر إرهاصاته وتحدياته وأسهل طريقة للهرب من الفشل في هذه التحديات هو الرغبة في العودة إلى الخلف عوض خوض غمار الحاضر والتطلع للمستقبل.

في مجتمعنا المغربي كل مايتعلق بالماضي أفضل وأكثر جودة من الحاضر، الفنانون كانوا أكثر عطاء و "حشمة" من الجيل الحالي رغم أن الواقع يقول أن الأغاني التراثية بمختلف أشكالها كانت تعج بالصور البرنوغرافية، والسينما والأعمال التلفزيونية لا تخلو من المشاهد "الفضائحية" حسب التمثل الشعبي، والسياسة في الماضي كما في الحاضر كانت مجالا خصبا لصناعة الشعارات والوعود الإنتخابية الرنانة، والتعليم لم يكن يوما متصدرا للمشهد وخيارا استراتيجيا للتنمية فهو على الدوام لم يحظ بميزانية ضخمة ترقى التطلعات ولم يكن ترتيب المغرب يوما في مقدمة التصنيف العالمي، أما الأستاذ سواء في الماضي أو في الحاضر فهو نفس الشخص الذي يلقي الدروس على تلاميذه في فصل دراسي دونى أدنى تغييرات بيداغوجية كبرى.
فما الذي يجعل الناس يعتبرون أستاذ الأمس أفضل من أستاذ اليوم؟

لقد أجبنا عن هذا السؤال الكبير في مقدمة هذا المقال، إنها "النوستالجيا"، أستاذ اليوم غير محظوظ زمانيا لأنه يشتغل هنا/الآن أما أستاذ الأمس فقد رحل ولم نعد نعرف عنه سوى تخيلاتنا التي نسترجعها من مقاعد الدراسة أو ما نسمع عنه من صفات هنا وهناك، لم يكن أستاذ الأمس أكثر جودة من أستاذ اليوم ولا أكثر كفاءة منه، لقد عاش فقط على خلاف أستاذ اليوم في منظومة قيمية تقدسه لأنه كان وسيلة لتسلق السلم الإجتماعي، فالتلميذ وأهله راهنوا على التعليم في عصر كان التعليم عملة نادرة في ظل تفشي الأمية ومصدرا للتباهي والفخر والحصول على وظيفة تنقذ الفرد من براثن البطالة، أما اليوم فقد تعطل مصعد التعليم وكثرت الشواهد دون قيمة مضافة وأصبح التعليم بوابة مشرعة نحو البطالة، ومع هذا الوضع نزلت قيمة التعليم ونزلت معها القيمة الإعتبارية للأستاذ اجتماعيا، وهذه المعطيات الإجتماعية هي التي منحت الأستاذ في السابق ما يسمى ب "الهيبة" فالمجتمع كان يهاب الأستاذ لأن المعرفة كانت نادرة وشيء جديد ومثير للدهشة، والتلميذ كان يخشى الأستاذ لأنه صورة طبق الأصل للعنف الممارس من الأب وكان العنف مقبولا اجتماعيا من الأستاذ وهو ما يختزله المثل الشعبي "أنت اذبح وأنا نسلخ" فالأب يتمم ما بدأه الأستاذ من عنف في القسم ولا يعترض عليه، والآن فقد جردت وزارة التعليم الأستاذ من عصاه القديمة التي يرهب بها، ومنعته من استعمالها تحت مسمى حقوق الطفل، والعنف صار مرفوضا من الناحية الإجتماعية وذهب معه ما كان يسمى بالهيبة.
ما يعطي للأستاذ قيمة في مجتمع مادي هو إمكانيته المادية وما تعكسه هذه الإمكانيات من مظاهر الفخامة والإبهار الإجتماعي، فأستاذ الماضي تمتع بأجر من أفضل الأجور في الوظيفة العمومية وكان سباقا لاقتناء البدل الأنيقة والسيارات المحترمة في عصره، لم يكن مظهره مظهر موظف بسيط في إدارة عمومية بقدر ما كان مظهر موظف "سامي" في السلك الدبلوماسي، قبل أن ينحدر أجره مع مرور الزمن لأسباب سياسية وإديولوجية إلى الدرك الأسفل من الوظيفة العمومية ويتحول إلى عدّاء في مضمار سباق لا يقوى على إتمامه كل شهر.



#عبد_الوكيل_البايعيشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة الأستاذ في الأعمال التلفزيونية المغربية
- التعليم بالمغرب.. سياسة السيرك الروماني


المزيد.....




- اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في ...
- هيئة معابر غزة: معبر كرم أبو سالم مغلق لليوم الرابع على التو ...
- مصدر مصري -رفيع-: استئناف مفاوضات هدنة غزة بحضور -كافة الوفو ...
- السلطات السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق ...
- ترامب يتهم بايدن بالانحياز إلى -حماس-
- ستولتنبرغ: المناورات النووية الروسية تحد خطير لـ-الناتو-
- وزير إسرائيلي: رغم المعارضة الأمريكية يجب أن نقاتل حتى النصر ...
- هل يمكن للأعضاء المزروعة أن تغير شخصية المضيف الجديد؟
- مصدر أمني ??لبناني: القتلى الأربعة في الغارة هم عناصر لـ-حزب ...
- هرتصوغ يهاجم بن غفير على اللامسوؤلية التي تضر بأمن البلاد


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد الوكيل البايعيشي - الأستاذ المغربي بين الماضي والحاضر