أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منير حمود الشامي - التفسير المتطور للوثيقة الدستورية- قرار إنهاء عضوية السيد محمد الحلبوسي نموذجاً















المزيد.....

التفسير المتطور للوثيقة الدستورية- قرار إنهاء عضوية السيد محمد الحلبوسي نموذجاً


منير حمود الشامي
(Munir Alshami)


الحوار المتمدن-العدد: 7802 - 2023 / 11 / 21 - 10:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتسم الدساتير المعاصرة بتبنيها في مجمل أحكامها قواعد تقوم عليها تخويل كل سلطة حقوقاً صريحة أو ضمنية من جهة، وعلى تقييدها من خلال بيان تُخومها من جهة أخرى، على أن نصوص الدستور لا تعتبر في بعض الدول مرجعاً وحيداً للقضاء الدستوري وهو يمارس دوره في الرقابة والتفسير، فالأصل أن يُحدد الدستور اختصاصات كل سلطة من السلطات الثلاثة كي تباشرها في حدود الدستور، ويمتنع على كل سلطة-طبقاً لمبدأ الفصل بين السلطات- أن تمارس اختصاصات سلطة أخرى. وإن قضاء الدستورية قد استقر على أن رقابته على دستورية النصوص القانونية، غايتها أن تردها جميعاً إلى أحكام الدستور تغليباً لها على ما دونها، وتوكيداً لسموها، لتظل لها الكلمة العليا على ما عداها. لكن النصوص الدستورية ما كان لها أن تفصل أحكامها تفصيلاً دقيقاً يُحيط بكل اجزائها، وإلا كان رصد تفصيلاتها هذه في نصوص الدستور مقتضياً توقعها ابتداءً، ومؤدياً انتهاءً إلى انزلاق هذه النصوص إلى أخطاء كان ينبغي تجنبها. وهو ما يناقض ما تتوخاه الدساتير في الأعم من الأحوال، من إيجاز يُحيط بالعريض من المسائل التي تُنظمها، وإجمال لا يغوص في تفصيلاتها، كي تظل صامدة- من خلال مرونة تطبيقها-عبر أجيال عديدة تتنوع اهتماماتها واحتياجاتها، وتتباين مقاييسها فيما تراه ملائماً لبناء مجتمعها.
مما دعا القضاء الدستوري المقارن لأن يكسي هذه النصوص لحمها، ويُلقي عليها لباسها، خاصة وأن نصوص الدستور لا تعتبر نافذةً بذاتها في الأعم، فضلاً عن أن غموض معانيها في كثير من مواضعها، يقتضي تدخل جهة الرقابة على الدستورية، لإيضاحها ومواجهة قصورها، مما أشاع القول بأن الدستور وإن كان نقطة البداية التي ترتكز عليها هذه الجهة في عملها، إلا أن اجتهاداتها هي الدستور ذاته، فلا تكون شروحها للدستور إلا محيطة بكل جوانبه، وكأنها وثيقة جديدة مضافة إليه. حيث تقول المحكمة العليا الامريكية في قضية:" Missouri v. Holland: (1920):" أنه عندما نتعامل مع بعض الالفاظ التي هي في الأساس قانوناً تأسيسياً مثل دستور الولايات المتحدة الامريكية، يجب علينا أن ندرك أن تلك الألفاظ قد تجلب كائناً جديداً إلى الحياة غير ذلك الذي جلبته من قبل واضعوها الأوائل، لقد استغرق الأمر قرنًا وتكلف خليفتهم الكثير من العرق والدم حتى وصلوا لمرحلة كتابة الدستور، الذي ولد كائناً اسمه الامة. هذا الكائن قد طرأ عليه الكثير من المتغيرات وهو بطبيعته عرضه للتطور والتغيير، وبالتالي فالقضايا التي تعرض على هذه المحكمة لابد وأن يتم النظر فيها وفقاً لخبرات القضاة المتراكمة وفي ضوء تجربتهم برمتها، وليس فقط في ضوء ما تقدم قوله وتقريره قبل مئات الأعوام ". وتبرر المحكمة الدستورية العليا في مصر قرارها المرقم 11 لسنة 13 قضائية لسنة 2000م، القاضي بحل مجلس الشعب المصري على الرغم من أن قانونها رقم 48 لسنة 1979م ، وكذلك الدستور المصري لسنة 1971م، لم يتضمن إعطاء المحكمة صلاحية حل مجلس الشعب، إلا أن المحكمة استخلصته من مجمل الكتلة الدستورية، إذ تقول نتيجة للانتهاكات الدستورية التي رافقت العملية الانتخابية ما نصه:" لا يمكن أن تكون النصوص الدستورية - وتلك غاياتها - مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الأجيال إليها، وإنما قواعد ملزمة لا يجوز تهميشها أو تجريدها من آثارها أو إيهانها من خلال تحوير مقاصدها أو الإخلال بمقتضياتها أو الإعراض عن متطلباتها، فيجب دوما أن يعلو الدستور ولا يعلى عليه وأن يسمو ولا يسمى عليه. ولا يجوز بالتالي أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها، ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة في الفراغ، أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي".
وعليه ومما تقدم فان المحكمة الاتحادية العليا مارست دورها بالتفسير المتطور للوثيقة الدستورية في قرارها الاخير بإنهاء عضوية السيد محمد الحلبوسي من مجلس النواب العراقي، فعلى الرغم من عدم وجود نص صريح يخولها هذا الاختصاص، إلا أنها نظرت لنصوص الدستور على أنها تتكامل مع بعضها، لتجمعها وحدة عضوية تضم أجزائها، وتوحد بين قيمتها، فلا تنعزل عن محيطها، ولا يُنظر إلى بعضها استقلالاً عن سواها، بل تتناغم فيما بينها بما يكفل تقابلها وتفاعلها، لا تعارضها وتهادمها، وأن المحكمة من خلال حكمها ترى أن حقوق الإنسان وحرياته تتخطى الحدود الوطنية، فكل قاعدة ذات قيمة دستورية ليس بالضرورة موجودة في الدستور، فلجأت إلى تؤكيد حكمها من خلال تفحص الدستورية بمقارنتها مع قواعد مستقاة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، باعتبارها وعلى حد قول المحكمة :" أن هذه القواعد والمعايير الدولية تمثل الركائز الأساسية في بناء الديمقراطية، وأن نص المادة (93/ثالثاً) من الدستور يُتيح لها المضي في الدعوى وفق ما تقدم ذكره. لتقرر بعد ذلك المحكمة في حكمها أن الأغراض المخالفة للدستور لا تجوز حمايتها، أياً كان قدر الصعوبة التي تواجهها الجهة القضائية في مجال اثباتها، وأياً كان نوع المخاطر التي تنزلق إليها في مواجهتها لهذه الأغراض وتحريها لها، مؤكدة في حكمها على أن مجلس النواب العراقي هو السلطة التي ينتخبها الشعب وتمثل أردته للتعبير عن طموحاته، وأن وظائف هذه السلطة لا تنحصر في تشريع القوانين الاتحادية الواردة في المادة 61 من الدستور، بل له وظائف أخرى ذات أهمية كبرى في رسم سياسة الدولة، وبناء الدولة وخدمة الشعب، وهو البودقة التي ينصهر بها العراقيون جميعاً، فيجب ان تلتزم بقدسية عالية. وأنها-المحكمة- كذلك لم تخرج عن نطاق طلبات المدعي كما يدعي البعض، ولم تتعرض لجريمة التزوير إلا أنها استعرضت حيثيات الدعوى وأفعال المدعى عليه من أجل افهامها وتوفير الثقة في النظام القضائي، فعندما يكون هناك تسبيب واضح ومنطقي، يمكن للأفراد والمجتمع أن يفهموا الأسس والمبادئ التي تحكم قرار المحكمة. وبالتالي فإن الفعل الذي أقدم عليه النائب محمد الحلبوسي وجدته المحكمة انتهاك للعديد من المواد الدستورية والقانونية والتي أشارت لها في حكمها وهي على سبيل المثال وليس الحصر كالمادة (39،20،16،14،6،5،49) من الدستور وكذلك المادة (10/سابعاً) من قانون مجلس النواب العراقي رقم 13 لسنة 2018. لذلك فالمحكمة في حكمها لم تسمح بقهر النصوص الدستورية لإخضاعها لفلسفة بذاتها، يُعارض تطويعها لأفاق جديدة تريد الجماعة بلوغها، فلا يكون الدستور ضامناً لها بل حائلاً دون ضمانها، وما يكون كافلاً للتقدم في مرحلة بذاتها يكون حرياً بالاتباع من قبل المحكمة الاتحادية العليا، وهي بذلك مارست عملاً إنشائياً يتجاوز حدود التطبيق الحرفي للنصوص الدستورية ، فالعدالة الدستورية ليست معصوبة العينين وهي ليست عملية حسابية أو آلية. فالتحريف والتغيير كما تقول المحكمة يخالف المبادئ الديمقراطية والدستورية كافة المشار إليها، وأن ذلك يمثل انحرافاً كبيراً في العملية الديمقراطية عن مسارها الصحيح. وأن قرارها لإنهاء عضوية النائب منشأً وليس كاشفاً، إذ للمحكمة كما جاء في قرارها سلطة تقديرية (مطلقة) في تقدير الوقائع والادلة والتحقيقات.
وأخيراً ليس من شك أن وجود المحكمة الاتحادية العليا يمثل حجر الزاوية، والضمان الأكبر لالتزام السلطات الاتحادية بما رسمه الدستور لها، وتوفير أكثر الضمانات فاعلية في حماية الحقوق والحريات وتأمين العدل وسيادة القانون على ارغم من قصر عمرها، وبالتالي لا ينبغي لأحد حاكماً أو محكوماً أن يضيق بأحكام المحكمة، فدورها كبير في حماية نظامنا الدستوري وفي توفير الأمن القانوني للمجتمع كله، فالأصل في قضاة الدستورية، هو ميلهم إلى الحق وإيمانهم بتطبيق حكم القانون على ضوء نظرة متطورة، وليس تشهياً من جانبهم، يكون فيه مصلحة الوطن والمواطن.



#منير_حمود_الشامي (هاشتاغ)       Munir_Alshami#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأي بالأمر الولائي للمحكمة الاتحادية العليا في الدعوى المرقم ...
- مدى دستورية قانون واردات البلديات رقم 1 لسنة 2023م
- الالتفات حول تفسيرات القضاء الدستوري وتأثير الرأي العام عليه ...
- هل يحق للمحكمة الاتحادية العليا حل البرلمان في غياب النص الص ...
- جواز الخروج على شرط المصلحة المستمرة في الدعوى الدستورية
- المحكمة الاتحادية العليا ورقابة الملائمة
- هل يحق للمحكمة الاتحادية العليا العدول عن مبادئ أو تفسيرات ل ...
- رأي في انتخاب رئيس جمهورية العراق وفقاً لنص المادة 70 من دست ...
- قراءه بقرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (159/اتحادية/202 ...


المزيد.....




- قضية مقتل فتاة لبنانية بفندق ببيروت والجاني غير لبناني اعتدى ...
- مصر.. تداول سرقة هاتف مراسل قناة أجنبية وسط تفاعل والداخلية ...
- نطق الشهادة.. آخر ما قاله الأمير بدر بن عبدالمحسن بمقابلة عل ...
- فشل العقوبات على روسيا يثير غضب وسائل الإعلام الألمانية
- موسكو تحذر من احتمال تصعيد جديد بين إيران وإسرائيل
- -تهديد للديمقراطية بألمانيا-.. شولتس يعلق على الاعتداء على أ ...
- مصرع أكثر من 55 شخصا في جنوب البرازيل بسبب الأمطار الغزيرة ( ...
- سيناتور روسي يكشف سبب نزوح المرتزقة الأجانب عن القوات الأوكر ...
- ?? مباشر: الجيش الإسرائيلي يعلن قتل خمسة مسلحين فلسطينيين في ...
- مصر.. حكم بالسجن 3 سنوات على المتهمين في قضية -طالبة العريش- ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منير حمود الشامي - التفسير المتطور للوثيقة الدستورية- قرار إنهاء عضوية السيد محمد الحلبوسي نموذجاً