أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحية دبش - حياة أخرى، موت آخر














المزيد.....

حياة أخرى، موت آخر


فتحية دبش
كاتبة، روائية، ناقدة ومترجمة

(Fathia Debech)


الحوار المتمدن-العدد: 7786 - 2023 / 11 / 5 - 02:51
المحور: الادب والفن
    


قراءة في رواية تفصيل ثانوي لعدنية شبلي




تصدير:
فجأة يغمرني ما يشبه الحريق في يدي ثم صدري يليه أصوات إطلاق نار بعيدة"
رواية تفصيل ثانوي،
عدنية شبلي، ص 114

في رواية قصيرة تلج عدنية شبلي عوالم الأدب المقاوم وتقدمه للقارئ في ثوب سردي متعدد الأصوات والزوايا فيبدو النص على هندسة لا تغفل الحساسيات الروائية الحداثية.
تنبني الرواية على صوتين إضافة إلى صوت مضمر هو صوت القارئ الذي تدعوه الكاتبة إلى ملء فراغات النص وتجميع خيوط السرد من أجل تقديم هذا التفصيل الثانوي الذي يعكس موقفا شديد اللهجة في التعاطي مع الواقع الفلسطيني وتحويله إلى التفصيل المركزي.
في الجزء الأول من الرواية تعتمد الكاتبة صوت الراوي العليم الذي يتضح أنه صوت صحفي اسرائيلي. في هذا الجزء هناك هيمنة للسردية الاسرائيلية من خلال متابعة العملية الاستقصائية التي كان الجنود يقومون بها من أجل " بناء هذا الشق من دولتنا اليافعة" كما كان يقول الجندي في الصفحة 36.
تم بناء هذه السردية على فكرة استرجاع أرض الأجداد كما يرد في الصفحة 37: "هذا المكان الذي يبدو بورا الآن لا شيء فيه عدا المتسللين وبعض البدو والبعير قد مر به أجدادنا منذ آلاف السنين". هذا الهدف الأسمى كان يعيد الجنود إلى مهامهم ويمنعهم من التفكير بكل عذابات الذات التي تمثلت في جملة من المصاعب منها المادية كمواجهة صحراء بكل ما تمثله من معطى يقوم على طرفي نقيض مع ما اعتاده الجنود القادمون من جغرافية الترف وسهولة العيش. ومنها النفسي، ففيها خبر الجنود هلوسات وأصوات ولدغات تنبئ عن واقع نفسي متدهور يعي حجم المفارقة. غير أن كل تلك المصاعب تمثل بالنسبة لهم تحديات يبررها القول في ص37 :" من ينوي قتلك عاجله بالقتل" طالما أن الواجب كما جاء في ص37 هو : " طردهم نهائيا."
هذه السردية تنتهي بالوصول إلى مجمع البدو الذين قتلهم الجنود فردا فردا ولم يتبق منهم سوى فتاة وكلب قاموا باقتيادهما نحو المعسكر. أما الكلب فسوف يبقى كما في كل سرديات الحيوان عنوانا للوفاء الذي جسده ببقائه الدائم غير بعيد عن مكان الفتاة من جهة وعوائه المستمر كلما شعر أن صاحبته في خطر. أما الفتاة فهي الآخر النجس الذي لا يمكن للحضارة [ الصابون] أن تجهز على رائحته النتنة مما تسبب في استغناء الجنود عنها. فبعد اغتصابها من طرف الجميع يقررون رميها برصاصة أولى ثم أخريات متتاليات ودفنها في ميتة مادية وأما الميتة المعنوية فسوف تكشف عنها ساردة النصف الثاني من الرواية بقول حارس المتحف في ص94 " إن العرب حين يشكون في سلوك فتاة يقتلونها ثم يرمون بجثتها في بئر" وبذلك تتم السردية الأولى مهمتها في تبرئة الجنود وتجريم الفتاة وأهلها.
واما في الجزء الثاني من الرواية فإن فتاة فلسطينية من رام الله تقدمها الكاتبة دون اسم من أجل التأكيد على أن كل ما يخص فلسطين والفلسطيني بصفة عامة والنساء بصفة خاصة لم يعد يرقى في أنظار العالم إلى المركزية، بل صار مجرد تفصيل ثانوي تماما كما تفصيل توافق يوم ميلاد البطلة الساردة بيوم قتل الفتاة البدوية مع فارق ربع قرن. فلا تلك البدوية كانت تحمل اسما ولا هذه الفتاة تحمل اسما ولا مدة الربع قرن من الزمن غيرت من مصائر فلسطين والفلسطينيات. ذلك أن قتلهن لم يتوقف فما ولدت الثانية بعد ربع قرن وفي نفس تاريخ قتل الأولى منذ 1949 إلا امتداد لتواريخ الميلاد والموت الذي تتعرض له فلسطين الأرض، ذلك أن الرصاص الذي قتل الأولى قتل الثانية أيضا ولعل فتاة أخرى ولدت في نفس تاريخ قتل الثانية.
في هذا الجزء تقدم عدنية سردية فلسطين وتقوم تماما على نقيض السردية الأولى حيث أن إرث الأجداد ضارب في القدم وقد برهنت على ذلك باعتمادها خارطة أولى لفلسطين قبل ان تأتي الثانية وتسميها الخارطة الاسرائيلية في رحلة البحث عن قصة الفتاة البدوية التي أضحت قصة موتها مجرد تفصيل ثانوي لا يرقى حتى ليكون خبرا هامشيا في الصحف.
غير أن الكاتبة على لسان ساردتها البطلة ما تفتأ تشير إلى أن الحقيقة تكمن في التفاصيل الثانوية، بل هي :" الدليل القاطع عليها" ص 63.
تتسلل الساردة إلى الخارطة الاسرائيلية وتقدم جملة من المعطيات التي تبرهن على المحو الذي طال فلسطين والهوية الفلسطينية. فهي لتتحول من مدينة إلى مدينة على أرض أجدادها تحتاج إلى استعارة هوية اسرائيلية وسيارة اسرائيلية ولغة انجليزية وتضطر إلى استخدام خارطتين واحدة أصلية تعرفها وأخرى على أنقاض الأولى يغرفونها هم و يبدو فبها كل شيء غريبا كما تصفه الكاتبة في الصفحة 77، نظرا للمحو الذي طال المدن والأحياء والطرقات إلى درجة أنه " لم يبق هناك الكثير ممن هم على قيد الحياة قادرين على تذكر التفاصيل" ص60.
تبني البطلة الساردة سرديتها على الدقة والتفاصيل فتصف الجدار العازل وتمدده بين المناطق وتصف المدن الجديدة التي تغيرت أسماؤها وخريطتها بل وتؤكد أن الأمر يصل إلى حد محو الوجه الفلسطيني فحتى الجنود على البوابة " بالكاد ينظرون إلى الشخص لشدة ازدرائهم له" ص67.
هكذا تنتشل عدنية شبلي فلسطين والقضية الفلسطينية من تفصيل ثانوي إلى قضية مركزية بعدما خبت في السرديات العربية في السنوات الأخيرة.



#فتحية_دبش (هاشتاغ)       Fathia_Debech#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجسد المعنّف 2
- جسد النص ، جسد الحكاية وجسد الجسد
- ورقات من سفري إلى سرّة العالم، الورقة الأولى
- الجسد الأنثوي بين المقدس والمدنس
- الجسد الانثوي بين المقدس والمدنس
- القنينة: الكتابة والحواس
- كتابة الذات، قراءة في الرغيف الاسود لحسن المصلوحي
- التخلي طريق إلى التحلي قراءة في رواية الرجل الخراب لعبد العز ...
- على عتبات الايليزيه 2
- على عتبات الايليزيه 1
- قراءة في كتاب
- ملتقى الادب الوجيز
- موت الثالوث المقدس. قراءة مستقطعة في نص لمحمد علاء زريفة
- من يوميات امراة بين الضفتين 6


المزيد.....




- وينك يا لولو! تردد قناة وناسة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة لولو ...
- فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن ...
- مغن كندي يتبرع بـ18 مليون رغيف لسكان غزة
- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...
- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحية دبش - حياة أخرى، موت آخر